الرسالة الخمسون
كتبت إلى البلاط أستأذن في الاستقالة، وأعتقد أنها لا تُنكَر عليَّ، وأرى واجبًا عليك أن تعفو عني؛ إذ لم أسألك رأيك؛ فإن مبارحتي هنا محتمةٌ لازمة. أنا أعلم أنك تُسَر بإقناعي بالعُدول عن عزمي، ولكنْ عبثًا تذهب كلُّ محاولة، وأرجو أن تُفضِي بهذا إلى أمي بتحفُّظ ورفق، وبما أنني عاجز عن عملِ شيءٍ لنفسي، فلا يُنتظَر مني خدمة للغير. أنا أدري أنها ستحزن لذلك، ستحزن كثيرًا حين تسمع بأن ولدها قد وقف في هذا الميدان الذي كان سيرفعه تدريجًا إلى رُتبةِ مستشارٍ خاص أو سفير. قد تجادل كما تريد، وتقدِّم أقوى الأسباب لبقائي.
ولكنْ عبثًا ما تريد؛ فقد صمَّمتُ على الرحيل، ولكي تعلم مَحطِّي الذي سأذهب إليه، فاعلم أن أميرًا هنا وقد سمع بعزمي على الاستقالة، فدعاني متلطِّفًا أن أقضي معه شهر الربيع في بيته الخلوي، وقد وعدني بتركي أتبع كلَّ ما يروق لي، ويمكنني القول — ما دمنا قد اتفقنا في كل شيء عدا واحدًا — إنني سأصحبه، على أنني إذا غيَّرتُ عزمي، أطلعتُ صديقي على ذلك في حينه.