الرسالة السادسة
لي هنا الآن معارفُ كثيرون، بيد أنني لا أزال في حاجة إلى الاجتماع، ولست أدري سببًا في التفاف الأهلين حولي وسرورهم بمرافقتي في رياضتي، وأسفي عند اضطراري لمفارقتهم. أنت تسألني أي نوع من الناس هم، إذًا فاسمع الجواب، إنهم أناس كالذين تجدهم في كل مكان، إن عمل الطبيعة واحد أبدًا، ولكن الحظوظ هي التي تخلُق الفروق والاختلافات. إن السواد الأعظم من الناس ملزَم بوقف الجزء الأكبر من حياته على العمل، ليحصل على حاجاته الضرورية، بينا تجد الشطر الباقي من وقته يظهر مجهدًا مملًّا، حتى إنه يعمل للخلاص منه، كذلك خُلق الإنسان.
على أنني مسرور بمعارفي الجديدِين، ماذا؟ إن المتعجرف يقول: «إنني أنسى نفسي.» ولكنني أؤكد له أنني «أمتِّع نفسي» بجلوسي إلى مائدة تجمع بين الكرم وطيب الأخلاق، وسروري بالموافقة على ما يقترح رفاقي من سَير أو رقص أو أضرابهما من أنواع اللهو، ولكن ما يجبه سروري حقيقة هو اضطراري أحيانًا للاستخفاء عنهم، لئلا يكون وجودي سببًا في خجلهم متى شعروا بِضَعتِهم.
ثم أذكر بعد هذا صديقتي الراحلة، صديقة صباي التي لم يقدَّر لي أن أعرفها إلا لأبكيها، إيه يا للذكرى المؤلمة! لقد ذهبتْ وتوارتْ أمامي في القبر، والعالَم الآن موحش قَفْر، ولكن يكفي، يكفي.
عرفتُ أيضًا أشخاصًا آخرين، كان استيائي بمعرفتهم معادلًا لسروري بمعرفة سابقيهم، حشروا أنفسهم في رفعتي حشرًا، وارتدوا ثوبًا من الفظاظة بتأدُّب جاوز الحد، وثوبًا من السخرية بادعائهم المراتب والأعمال.