الرسالة السادسة والستون
١٥ سبتمبر
ما أقتلَ هذه الكائناتِ الحقيرة لأي رجل ذي تفكير! فهي لتجرُّدِها عن الشعور لا تعبأ
بالأشياء الهامة الخليقة بالالتفات. أنت تذكر ذِكْري لشجرتَي الجوز في ﺳ… اللتين جلست
تحتهما مع شارلوت عند القسيس الفاضل الشيخ، وكيف زيَّنتْ تلك الشجرتان الجميلتان المحبوبتان
مسكنَ رئيس الكنيسة، وأن ظِلَّ أَفرُعِهما الموقَّرة كان يوحي أبهجَ الأفكار، ويحمل إلى
الذاكرة
ذكرى القسيس الفاضل الذي غرسهما، وكثيرًا ما ذكر ناظر المدرسة اسمَ غارس الأولى، وقد
عرفه
من جده، فيقول: «لقد كان ذلك القسيس فاضلًا عظيمًا، وطالما ذُكِر اسمه بسرور تحت هاتين
الشجرتين.» وأخبرني هذا الناظر نفسه أمسِ والدموعُ في عينَيْه أنهما قد قُطِعتا، فصحت:
«قُطِعتا! آه لو كنتُ حاضرًا لَقتلتُ بالتأكيد في سَوْرةِ غضبي ذلك اللصَّ الجريء الذي
سدَّدَ إليهما
الضربةَ الأولى، إن هذا لا يُحتمَل، ولو كنتُ صاحبَ شجرتين مثلهما، وهلكتْ إحداهما هرمًا
لَلبستُ عليها الحداد.» ويظهر أن القرية جميعها مهتمة بالأمر، فالكل يتذمَّر، وآمل ألَّا
يبعث
الفلاحون الأمناء بعد الآن بهداياهم إلى زوجة القسيس، بل يَذَرونها تندم على ما اقترفتْ
من
إثم؛ فهي زوجة القسيس الحالي، الآمِرة بقطعهما، وربما قد سقط الشيخ قبل شجرتَيْه، وليس
ثَمَّةَ مَن يجرؤ على قطع شجرتَي الجوز سوى مخلوقة طويلة مخيفة هزيلة، نزلتْ بها الأسقامُ
الدائمة، حتى لم تَعُد تَسُرُّها الحياة؛ فهي تحتقر العالم لأن العالَم يحتقرها، سوى
خرقاء
بالية عتيقة تتظاهر بالعلم، وبمعرفة الكتب الشرعية، وبالمعاونة في كتابة «إصلاحٍ أدبي
انتقادي حديث للدين المسيحي» يفصح عن أمرِّ الاحتقار للافاتر!١ لن أنساهما أيها الصديق، ولن أغفر لها فِعْلتَها أبدًا، بل إن السبب السخيف
الذي تبني عليه حمقها هذا يزيد في حنقي. فحقًّا إن الأوراق التي تسقط منها تجعل الفناء
رطبًا قذرًا، والأَفْرع الباسقة تعترض الضوء، وصغار الصِّبية يرمون الجوز بالحجارة فيقلقون
من أعصابها الحسَّاسة، ويقطعون عليها تفكيرها العميق وهي تزن فضائل كنيكوت٢ وسملر٣ وميخائيليس.٤ ولما رأيت مسلكها قد ساء كلَّ سكان القرية، وعلى الخصوص الشيوخ المحنكين،
وسألتهم كيف أجازوا هذه الفِعْلة، فأجابوا: «إيه يا سيدي العزيز، إذا أصدر الحاكم أوامره
فماذا يفعل الفلاحون المساكين؟» وعلى أية حال فقد سرَّني حادثٌ وقع، وهو أن الحاكم والقسيس
كانا قد اتفقا فيما بينهما على جنْيِ بعض الربح من تقلُّب هذه المرأة، وذلك باقتسام
الفوائد الناتجة من هاتين الشجرتين، ولكنَّ الخبر نما إلى الضابط الموكل بالإيراد، فوضع
يده على الشجرتين وباعهما لمَن قدَّم الثمن الأكبر، وفوق هذا فهما لا تزالان باقيتَين
على
الأرض.
آه لو كنت أميرًا ذا بطش، لَعاقبتُ القسيسَ وامرأتَه والحاكمَ وضابطَ الإيراد أيَّ عقاب! ولكن لا أيها الصديق، لا، فلو وُلِدت أميرًا لَمَا تمتَّعتُ بالهناءة في رفقة شارلوت تحت هاتين الشجرتين المظلتين اللتين أندب حظهما الآن أيما ندب!
١
جوهان كسيار لافاتر (١٧٤١–١٨٠١) شاعر ألماني كتب سِفرًا ضخمًا في أربعة
مجلدات عن علم الفراسة، كان جيته يُعجَب به أيما إعجاب.
٢
بنيامين كنيكوت (١٧١٨–٨٣) عالم ديني إنجليزي، تلقَّى علومه في جامعة
أكسفورد.
٣
جوهان سولومو سملر (١٧٢٥–٩١) عالم ديني ألماني، كان مديرًا للمعهد الديني في
هال Halle عام ١٧٥٧.
٤
جوهان دافيد ميخائيليس (١٧١٧–٩١) بحَّاثة ألماني، وأستاذ العلوم الفلسفية في
جوتنجن Gottingen عام ١٧٤٦.