الرسالة الثامنة والستون
١٢ أكتوبر
أقصى أوسيان كليةً هومر عن قلبي وأفكاري. إلى أي عالَم يقودني هذا الشاعر السموي
هناك؛
لأهيم في المروج والفيافي، تحوطني العواطف الجبَّارة لأشهد على ضوء القمر الضئيل أرواح
أسلافنا المحبوبين، لأسمع من قمم الجبال بين زمجرة الأمواج أصواتَ شَكَاتهم صاعدةً من
الوهاد
السحيقة، ونحيبَ العذراء المحزن أسقَمَها الغرام، وهي تصعد زفرتها الأخيرة فوق قبرٍ مغطًّى
بالطحلب، هو مثوى البطل الذي كان يعبدها. ألقى هذا الشاعر بشِعره الفضي هائمًا في الوادي،
يبحث عن مَواطِئ أقدام آبائه، فلا يجد — وا لوعتاه! — إلا قبورهم، ثم يطالع القمرَ الشاحب
وهو
يتوارى خلف أمواج الأعماق المزبدة، وتعود ذكرى الأزمان الخالية إلى عقل البطل، تلك
الأزمان التي كان يسرُّ قلبه فيها وينعش جثمانَه اقترابُ الأخطار، والتي سطع فيها القمر
على
سفينته المحمَّلة حينذاك بأسلاب أعدائه، وأضاء بانتصاره. وحين أقرأ في مُحَيَّاه أعمقَ
الحزن،
حين أرى مجده الذي أذهل يومًا غارقًا في اللحد، حين يرمي بنظرة إلى الطين البارد الذي
سيغطيه قائلًا: «سيأتي الرحَّالة الذي عرف قدري باحثًا عن الشاعر الذي ينعش القلوب، ابن
فنجال Finjal المجيد، وسيمشي على قبري، ولكنْ عبثًا
يبحث عني.» هناك، إيه هناك يا صديقي العزيز، أكاد أمسك بسيفِ فارسٍ باسل نبيل، ومتى أنقذتُ
أميري من الآلام المتعبة لحياة طويلة، أغمده في صدري، لألحقَ بشبيه الإله الذي فككتُ
إسارَه.