الرسالة السابعة
يقولون إن هذه الحياة كحُلم النائم، وإنني أيضًا لأقول بذلك حين أفكِّر في القيود والأغلال التي تضيِّق على الروح العاملة النشيطة في الإنسان، وأرى أن كل قواه تتحرك وترمي إلى غاية واحدة، هي نشد القوت لإطالة حياة مُرَّة تاعسة، وأن اهتمامه الظاهر بمسائل خاصة ما هو إلا انقياد ورضوخ أعمى، وأن كل همَّه وسروره هو أن ينقش على جدران سجنه أوهامًا خادعة، وآمالًا كاذبة، مع أن الحدود التي تحبس عنه حريته ما زالت قائمة أمام عينيه. آهٍ أيها الصديق! حين أفكِّر في كل ذلك أُفحم وأسكت، ثم أفكر ثانيةً أكثر من ذي قبل، باحثًا في خفايا القلب، ولكن إلى أي نتيجة أصل؟ أشباح خيالية، وخزعبلات كاذبة، ووهم فارغ أكثر من اعتقاد ثابت أو حقيقة أو صدق. أن الأمر كله مشوش مختلط، وزيادة على ذلك فإن التيار الذي يدفع بغيري في هذه الجهالات يجترفني أيضًا، وكذلك يزيد عدد الجهلة الحالمين.
اتفق الباحثون في أن الطفل يعمل بلا محرك ولا دافع، ولكنهم لم يتمكنوا من الاتفاق في الحقيقة الجلية الواضحة، كما أرى، وهي أن الأطفال «الكبار» يعمهون في بيداء هذه الحياة، كما كانوا «صغارًا» جاهلين أصولهم ومميزاتهم بلا قانون مشروع أو سنَّة موضوعة يسيرون عليها، اللهم إلا التشويق إلى الجزاء والإنذار بالعقاب، كما يُرغَّب الأطفال بالحلوى ويُرهَّبون بالعصا. إنني أحزر جواب صديقي على هذا، وإنني لأقرُّ أيضًا بأن أسعد السعداء هم الذين لا يفكرون في الغد، بل يلهون بحاضرهم كالأطفال يتمتعون بالألاعيب ويصيحون طالبين ما يشتهون، فإذا أعطتهم إياه أمهم الحنون صاحوا وطلبوا المزيد. هؤلاء هم الناعمون، يُقنعهم القليل ويرضون باليسير، بل إن هناك أناسًا يحسدون حقيقة! كل مرادهم وغايتهم في الحصول على الرتب الساقطة والألقاب الفارغة، يحسبون أنفسهم آلهة الناس، وأرباب العالَم أجمع!
إن الرجل الذي يشعر بلا شيئيته، ويرقب سخف هذا كله، بتؤدة المفكر وعقل الحكيم، يستخلص أن الأغنياء الذين لا يألون جهدًا ليجعلوا هذه الأرض جنتهم، والفقراء الذين يعملون بنَصَب وانكباب وذلٍّ لتحصيل عيش ضئيل، سواءٌ في حب إطالة هذه الرواية التي يُعامَلون تحت تأثيرها بلا عدل أو مساواة. ربما كان المرء راضيًا سعيدًا يحمل لقب «الإنسان»، ويعلم أن مسرحه محدودة نواحيه، ولكن عقله متشبع بتلك الفكرة المعزية؛ فكرة الحرية التي تؤكد له أنه متى أصبح التقييد لا يُطاق، وجد مفتاح السجن في جيبه.