الرسالة السبعون
أنا مقتنع كلَّ الاقتناع الآن أيها الصديق العزيز بأن وجود أي فرد لا يهم الهيئة الاجتماعية. قَدِمت إلى شارلوت صاحبةٌ لها تزورها، فذهبت إلى الغرفة المجاورة وتناولت كتابًا، ولكنني لم أجد ميلًا إلى المطالَعة، فألقيت به جانبًا، وتناولت القلم أكتب إلى صديقي، وكذلك أصرِّح لك بإخلاصٍ أنك لا تدين لي لكتابتي هذه الرسالة إلا بالقليل. حتى الآن أسمع حديثهما: يتحدثان عن أخبار البلدة العادية؛ فواحد سيتزوج، وآخَر مريض جدًّا بسلٍّ هائل، سعال وإغماء متكرر ولا أمل في الشفاء. تقول شارلوت: «هرس أيضًا في حالة مخطرة.» وتجيبها الأخرى: «آه أظنني الآن قرب فراشهم، ويُخيَّل إليَّ أنهم يناضلون الردى الظالم، ويَودُّون لو يعيشون قليلًا بين أتعابهم وعذابهم.» ومع ذلك يا صديقي فإن هاتين الشابتين الفاضلتين تتكلمان بكل هدوء وثبات عن أصدقائهما المائتِين، كأنهما لا تعرفانهم. آه يا للسماء! حين أتلفَّتُ في هذه الغرفة التي أنا بها الآن، وأرى ثياب شارلوت وحليها، وأوراق ألبرت مبعثرة هنا وهناك، وهذه الأشياء التي أعرفها جيدًا، حتى الدواة التي أستخدمها الآن، أفكِّر حالًا في علاقتي بهذه الأسرة؛ أنني كل شيء، وهم يقدِّرونني ويسعدون بصحبتي، وأنا واثق أنني شقي بدونهم، ومع ذلك إذا فارقتهم فجأةً فهل يشعرون طويلًا بالفراغ الذي يُحدِثه غيابي؟ طويلًا! وا لوعتاه! هكذا يضعف الإنسان، حتى إنه حيث ينعم بنفسه، وحيث تتعلَّق بوجوده هناءةُ قومٍ آخرين، وحيث يعيش في قلوبِ أحبِّ أصدقائه إليه؛ هناك يجب أن يموت ويُنسى اسمه سريعًا.