الرسالة السادسة والثمانون
إن وجودها الجليل، وابتساماتها الحلوة، والاهتمام الذي تُظهِره بمصيري، لَيكادُ يُسِيل دموعي من مخي المختل المتعَب.
لم يستطِع الفلاح المسكين أن يفقد عشيقته، لم يتحمَّل مُزاحِمًا في حبه. وا حسرتاه! لِمَ كان النائب عنيدًا هكذا؟ لقد كان من الممكن أن ينجو. إسدال الستار، والمرور إلى الجهة الأخرى، وينقضي الأمر. لِمَ إذًا هذه الشكوك، هذه المخاوف؟ لأننا نجهل ما يأتي بعدُ، وليست العودة من المستطاع، فحيثما كان الشك، ارتبك العقل بطبيعته ورُوِّع.
ولم ينسَ فرتر قط الإهانات التي لحقَتْه أيامَ كان كاتمَ سرِّ للسفير، بل على العكس لذعته في أعماق فؤاده، وشعر بنفسه مُهانًا مجروح الكبرياء؛ ولذا كرِه كلَّ الأعمال العامة والشئون السياسية. ومنذ ذلك الحين سخط على الدنيا، فعكف على تلك الأفكار المتطرفة، تلك العواصف الغريبة التي تضمها رسائله، وهذا الحب المنكود اللامحدود، الذي يبتلع قوته الباقية، وقد اجتمع عليه جمود الحال، والحزن المتصل بزوراته لألطف وأجمل بنات جنسها التي عكَّر عليها صفاءَ ذهنها ومنازعاته وعراكه، واعتقاده أنه يعيش للا شيء، ليوطِّد عزيمته على ترك عالَمٍ نَكِد.
وفي الرسائل التالية وغيرها التي تركها شهادةٌ كافية على اضطراب باله.