الرسالة الرابعة والتسعون
السكون شامل وفكري هادئ، أحمد الله الذي قوَّاني ووطَّد عزيمتي في دقائقي الأخيرة هذه.
وأريد يا شارلوت أن أُدفَن بالملابس التي عليَّ؛ لأنني كنت بها في حضرتك؛ ولذا فهي عزيزة لديَّ، وقد طلبتُ هذه المِنَّةَ أيضًا إلى أبيك. إن رُوحي لَتحلِّق فوق القبر، فلا تَدَعِي أحدًا يفتِّش جيوبي؛ ففيها الشريطُ القرنفلي الذي وضعتِه على صدركِ حين رأيتُك لأول مرة محوطة بالأطفال. يا للنفوس الحلوة! وإخال أنني أراهم الآن يلعبون حوالَيْك. قبِّليهم عني كثيرًا.
إيه شارلوت! كيف أحببتُكِ في تلك اللحظة الأولى، ولم أستطِعْ أن أنتزعكِ من فؤادي بعدُ!
المسدس محشوٌّ والساعة تدقُّ منتصف الليل.
شارلوت إنني ثابت، وعقلي لا يتردد. الوداع.
وفي نحو الساعة السادسة صباحًا دخل خادم فرتر إلى الغرفة يحمل شمعة، فوجد سيده ممددًا على الأرض غارقًا في الدماء، فأسرع توًّا إلى بيت ألبرت، وعرتْ شارلوت رجفةٌ حين سمعت جرس الباب يدق، فأيقظتْ زوجَها وقام كلاهما، فأدلى إليهما الخادم بالحادثة المفجِعة والدموع في عينَيْه، فوقعتْ شارلوت فاقدةَ الحس عند قدمَيْ زوجها، وارتدى ألبرت ملابسَه مُسرِعًا، وخرج ليرى إذا كان هناك أملٌ ما.
ولكن وا حسرتاه! عبثًا يذهب كلُّ عون؛ فقد مات الشاب المسكين!
وكان قد سبقه الطبيب إلى هناك وفحص الجثة، فوجدها حارَّةً ولكن لا حياةَ فيها، وعلى مكتبه كان كتابُ «إميليا جالوتي» مفتوحًا.
وخيرٌ لنا أن نترك للقارئ تصوُّرَ ألمِ ألبرت، وكآبةِ شارلوت، مِن أنْ نَصِفَهما. وشُيِّعت الجنازة بمهابةٍ واحتفالٍ بسيط، وكان حزنُ ألبرت خالصًا، وأسى شارلوت مُفجِعًا. ووُريتِ الجثةُ بحضور النائب وأولاده، والكلُّ محزونٌ لفقدِ هذا الرجل العظيم.