الفصل الحادي والعشرون
من موريشيوس إلى إنجلترا
المنظر الجميل لموريشيوس – الحلقة العظيمة من الجبال الشبيهة بالفوهة البركانية – الهنود – سانت هيلينا – تاريخ التغيرات في النباتات – سبب انقراض القواقع البرية – الصعود – التنوع في الجِرْذان المستوردة – قنابل بركانية – قيعان من النقاعيات – باهيا، البرازيل – روعة المشاهد الطبيعية الاستوائية – بيرنامبوكو – شعابٌ فريدة – العبودية – العودة إلى إنجلترا – تأمل أحداث رحلتنا.
***
قضيت الجزء الأكبر من اليوم التالي في التجوُّل عبر المدينة وزيارة مختلف الناس. كان حجم المدينة كبيرًا، ويقال إنها تضم نحو ٢٠ ألف شخص وكانت الشوارع نظيفة جدًّا ومنظمة. ورغم أن الجزيرة كانت تحت حكم الإنجليز لسنين عدة، فإن السمة العامة للمكان كانت فرنسية إلى حدٍّ كبير؛ إذ يتحدث الإنجليز مع خدمهم بالفرنسية، وكانت المتاجر جميعها تتعامل بالفرنسية؛ في الواقع أعتقد أن كاليه أو بولون أكثر إنجليزيةً بكثير من المكان. ثمة مسرحٌ صغير غاية في الجمال تؤدى فيه العروض الأوبرالية على نحوٍ ممتاز. فوجئنا كذلك برؤية متاجرَ كبيرةٍ لبيع الكتب بأرففٍ منظمة وبها مخزونٌ جيد من الكتب؛ فالقراءة والموسيقى هما الدليل على توجُّهنا نحو حضارات العالم القديم؛ فأستراليا وأمريكا في الواقع ينتميان للعالم الجديد.
كان مشهد الأعراق العديدة من البشر الذين يمشون في الشارع هو المشهد الأروع في بورت لويس. كان هناك مجرمون من الهند نُفوا إلى هنا مدى الحياة ويوجد منهم ٨٠٠ في الوقت الراهن وكانوا يُوظَّفون في أعمالٍ عامةٍ عدة. قبل رؤيتي لهؤلاء الناس، لم يكن لديَّ أي فكرة أن سكان الهند كانوا بهذا المظهر المهيب. فبشرتهم داكنة جدًّا، والكثير من الرجال الطاعنين في السن لديهم شوارب ولحًى كبيرةٌ بلون الثلج، وأكسبهم هذا، إلى جانب تعبيرهم الغاضب، مظهرًا مهيبًا. كان الجزء الأكبر منهم قد نُفي بسبب جرائم القتل وأسوأ الجرائم الأخرى، بينما نفي البعض الآخر لأسبابٍ أخرى بالكاد يمكن اعتبارها أخطاءً أخلاقية، مثل عدم الامتثال لقوانين الإنجليز بسبب دوافعَ تتعلَّق بالخرافات. يتسم هؤلاء الرجال عمومًا بالهدوء والسلوك الحسن؛ وبسبب سلوكهم الخارجي ونظافتهم والتزامهم الصادق بطقوسهم الدينية الغريبة، كان من المستحيل النظر إليهم بنفس النظرة التي يُنظَر بها للمدانين البائسين لدينا في نيو ساوث ويلز.
•••
ربما يمكن وصف المشهد الطبيعي بأنه يتوسط في سمته بين أرخبيل جالاباجوس وتاهيتي، لكن هذا سيكون من شأنه نقل فكرةٍ واضحة عنه لعدد قليل جدًّا من الأشخاص. كانت منطقة غاية في الجمال، لكنها لا تملك مفاتن تاهيتي أو عظمة البرازيل. في اليوم التالي صعدتُ جبل لابوس والذي سمي كذلك لأنه يشبه الإبهام، ويقع وراء المدينة بقليل ويرتفع لمسافة ٢٦٠٠ قدم. كان مركز الجزيرة يتكون من منصةٍ كبيرةٍ محاطة بجبالٍ بازلتيةٍ قديمةٍ وعرة تنحدر طبقاتها نحو البحر. كانت المنصة المركزية، والتي تكوَّنت من تياراتٍ حديثة نسبيًّا من الحمم، بيضاوية الشكل ويبلغ عرضها ١٣ ميلًا جغرافيًّا في الخط الخاص بمحورها الأقصر. تنتمي الجبال المحيطة بها من الخارج إلى تلك الفئة من التكوينات التي تسمى «فوَّهات الارتفاع» والتي من المفترض أنها لم تتكوَّن مثل الفوهات التقليدية وإنما بفعل ارتفاعٍ كبير ومفاجئ. يبدو لي أن هناك اعتراضاتٍ لا يمكن تجاهلها لهذه النظرية، على الجانب الآخر، يمكنني بالكاد تصديق أن هذه الجبال الطرفية التي تشبه الفوهات البركانية، سواء في هذه الحالة أو في حالاتٍ أخرى، هي مجرد البقايا القاعدية لبراكينَ عملاقةٍ تطايرت قِممُها أو ابتلعتها هاوية تحت الأرض.
من موقعنا المرتفع، استمتعنا بمشهدٍ رائع عبر الجزيرة. كانت المنطقة في هذا الجانب تبدو مستصلحة على نحوٍ جيد ومقسَّمة إلى حقول ومليئة بالمنازل الريفية، ومع ذلك أُكِّدَ لي أن الجزء المُنتِج من إجمالي مساحة الأرض لا يزيد على النصف؛ وإذا كان الوضع كذلك فعلًا، وبالنظر إلى الكم الكبير الذي يُصدَّر من السكر حاليًّا، فإن هذه الجزيرة، في فترةٍ مستقبلية عندما تصبح مكتظة بالسكان، ستكون ذات قيمةٍ عظيمة؛ فمنذ استحواذ إنجلترا عليها، والذي دام لمدة ٢٥ عامًا فقط، يقال إن تصدير السكر قد تضاعف ٧٥ مرة. لعل أحد الأسباب الكبرى لازدهار المنطقة هو الحالة المثالية للطرق. في جزيرة بوربون المجاورة، التي لا تزال تحت الحكم الفرنسي، لا تزال الطرق على نفس الحالة المزرية مثلما كانت الطرق هنا قبل بضع سنوات فقط. ورغم أن السكان الفرنسيين لا بد أنهم ربحوا كثيرًا من الرخاء المتزايد لجزيرتهم، فإن الحكومة الإنجليزية بعيدة كل البعد عن أن تكون محبوبة.
•••
•••
•••
بالقرب من الساحل كانت الحمم الوعرة عارية تمامًا، وأدى تحلُّل الأجزاء الوسطى والعليا من صخور الفلسبار إلى خلق تربةٍ طينية كانت تحوي نطاقاتٍ واسعةً مغطاة بألوانٍ زاهيةٍ عديدة في المواضع التي لا تغطيها أي نباتات. في هذا الموسم تنتج الأرض، التي تكون رطبة بفعل المطر المستمر الغزير، عشبًا أخضر زاهيًا فريدًا من نوعه يقل تدريجيًّا كلما انخفضنا أكثر وأكثر حتى يختفي تمامًا. عند دائرة عرض ١٦ درجة، وعلى ارتفاعٍ ضئيل يبلغ ١٥٠٠ قدم، كان من المدهش رؤية غطاءٍ نباتيٍّ ذي طابعٍ بريطاني بحت. كانت التلال متوَّجة بأشجار غير منتظمة من الصَّنَوْبَر البرِّي وكانت أجمات الجولق المغطاة بأزهارها الصفراء الزاهية متناثرة بكثافة على الضفاف المائلة. وتنتشر أشجار الصفصاف البابلي على ضفاف الجداول الصغيرة، والأسيجة مصنوعة من أشجار العليق التي تنتج ثمرتها المشهورة. عند الوضع في الاعتبار أن عدد النباتات الموجودة على الجزيرة الآن وهو ٧٤٦ وأن ٥٢ فقط منها تعتبر سلالاتٍ أصلية والباقي استورد معظمه من إنجلترا، ندرك سبب السمة البريطانية للنباتات. يبدو أن العديد من هذه النباتات الإنجليزية تزدهر هنا على نحوٍ أفضل مما هي عليه في بلدها الأصلي؛ كما كان بعضها من إقليم أستراليا المقابل ونجحت زراعته على نحوٍ لافت للنظر. لا بد أن النباتات العديدة المستوردة دمَّرت بعض الأنواع الأصلية ولا يشيع الآن وجود النباتات الأصلية إلا في أعلى وأكثر التلال انحدارًا.
كانت السمة الإنجليزية، أو بالأحرى الويلزية، للمناظر الطبيعية محفوظة بفضل وجود العديد من الأكواخ والبيوت البيضاء الصغيرة، كان بعضها مدفونًا في قاع أعمق الوديان والبعض الآخر يرتفع فوق قمم التلال العالية. كانت بعض المشاهد أخَّاذة، على سبيل المثال بالقرب من منزل السير دبليو دوفتون، حيث تُرى القمة المنحدرة المسماة لوت عبر غابة مظلمة من أشجار الشوح، وخلف هذه المشاهد تظهر الجبال الحمراء التي تآكلت بفعل المياه والواقعة على الساحل الجنوبي. عند النظر إلى الجزيرة من علو، فإن أول ما يثير الدهشة هو عدد الطرق والحصون؛ فالجهد المبذول في الأشغال العامة، إذا تغاضى المرء عن طابعها الذي يجعلها كسجن، يبدو غير متناسب مع حجمها أو قيمتها. فثمة القليل جدًّا من الأراضي الممهدة أو المفيدة؛ حتى إنه يبدو مدهشًا أن يستطيع كل هذا العدد من الناس، البالغ حوالي ٥٠٠٠ شخص، الحياة هنا. أعتقد أن أفراد الطبقات الدنيا، مثل العبيد المحرَّرين، يعيشون في فقرٍ مدقع؛ فهم يشكون من الحاجة للعمل. وبسبب قلة عدد الموظفين الحكوميين؛ بسبب تخلي شركة الهند الشرقية عن الجزيرة وما ترتب على ذلك من هجرة العديد من الأغنياء، سوف يزداد معدل الفقر على الأرجح. كان الغذاء الأساسي لدى الطبقة العاملة هو الأرز مع القليل من اللحم المملَّح؛ وبما أن الاثنين ليسا من منتجات الجزيرة ولا بد من شرائهما بالمال، فإن الأجور المتدنِّية لها أثرٌ سلبيٌّ شديد على الفقراء. والآن وبينما ينعم الجميع بالحرية، وهو حق أعتقد أنهم يقدِّرونه تمامًا، يبدو من المحتمل أن أعدادهم ستزداد سريعًا. وإذا كان الأمر كذلك، فماذا سيكون مصير ولاية سانت هيلينا الصغيرة؟
كان مرشدي رجلًا عجوزًا، كان يرعى الماعز في صباه، وكان يعرف كل خطوة بين الصخور. كان ينتمي لعرق اختلط عدة مرات، ورغم أن بشرته كانت داكنة، لم يكن يملك ذلك التعبير الكريه للمولدين. كان عجوزًا متحضِّرًا جدًّا وهادئًا للغاية، ويبدو أن هذه هي سمة العدد الأكبر من أفراد الطبقات الدنيا. كان من الغريب بالنسبة إليَّ أن أسمع رجلًا أبيض تقريبًا ويرتدي ملابسَ مهندمة، يتحدث بلا اكتراث عن الفترة التي كان فيها عبدًا. كنت أتجوَّل كل يوم لمسافاتٍ طويلة بصحبة رفيقي الذي كان يحمل العشاء وقربةً مليئة بالمياه تشبه شكل القرن، وهي ضرورية للغاية؛ لأن كل المياه في الوديان السفلى مالحة.
خلال جولاتي مررت أكثر من مرة بالسهل المعشوشب، الذي تحده أودية عميقة، الذي تقف فوقه سهول لونجوود المرتفعة. يبدو هذا السهل من مسافةٍ قصيرة كمقرٍّ ريفي لأحد النبلاء. في المقدمة توجد بضعة حقولٍ مزروعة ومن خلفها تلٌّ مستوٍ من الصخور الملونة يسمى فلاجستاف، والكتلة السوداء الخشنة المربعة والتي تسمى بارن. كان المشهد عمومًا كئيبًا ومثيرًا للضجر نوعًا ما. كان الشيء الوحيد المزعج الذي عانيتُ منه أثناء جولاتي هي الرياح العنيفة. لاحظتُ ذات يوم شيئًا مثيرًا للفضول؛ فأثناء وقوفي على حافة سهل ينتهي بجرفٍ هائل يبلغ عمقه نحو ألف قدم، رأيت على مسافة بضع ياردات في اتجاه هبوب الريح طائرًا من طيور الخرشنة يصارع تيار هواءٍ شديدًا بينما كان الهواء هادئًا حيثما أقف أنا.
بالاقتراب من الحافة، حيث التيار يبدو كما لو كان ينحرف لأعلى من واجهة الجرف، مددتُ ذراعي وفي الحال شعرت بكامل قوة الرياح كما لو كان حاجزٌ خفي يبلغ عرضه ياردتَين قد فصل بين الهواء الساكن والعاصف تمامًا.
استمتعت كثيرًا بالتنزُّه بين صخور وجبال سانت هيلينا؛ حتى إني شعرت بالحزن في صباح يوم الرابع عشر عند نزولي إلى البلدة. وقبل حلول الظهيرة كنت على متن السفينة وأبحرت البيجل.
•••
في التاسع عشر من يوليو وصلنا أسينشن. من رأوا من قبلُ جزيرةً بركانية تقع ضمن مناخٍ جاف سيقْدِرون في الحال على تصور شكل أسينشن. سيتخيلون تلالًا مخروطيةً مستوية بلونٍ أحمرَ زاهٍ ذات قمم عادة ما تكون مبتورة تبرز على نحوٍ متفرق من سطحٍ مستوٍ من الحمم السوداء المحززة. ثمة رابيةٌ رئيسية في وسط الجزيرة تبدو المنشأ لمخاريط أصغر. تسمى هذه الرابية التل الأخضر، وقد اشتُق الاسم من أقل درجات ذلك اللون والذي يكون في هذا الوقت من العام بالكاد مرئيًّا من المرسى. وليكتمل المشهد المقفر، تتعرض الصخور السوداء على الساحل لضربات بحرٍ مضطرب وعنيف.
تقع المستوطنة بالقرب من الشاطئ، وتتكوَّن من العديد من البيوت والثكنات المرتبة على نحوٍ غير منتظم لكنها مبنية من الحجر الرملي الأبيض على نحوٍ جيد. كان سكانها الوحيدون من جنود البحرية وبعض الزنوج الذين حُرِّروا من سفن العبيد وتتكفل الحكومة بنفقاتهم المعيشية. يبدو الكثير من جنود البحرية راضين بوضعهم الحالي؛ فهم يرون أن من الأفضل قضاء مدة خدمتهم الممتدة إلى ٢١ عامًا على الساحل، مهما حدث، على أن يكونوا على متن السفن؛ لو كنتُ جنديًّا بحريًّا، لوافقت على هذا الخيار بكل حماس.
في صباح اليوم التالي صعدت التل الأخضر والذي يبلغ ارتفاعه ٢٨٤٠ قدمًا، ومن هناك سرتُ عبر الجزيرة إلى النقطة التي تهبُّ منها الريح. يوجد هناك طريق للعربات بحال جيد يمتد من المستوطنة الواقعة على الساحل إلى البيوت والحدائق والحقول الواقعة بالقرب من قمة الجبل المتمركز في وسط الجزيرة. على جانب الطريق توجد لافتاتٌ إرشادية وصهاريج يمكن لأي عابر سبيل ظمآن الحصول على مياهٍ صالحة للشرب منها. يتجلَّى اهتمامٌ مماثل في كل جزء من المنشأة، وخاصة في إدارة ينابيع المياه حتى لا تُفقَد نقطة مياهٍ واحدة؛ والواقع أن الجزيرة كلها يمكن مقارنتها بسفينةٍ ضخمة في حالة من النظام من الطراز الأول. ورغم تقديري وإعجابي بالمجهود النشط الذي أثمر عن مثل هذه النتائج بمثل هذه الوسائل، لم يسعني ألَّا أشعر بالأسف حيال تبديد كل هذا الجهد في غاية تافهة وبائسة بهذا الشكل. وقد أشار السيد ليسون عن حق إلى أن الإنجليز كانوا سيفكرون في جعل جزيرة أسينشن مركزًا منتجًا، وأن أي شعب آخر كان سيحتفظ بها كمجرد قلعة في المحيط.
لا شيء ينمو بالقرب من هذا الساحل، وبالتوغل إلى الداخل قد نرى بين الحين والآخر نبات الخروع الأخضر وبعض الجنادب، التي تعد الأصدقاء الحقيقيين للصحراء. تتناثر بعض الحشائش عبر سطح المنطقة الوسطى المرتفعة، والمشهد برمَّته يشبه إلى حدٍّ كبير الأجزاء الأسوأ من الجبال الويلزية، ولكن بقدر ما يبدو الكلأ شحيحًا، يوجد حوالي ٦٠٠ خروف والكثير من الماعز وبضعة أبقار وخيول تقتات عليه على نحو لا بأس به. من الحيوانات المحلية، توجد أعدادٌ كبيرة من السلطعون البري والجِرْذان. إن كون الجُرَذ من الحيوانات الأصلية هو أمر محل شك، لكنَّ ثمة نوعين كما يصف السيد ووترهاوس، أحدهما أسود وله فروٌ لامعٌ ناعم ويعيش فوق القمة العشبية والآخر بُنِّي اللون وأقل لمعانًا وله شعر أطول ويعيش بالقرب من المستوطنة على الساحل. كلا هذين النوعين أصغر بمقدار الثلث من الجُرَذ الأسود الشائع، ويختلفان عنه في اللون وطبيعة الفرو، دون أي جوانبَ أخرى رئيسة. لا يساورني شك في أن هذه الجِرْذان (مثل الجُرَذ الشائع والذي انتشر في كل مكان كذلك) قد جُلِبَت من خارج الجزيرة، ومثلما الحال في أرخبيل جالاباجوس، تنوَّعت بسبب الظروف الجديدة التي تعرَّضت لها؛ ومن ثم فإن النوع الذي يعيش فوق قمة الجزيرة يختلف عن النوع الذي يعيش على الساحل. لا يوجد أي طيورٍ محلية، لكن الدجاج الحبشي المجلوب من أرخبيل الرأس الأخضر يتوافر بشكلٍ كبير، كما ينتشر الدجاج الشائع في كل مكان. بعض القطط، والتي أُطلِقَت في الأساس للقضاء على الجِرْذان، زادت أعدادها حتى أصبحت وباءً كبيرًا. لا تحمل الجزيرة أي أشجار تمامًا، وهو ما يجعلها، بالإضافة إلى جميع السمات الأخرى، أقل بكثير من سانت هيلينا.
أخذتني إحدى رحلاتي نحو الطرف الجنوب الغربي للجزيرة. كان النهار صحوًا والجو حارًّا ورأيت الجزيرة لا تكشف عن أي جمال بل عن قبحٍ واضح. كانت الحمم المتدفقة مغطاةً بالروابي ومحزَّزة لدرجة لا يسهل تفسيرها من الناحية الجيولوجية. تختفي المساحات المتداخلة بطبقات من الحجر الخفَّاف والرماد والطفَّة البركانية. أثناء المرور بهذا الطرف من الجزيرة في البحر، لم أستطع تصور ماهية تلك الرقع البيضاء التي كان السهل بالكامل مرقشًا بها، واكتشفت الآن أنها طيورٌ بحرية تنام في ثقةٍ تامة حتى إنه يمكن لرجل الاقتراب منها في وضح النهار والإمساك بها. كانت هذه الطيور هي الكائنات الحية الوحيدة التي رأيتها خلال اليوم بأكمله. على الشاطئ، ورغم أن النسيم كان خفيفًا، أتَتْ موجةٌ ضخمة وضربت صخور الحمم المتكسرة.
إن جيولوجية هذه الجزيرة مثيرة للاهتمام في العديد من الجوانب؛ فقد لاحظتُ في العديد من الأماكن قنابلَ بركانية، أي كتلًا من الحمم انطلقت في الهواء وهي سائلة؛ ومن ثم اتخذت شكلًا دائريًّا أو شكل الكُمَّثْرى. والأمر لا يتعلق فقط بالشكل الخارجي، لكن في العديد من الحالات، يُظهر تركيبها الداخلي على نحوٍ غاية في الغرابة أنها دارت حول نفسها في مسارها الجوي. يتضح التركيب الداخلي لإحدى هذه القنابل عند كسرها على نحوٍ دقيقٍ جدًّا في الصورة أعلاه. الجزء الأوسط خلويٌّ خشن والخلايا تتناقص في الحجم كلما اتجهنا للخارج؛ حيث يوجد غلاف يشبه القوقعة يبلغ سمكه نحو ثلث بوصة، يتكوَّن من حجرٍ مضغوطٍ مغطًّى مرةً أخرى بالقشرة الخارجية لحممٍ خلويةٍ ناعمة. أعتقد أنه يمكن أن يكون ثمة قليلٌ من الشك؛ أولًا: في أن القشرة الخارجية قد بردت سريعًا وهي على الحالة التي نراها عليها الآن؛ ثانيًا: أن الحمم التي ما زالت سائلة بالداخل قد حشدتها القوة الطاردة من المركز الناتجة عن دوران القنبلة قبالة القشرة الخارجية الباردة وهو ما أنتج القوقعة الصخرية الصلبة؛ وأخيرًا: أن تلك القوة الطاردة سمحت للأبخرة الساخنة، عن طريق تخفيف الضغط في الأجزاء الأكثر مركزية من القنبلة، بتوسيع خلاياها ومن ثم تكوين الكتلة الخلوية القاسية في المنتصف.
بعد مغادرة أسينشن، أبحرنا نحو باهيا على ساحل البرازيل، لنكمل القياس الميقاتي للأرض. وصلنا هناك في الأول من أغسطس ومكثنا أربعة أيام قمت خلالها بالعديد من جولات التمشية الطويلة. وسررت حين وجدت أن استمتاعي بالمشاهد الطبيعية الاستوائية لم يقلَّ بسبب احتياجي للتغيير ولو بأقل درجةٍ ممكنة. كانت العناصر المكوِّنة للمشهد بسيطةً جدًّا؛ حتى إنها تستحق الذكر كدليلٍ على الظروف التافهة التي يعتمد عليها الجمال الطبيعي الخلاب.
ربما يمكن وصف المنطقة كسهلٍ ممهد يبلغ ارتفاعه حوالي ٣٠٠ قدم تآكل في كل أجزائه حتى أصبحت أوديةً مسطحة القيعان. وهذه البنية استثنائية في أرضٍ بازلتية، ولكنها شبه شائعة في كل تلك التكوينات الأكثر نعومة التي عادة ما تتألَّف منها السهول. يكتسي السطح بالكامل بأنواعٍ مختلفة من أشجار فارعة يتخلَّلها رقع من أرضٍ مزروعة تبرز منها بيوتٌ وأديرةٌ وكنائس. يجب أن نتذكر أن الطبيعة في المناطق الاستوائية لا تفقد جمالها البري حتى في المناطق المجاورة للمدن الكبرى؛ فالنباتات الطبيعية المكوِّنة للأسيجة وجوانب التلال تتفوق على ما يصنعه البشر في تأثيرها الساحر؛ لذا لا يوجد إلا بضعة مواضعَ قليلة تُظهر فيها التربة الحمراء الزاهية تباينًا قويًّا مع الغطاء الأخضر الشائع. من أطراف السهل توجد مناظرُ بعيدة إما للمحيط أو الخليج الكبير بشطآنه المنخفضة المغطاة بالأشجار ويظهر فيه العديد من القوارب والزوارق الصغيرة ذات الأشرعة البيضاء. وفيما عدا المشاهد البارزة من تلك النقاط، كان المشهد محدودًا للغاية؛ وبتتبع الطرق الممهدة على كلا الجانبين، يمكن الحصول على مجرد لمحات من الوديان المغطاة بالأشجار الواقعة بالأسفل. يمكنني أن أضيف أن البيوت، وخاصة المباني المقدسة، مشيَّدة بأسلوبٍ معماريٍّ غريب وخيالي نوعًا ما. فكانت جميعًا مطلية باللون الأبيض حتى عندما تضيء بضوء الشمس الساطع خلال منتصف اليوم، تجدها تبرز، مقابل السماء الزرقاء الشاحبة، كظلال أكثر منها كأبنيةٍ حقيقية.
مثل هذه الأمور هي العناصر المكوِّنة للمشهد الطبيعي، لكنها محاولةٌ يائسة لتصوير التأثير العام له. فعلماء الطبيعة المطَّلعون يصفون هذه المشاهد الاستوائية بتسمية عددٍ كبير من الأشياء وذكر سمةٍ مميزة لكلٍّ منها. بالنسبة إلى رحالةٍ مطلع، ربما ينقل هذا بعض الأفكار المحدَّدة، لكن مَن أيضًا يمكنه تخيل شكل نبات ما وهو ينمو في تربته الأصلية من خلال رؤيته ضمن مجموعة من عينات الأعشاب المجففة؟ مَن يمكنه، من خلال رؤية نباتاتٍ محددة في بيتٍ زجاجي، تكبير بعضها ليصبح بأبعاد أشجار الغابات وجمع أخرى في غابةٍ متشابكة؟ من يمكنه عند فحص الفراشاتِ الغريبة الزاهية الألوان وزيزِ الحصادِ الفريد في خزانة عالم حشرات، ربط هذه الأشياء الميتة بالصوت المزعج الذي لا يتوقف للأخير والطيران الكسول للأول، تلك الأشياء المصاحبة بلا شك للظهيرة الساكنة المتوهجة للمناطق المدارية؟ يمكن رؤية مثل هذه المشاهد عندما تصل الشمس لأقصى ارتفاع لها، ثم تُخفي أوراقُ المانجو الكثيفة الرائعة الأرضَ بظلها المعتم، بينما تصبح الفروع العليا خضراءَ زاهيةً لأقصى درجة من كثافة الضوء. يختلف الأمر في المناطق المعتدلة؛ فالنباتات هناك ليست داكنة اللون أو كثيفة إلى حدٍّ كبير؛ ولذلك تضيف أشعة الشمس المنحدرة المصبوغة باللون الأحمر أو القرمزي أو الأصفر الزاهي إلى محاسن تلك المناطق المناخية أيما إضافة.
عندما كنتُ أسير بهدوءٍ عبر الممرات الظليلة مُبديًا إعجابي بكل مشهدٍ متتابع، تمنيتُ العثور على لغة للتعبير عن أفكاري. فقد كان كل وصف تلو الآخر يخطر لي أضعفَ من أن ينقل لمن لم يزوروا المناطق المدارية إحساسَ البهجة والمتعة الذي يختبره العقل. قلتُ سابقًا إن فكرة النباتات في بيتٍ زجاجي تفشل في إيصال فكرةٍ حقيقية عن النباتات، لكن لا بد لي من اللجوء إليها. فالأرض عبارة عن بيتٍ زجاجيٍّ عظيم وافر النماء بريٍّ مُهمَل صنعته الطبيعة لنفسها، لكن استولى عليه البشر الذين ملئوه بالبيوت الجميلة والحدائق ذات الطابع الرسمي. كم ستكون الرغبة قوية في نفس كل معجب بالطبيعة في أن يرى، لو كان ذلك ممكنًا، مشاهد الطبيعة في كوكبٍ آخر! ولكن بالنسبة إلى كل شخص في أوروبا، يمكن القول، وهو قول حق، إنه على بُعد بضع درجات من الأرض التي نشأ عليها، تُفتَح له أمجاد عوالمَ أخرى. في جولتي الأخيرة، توقفتُ مرارًا لإمعان النظر في هذه المفاتن وسعيت لتثبيت انطباع في عقلي يدوم للأبد، كنتُ أدرك في حينها أنه سيخبو عاجلًا أو آجلًا. سيظل شكل شجرة البرتقال وجوز الهند والنخيل والمانجو والسرخس والموز واضحًا ومميَّزًا، لكن الآلاف من المناظر الجميلة الأخرى التي توحد كل هذا في مشهدٍ وحيدٍ مثاليٍّ لا بد أن تتلاشى؛ إلا أنها ستترك صورةً مليئة بأشياء من أجمل ما يكون لكنها مبهمة، كحكاية تُسمَع في الطفولة.
•••
شيدت بيرنامبوكو على بعض الضفاف الرملية الضيقة المنخفضة المنفصلة بعضها عن بعض بقنواتٍ ضحلة من المياه المالحة. كانت الأجزاء الثلاثة من المدينة متصلة معًا بجسرَين طويلَين مبنيَّين على أكوام من الخشب. كانت المدينة مثيرة للاشمئزاز في كل مكان، حيث كانت الشوارع ضيقة وقذرة وغير مرصوفة جيدًا والبيوت عالية وكئيبة المنظر. كان موسم الأمطار الغزيرة بالكاد قد توقف؛ ومن ثَمَّ كانت المنطقة المجاورة المرتفعة بالكاد عن مستوى سطح البحر غارقة في المياه، وفشلت كل محاولاتي للخروج في جولاتٍ طويلة سيرًا على الأقدام.
كانت الأرض المسطَّحة الطينية التي تقف عليها بيرنامبوكو محاطة على امتداد بضعة أميال بنصف دائرة من التلال المنخفضة أو بالأحرى بحافة أرض ترتفع ربما ٢٠٠ قدم فوق سطح البحر. وتقع مدينة أوليندا القديمة على أحد أطراف هذه الأرض المرتفعة. في أحد الأيام أخذت زورقًا وأبحرت في إحدى القنوات لكي أزورها، ووجدت مما رأيته فيها أن تلك المدينة القديمة أنظف وأجمل من بيرنامبوكو. لا بد هنا أن أُسجِّل ما حدث للمرة الأولى خلال حوالي خمس سنوات من التجوال، وتحديدًا مقابلتي بشكل يخلو من أي تهذيب؛ فقد رُفِض استقبالي بأسلوبٍ فظ في منزلَين مختلفَين، وحصلت بصعوبة على إذن من منزل ثالث للمرور عبر حدائقهم إلى تل غير مزروع بغرض مشاهدة المنطقة. أشعر بالسعادة بسبب حدوث هذا في أرض البرازيليين؛ لأني لا أحمل تجاههم أي نية حسنة؛ فهي أرض استعباد كذلك، وهذا يعني أنها أرض للانحدار الأخلاقي. كان أي إسباني سيشعر بالعار من مجرد التفكير في رفض مثل هذا الطلب أو معاملة غريب بفظاظة. كانت القناة التي ذهبنا عن طريقها إلى أوليندا ورجعنا عبرها يحدُّها من كل جانب أشجار المانجروف والتي كانت تبرز من الضفاف الطينية اللزجة كغابةٍ مصغَّرة. كان اللون الأخضر الزاهي لهذه الأجمات دائمًا ما يذكِّرني بالحشائش الخشنة التي تنتشر في أفنية الكنائس؛ فكلاهما ينمو بهواءٍ عفن؛ أحدهما يشير إلى موت وقع في الماضي والآخر ينبئ بموتٍ قادم في المستقبل.
في التاسع عشر من أغسطس غادرنا سواحل البرازيل أخيرًا. أحمد الله أني لن أزور بلدًا استعباديًّا أبدًا مرةً أخرى. ما زلت حتى يومنا هذا إذا سمعتُ صرخة من بعيد، تستدعي إلى ذهني بوضوحٍ مؤلم ما كنت أشعر به عند سماع صيحات الأنين والعويل المثيرة للشفقة عند مروري بمنزل بالقرب من برنامبوكو، ولم يكن بوسعي إلا الشك في أن ثمة عبدًا ما مسكينًا يُعذَّب، لكني كنت عديم الحيلة وكأنني طفل، حتى أجرؤ ولو على مجرد الاحتجاج. كنت أشك في أن هذه الصرخات صادرة من عبد يُعذَّب؛ إذ قيل لي إن هذا ما كان يحدث فعلًا في موقفٍ آخرَ مماثل. بالقرب من ريو دي جانيرو أقمتُ قبالة سيدةٍ عجوز كانت تحتفظ بمسامير لولبية لسحق أصابع إمائها. كنت أمكث في منزل كان فيه عبدٌ مُولَّد صغير السن يُسَبُّ ويُضطَهد ويُضرَب على مدار الساعة بشكلٍ كفيل بتحطيم معنويات أحقر الحيوانات. كما رأيت صبيًّا صغيرًا في السادسة أو السابعة من عمره يُضرَب ثلاث مرات بسوط حصان على رأسه العاري (قبل أن أتمكن من التدخل) بسبب أنه ناولني كوب ماء غير نظيف تمامًا، ورأيت والده يرتجف من مجرد نظرةٍ خاطفة من عين سيده. ما سبق من أفعالٍ وحشية شهدته في إحدى المستعمرات الإسبانية؛ حيث كان دائمًا ما يُقال إن العبيد يلقون معاملةً أفضل من قِبَل البرتغاليين أو الإنجليز أو أي شعبٍ أوروبيٍّ آخر. رأيت في ريو دي جانيرو رجلًا زنجيًّا قويًّا خشي من صدِّ ضربة موجهة، حسبما ظن، إلى وجهه. كنت حاضرًا عندما كان هناك رجلٌ طيب القلب على وشك التفريق بين الرجال والنساء والأطفال من عددٍ كبير من العائلات التي عاشت معًا لوقتٍ طويل. لن أشير حتى إلى الفظائع العديدة التي تَفطُر القلبَ التي سمعت بها من مصادرَ موثوقة، وما كنتُ لأذكر التفاصيل المثيرة للاشمئزاز السابقة لولا مقابلتي العديد من الناس الذين أعمتهم الطبيعة المرحة للزنوج حتى صاروا يتحدثون عن العبودية كشرٍّ مقبول. مثل هؤلاء عادة ما كانوا يزورون منازل أفراد الطبقة العليا حيث عادة ما يُعامَل عبيد المنزل معاملةً حسنة ولم يعيشوا مثلي بين أفراد الطبقات الدنيا. مثل هؤلاء سيسألون العبيد عن ظروفهم؛ ناسين أن العبد لا بد في الواقع أن يكون شخصًا متبلِّد الحس وألَّا يضع في حسبانه احتمال أن تصل إجابته إلى مسامع سيده.
يُقَال إن المصلحة الشخصية ستمنع القسوة الزائدة عن الحد، كما لو كانت المصلحة الشخصية حمت الحيوانات المستأنسة التي من غير المحتمل أن تثير غضب أسيادها المتوحشين أكثر من العبيد الأذلاء. وتلك حجة طالما قوبلت بمعارضة لزمنٍ طويل بدافع من مشاعرَ نبيلة وضُرِبت لها أمثلةٌ مدهشة من قبل العالم البارز همبولت. غالبًا ما تُبذَل محاولات للتخفيف من وطأة العبودية بمقارنة حال العبيد بحال بني وطننا الأكثر فقرًا؛ لو كانت مأساة فقرائنا سببها مؤسساتنا، وليس قوانين الطبيعة، فإن خطيئتنا جلل، لكن لا أفهم كيفية ارتباط هذا بالعبودية؛ فالأمر يشبه الدفاع عن استخدام أداة لولب الإبهام للتعذيب في أرض بالإشارة إلى أن الناس في أرضٍ أخرى يعانون من مرضٍ مروع. إن أولئك الذين ينظرون لمالك العبيد نظرة عطف وينظرون للعبد بقلبٍ متحجِّر يبدو أنهم لا يضعون أنفسهم أبدًا في موضع الأخير؛ ويا له من احتمالٍ بائس ليس به ولو بصيص أمل في التغيير! تخيل نفسك واحتمالات أن تُنْتزع منك زوجتك وأطفالك — أولئك الأشخاص الذين تدفع الطبيعة البشر حتى لو كانوا عبيدًا لإعلان ملكيتهم لهم — تحوم فوق رأسك دائمًا ويباعون كالحيوانات لأول مشترٍ!
وهذه الأفعال يرتكبها ويُقلِّل من أثرها رجال يعترفون بحبهم لجيرانهم كأنفسهم ويؤمنون بالله ويبتهلون إليه أن تتم مشيئته في الأرض! إن التفكير في أننا — سواء إنجليز أم أمريكيون منحدرون من نسلنا — ما زلنا مذنبين برغم تفاخرنا بشعارات، يجعل الدم يغلي في العروق والقلب يرتجف، لكن عزاءنا أن نفكر أننا على الأقل قدَّمنا قرابين أكبر مما قدمتها أي أمةٍ أخرى للتكفير عن خطيئتنا.
•••
في آخر أيام أغسطس رسونا للمرة الثانية في بورتو برايا في أرخبيل الرأس الأخضر ثم اتجهنا حتى جزر الأزور حيث مكثنا ستة أيام. وفي الثاني من أكتوبر وصلنا إلى سواحل إنجلترا وغادرت البيجل في بلدة فالموث، بعد أن قضيتُ على متن هذه السفينة الجميلة الصغيرة ما يقرب من خمس سنوات.
انتهت رحلتنا؛ لذا سأستعيد بشكل مختصر فوائد ومساوئ وآلام ومتع جولتنا حول العالم. إذا طلب أحدهم نصيحتي قبل القيام برحلةٍ بحريةٍ طويلة، ستعتمد إجابتي على امتلاكه لميلٍ محدد لأحد فروع المعرفة والذي يمكنه تطويره بهذه الرحلة. لا شك في أن ثمة إشباعًا كبيرًا في مشاهدة البلاد المختلفة والأجناس المختلفة من البشر، لكن المتع المكتسبة أثناء ذلك لا توازن الشرور. من الضروري التطلع لحصاد ما، مهما كان بعيدًا، فعندما تكون هناك ثمرة ستُجنى، يكون هناك نفع.
العديد من الخسائر التي لا بد من تكبُّدها بديهية وواضحة، كخسارة صحبة كل صديقٍ قديم، ومنظر تلك الأماكن التي ترتبط بها كل ذكرى حميمة لديك ارتباطًا وثيقًا. غير أن هذه الخسائر تهون جزئيًّا باللذة اللانهائية لترقب يوم العودة الذي يطول انتظاره. إن كانت الحياة حلمًا، كما يقول الشعراء، فأنا واثق أنه خلال أي رحلة تكون هذه التخيلات هي أفضل طريقة لتمضية الليل الطويل. ثمة خسائرُ أخرى، لا تُحَسُّ في البداية لكن يظهر أثرها بقوة بعد فترة من الزمن، كالحاجة لمساحةٍ خاصة والحاجة للانعزال والراحة، والإحساس المرهِق بالعجلة الدائمة، والحرمان من أبسط وسائل الرفاهية، والافتقار لصحبة بني الوطن وحتى الموسيقى والمتع الأخرى التخيلية. عند التطرق إلى ذكر هذه الأمور البسيطة، يبدو واضحًا أن المضارَّ الحقيقية، فيما عدا الحوادث، لحياة البحر إلى زوال. فالمدة القصيرة التي تُقدَّر بستين عامًا صنعت فارقًا مدهشًا في تسهيل الملاحة لمسافاتٍ بعيدة. ففي زمن الكابتن كوك، كان أي رجل يبرح دفء بيته من أجل مثل هذه الرحلات يتعرض لأشكالٍ قاسية من الحرمان. أما الآن فيمكن ليختٍ مجهَّز بكل وسائل الرفاهية، الإبحار حول العالم. بجانب التطورات الضخمة في السفن والموارد البحرية، أصبحت سواحل أمريكا الغربية بالكامل مفتوحة على مصراعيها ويسهل الوصول إليها وأصبحت أستراليا عاصمة لقارةٍ صاعدة. كم اختلفت الظروف بالنسبة إلى رجل تتحطم به سفينته في الوقت الحاضر في المحيط الهادي عما كانت عليه في زمن الكابتن كوك! فمنذ رحلته، أضيف للعالم المتحضِّر نصفٌ جديد من الكرة الأرضية.
إذا كان هناك شخصٌ يعاني بشدة من دوار البحر، فدعه يزن محاسن ومساوئ الأمر جيدًا. وأنا أتحدث من واقع تجربة؛ فهو ليس شيئًا يسيرًا يُعالَج في أسبوع. على الجانب الآخر، إذا كان يستمتع بالتكتيكات البحرية، فبالتأكيد سيكون لديه مجالٌ كاملٌ لإشباع ميله هذا، لكن يجب أن يؤخذ في الحسبان مدى طول الفترة الزمنية التي تقضى في عرض البحر خلال رحلةٍ طويلة مقارنة بالأيام التي تُقضَى في الميناء. ثم ما هي الأمجاد الباعثة على الفخر لارتياد المحيط غير المحدود؟ إنه يشبه أرض قفر مثيرة للضجر، صحراء من المياه كما يسميه العرب. لا شك في أن ثمة بعض المشاهد الجميلة؛ ليلة مقمرة في سماءٍ صافية وبحرٌ أسودُ لامع بينما تندفع الأشرعة البيضاء بفعل الهواء اللطيف لرياحٍ تجاريةٍ معتدلة وصمتٌ كصمت القبور بينما يلتمع سطح المياه المضطرب كمرآة وكل شيء صامت فيما عدا خفقان قماش الأشرعة من وقت لآخر. من الجيد مشاهدة عاصفة من آنٍ لآخر بأمواجها المرتفعة وضراوتها أو نوَّة رياح قوية وأمواج عاتية كالجبال، لكني أعترف أن خيالي قد صوَّر شيئًا أضخم وأروع في تلك العاصفة المتكاملة. إنه مشهد أكثر جمالًا على نحو لا يقارن عندما يُرى من الشاطئ حيث الأشجار المتماوجة والطيران الجامح للطيور والظلال المعتمة والأضواء المبهِرة وتدفق السيول كلها تبرز صراع عناصر الطبيعة الحرة. في البحر يطير القطرس والنوء الصغير كما لو كانت العواصف المجال المناسب لها، كما ترتفع المياه وتهبط كما لو كانت تقوم بمهمتها المعتادة بينما السفينة وحدها ومن عليها يبدون أهدافًا لغضب البحر. أما على شاطئٍ مهجور تآكل بفعل الظروف الجوية، فإن المشهد مختلف في الواقع، لكن المشاعر يسودها الرعب أكثر من المتعة الجامحة.
الآن، لنُلقِ نظرةً على الجانب الأكثر إشراقًا في الفترة الماضية. لا شك أن المتعة المستمدة من رؤية المناظر الطبيعية والسمات العامة للبلدان المختلفة التي قمنا بزيارتها كانت المصدر الأكبر والأكثر استدامة للمتعة. ربما يكون الجمال الأخَّاذ للعديد من مناطق أوروبا يفوق أي شيء رأيناه، ولكنْ ثمة متعةٌ متزايدة تكمن في مقارنة سمات المشهد في مختلف البلدان، وهو أمر يختلف إلى حدٍّ ما عن مجرد إبداء الإعجاب بجماله. والأمر متوقف بالأساس على معرفة الأجزاء الفردية المكوِّنة لكل مشهد؛ ولديَّ دافعٌ قوي للاعتقاد بأنه مثلما هو الحال في الموسيقى، حين يستمتع الشخص الذي يفهم كل نغمة، بالإضافة إلى امتلاكه ذوقًا مناسبًا، تمامًا بالمقطوعة ككل، كذلك قد يستوعب الشخص، الذي يتفحص كل جزء من مشهدٍ رائع، التأثير الكامل والمدمج للمشهد استيعابًا كاملًا؛ ومن ثَم لا بد أن يكون الرحالة عالم نباتات؛ إذ تشكل النباتات في جميع المناظر الطبيعية الزخرف الأساسي لها. اجمع كتلًا من الصخور العارية — بأغرب الأشكال على الإطلاق — وقد تشكل مشهدًا مهيبًا لبعض الوقت، إلا أنها سرعان ما ستصير مملَّة. تخيَّلها بألوانٍ زاهية ومتنوعة، كما في شمال تشيلي، وستصير مدهشة؛ أضف لها غطاءً نباتيًّا؛ ولا بد أن تصنع صورة حسنة، إن لم تكن بديعة.
حين أقول إن المناظر الطبيعية لبعض المناطق في أوروبا ربما تفوق أي شيء رأيناه، أستثني من ذلك المشهد الطبيعي في المناطق المدارية باعتبارها فئةً قائمة بذاتها. فلا يمكن مقارنة الفئتين ببعض؛ إلا أنني كثيرًا ما استفضتُ في الحديث بالفعل عن عظمة تلك المناطق. ونظرًا لأن قوة الانطباعات تعتمد عمومًا على الأفكار المسبقة، فيمكن أن أضيف هنا أن انطباعاتي كانت مستقاةً من التوصيفات القوية الحية المذكورة في كتاب «مذكرات شخصية» لهمبولت، الذي يفوق في الجدارة أي شيءٍ آخرَ قرأته، ولكن مع هذه الأفكار المحفِّزة، كانت مشاعري بعيدةً تمامًا عن أدنى شعور بخيبة الأمل عند هبوطي الأول والأخير على سواحل البرازيل.
من بين المناظر الطبيعية التي انطبعت في ذهني بشدة، لا شيء يضاهي مهابة الغابات البدائية التي لم تشوِّهها يد الإنسان بعدُ، سواء تلك الموجودة في البرازيل، حيث السيادة لقوى الحياة، أو تلك الموجودة في أرخبيل أرض النار، حيث يسود الموت والتحلُّل. فكلاهما يمثل معبدًا يزخر بمنتجاتٍ متنوعة لرب الطبيعة؛ ولا أحد يستطيع أن يقف في هذه الأماكن المنعزلة دون أن يتأثر، ودون أن يشعر بأن بداخل جسم الإنسان هناك ما هو أكثر من مجرد الأنفاس. وعند استحضار صور من الماضي، أجد سهول باتاجونيا كثيرًا ما تَمثُل أمام عينيَّ؛ غير أن هذه السهول وصفها الجميع بأنها حقيرة وعديمة الجدوى. ربما لا يمكن وصفها إلا بصفات سلبية؛ مثل: بلا مساكن، بلا ماء، بلا أشجار، بلا جبال، ولا يوجد بها سوى بعض النباتات القزمة. لماذا إذن بقيت صور هذه الأراضي القاحلة عالقة بقوة في ذاكرتي، علمًا بأن هذا ليس مقتصرًا عليَّ؟ لماذا لم تترك منطقة البامبا التي لا تزال أكثر استواءً وأكثر خضرةً وخصوبةً، وتحمل منافع للبشرية، انطباعًا مكافئًا؟ لا أستطيع أن أُحلِّل هذه المشاعر؛ إلا أن جزءًا منها يرجع حتمًا إلى المجال الحر الممنوح للخيال. إن سهول باتاجونيا غير محدودة؛ لأنه نادرًا ما يمكن اجتيازها؛ ومن ثم فهي غير معروفة؛ فهي تحمل سمة الاستمرارية لعقود، كما هي الآن، ويبدو أنه لا حدود أمام استمرارها في المستقبل. ولو أن الأرض المستوية، كما افترض القدماء، محاطة بنطاقٍ واسع من الماء لا يمكن اجتيازه، أو صحاري حارة إلى حدٍّ لا يمكن احتماله، فمن ذا الذي لن يلقي نظرة على هذه الحدود الأخيرة التي تقف أمام المعرفة البشرية بأحاسيسَ عميقة ولكنها غير محددة؟
وأخيرًا، وفيما يخص المشاهد الطبيعية، فالمناظر من فوق الجبال الشاهقة، رغم أنها بالتأكيد ليست جميلة من جانبٍ معين، فإنها لا تُنسي. فعند النظر إلى أسفل من فوق أعلى قمة لسلسلة الجبال، يمتلئ العقل، الذي لا تشغله التفاصيل الدقيقة، بالأبعاد المذهلة للكتل المحيطة.
وفيما يتعلق بالأهداف الخاصة، ربما لا يوجد شيء يثير الدهشة بلا شك أكثر من رؤيتك لأول مرةٍ شخصًا همجيًّا في موطنه الأصلي؛ إنسانًا في أدنى حالاته وأكثرها همجية. فحينئذٍ يسترجع المرء في ذهنه سريعًا القرون الماضية، ثم يتساءل: هل يمكن أن يكون أجدادنا يشبهون هؤلاء؟ أشخاصًا لهم إشارات وتعبيرات يصعب فهمها بالنسبة إلينا أكثر من تلك الخاصة بالحيوانات الأليفة؛ أشخاصًا لا يمتلكون غريزة تلك الحيوانات، كما لا يبدو أنهم يتباهون بالعقل البشري، أو على الأقل لا يتباهون بالمهارات المترتبة على استخدام ذلك العقل. ولا أعتقد أنه من الممكن وصف أو تصوير الاختلاف بين الإنسان الهمجي والإنسان المتحضر. إنه أشبه بالاختلاف بين الحيوان البري والحيوان الأليف، وجزء من الاهتمام برؤية رجلٍ هجمي هو ذاته الذي يقود الجميع إلى الرغبة في رؤية الأسد في الصحراء، أو النمر وهو يمزِّق فريسته في الغابة، أو وحيد القرن وهو يتجوَّل في السهول البرية بأفريقيا.
ومن بين أكثر المشاهد الأخرى اللافتة للنظر التي رأيناها، ربما تأتي كوكبة صليب الجنوب، وسحابة ماجلان، وغيرها من كوكبيات نصف الكرة الجنوبي؛ ظاهرة الشاهقة المائية؛ النهر الجليدي الذي يجري في مجراه الجليدي الأزرق، مُطلًّا بذلك على البحر في جرفٍ منحدر؛ جزيرة مرجانية ترتفع بواسطة المرجان المكوِّن للشعاب؛ بركانٌ نشط، إلى جانب الآثار الساحقة لزلزالٍ عنيف. ولعل هذه الظواهر الأخيرة تمثل أهميةً خاصة بالنسبة إليَّ؛ نظرًا لارتباطها الوثيق بالبنية الجيولوجية للعالم. غير أن الزلزال يُعدُّ بالنسبة إلى الجميع حتمًا ظاهرةً غاية في الروعة؛ فالأرض، التي تعتبر رمزًا للصلابة منذ مرحلةٍ مبكرة جدًّا من طفولتنا، اهتزَّت مثل قشرةٍ رقيقة أسفل أقدامنا؛ وعند رؤية جهود الإنسان المضنية تنهار أمام أعيننا في دقيقة، نشعر بضآلة قدرته التي يَتفاخَر بها.
يُقال إن حب المطاردة متعةٌ متأصِّلة لدى الإنسان؛ بقايا شغفٍ غريزي. إذا كان الأمر كذلك، فأنا واثق من أن متعة العيش في الهواء الطلق، واعتبار السماء سقفًا والأرض طاولةً، هو جزء من الشعور نفسه؛ فالهمجي الذي بداخله يعود إلى عاداته البرية والفطرية. لطالما أتذكَّر رحلاتي البحرية على متن القارب، ورحلاتي البرية، عندما أمرُّ ببلاد شبه مهجورة، بمتعةٍ بالغة لم يستطع أيٌّ من مشاهد الحضارة أن يخلقها. لا أشك أن كل رحالة يتذكر حتمًا إحساس السعادة المتوهِّج الذي خالجه حين كان يتنفس لأول مرة هواءً غير مألوف في مكانٍ نادرًا ما وطئته قدم الإنسان المتحضر أو لم تطأها مطلقًا.
توجد مصادرُ أخرى كثيرة للمتعة أكثر عقلانية في رحلةٍ بحريةٍ طويلة. فلم تعد خريطة العالم فارغة؛ بل صارت لوحةً زاخرة بأكثر الأشكال تنوُّعًا وحيوية. وكل جزء منها يتخذ أبعاده المناسبة؛ فالقارات لا يُنظَر إليها من منظور الجزر، ولا الجزر تُعتبر مجرد نقاطٍ سوداء، بل هي في الحقيقة حجمها أكبر من ممالكَ أوروبيةٍ كثيرة. أفريقيا أو أمريكا الشمالية والجنوبية هي أسماء ذات وقعٍ مألوف على الأذن ويسهل نطقها، لكن لا يدرك المرء تمامًا المساحات الشاسعة الموجودة في عالمنا التي تتضمنها هذه الأسماء حتى يبحر لأسابيع عبر أجزاءٍ صغيرة من سواحلها.
عند رؤية الوضع الحالي، من المستحيل ألا نتطلع وبداخلنا آمالٌ كبرى إلى تحقيق التقدم المستقبلي في نصفٍ كامل تقريبًا من الكرة الأرضية. فمسيرة التقدم، المترتبة على انتشار المسيحية عبر منطقة بحر الجنوب، تمثل في حد ذاتها علامةً بارزة على الأرجح في سجلات التاريخ. ومن المدهش أكثر حين نتذكر أنه قبل ستين عامًا فقط، استطاع كوك — الذي لا خلاف على حكمه السديد — أن يتنبَّأ بعدم وجود أي مجال لحدوث تغيير. غير أن هذه التغييرات تحققت الآن بفضل روح العمل الإنساني للأمة الإنجليزية.
وفي نفس الربع من العالم، تنهض أستراليا، أو بالأحرى يمكن أن نقول إنها نهضت بالفعل، لتصبح مركزًا حضاريًّا رائعًا، وفي غضون فترة ليست ببعيدة ستصبح الإمبراطورية الحاكمة لنصف الكرة الجنوبي. يستحيل ألا ينظر الإنجليزي إلى هذه المستعمرات البعيدة دون نظرة فخر ورضا كبيرة. يبدو أن رفع العلم البريطاني يصحب معه، كنتيجةٍ مؤكدة، الثراء والرخاء والحضارة.
في الختام، يبدو لي أنه لا شيء يمكن أن يضمن المزيد من التطور لعالم طبيعة شاب أكثر من رحلة عبر بلدانٍ بعيدة؛ فهي تصقل وتخفف جزئيًّا من حدة تلك الرغبة الملحَّة والتعطش، على حد تعليق سير جيه هيرشل، الذي يستشعره المرء رغم إشباع كل شعورٍ حسي إشباعًا تامًّا. فالإثارة المستقاة من جدة الأهداف وفرصة تحقيق النجاح تحفزه لزيادة نشاطه. علاوة على ذلك، فإن مجموعة من الأفكار المتفردة سرعان ما تصير مملَّة، أما إذا مارسنا عادة المقارنة فستؤدي إلى التعميم. على الجانب الآخر، نظرًا لأن الرحالة يمكث فترةً قصيرة فقط في كل مكان، فوصفه عمومًا يتكون حتمًا من مجرد صورٍ سريعة وحسب، بدلًا من ملاحظاتٍ تفصيلية. وهكذا، وكما اكتشفت من واقع تجاربي السلبية، تنشب نزعةٌ دائمة لسد الفجوات المعرفية الكبيرة من خلال فرضياتٍ سطحية غير دقيقة.
ولكني استمتعت استمتاعًا شديدًا بالرحلة البحرية، حتى إنني لا أملك إلا أن أنصح أي عالم طبيعة بأن يجازف ويبدأ السفر برًّا، إذا أمكنه، وإن لم يكن متاحًا، فليسافر برحلةٍ بحريةٍ طويلة، رغم أنه يجب ألَّا يتوقع أن يكون محظوظًا برفاقه مثلي. وليثق بأنه لن يقابل أي صعوبات أو مخاطر بالسوء الذي توقَّعه سلفًا، إلا في حالاتٍ نادرة. ومن وجهة نظر أخلاقية، لا بد أن يُعلِّمه تأثير الرحلة الصبر الجميل والتحرر من الأنانية وعادة الاعتماد على النفس وتحقيق الاستفادة القصوى من كل حدث. باختصار، لا بد أن يتحلى بالسمات المميزة لمعظم البحارة. ولا بد أن يعلمه الترحال أيضًا عدم وضع الثقة في كل الناس؛ ولكن في الوقت نفسه سيكتشف كم هناك من أشخاص يتحلَّون بقلوبٍ طيبة بحق، لم يلقهم قطُّ قبل ذلك، أو لن يلتقي بهم مجددًا على الإطلاق في المستقبل وسيجد أنهم على استعداد لتقديم المساعدة المنزهة عن أي غرض.