السيارة تنفجر عندما تتحرك!
وقف «أحمد» قليلًا يفكر؛ أين يمكن أن يكون قد ذهب «ديجال»؟ هل ابتلعته الأرض؟ وهل يشك في أن «أحمد» لا يزال يطارده؟ ولماذا اختفى بهذه السرعة؟
كانت عيناه تدوران في كل اتجاه، نظر في ساعة يده ثم ابتسم، إن هناك وقتًا حتى يصل إلى النقطة «ن»، حيث اللقاء مع الشياطين …
أسرع إلى السيارة فركبها، ثم انطلق. قال في نفسه: إلى أين يمكن أن يذهب «ديجال»؟
قطع الطريق من المطار إلى قلب المدينة. فجأة، أصابه ما يشبه الذهول. إن الشوارع مزدحمة تمامًا، آلاف السيارات التي تسير بمعدل بطيء؛ فالبقر في الشوارع يجعل حركتها بطيئة أيضًا، هل يمكن أن يتأخر عن موعد الشياطين؟ وهل يمكن أن يصل «ديجال» قبله إلى ميدان «نهرو»؟ نظر في ساعة يده، كان الوقت لا يزال في صالحه، خصوصًا وأن الميدان ليس بعيدًا.
مرت عشر دقائق، ثم ظهر الميدان في نهاية الشارع؛ فجأة ظهر عدد من الموتوسيكلات، ليقطع الطريق …
قال في نفسه: لا بد أنه موكب رسمي. هذه فرصة!
انتظر قليلًا، توالت الموتوسيكلات، ثم ظهرت سيارة سوداء تحمل علمًا رسميًّا، فعرف أن بداخل السيارة شخصية هامة. كان الشارع خاليًا الآن لمرور السيارة الرسمية، وعندما انتهى الموكب انتظم خلفه مباشرة فقطع الطريق بسرعة، وقبل أن تدق الساعة الثامنة بخمس دقائق، كان قد أوقف السيارة في أحد أماكن الانتظار القريبة، ثم غادرها إلى حيث النقطة «ن»، القريبة من نقطة لقاء رجال العصابة مع «ديجال».
ومن بعيد، لمح «مصباح»، و«بو عمير» و«رشيد»، فملأت وجهه ابتسامة ارتياح. كانوا يقفون وأعينهم تمسح الميدان بحثًا عن «أحمد». لكن، من منهم يستطيع التعرف على «أحمد» الآن وقد اختفى خلف طبقة الماكياج؟!
اقترب منهم في هدوء، ثم غيَّر صوته وهو يسأل: هل أستطيع أن أعرف أين ميدان «نهرو»؟
قال له «مصباح»: أنت الآن تقف في الميدان يا سيدي!
ابتسم «أحمد» قائلًا: شكرًا. وما كاد ينطق بكلمة الشكر حتى لمح «ديجال»، وهو ينزل من أحد التاكسيات ثم يتجه مباشرة إلى سيارة صفراء، تقف قريبًا منه. أسرع بإخراج فراشة إلكترونية، ثم وجَّهها إلى السيارة وأطلقها. اتجهت الفراشة إلى السيارة حتى التصقت بها.
كان يقف وظهره إلى الشياطين.
فلم يروا ماذا فعل. في نفس اللحظة، كان «ديجال» قد ركب السيارة الصفراء، التي انطلقت مباشرة.
سمع «رشيد» يتحدث بلغة الشياطين إلى «مصباح» و«بو عمير».
كان يقول: لقد تأخر «أحمد»، فقد مضت خمس دقائق!
التفت إليهم، وهو يتحدث بلغة الشياطين أيضًا قائلًا: إنني لم أتأخر أيها الأصدقاء!
نظر له الشياطين في دهشة، فقال بسرعة: لا تضيِّعوا وقتًا، فقد انطلق «ديجال» منذ خمس دقائق!
أسرع في مشيته في اتجاه السيارة، فتبعه الشياطين الذين لم يفهموا شيئًا مما قال، وعندما استقروا داخل السيارة، ضغط «أحمد» جهازًا فيها، فلمعت نقطة مضيئة على شاشة الجهاز، وحددت اتجاه سيارة العصابة.
سأل «مصباح»: من هو «ديجال»؟
بينما كان «رشيد» يقود السيارة تبعًا للاتجاه الذي حدده «أحمد»، أخذ يحكي لهم ما حدث منذ ركب الطائرة ومحاولة «ديجال» التخلص منه.
قال في النهاية: يبدو أن عصابة «سادة العالم» تعرف أننا في انتظارها كالعادة … لكنه أضاف بعد لحظة: غير أن «ديجال» تصوَّر أنني فقدت أثره، أو أنني انسحبت من مطاردته!
كانت السيارة تقطع الشوارع خارجة من مدينة «دلهي» إلى مشارف الصحراء، لقد استغرق ذلك وقتًا، فالمدينة كبيرة بجوار أن حركة الشوارع بطيئة … ولكن ذلك لم يكن يصيب الشياطين بالقلق؛ لأن السيارة مرصودة بالفراشة الإلكترونية.
عندما خرجت سيارة الشياطين خارج المدينة … قال «أحمد»: يجب رفع معدل السرعة.
ضغط «رشيد» قدم البنزين، فانطلقت السيارة كالصاروخ، كان «رشيد» قد ثبت اتجاه السيارة في نفس اتجاه النقطة المضيئة على شاشة الجهاز. ها هي صحراء «ثار» أمامهم، ممتدة إلى ما لا نهاية … الجبال العالية والمدقات الرملية والسهول الصفراء …
قال «بو عمير»: هنا، يظهر كل شيء … فلا أحد يستطيع الاختفاء!
ظلت السيارة في تقدمها، في حين كانت النقطة المضيئة ما تزال ثابتة على شاشة الجهاز.
فجأة، أوقف «رشيد» السيارة، حتى إن الشياطين اهتزوا بعنف، فسأل «أحمد»: ماذا هناك؟
أشار «رشيد» بيده إلى اتجاه. كانت السيارة الصفراء تقف جانب الطريق.
قال «أحمد»: فلنقترب في بطء …
تحرك «رشيد» بالسيارة، كما أشار «أحمد»، ثم ظلوا يقتربون إلا أن السيارة الأخرى لم تتحرك، حتى أصبحت قريبة تمامًا.
فهمس «مصباح»: أخشى أن يكونوا قد غادروها، واستقلوا سيارة أخرى!
أضاف «بو عمير»: أو تكون منطقة البحث قريبة من هنا!
أوقف «رشيد» السيارة، فقال «أحمد»: سوف أتقدم أنا و«مصباح» لنرى ماذا هناك؟ قفز الاثنان بسرعة، متجهين إلى سيارة العصابة. كانا يحتميان في ظلال الجبل المرتفع، الذي يقوم على جانب الطريق، ظلا يتقدمان، حتى أصبحا على بعد أمتار من السيارة.
قال «مصباح»: يبدو أن لا أحد هناك!
اقتربا في حذر أكثر، ثم كانت المفاجأة، لم يكن أحد في السيارة. وقف «أحمد» ينظر حوله، ثم تقدم قليلًا ونظر إلى الأرض. لم تكن هناك أي علامة على الأرض تدل على وجود سيارة أخرى.
فكر «أحمد» قليلًا ثم قال: هناك احتمالان، إما أن يكون هناك طريق آخر سلكته العصابة بسيارة أخرى، وإما أن يكون «ديجال» ومن معه قد غادروها سيرًا على الأقدام، وهذا يعني أن مكان الخزانة قريب!
صمت قليلًا ثم أضاف: سوف أصعد الجبل لأبحث عن مكانٍ مرتفعٍ، يمكن أن يكشف أي تحرك!
وفي لمح البصر، كان يقفز في رشاقة، متسلقًا الجبل الرملي، كانت الرمال الناعمة تعوق حركته، لكن الشياطين مدربون على مثل هذه الأماكن، وفي ربع ساعة كان يقف على قمة الجبل. ألقى نظرة سريعة على كل الاتجاهات لكن عينيه لم تريا شيئًا. أخرج نظارة مكبرة، ثم بدأ يمسح الأفق. ومن بعيد رأى غبارًا كثيفًا …
قال في نفسه: إذن، لقد سلكوا طريقًا آخر، بسيارة أخرى، فهذا الغبار لا تثيره أقدام!
أخرج جهازًا دقيقًا، ثم ضغط على زر فيه، وهو يوجهه ناحية الغبار، بعد قليل سجل الجهاز رقمًا، فقال «أحمد» في نفسه: إنهم لا يبعدون كثيرًا، ويمكن اللحاق بهم. إن اتجاههم معروف، فهم لا يستطيعون أن يتقدموا إلا تبعًا للطريق الموجود.
وفي سرعة كان ينزل من قمة الجبل؛ ولأن النزول أسهل من الصعود؛ ففي عشر دقائق، كان يقف بجوار «مصباح».
فكر لحظة ثم قال: فلنجرب سيارتهم.
قفز «مصباح» إلى داخل السيارة، لكنه لم يجد مفاتيحها. أخرج من جيبه آلة خاصة، ثم ضغط عليها، فدخلت في ثقب مفتاح السيارة، أدارها فارتفع صوت الموتور. نظر في عداد البنزين، فعرف أن بها كمية كبيرة … نظر إلى «أحمد» وقال: لا شيء يعوق الاستعانة بها!
فكر «أحمد» لحظة، ثم رد: لا بأس. دعها، وهيا بنا.
نزل «مصباح»، وفي نفس اللحظة التي كان «أحمد» يستعيد الفراشة الإلكترونية من مؤخرة السيارة أسرعا معًا بعيدًا عنها، فقال «أحمد»: إنهم لا يتركون السيارة هكذا إلا خدعة!
وعندما وصلا إلى سيارة الشياطين، قفزوا داخلها، فقال «أحمد»: اتجه بزاوية ١٨ درجة يمينًا، وارفع السرعة إلى درجتها القصوى.
وعندما انطلق «رشيد» بالسيارة، نقل لهم «أحمد» ما حدث، وقال في النهاية وهو ينظر إلى «مصباح»: كان يمكن أن نفقد «مصباح» اليوم.
نظر له «مصباح» في دهشة، وتساءل: لماذا؟!
أجاب «أحمد»: إنني أظن أن سيارة العصابة كان يمكن أن تنفجر، إذا تحركت بها …
اتسعت عينا «مصباح» دهشة … فقال «أحمد»: لقد استخدمت جهاز التوقيف الذي أحمله، حتى لا تتحرك بها … سكت لحظة، ثم أضاف: ولهذا تركوا السيارة مفتوحة!
كانت سيارة الشياطين منطلقة بأقصى سرعتها. نظر «أحمد» في جهاز الرادار الصغير الموجود في تابلوه السيارة، ثم ضغط زرًّا فيه؛ فارتفع إيريال طويل من سقف السيارة إلى ارتفاع عالٍ. فجأة، ظهرت إشارة على شاشة الرادار.
قال «أحمد» بعد أن قرأ الأرقام التي سُجلت على الشاشة: إننا نقترب منهم. ينبغي أن نسبقهم … ثم نقطع عليهم الطريق.
قال «بو عمير»: لكنهم ليسوا في طريقنا، فهم يتقدمون في طريق موازٍ لنا.
قال «أحمد»: ولهذا يجب أن نسبقهم، ثم نقطع الطريق عليهم بأنفسنا وليس بالسيارة …
ابتسم الجميع، كانت أعينهم معلقة بشاشة الرادار …
فجأة قال «أحمد»: هدئ السرعة، لقد تجاوزناهم!
أبطأ «رشيد» سرعة السيارة قليلًا قليلًا، حتى توقف تمامًا. وفي لحظة، كان الجميع قد قفزوا منها، غير أن «مصباح» صرخ: انبطحوا أرضًا!
في ثوانٍ، كان الجميع قد انبطحوا تحت السيارة، في نفس اللحظة، التي كانت طلقات الرصاص تنهمر عليهم كالمطر. كانت الطلقات تصطدم بجسم السيارة، ثم ترتد، وهي تصدر صوتًا كالصفير؛ فقد كانت من معدن ضد الرصاص.
همس «أحمد»: يجب أن نشتبك معهم، في الوقت الذي ينسحب جزء منا ليدور حولهم، سوف أنسحب أنا و«رشيد». وعلى «مصباح» و«بو عمير» أن يشتبكا، ويجب استخدام جهاز تعدد الدفعات، حتى يظنوا أننا مجموعة كبيرة، وحتى يظنوا أيضًا أننا جميعًا مشتبكون معهم.
سكت لحظة ثم أضاف: بعد قليل يجب استخدام المسدسات العادية، بعد نزع جهاز الدفعات، فإن ذلك سوف يعطيهم إيحاءً بأن بعضنا قد أُصيب … هيا، ابدءوا الاشتباك.
أخرج «مصباح» و«بو عمير» جهاز تعدد الطلقات، ثم بدءوا يشتبكون معهم. كانت مجموعات الرصاص، التي تصدر من أسفل السيارة، كبيرة، حتى إنه يمكن أن تعطي إيحاءً بكثرة العدد. في نفس الوقت، كان «أحمد» و«رشيد» قد انسحبا من الطرف الآخر للسيارة، متجهين في نصف دائرة، بعيدًا عن المكان، وفي نفس الوقت لتحقيق حركة تطويق للعصابة.
كانا يزحفان حتى لا تراهما العصابة، وكان ذلك يجعل حركتهما أبطأ، في نفس الوقت كان «أحمد» يستمع لصوت الطلقات من الجانبين حتى يعرف سير الاشتباك. فجأة، بدأ صوت طلقات الشياطين يقل، فقال «أحمد» في نفسه: إنهما ينفذان الخطة جيدًا.
استمرَّا في زحفهما حتى ابتعدا تمامًا، وأصبح من الممكن أن يبدأ الصعود. وقفا بسرعة، ثم أخذا يتسلَّقان الجبل. كان الجبل الرملي ينحدر عند قاعدة بطريقة تسهل لهما حركة الصعود. لكنه فجأة تحوَّل إلى انحدار يكاد يكون رأسيًّا، مما يجعل حركة الصعود صعبة تمامًا.
أخرج «أحمد» خنجرًا، ونظر إلى «رشيد» ثم ابتسم، لقد كان «رشيد» ينفذ نفس العملية. غرز الخنجر في الرمال، ثم جذب نفسه في قوة فارتفع. إلا أن ذلك احتاج إلى جهد كبير. أخرج خنجرًا آخر وبدأ يتسلق بالخنجرين بالتبادل، فسهل ذلك عملية الصعود. كانت قمة الجبل ما تزال بعيدة بعض الشيء، لكن ذلك لم يكن شيئًا مفزعًا لهما، فقد كانا يتقدمان بسرعة جيدة، بينما كانت أصوات طلقات الرصاص، ما تزال تدوِّي في فضاء الصحراء.
اقتربت القمة أكثر، حتى لم تعد تبعد سوى عدة أمتار. خطوة أخرى، وثانية، وثالثة، وأصبحت القمة على امتداد يد «أحمد» بينما كان «رشيد» خلفه مباشرة. وضع «أحمد» يده على الحافة، ثم جذب نفسه إليها، لكن فجأة، حدث ما لم يكن يتوقعه.