كارثة وسط المعركة!
التصق الشياطين بالرمال، فقد كانت الطائرة منخفضة إلى حد يمكن أن تكشف وجودهم، وعندما تجاوزتهم دارت دورة كاملة ثم عادت من جديد.
همس «مصباح»: هذه الطائرة تبحث عنا!
قال «بو عمير»: ربما تكون في حالة بحث عن مكان تهبط فيه …
وكما توقع «بو عمير» دارت الطائرة دورة، ثم نزلت، حتى استقرت على الأرض. في نفس الوقت، كان الشياطين يرصدون تحرك المجموعتين، مجموعة «ديدي» ومجموعة «ديجال». كانت الطائرة تقف في مكان متقدم، حتى إن تفاصيلها كانت تبدو غير واضحة تمامًا، خصوصًا مع عكسها لضوء النهار الشديد في الصحراء. أخرج «أحمد» منظاره المكبر، ورفعه إلى عينيه ثم أخذ ينقل ما أمامه لبقية الشياطين.
قال «أحمد»: لقد نزل الاثنان. صمت قليلًا ثم قال: ها هو واحد آخر، ويبدو أنه قائد العملية. صمت مرة أخرى، ثم قال: لقد بدأ بقية الرجال في النزول. مرت لحظات، وهو يراقب، ثم قال: إنهم الآن، تسع رجال.
أخرج قائدهم منديلًا، ثم أخذ يلوح به. لحظة، ثم ارتفعت يد «ديجال» تلوح بمنديل، وكأنه يرد على القائد.
قال «أحمد»: ينبغي أن نتقدم الآن. وأظن أنهم سوف يبدءون عملًا ما …
أنزل منظاره، ثم بدءوا يزحفون. مرت نصف ساعة، كانت المجموعتان ﻟ «ديدي» و«ديجال» تتقدمان بسرعة أكثر.
قال «رشيد»: إننا سوف نتأخر عن عمل أي شيء، يجب أن نسرع …
أضاف «بو عمير»: من الممكن أن ننحرف للداخل، حتى لا نكون في منطقة الرؤية بالنسبة لهم.
كانت الفكرة جيدة، فنفذوها فورًا. اتجهوا إلى الداخل بمسافة تسمح لهم بالمعركة دون أن يظهروا، وعندما أصبحت المسافة كافية، وقفوا، ثم بدءوا الجري.
قال «أحمد»: لا ينبغي أن نثير أي رمال حتى لا ننكشف …
أسرعوا أكثر. في نفس الوقت، مال «أحمد» إلى حافة الجبل، ثم ألقى نظرة سريعة وقال: لقد انضمت المجموعتان إلى المجموعة الثالثة …
استمروا في تقدمهم. فجأة، كانت نهاية الجبل، فتوقف الشياطين.
فهمس «أحمد»: يجب أن ننبطح، حتى لا نظهر فنحن في قمة الجبل. وهذا يجعلنا نظهر أكثر.
انبطح الشياطين، وكان رجال العصابة أمامهم تمامًا الآن.
كانوا يقفون في شبه دائرة، بينما كان «ديجال» يشرح لقائد العملية، إلا أن الصوت لم يكن يصل إلى الشياطين. أسرع «أحمد» بإخراج الفراشة الإلكترونية، ثم وجهها إليهم، وأطلقها. في نفس الوقت، كان «رشيد» يتابع الفراشة الدقيقة بالمنظار المكبر، وعندما استقرت بجوارهم ضغط «أحمد» زرًّا في جهاز الاستقبال، فبدأ يسمع ما يقال.
كان «ديجال» يقول: إن الخزانة تقع على عمق مترين من سطح الأرض، وهذا يحتاج إلى عمل طويل، قد يستغرق عدة ساعات … فالرمال هنا تنهار بسرعة، بجوار أن المنطقة هنا غير مأمونة. فقد سقطت هنا قنابل، ربما لم تنفجر.
أجاب صوت: إننا نستطيع استخدام الديناميت.
رد «ديجال»: هذه فكرة، ويمكن أن نستخدمها. فقط يجب أن نحذر أن يكون الديناميت على بعد متر ونصف مثلًا، حتى لا يصيب الخزانة، ونفقد كل شيء.
همس «مصباح» وهو يبتسم: لقد قاموا بالعمل. يجب أن نشكرهم.
ابتسم «بو عمير» وهو يقول: إذن عليك أن تكون مندوبًا عنا، لتقدم لهم شكرنا …
كان رجال العصابة قد بدءوا في دق الديناميت. فهم يقومون بدق ماسورة إلى متر ونصف، ثم يضعون الديناميت مكان الماسورة. بعد أن انتهى دق الماسورة، ابتعد الرجال عن المكان، وظهر سلك التفجير وهم يمدونه … وعندما أصبحوا على مسافة كافية وقف أحدهم وبيده جهاز التفجير.
أدرك «أحمد» أنه نسي الفراشة هناك … فأسرع باستدعائها. وبعد قليل اهتزت الأرض وثارت الرمال في عمود طويل، فقد ضغط الرجل جهاز التفجير، وعندما هدأت الرمال تمامًا، تحرك الرجال بسرعة إلى مكان التفجير. كانت دائرة واسعة، قد أحدثها الديناميت في الرمال. لكن الرمال كانت تنهار لتسد الدائرة مرة أخرى غير أن الرجال أسرعوا يحاولون وقف الانهيار. كانوا يعملون بسرعة فقال «أحمد» مبتسمًا: إنهم سوف ينهارون هم الآخرون في اللحظة المناسبة.
ابتسم الشياطين، فقد فهموا ماذا يقصد «أحمد». إن ما يقصده أنهم سوف يفقدون جهدهم في العمل، وعندما تحين لحظة الصدام معهم لن تكون لديهم القوة، وهذا يعطي الشياطين فرصة إنهاء المعركة بسرعة.
ظلوا يراقبون العمل، الذي اشترك فيه الجميع، حتى «ديجال» نفسه وقائد العملية هو الآخر. لقد كان عملًا شاقًّا بالفعل، وسط حرارة مرتفعة. مضت ساعتان، وبدأت قوى الرجال تنفد حتى إنهم أخذوا يجلسون الواحد بعد الآخر لينالوا قسطًا من الراحة.
نظر «أحمد» في ساعة يده، ثم همس: إنهم يمكن أن يعملوا حتى الليل، سكت لحظة ثم أضاف: إن الطائرة تبعد عنهم بمسافة كافية لأن تفعل شيئًا، فهي وسيلتهم الوحيدة الآن في نقل الخزانة، وهذا إذا وصلوا إليها.
لم يرد أحد مباشرة … لكن بعد قليل، قال «مصباح»: أقترح أن يقوم أحدنا بعملية انتحارية، من أجل تعطيل الطائرة.
قال «أحمد» على الفور: إننا يجب أن ننزل فورًا … ينبغي أن ندور في مسافة كبيرة، حتى نصبح أقرب للطائرة فهم لن يصلوا إلى الخزانة الآن.
وبسرعة، كان الشياطين يغادرون الجبل من جانب آخر بعيدًا عن رجال العصابة. داروا دورة واسعة بعيدًا عنهم، حتى أصبحوا خلف الطائرة مباشرة.
قال «أحمد»: الآن ينبغي أن نتقدم زحفًا، حتى لا تقع أعينهم علينا.
بدءوا زحفهم في حذر، حتى لا يثيروا الرمال. في نفس الوقت، كانت أعينهم على العصابة التي أصبحت تعمل في بطء. فجأة رأوا «ديجال» ينظر في اتجاههم، ثم يشير بيده. توقف الشياطين، والتصقوا بالأرض.
لم يكن أحد ينظر في اتجاه العصابة، سوى «أحمد» الذي قال: إن مجموعة منهم تتجه إلينا، يجب أن تكونوا مستعدين للمعركة، التي أظن أنها سوف تبدأ الآن!
بدأ كل منهم يجمع كومة رمال في هدوء أمامه، حتى تكون ساترًا له، إذا أطلق أحد من رجال العصابة الرصاص، ظل «أحمد» يرقبهم، حتى تجاوزوا الطائرة.
فهمس «أحمد»: إنهم يقتربون أكثر.
أسرع كل من الشياطين بإخراج مسدسه في انتظار اللحظة المناسبة. اقترب رجال العصابة أكثر حتى أصبح اقترابهم يهدد ويكشف وجود الشياطين.
في لمح البصر أخرج «أحمد» قنبلة دخان، واستعد. توقف رجال العصابة، ثم أخرجوا مسدساتهم، وأصبح واضحًا أمام «أحمد» أنهم سوف يطلقون رصاصهم؛ ولذلك أسرع ينزع فتيل قنبلة الدخان، ثم قذفها بقوة في اتجاههم.
لحظة ثم انتشر الدخان بسرعة، وكان هذا بداية المعركة فقد انطلقت الطلقات في اتجاه الشياطين كالمطر، إلا أنهم تحت ستار الدخان كانوا قد غيروا مكانهم، مع التقدم مسافة في اتجاه الطائرة … بدأ الدخان يخف، فأسرع «أحمد» بإلقاء قنبلة أخرى، فازدادت كثافة الدخان. كان الرجال جميعًا يغلفهم الدخان، وكان هذا يعطي فرصة للشياطين ليحددوا أماكنهم.
فجأة، ارتفع صوت محرك الطائرة فهمس «رشيد»: إن الطائرة، سوف تهرب!
إلا أن «أحمد» كان مستعدًّا، فقد أطلق طلقة في اتجاه محرك الطائرة، وعندما رنت الطلقة باصطدامها بمعدن المحرك تباطأ الصوت حتى توقف. في نفس اللحظة قال: يجب أن نشتبك الآن …
وفي لمح البصر كان الشياطين يأخذون طريقهم قفزا، قبل أن يستطيع رجال العصابة الخروج من منطقة الدخان، وعندما أصبحوا هم الآخرين داخلها كان الرجال يتخبطون وهم لا يعرفون ماذا يفعلون، إلا أن الشياطين استغلوا الفرصة. جذب «أحمد» أول من قابله ثم سدد له لكمة قوية جعلته يتراجع، غير أنه لم يتركه، فقد تابعه وجذبه بقوة جعلته يسقط على الأرض. إن الشياطين يعرفون كيف يتصرَّفون داخل منطقة الدخان.
إلا أن الموقف تغير … ففي هذه المنطقة الصحراوية، يتغير المناخ بين لحظة وأخرى. ففجأة، نزلت السيول تجرف أمامها كل شيء … وفي دقائق كان الدخان قد هدأ تمامًا، وانكشف كل شيء … أصبحت المواجهة الآن مباشرة، إلا أن الشياطين كانوا يعرفون أنهم أمام عدو فقد مقدرته؛ ولذلك كانت المعركة تستحق التسجيل.
لقد طار «مصباح» في الهواء، وضرب رجلين معًا فاصطدما برجلين آخرين، وسقط الأربعة بلا حركة. في نفس الوقت كان «رشيد» قد أمسك أحدهما ثم دار به دورة كاملة، وتركه فجأة فاندفع الرجل يصطدم بكل من يقابله، ليقع بأربعة منهم على الأرض … بينما كان «أحمد» قد رفع أحدهم ثم قذفه، فاصطدم باثنين. أما «بو عمير» فقد تلقى ضربة أحدهم، وكانت ضربة خفيفة، ثم عاجله بضربة، فترنح، أسرع إليه، ثم حمله ودار به دورة كاملة، ثم تخلَّى عنه فجأة، فاصطدم بأقرب الرجال إليه.
كان المطر لا يزال ينهمر في قوة، ولم يكن ذلك يثني الشياطين عن الاستمرار في المعركة التي كانت لصالحهم تمامًا. وفي لحظة كانت المجموعة الأخرى من الرجال قد تقدمت في سرعة، لتنضم إلى المجموعة التي كانت قد استقر معظمها على الأرض بلا حراك، وكانت المجموعة الثانية تضم «ديجال». كان الشياطين حريصين على أن يظلوا مشتبكين، حتى لا يستخدم أحد مسدسه؛ ولذلك ما إن اقترب الآخرون، الذين كان يبدون أنهم أكثر نشاطًا بتأثير المطر الذي أنعشهم حتى كان الشياطين قد أنهوا معركتهم مع المجموعة الأولى.
ومن جديد بدأت معركة أخرى. كان الشياطين لا يزالون يحتفظون بقواهم، فالمعركة الأولى لم تستنفد قواهم بعد؛ ولذلك ما إن تقدم الآخرون حتى كان الشياطين يفاجئونهم بضربة واحدة. لقد طار الأربعة في الهواء، وكان طيرانهم معًا يغطي مساحة واسعة ضمت معظم المجموعة الجديدة، وفي ضربة واحدة كان الرجال يتخبطون الواحد في الآخر، وقبل أن يفيقوا كان «أحمد» قد قفز عدة قفزات متوالية في اتجاه الطائرة، فهو يعرف أن المعركة لن تطول والطائرة يمكن أن تفيدهم كثيرًا، فقد تظهر مفاجآت أخرى. وعندما وصل إليها، قفز إلى داخلها ثم حاول إدارة محركها، إلا أنه لم يستجِبْ له … حاول مرة أخرى فلم يستطع. فكر قليلًا، ثم ألقى نظرة سريعة في اتجاه المعركة جعلته يغادر الطائرة مباشرة.
لقد كانت المعركة تميل إلى الكفة الأخرى، وقد تنتهي لغير صالح الشياطين. وفي لمح البصر كان قد استقرَّ وسط ميدان المعركة متجهًا إلى «رشيد» الذي كان يشتبك مع واحد يتمتع بقدرات عضلية قوية. كان الرجل قد ضرب «رشيد» ضربة قوية استطاع «رشيد» أن يمتصها، إلا أن الرجل كان قد عاجله بأخرى. في نفس اللحظة التي وصل فيها «أحمد» أمسك ذراع الرجل، الذي كان في طريقه إلى وجه «رشيد». فاهتز «أحمد» لقوة الذراع، لكنه في حركة بارعة دار في الهواء وهو يمسك بذراع الرجل فالتوى معه بقوة في نفس اللحظة التي سدد له لكمة قوية، جعلت الرجل يصرخ من الألم.
فجأة، ظهر ما لم يكن يتوقعه أحد. لقد كان هناك سيل جارف، ينحدر من قمة الجبل، فيدفع كل شيء أمامه.
أبصر «أحمد» سرعة وقوة السيل، فصرخ: «احذروا الكارثة!»