وأخيرًا … كانت نهاية الصراع!
كان السيل الجارف يأخذ في طريقه كل شيء، حتى الطائرة نفسها … فقد اندفعت بقوة السيل في الطريق إلى ميدان المعركة. كان رجال العصابة عندما رأوا السيل قد أسرعوا هاربين. لكن الشياطين الذين يعرفون أن مهمتهم لم تنتهِ بعد، فقد ظلوا في أماكنهم، كانوا قد استعدوا بعد أن نظروا إلى بعضهم، وفهموا ما سوف يفعلونه. لقد كانت الطائرة تأتي في مقدمة السيل، وعندما أصبحت قريبة منهم كانوا قد قفزوا جميعًا في اتجاهها، وتعلقوا بجناحيها، وفي رشاقة كانوا يتحركون إلى داخلها.
لقد أنقذتهم الطائرة وتصرفهم الذكي من نهاية مُحققة … ولقوة السيل فقد استمرت الطائرة في اندفاعها، حتى إنها بدأت تلحق برجال العصابة الذين كانوا يصيحون خوفًا من النهاية، وعندما لحقت بهم الطائرة حاولوا أن يتعلقوا بها، كما فعل الشياطين إلا أنهم لم يستطيعوا تحقيق ذلك …
في نفس الوقت كانت مياه السيل المندفعة بقوة قد لحقت بهم، وغطتهم تمامًا، حتى إنه لم يظهر أي واحد منهم.
كان الشياطين يرقبون ذلك كله، لكنهم في نفس الوقت كانوا يفكرون في شيء آخر؛ ماذا عن خزانة الرمال؟ هل لحق بها الضرر؟ وهل يمكن أن تتسرب المياه إليها فتفسد ما بداخلها من أوراق هامة تحمل خطة الدفاع عن الشرق الأوسط؟ وهل يمكن أن يعثروا عليها مرة أخرى، خصوصًا وأن اندفاع السيل كان قويًّا، حتى إنهم بدءوا يبتعدون تمامًا عن المكان …
قال «أحمد»: لا بد من عمل شيء. إننا نبتعد وسوف نفقد مكان الخزانة. صحيح أن «ديجال» قد اختفى، لكن ذلك أدعى إلى أن المكان سوف يضيع منا؛ إن «ديجال» يحمل خريطة للمكان وهو الذي يعرفه.
استمرت الطائرة في اندفاعها، لكن فجأة، لمح الشياطين كارثة أخرى؛ إذ كان أمامهم جبل ضخم حتى إن «مصباح» قال: سوف نصطدم بالجبل، وقد تكون هذه نهايتنا، تمامًا كرجال العصابة.
كان الجبل يقترب بسرعة، قال «أحمد»: لا بد أن نغادر الطائرة.
رد «رشيد»: كيف مع هذا الاندفاع الهائل؟
أجاب «أحمد»: إن هذه فرصتنا، فإذا لم نستطع أن نخرج من الطائرة فإننا لا نعرف ماذا يمكن أن يحدث؟
قال «بو عمير»: إنني أعتقد أننا نستطيع تحقيق فكرة «أحمد»، لو انتظرنا الجبل حتى يقترب، ثم نقفز عليه … إنه من الواضح أن السيل لن يرتفع إليه.
كانت فكرة لامعة. وقف الشياطين متحفزين، وقد قدروا المسافة التي يتحركون فيها. اندفعت الطائرة بسرعة، وقبل أن تصطدم بالجبل بدقيقتين، كان الشياطين يطيرون في الهواء، إلى قمة الجبل … وعندما اصطدمت أرجلهم به، كانت الطائرة قد تناثرت شظايا.
همس «مصباح»: لقد نجونا بمعجزة!
إلا أن كلماته لم تنتهِ. فقد كان الجبل يكاد يذوب لقوة المياه. فقد أخذت الرمال تنهار …
لم يكن أمام الشياطين إلا العوم. أسرع كل منهم وأخرج أنبوبة من المطاط، نفخها بسرعة، ثم تعلق بها. في نفس الوقت كانوا يستخدمون خناجرهم في تثبيت أماكنهم حتى لا تجرفهم المياه بعيدًا … ظلوا في صراعهم مع الماء وشيئًا فشيئًا، بدأ السيل يهدأ، وتقل المياه، ثم أخذت تنحسر. في نفس الوقت الذي كانت الرمال تتشرب جزءًا كبيرًا منها، وفجأة، وجدوا أنفسهم واقفين فوق الرمال المبتلة.
قال «أحمد»: إنها فرصتنا لنعود بسرعة وهذه الرمال المبتلة لن تعوقنا عن السير …
وفي لحظات كانوا يعودون أدراجهم في اتجاه مكان الخزانة، لكن المسافة كانت طويلة في الوقت الذي كانوا قد فقدوا قواهم في صراعهم مع المياه. ولم يكن أمامهم إلا أن يجلسوا فوق الرمال المبتلة، حتى يستعيدوا نشاطهم. كانت الشمس قد بدأت تميل ناحية الغرب، وكان هذا يعني بالنسبة لهم مشكلة أخرى … ففي الليل لن يستطيعوا عمل أي شيء … خصوصًا وأن الظلام سوف يكون كثيفا.
إلا أن «أحمد» قال: إن الحظ يلعب معنا لعبة طيبة، فبعد ساعة سوف يظهر القمر. إن حساباتنا تأتي على حساب مكان المقر السري، ونحن في مكان مختلف.
استلقى الشياطين تمامًا على الأرض التي كانت قد بدأت تجف نوعًا بطبيعة الرمال التي تشرب الماء، وكانت الساعة التي حددها «أحمد» كافية تمامًا لأن يستعيدوا نشاطهم، ليبدءوا جولتهم الجديدة. مر الوقت ثم بدأ الليل يغطي المكان، فلا يكاد يظهر شيء، إلا أنهم فجأة هبوا واقفين. لقد كان هناك ضوء يلمع عند الأفق.
قال «أحمد» بسرعة: يبدو أن هذه نجدة جديدة!
سأل «مصباح»: هل تظن أنها نجدة من «سادة العالم»؟
رد «أحمد»: ربما، فمن يعرف بوجود الخزانة غيرهم!
قال «رشيد»: لعلها جهة أخرى، إن عصابة «سادة العالم» ليست وحدها المهتمة بالوثائق الهامة …
في لحظات كان الشياطين يقطعون المسافة جريًا، وكانت الرمال الملساء والقوية بفعل الماء تساعدهم على التقدم بسرعة، كان الضوء يقترب أكثر فأكثر …
ووسط تقدمهم السريع قال «بو عمير»: إن هذه فرصة طيبة لنا. إن الليل سوف يساعدنا على تحقيق نتيجة أفضل، نتمنى أن يتأخر ظهور القمر حتى لا يكشف وجودنا.
بعد قليل بدأ القمر في الظهور، لكنه لم يكن قوي الضوء … فقد كان في ربعه تقريبًا، ولم يكن ضوءُه كافيًّا ليكشفهم. اقترب الشياطين، وكانوا الآن يعرفون طبيعة المنطقة؛ ولذلك فلم يتجهوا إلى مصدر الضوء مباشرة. لقد أخذوا جانب الرمال المرتفعة حتى تخفيهم عن أعين من هناك … اقتربوا حتى ظهرت ملامح الرجال. كان بعضهم يغوص في بركة من الماء التي أحدثها السيل، بينما كان الآخرون يقفون عند الحافة في انتظار ظهور الخزانة.
ابتسم «رشيد» وهو يقول: إنهم يقومون بعمل جليل من أجلنا، فقد كنا سنقوم بنفس العمل!
ابتسم الشياطين لكلمات «رشيد»، في الوقت الذي أخرج فيه «أحمد» فراشته الإلكترونية، ثم وجهها إلى المكان حتى يلم بما يحدث هناك. وعندما استقرت الفراشة بجانب الرجال ضغط زر جهاز الاستقبال ثم بدأ يسمع ما يدور هناك.
جاء صوت يقول: هذه بقاياهم. وهذه الحفرة دليل وجودهم هنا …
لكن يبدو أن السيل قد عاكسهم كثيرًا … ولعلهم الآن في مكان ما … للراحة …
رد آخر: إن السيد «ديجال» كان يحمل خريطة للمكان!
ضحك صوت، وقال: إنها لم تكن سوى صورة من الخريطة الأصلية؟
تساءل صوت: هل توصلتم لشيء؟
أجاب صوت آخر بعد قليل: نعم. إن الخزانة موجودة لكن الرمال تجعلها أكثر ثقلًا من وزنها الأصلي … فالماء والرمال يحوطانها بشكل غريب وكأن أحدًا قد أخفاها بالاثنين معًا …
رد الصوت الأول: اعملوا جهدكم. إن الزعيم في انتظار إشارة منا …
صمتت الأصوات قليلًا، فقال «بو عمير»: إنها أيضًا عصابة «سادة العالم» مرة أخرى.
قال «رشيد»: متى سوف نضرب ضربتنا؟
رد «أحمد»: عندما تظهر الخزانة!
فجأة جاء صوت: إن الخزانة لا تتحرك من مكانها. فهي كبيرة الحجم فعلًا …
قال واحد: لا أدري لماذا كل هذا الحجم؟
رد آخر: هذه الأحجام كانت أيامهم. فلم يكونوا قد توصلوا لما نحن فيه الآن!
مر بعض الوقت ثم قال واحد: لا بد من حبل، حتى تساعدونا. سوف نربطها وتجذبون أنتم ونحن نحاول أن نزحزحها من مكانها …
صمتت الأصوات مرة أخرى، فقال «بو عمير»: إننا نقترب من اللحظة الهامة …
زحف الشياطين أكثر مقتربين من رجال العصابة الذين كانوا يعملون تحت ضوء يكفي لكشفهم تمامًا … فجأة، وصلهم صوت: ها هي قد تزحزحت من مكانها!
قال آخر: اجذبوا بقوة …
رفع «أحمد» رأسه فرأى كل شيء. كان بعض الرجال يجذبون حبلًا في قوة بينما آخرون حتى رقبتهم في بركة الماء. ظل الجذب مستمرًّا.
همس «مصباح»: أليست هذه فرصة، حتى ننقض عليهم!
رد «أحمد»: الانتظار أكثر فائدة، فلو انقضضنا عليهم الآن. فسوف يتركون الخزانة لتختفي في الماء من جديد لكن عندما تخرج فسوف تكون قواهم قد انتهت.
ظل «أحمد» يرقب.
بدأت الخزانة في الظهور. لحظات ثم أصبحت فوق الرمال خارج بركة الماء. وقف الرجال حولها، كانت تبدو عليهم فرحة الانتصار. غير أن الشياطين كانوا أكثر فرحًا فها هي الخزانة بين أيديهم.
قال واحد: ينبغي أن نأتي بالسيارة إلى هنا، حتى تحمل الخزانة!
قال آخر: لا داعي، يمكن أن نعالجها ثم نحصل على الوثائق ونتركها!
رد الأول: إن الزعيم قد أمر بأن نحضر الخزانة أيضًا.
مرت لحظة صمت ثم أضاف نفس الرجل: هيا، فليذهب «كروجر» لإحضار السيارة …
بدأ «كروجر» يتحرك. كان شابًّا مفتول العضلات.
فجأة همس «أحمد»: إنها فرصتنا! «مصباح» و«رشيد» يتبعان «كروجر»، وعندما يقترب من السيارة ينقضان عليه، ويتخلصان منه، ثم يعودان بالسيارة.
بسرعة كان «مصباح» و«رشيد» يزحفان مبتعدين عن المكان، وهما يتبعان «كروجر». أما «أحمد» و«بو عمير» فقد ظلا في مكانهما، يرقبان الرجال.
جلس أحدهم على الخزانة، وقال مبتسمًا: إن هذه ثروة تساوي ملايين!
رد آخر: إن أي حاكم عربي يتمنى لو يدفع فيها ما نطلبه في سبيل الحصول على وثائق الدفاع عن بلادهم!
ابتسم «أحمد» لهذا القول، وقال في نفسه: إنكم لا تعلمون أنكم سوف تفقدون كل شيء بعد قليلٍ. فجأة ارتفع صوت موتور السيارة فعرف «أحمد» و«بو عمير» أن «مصباح» و«رشيد» قد قاما بالمهمة تمامًا. أخذ صوت السيارة يقترب ثم بدأت الأضواء تلمع، حتى ظهرت تمامًا، فكشفت المجموعة كلها وكأنهم يقفون في وضح النهار.
قال واحد: هيا نحملها معًا.
فجأة اندفعت السيارة في قوة في اتجاه رجال العصابة، حتى إن أحدهم صاح: انتظر يا «كروجر» إنك تكاد تقضي علينا.
لكن السيارة ظلت مندفعة ثم فجأة انحرفت في براعة حتى إن الرجال تركوا الخزانة وقفز كل منهم إلى مكان خوفًا من أن تدهمه السيارة. في نفس الوقت صاح أحدهم: إن «كروجر» يريد أن يحصل على الخزانة …
غير أن الشياطين كانوا قد أصبحوا داخل المكان في لمح البصر. كان «أحمد» و«بو عمير» قد قفزا في رشاقة في وسط الرجال، فأطاح «أحمد» بثلاثة معًا، وأطاح «بو عمير» بثلاثة آخرين. أما الباقون فكانت المفاجأة قد أذهلتهم، فلم يتحركوا. كان «مصباح» و«رشيد» قد انضما إلى «أحمد» و«بو عمير».
قفز «مصباح» إلى اثنين في حالة ذهول، وضرب الاثنين معًا ضربة واحدة فانطرحا أرضًا.
في نقس الوقت كان «رشيد» قد سدد لكمة قوية إلى أقرب الرجال إليه فتهاوى، إلا أن رجال العصابة قد استطاعوا أن يستعيدوا رشدهم بسرعة ويتخلصوا من لحظة المفاجأة، ودارت معركة عنيفة إلا أن الشياطين الذين كانوا أكثر نشاطًا، استطاعوا أن ينهوا المعركة بسرعة.
وعندما وقفوا ينظرون إلى الرجال الذين كانوا مبعثرين على الأرض، كان «أحمد» قد أسرع بإرسال رسالة إلى رقم «صفر» في المقر السري، وعندما انتهى منها جاءه الرد سريعًا: تقدموا واتركوهم، إن هناك من سوف يقوم بالمهمة …
تكاتف الشياطين، وفي قوة استطاعوا أن ينقلوا الخزانة إلى مؤخرة السيارة، وفي ثوانٍ كانوا قد استقروا داخلها، حيث كان «بو عمير» يجلس إلى عجلة القيادة، وأدار محرك السيارة، ثم انطلق متهاديًا، وهو يتنسم هواء الصحراء الذي بلله المطر.
ولم تمضِ نصف ساعة حتى اصطدمت بهم أضواء قادمة من بعيد، فقال «أحمد»: لعل هؤلاء هم الذين سوف يقومون بالمهمة.
وبعد قليل كانت سيارة ضخمة تتقدم وقد رفعت العلم الهندي. وعندما توقفت أمام السيارة التي يركبها الشياطين رفع القائد يده بالتحية ثم استمرت السيارة في طريقها، بينما كان الشياطين يغوصون في الليل الفضي، فقد انتهت المغامرة بنجاح بعد عناء طويل.