من البرج العاجي
«وفي اعتقادي أن كل إنسان، ولا سيما المفكر والفنان، له في حياته منطقة حُرة عالية يخلو فيها إلى
نفسه ليرى الأشياء في صفائها. فالبرج العاجي للإنسان كالبرج العالي للحمام؛ في النهار يهبط الحمام
إلى الأرض يلتقط حبات رزقه ثم يطير إلى أعالي برجه.»
لطالما كان وصف «البرج العاجي» تهمةً تُلاحق المفكرين والفلاسفة أينما حلُّوا وكلما أبدَوا
آراءهم حول قضية معاصرة أو كتبوا في أمرٍ من الشأن العام؛ فقد ساد الاعتقاد بأن اعتصام الكاتب أو
المفكر ببرجه العاجي يستلزم قصوره في إدراك الواقع بالضرورة وغياب حقائق الوجود عنه. وهو ما يدحضه
«توفيق الحكيم» في تأملاته هذه خلال هذا الكتاب نظريًّا وعمليًّا، ويضع تصوُّره الخاص حول أهمية
البرج العاجي للمفكر؛ فالبرج العاجي الذي يريده لنفسه ولغيره من المفكرين هو الوحدة بمعانيها
المجردة العليا؛ أي الاستقلال والحرية والنأي عن تقلبات الأهواء، والابتعاد عن مصطخب الأنواء. على
أن غايةً كهذه قد تحصُل دون أن يكون مضطرًّا إلى الانعزال عن الناس، بل هو يشاركهم في كل شيء إلا
في السفاسف والرذائل. وهذا هو «البرج العاجي الفكري» الذي ينتصر له على حساب «البرج العاجي
الخُلقي».
هذه النسخة من الكتاب صادرة ومتاحة مجانًا بموجب اتفاق قانوني بين مؤسسة هنداوي وأسرة السيد الأستاذ توفيق الحكيم.
تحميل كتاب من البرج العاجي مجانا
تاريخ إصدارات هذا الكتاب
-
صدر هذا الكتاب
عام ١٩٤١.
-
صدرت هذه النسخة عن مؤسسة هنداوي عام ٢٠٢٣.
عن المؤلف
توفيق الحكيم: أحدُ أهمِّ الأسماء اللامعة في جيل روَّاد الأدب العربي الحديث. نال مكانةً خاصة في قلوب قرَّائه، وتَربَّع على عرش المسرح العربي، مؤسِّسًا تيارًا جديدًا هو المسرح الذهني.
وُلِد «حسين توفيق إسماعيل الحكيم» في ٩ أكتوبر ١٨٩٨م بمدينة الإسكندرية لأبٍ مصري يعمل في سلك القضاء، وأمٍّ تركية أرستقراطية، وكان لطفولته بدمنهور أثرٌ بالِغ في تكوينه.
التَحق بمدرسة دمنهور الابتدائية، ثم انتقل إلى القاهرة للالتحاق بمدرسة محمد علي التوجيهية. أتاحت له الإقامة في القاهرة التردُّدَ على فرقة «جورج أبيض» المسرحية. شارَك في ثورة ١٩١٩م، والتحق بكلية الحقوق ليتخرَّج فيها عام ١٩٢٥م، ثم سافَر إلى باريس لاستكمال دراسته العليا في القانون، لكنه حاد عن ذلك الهدف؛ إذ اتجه إلى الأدب المسرحي والقصصي، وتردَّد على المسارح الفرنسية، والأوبرا، ومتحف اللوفر، وقاعات السينما؛ وهو ما دفَع والِده إلى استقدامه إلى مصر مرةً أخرى عام ١٩٢٨م.
تولَّى «الحكيم» وظائفَ ومناصبَ عديدة؛ منها عمله وكيلًا للنائب العام، ومفتشًا للتحقيقات بوزارة المعارف، ومديرًا لإدارة الموسيقى والمسرح، ومديرًا لدار الكتب المصرية، ومندوبَ مصر بمنظمة اليونسكو في باريس، ومستشارًا بجريدة الأهرام وعضوًا بمجلس إدارتها، إلى جانب انتخابه عضوًا بمَجمَع اللغة العربية.
أسَّس المسرحَ الذهني العربي الذي يَكشف للقارئ عالمًا من الدلائل والرموز التي يُمكِن إسقاطُها على الواقع في سهولةٍ ويُسر؛ وهو ما يفسِّر صعوبةَ تجسيدِ مسرحياته وتمثيلها على خشبة المسرح؛ إذ يقول: «إني اليومَ أقيم مسرحي داخلَ الذهن، وأجعل الممثِّلين أفكارًا تتحرَّك في المطلَق من المعاني مرتديةً أثوابَ الرموز، لهذا اتَّسعَت الهُوَّة بيني وبين خشبة المسرح، ولم أجد قنطرةً تنقل مثلَ هذه الأعمال إلى الناس غيرَ المطبعة.»
خاض العديدَ من المعارك الأدبية مع رموز عصره مثل: «الشيخ المراغي»، و«مصطفى النحاس»، واليسار المصري. وعُرِف عنه علاقتُه القوية ﺑ «جمال عبد الناصر»، ويُعَد الأبَ الروحي لثورة يوليو لتَنبُّئِه بها في «عودة الروح». أمَّا عن موقفه من المرأة؛ فعلى الرغم من شُهرته بمُعاداته لها إلى حدِّ تَلقيبه ﺑ «عدو المرأة»، فإنه تناوَلها في أعماله بتقديرٍ واحترامٍ كبيرَين.
اتَّسم إنتاجه الأدبي بالغزارة والتنوُّع والثراء؛ فقد كتب المسرحيةَ، والرواية، والقصة القصيرة، والسيرة الذاتية، والمقالة، والدراسات الأدبية، والفِكر الديني. ومن أهم أعماله: «عودة الروح»، و«يوميات نائب في الأرياف»، و«عصفور من الشرق»، و«أهل الكهف»، و«بجماليون»، و«شهرزاد». نال العديدَ من الجوائز والأَوسِمة المتميِّزة، منها: «قلادة النيل» عام ١٩٧٥م، و«قلادة الجمهورية» عام ١٩٧٥م، والدكتوراه الفخرية من أكاديمية الفنون عام ١٩٧٥م.
رحل «الحكيم» عن عالَمنا في ٢٦ يوليو ١٩٨٧م عن عمرٍ يناهز ٨٩ عامًا.