البرج العاجي
هذا الكتاب يصدر اليوم بعد أربعين عامًا بالضبط من تاريخ طبعته الأولى التي صدرت في عام ١٩٤١م. وكان هذا الكتاب قد نفد منذ زمن طويل واختفى، وبذل الناشر جهدًا في سبيل العثور على نسخة يعيد منها طبع الكتاب. ولم أعد أنا أذكر ما جاء فيه. كل ما أعرفه هو العنوان: «البرج العاجي»، وقد التصق «البرج العاجي» بشخصي وفهِمه البعض على أنه ابتعاد اللامبالاة بالمجتمع وأحداثه، ولم يفهم من ذلك أنه ابتعاد فقط عن الضجيج العقيم للمنازعات الحزبية التي كانت تسود مجتمعنا في ذلك العهد، وأن البرج العاجي هو المكان المرتفع الذي يشرف منه الفكر الطليق على الحقائق المجردة عن الهوى والمصالح الشخصية.
وفي اعتقادي أن كل إنسان، ولا سيما المفكر والفنان، له في حياته منطقة حرة عالية يخلو فيها إلى نفسه ليرى الأشياء في صفائها. فالبرج العاجي للإنسان كالبرج العالي للحمام؛ في النهار يهبط الحمام إلى الأرض يلتقط حبات رزقه ثم يطير إلى أعالي برجه. ولو كان له ما للإنسان من طبيعة التفكير لكانت له تأملات وهو في برجه مثل تأملاتنا في برجنا.
فإلى الذين يهمهم أن يعرفوا معنى «البرج العاجي» عندي فليطالعوا هذا الكتاب. وقد يلاحظون بعض ملامح الماضي ومشاغله في حاضر اليوم.
توفيق الحكيم