الفصل العاشر
هنداوي أفندي عبد المجيد ناظر المدرسة الإلزامية في القرية، وهو يملك بها ثمانية أفدنة، وهو رجل قصير، فهو يلبس طربوشًا طويلًا، وهو نحيف، فهو يلبس ملابس فضفاضة، فالجاكتة ذات صفين دائمًا، وهي متسعة يلبسها في الصبح مع البنطلون، ويلبسها بعد الظهيرة وتحتها الجلباب، كان جالسًا في غرفته بالمدرسة حين دخل إليه بخيت أفندي عبدحين دخل إليه بخيت أفندي الحفيظ: صباح الخير يا حضرة الناظر.
– أهلًا بخيت أفندي، تأخرت اليوم عن الحصة الأولى.
– أنا أجمع القطن، وقد مررت بالغيط أرى الأنفار.
– هذا كلام لا ينفع يا بخيت أفندي، يجب أن نؤدي وظيفتنا أولًا، ثم نلتفت إلى الأشياء الأخرى، إنك تعرف أنني رجل دقيق.
– الحقيقة يا حضرة الناظر أن الأمر الذي أخرني ليس الجمع في غيطي أنا، وإنما غيط حضرتك.
– ماذا به؟
– القطن خرج عند حضرتك، ولا بد من جمعه.
– أترى هذا؟
– نعم، لا بد أن تُبيِّت على الأنفار من الليلة ليبدأ الجمع من الغد.
– لقد مررت بالقطن البارحة وهو فعلًا يستحق الجمع، ولكن لا أعرف ماذا أفعل؟ أترك المدرسة؟
– ولماذا تتركها؟
– وكيف أجمع القطن إذن؟
– مثل كل سنة.
– أنت تعرف يا بخيت أفندي أنني رجل دقيق، وأخشى أن يقول واحد شيئًا، أنا رجل دقيق كما تعرف.
– الدقيق يا حضرة الناظر من يعرف مصلحته.
– يعني؟
– يعني أشرف أنا على الجمع في أرضي وأرضك وتعطي حصصي لعبد الله أفندي وهو رجل طيب لن يقول شيئًا.
– كان يجب أن أجمع القطن قبل أن تبدأ الدراسة.
– لو كنت فعلت لتركت لوزًا كثيرًا دون جمع ولسرقه الناس.
– إذن …
– لا بد مما ليس منه بُد.
وقبل أن يتم الحديث يدخل إلى حجرة الناظر عوضين العجمي.
– يا عم هنداوي أفندي عملت عليَّ غرامة؟
– طبعًا وماذا كنت تنتظر؟
– الولد يجمع القطن معي.
– أنا لا شأن لي، أنا أنفذ أوامر الحكومة.
– يا عم هنداوي أفندي نحن ناس فقراء لا نتحمل الغرامة.
– وأنا رجل دقيق لا بد أن أنفذ التعليمات.
– ومن أين أدفعها؟
– هذا ليس شأني يا سي عوضين، هذا شأنك أنت.
– لماذا نحن بالذات الذين تجعلنا ندفع الغرامة؟ هذا ظلم.
– أنا ظالم يا سي عوضين؟! أنت تشتمني أثناء تأدية وظيفتي، أنا أودي بك في داهية.
– يا رجل اتق الله.
– إنني أتقي الله في كل شيء، لا بد أن أنفذ أوامر الحكومة، ماذا أقول للمفتش إذا جاء ولم يجد ابنك؟ ولم يجدني قد حررت له محضرًا؟
– وماذا قلت للمفتش عن ابن عبد العال أبو السيد؟
– إنه يعمل في أرض البك.
– البك غني يستطيع أن يدفع الغرامة، أما أنا فرجل فقير.
– وأنا ماذا أعمل؟
– كما عملت مع ابن عبد العال.
– لا، يا حبيبي أنا رجل دقيق.
– ولماذا لم تكن دقيقًا مع ابن عبد العال؟
– ابن عبد العال، ابن عبد العال، أنا حر.
– أنت حر نعم، ولكن لا تُغرمني.
– لا تُعطلني أنت عن عملي.
– الغرامة يا عم هنداوي أنا في عرضك، كلمه يا سي بخيت أفندي.
– أنت الغلطان يا عوضين.
– أنا الغلطان يا بخيت أفندي؟!
– حضرة الناظر أرسل أمس يشتري منك بيضًا فتبيع له بسعر السوق؟
– وماذا في هذا يا سي بخيت أفندي؟
– لا حق لك يا بخيت أفندي ما دخل هذا في الغرامة؟
– طبعًا يا حضرة الناظر هذا لا شأن له بالغرامة إنما كان عليه أن يراعي.
– لا، أبدًا والله، أنا لا أقبل، أنا لا أقبل هذا أبدًا.
– تقبل ماذا يا حضرة الناظر؟
– اذهب أنت يا عوضين.
– والغرامة يا سي بخيت أفندي؟
– أرسل بيضتين بقية بيض البارحة.
– أنا لا أقبل أبدًا.
– لا عليك يا حضرة الناظر، عوضين رجل طيب.
– ربنا يبقيك يا سي بخيت أفندي.
– أرسل البيضتين.
– أنا لا أقبل.
– سيأتي الولد مهدي بالبيضتين.
– مرة ثانية خلِّ عندك نظر.
– أمرك يا حضرة الناظر.
– مع السلامة يا عوضين.
– والنبي يا سي بخيت أفندي تترك الولد يجمع معي القيراطين في هذين اليومين.
– ويجمع معك القيراطين يا سي عوضين، مع السلامة، توكَّل على الله.
– السلام عليكم.
ويخرج عوضين.
– إذن فستجمع لي القطن يا بخيت أفندي.
– مثل كل سنة يا حضرة الناظر.
– أنت تعرف يا بخيت أفندي أنا رجل …
– دقيق يا حضرة الناظر، لن ينقص من القطن فص واحد، توكَّل على الله يا حضرة الناظر.