الفصل الرابع عشر
خرج عتريس بعد أن قال لحافظ: سأنتظرك بالخارج وأريدها وحدها.
ودخل حافظ إلى ابنته: هلم يا فؤادة.
– إلى أين يا أبي؟
– إلى بيت زوجك.
– لا يمكن، أنا لم أعطِك الوكالة.
– أنا أبوك، وقد زوجتك.
– وأنا لا أترك بيتي هذا.
– لم يصبح هذا بيتك.
وألجمتها الكلمة حينًا، ثم قالت: فأنت تريدني أن أذهب معه؟
– وستذهبين.
– حسنًا يا أبي، سأذهب.
وقالت فاطمة: أتذهب وحدها؟
وقال حافظ: إنه يريدها وحدها.
– أمر الله، مع السلامة يا ابنتي.
وحين حاولت أمها أن تضمها انتفضت وقصدت إلى الباب لا تلتفت وراءها، وقالت فاطمة: ألا تأخذين ملابسك؟
وقال حافظ: نرسلها لها غدًا.
وقال فاطمة: أين نرسلها، وهل نعرف أين تقيم؟
ولم تنتظر فؤادة، بل أخذت طريقها إلى خارج البيت، وحين ظهرت من الباب قال لها عتريس في صوت حالم: اتبعيني.
وحين بلغوا البيت، وخلت الحجرة بفؤادة وعتريس اتخذت فؤادة مكانها على أريكة لاحظت أنها مغطاة بحرير جديد، وسكتت كأن ما هي فيه لا يعنيها، اتخذ عتريس مكانه بجانبها على الأريكة جاعلًا وجهه لها: لو تدرين أي أمل كبير أحققه بجلوسك هذا، لقد عشت عمري كله أحلم بك جالسة معي، لا تدرين كم أحبك، ولا تدرين أي سعادة وهناء سأقدمه إليك، لو تدرين!
لقد عشت عمري كله وأمنيتي الكبرى هي أن أتزوج بك، منذ أنا طفل صغير، كنت أتمنى أن أكون صديقكِ، وشب معي الحب وكبر وطغى على كل أمنياتي، حتى لقد كنت أحب أن أتمتع به أمنية كبرى وأصبر وأتمتع بالصبر، واليوم تحقق الحلم.
وفي هدوء قالت فؤادة: بل لم يتحقق شيء.
– تحقق أملي الكبير وتزوجتك، اغفري لي الطريقة التي تزوجتك بها، ولكن لم تكن أمامي طريقة أخرى، أرأيتِ؟ الغني يخطب ويقدم غناه ليشفع له في الزواج، والشاب الجميل يقدم شبابه وجماله، وأنا أملك القوة، وقد كانت شفيعي لأتزوج منكِ، تغفرين لي هذا أليس كذلك؟ لقد جعلتها وسيلة لأتزوج منك، وهذا دليل على حبي الكبير لك، وأرى الوسيلة كانت ناجحة، وها قد تزوجت منك.
وقالت فؤادة في نفس هدوئها: بل أنت لم تتزوج مني.
– طبعًا أنت لا تحبينني الآن، وكيف كان يمكن أن تحبيني؟ كنت أراك ولا ألعب معكِ ونحن أطفال؛ لأن جدي كان يشغلني طوال الوقت الذي لم أكن فيه بالمدرسة، حتى إذا كبرت ظللت مقيمًا معه هنا، ولم أكن أذهب إلى البلدة إلا في القليل النادر، وكثيرًا ما كنت أختلق الحجج لأذهب إلى البلدة وأراك، فأنت لم تعرفيني، ولكنك طبعًا كنت تسمعين بي، وعلى كل حال أنت لا تحبينني الآن، وليس المفروض أن تحبيني، ولكن مع الأيام ستعرفين كم أحبك، وسترين أنني سأعيش لأوفر لك السعادة والهناءة، وستعرفين أنني أعظم الأزواج حبًّا لزوجته.
وفي بساطة عادت فؤادة تقول: ولكننا لم نتزوج.
– سيأتي الحب، سيأتي رغم أنفه، سوف أجعل طلباتك أوامر، وسوف تجدين نفسك مع الأيام مضطرة أن تحبي زوجك.
وعادت فؤادة تقول: ولكنك لست زوجي.
– أضايقتك الطريقة التي سلكتها للزواج منكِ؟ فأنا أعتذر لكِ، دعيني أقبل يدكِ، وانسي ما كان ولنبدأ حياة جديدة بين زوج وزوجته، هات يدك.
ونترت فؤادة يده في سرعة ودون غضب وهي تقول: لسنا زوجًا وزوجة.
وصمت عتريس لحظات ثم قال: أكل هذا لأنني أرغمت أباك على أن يزوجني بك؟ ألا يدل هذا على حبي؟ لماذا كل هذا؟
– كل ماذا؟
– كل هذا النفور والغضب؟
– أنا لم أنفر ولم أغضب.
– فما قولك إننا لسنا زوجين؟
– أننا لسنا زوجين.
– والكتاب؟
– باطل.
– والشهود؟
– مزورون.
– هل أنت واعية ما تقولين؟
– تمام الوعي.
– ما الذي تعنين؟
– أعني أنني لم أوكِّل أبي ليزوجني منك.
– فكيف زوجني منك؟
– خوف.
– والعقد؟
– باطل.
– والشهود؟
– خوف.
– فأنا لست زوجك؟
– لا لست زوجي.
– وتزويج أبيك؟
– باطل، يجب أن يتم الزواج بموافقتي، وأنا لم أوافق.
– أُرغمك على الموافقة.
– لا تستطيع.
– أقتلك.
– تستطيع، ولكنك لا تكون قد تزوجت مني.
– أنالك بالقوة.
– لعلك تستطيع أيضًا، ولكنك لا تكون قد تزوجت مني.
– هراء، هراء ما تقولين.
– وأين الهراء فيه؟
– كيف قبل أبوك هذا؟
– وماذا تظنه فاعلًا، خاف أن تقتلني.
– إذن أقتلك.
– لا تحسب أنك تخيفني بهذا التهديد؛ فأنت لا تستطيع أن تقتلني، وإذا قتلتني فإني لن أموت … أنا أمل في نفسك، فكرة في ضميرك … الزواج مني حلم طفولتك وصباك وشبابك. إذا قتلتني فسأظل في نفسك أملًا وفكرة وحلمًا … وسيظل الحلم حلمًا لم يتحقق.
– أقتلك، أقتلك.
– لن أموت، مهما تقتلني فلن أموت.
– أقتلك، أقتلك.
– الفكرة لا تموت.
وترك الغرفة وخرج وهو يصرخ: ولكني سأقتلك، سأقتلك، سأقتلك.