الفصل الخامس عشر
وجد الشيخ إسماعيل الصفوري وعبد المعطي العجل وعثمان شاكر جالسين بالقرب من الباب الخارجي فصاح بهم دون أن يلتفت إليهم: هلم بنا.
وقام الرجال لم يسألوه إلى أين، وسار فساروا من خلفه، وقبل أن يبتعدوا قال عبد المعطي: أنأخذ معنا بعض الرجال؟
وقال وهو سائر: نعم.
وتخلَّف عبد المعطي، وما هي إلا لحظات حتى كان جمع كبير يتخذ طريقه إلى القرية، وشملهم الصمت فترة طويلة حتى قال عتريس فجأة: يا شيخ إسماعيل.
– نعم.
– أبوها كذب عليَّ، زوجها مني وهي لم تعطه الوكالة.
– أكذا، عجيبة!
– أتظن أنني أقول لك هذا لتقول لي عجيبة؟!
– هي عجيبة على كل حال!
– هل الزواج صحيح أم لا؟ ألم تكن شيخًا؟
– صحيح طبعًا، ألم يزوجها أبوها منك؟ صحيح طبعًا.
– هل أنت متأكد؟
– كل التأكد.
– سنرى.
– ماذا ترى؟ الزواج صحيح.
– سأسأل أباها أولًا.
ولم يكن حافظ نائمًا حين طرق الباب.
– هل زوجتني بنتك دون أن تعطيك الوكالة؟
– إذن فهي مصممة.
– مصممة؟! إذن فهي لم تعطِك الوكالة؟
– وماذا بيدي يا سي عتريس؟
– أتظن أن هذا يخيل عليَّ؟
– ما الذي يخيل عليك؟
– دبَّرت هذا جميعه.
– أنا لم أدبر شيئًا، لو كنت دبرته لقلت في وقت كتب الكتاب إنها لم تعطني الوكالة.
– دبرت هذا جميعه وستلقى جزاءك.
وحين خرج قال لعبد المعطي: أغرقوا أرض القطن عند حافظ وهنداوي وبسيوني، وأحرقوا أرزهم أيضًا.
ومضى هو وإسماعيل الصفوري وعثمان شاكر وبعض الرجال وفجأة التفت إلى عثمان شاكر: ألم تكن وكيل محامٍ، هل العقد صحيح أم غير صحيح؟
– صحيح قطعًا.
– هل أنت متأكد؟
– طبعًا.
وفكر أن يذهب إلى الأستاذ عليوة ولكنه لسبب لا يدريه قال لإسماعيل: أرسل رجلًا إلى بيت إنعام يرى إن كان عندها أحد أم لا؟
وفي دهشة سأل إسماعيل: تقصد إنعام زوجة رشدي؟
– لقد طُلقا، أليس كذلك؟
– نعم، فقط أردت أن أتأكد أنك تريدها هي.
– نعم هي من أُريدها.
وحين عاد إليهم الرسول يخبرهم أن إنعام وحدها، قصدوا إلى بيتها، وقال عتريس وهو يدخل: انتظروا هنا.
ودخل وأقفل الباب من خلفه، والتفت عثمان إلى إسماعيل: هذه وظيفة جديدة علينا يا أبو السباع.
– مبروكة إن شاء الله.
– وقفنا هذه الوقفة، وهو يتزوج وقلنا لا بأس، أما الآن.
– الفارق بسيط يا أبو عفان.
– بسيط، بسيط؟!
– الزواج كان بعقد مشكوك فيه، أما العقد هنا فصحته مؤكدة.
قالت إنعام: أهلًا وسهلًا، خطوة عزيزة يا أبا الرجال.
– أهلًا بك.
– طالما تمنيت أن تشرفني.
– وكيف وأنا مشغول وأنت مشغولة؟
– بأمرك أكون غير مشغولة، أنا تحت أمرك دائمًا.
– حفظت.
– كل ما أرجوه أن تكثر من هذه الزيارات، اجعل ساعة لقلبك وساعة لربك.
– لربي؟!
– أقصد لعملك.
– آه!
– أنت مع شغلك هذا الدائم محتاج لمن تُزيل عنك هم العمل ومسئولياته.
– قالت إنها لم تعطِ الوكالة.
– نعم؟
– لا، لا شيء.
– أهلًا.
واقتربت منه ولف ذراعه حولها فتداعت بين أحضانه فقبَّلها وقبَّلته، ثم عاد فقبَّلها وقبَّلها وقبَّلها، ثم ما لبث أن انتفض واقفًا.
– لا، لا فائدة.
– ماذا يا سيد الرجال … أترانا لم نعجب؟
– أنا مشغول الفكر يا إنعام، لا تؤاخذيني.
– أنا تحت أمرك دائمًا.
– كم تريدين؟
– أبدًا.
– قولي كم ولا تعطليني.
– لا آخذ منك شيئًا أبدًا.
ورمى لها خمسين قرشًا، وخرج وتبعه رفاقه صامتين، وراح يسلك بهم دروب القرية وهو لا يبين عن مقصده حتى بلغوا بيت عليوة المحامي.
– هل العقد صحيح؟
– لا، غير صحيح.
– ماذا؟ ماذا تقول؟
– العقد غير صحيح.
– ما لي كأني أواجه مفاجأة، لقد كنت أعرف، كنت أعرف ولكن …
– كيف تجرؤ؟ كيف تجرؤ؟
– علامَ أجرؤ؟ ليس أنا الذي يقول هذا، إنه الشرع، العقد غير صحيح.
– كيف تجرؤ؟
– لقد تزوجت على مذهب أبي حنيفة، أبو حنيفة هو الذي قال هذا، العقد غير صحيح، لا بد من رضائها حتى يصح العقد.
– ولكن أنت كيف تجرؤ؟
– ماذا تريدني أن أقول؟
– أين مفتاح هذه الخزانة؟
– ماذا؟
– أقول مفتاح هذه الخزانة.
– وما شأن الخزانة بالعقد؟
– هات المفتاح.
– يا سي عتريس حرام عليك، إنها شقاء العمر كله، وأمل العمر كله، حياتي الماضية والآتية في هذه الخزانة.
– هات المفتاح.
– أنا ما ذنبي؟
– هات المفتاح.