الفصل السابع عشر
قال عتريس: اقتلوا محمود ابن الشيخ إبراهيم.
ونظر إسماعيل إلى عثمان، ثم نظر إلى عبد المعطي، ثم نظروا إلى الجاسوس الذي حمل كلام الشيخ إبراهيم إلى عتريس، ثم نظروا جميعهم إلى عتريس، ولم يحفل عتريس بنظراتهم، ولم يعنَ أن يعيد أمره فإن إصداره مرة واحد يكفي.
ودخل عتريس إلى حجرته مغيظًا، وكانت فؤادة جالسة إلى جانب أمها، الأم تقرأ القرآن وفؤادة تسمع، وقد وضعت على فمها تلك الابتسامة التي لازمتها منذ دخلت هذا البيت، ابتسامة عجيبة كان ينظر إليها عتريس فيجن جنونًا، جميلة هي الابتسامة حتى لتجعله أكثر رغبة في فؤادة، فكأنها ابتسامة فيها من الاستدعاء معنى، ولكنها مع ذلك واضحة السخرية، وهي أيضًا ابتسامة يشيع فيها الاطمئنان الهادئ الواثق، وكأن صاحبتها تعيش في بيتها الطبيعي، وبين أهلها، وخاصةً عشيرتها، وهي إلى هذا جميعه ابتسامة ليس فيها أي افتعال، ولكن فيها تحديًا واضحًا، ويعجب كيف يمكن لفتاة أن تجعل التحدي واضحًا في ابتسامتها دون أن يكون في هذا التحدي افتعال، إنما هو تحدٍّ طبيعي وصامت وصادق وواثق، ويُجن عتريس.
– صدق الله العظيم.
ونظرت إليه فاطمة: وما شأنكَ أنت بالله؟
– الظاهر أن موقف ابنتك جعلك جريئة؟
– أنا لا أخشى إلا الله.
– لم تقولي هذا وأنا أتزوج ابنتك.
– ليس لي أنا أن أقول، أبوها هو الذي فعل ما فعل.
– فلو كان الأمر بيدكِ لقلت لا.
– ألا ترى أني أقولها الآن؟
– لأن ابنتك جرَّأتك، رأيتها تقول لا ولم أصنع لها شيئًا فحسبت الأمر سهلًا.
– أنا متوكلة على الله.
– أما آن الأوان يا ست فؤادة؟
– أتعرف أنه لا يجوز لك أن توجه الحديث إلى أمي أبدًا، إنني إذا وافقت على الزواج بك فستذهب أمي من فورها إلى بيتها، فحديثك معها عبث لا معنى له.
– ومتى توافقين؟
– أنا لن أوافق أبدًا.
– لقد عاقبت في القرية كل من تجرأ فقال إن الزواج باطل.
– أيجعل هذا الزواج صحيحًا؟
– كيف يجرءون؟ كيف يجرءون؟
– إنهم لا يقولون رأيًا، إنهم يُعلنون حقيقة.
– ولكن يجب ألا يجرءوا.
– لماذا لم تعاقب أبا حنيفة؟
– لأنه مات.
– وما ذنب الأحياء؟
– أنهم أحياء.
– فعاقبني أنا.
– أتظنين أني لا أعاقبك، لا تخافي سيأتي اليوم.
وهز عصا غليظة يحملها في يده، وعلا صوت فاطمة: إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا * وَأَكِيدُ كَيْدًا * فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا.
وقال عتريس وهو يضرب بعصاه راحة يده ضربات هينة: لا بد أن يأتي، سيأتي اليوم، لا بد أن يأتي.