الفصل الأول

كان أبي يحدِّثني في طفولتي كثيرًا عن المعبد الذهبي.

لقد وُلدت في رأس برٍّ منعزل يمتد في بحر اليابان شماليَّ شرق مدينة مايزورو. ولكن مسقط رأس أبي الأصلي لم يكن هناك، بل وُلد أبي في قرية شيراكو التي تقع في الجزء الشرقي من مدينة مايزورو. ثم صار أبي الراهبَ المقيمَ للمعبد البوذي في رأس البر النائي هذا، بعد أن ترهبَن، وتزوَّج أمي من أهل القرية، وكنتُ أنا ثمرةَ ذلك الزواج.

لم يكن بالقرب من معبد رأس بر «ناريو» هذا مدرسةٌ إعدادية مناسِبة. وفي النهاية رحلتُ أنا بعيدًا عن والديَّ، فأُرسلت إلى بيت عمي بمسقط رأس أبي، ومن بيته كنتُ أتردَّد على مدرسة «شرق مايزورو» الإعدادية سيرًا على الأقدام.

كان مسقط رأس أبي قريةً ذات أشعة شمس غزيرة. ولكن مع ذلك حتى لو كان اليوم يبدو مشمسًا بلا أي غيوم مطلقًا، كانت السماء تمطر أمطارًا فجائية غزيرة أربع أو خمس مرات في اليوم الواحد خلال شهرَي نوفمبر وديسمبر من كل عام. وأعتقد أن شخصيتي المتقلِّبة نشأت بسبب طبيعة تلك القرية.

كان يمكن رؤية الجبال البعيدة في شهر مايو بعد العودة من المدرسة في المساء، من غرفة المذاكرة بالطابق الثاني لبيت عمي. يستقبل بطن الجبل ذو الأوراق اليانعة أشعةَ الغروب، في خضمِّ السهول، كان يمكنني رؤيتها كأنها شاشة من ذهب. وكلما كنتُ أرى ذلك كنت أتخيَّل المعبدَ الذهبي.

أثناء رؤيتي للمعبد الذهبي الحقيقي في الصور والكتب الدراسية، كان شبح المعبد الذهبي الذي حدَّثني عنه أبي ينتصر عليه داخل قلبي. من المفترض أن أبي لم يقُل مطلقًا إن المعبد الذهبي الحقيقي يتألَّق بلون ذهبي، ورغم ذلك — طبقًا لأبي — ليس على وجه الأرض ما هو أكثرُ جَمالًا من المعبد الذهبي، وكذلك من خلال حروف كلمة المعبد الذهبي ونطقه، كان المعبد الذهبي الذي رسمتُه في قلبي، شيئًا لا حدودَ ولا نهاية له.

إذا صادف أن رأيتُ حقلَ أَرُز بعيدًا يتلألأ سطحُه بأشعة الشمس، كنتُ أعتقد أنه مسقطٌ لظل المعبد الذهبي الذي لا يمكن رؤيته. سلسلة جبال كيتشيزاكا التي تكوِّن الحدودَ الفاصلة بين محافظة فوكوي ومحافظة كيوتو هنا، تقع في الشرق تمامًا من بيت عمي. كانت الشمس تشرق من بين تلك الجبال. ومع أن كيوتو في الواقع تقعُ على الجهة الأخرى تمامًا، لكنني كنتُ أرى المعبد الذهبي يحلِّق عاليًا في سماء الشرق بين ثنايا الجبل تحت أشعة الشمس المشرقة.

وبهذا الحال، يظهر لي المعبدُ الذهبي في كل مكان، وكان في هذه النقطة يشبه البحرَ في تلك القرية، لعدم رؤيتي له فعليًّا. فخليج مايزورو يقع على مسافة ٦ كيلومترات ناحيةَ الغرب من قرية شيراكو، ولكن تحجُب الجبال ذلك البحرَ فلا يمكن رؤيته. ولكن دائمًا ما يلوح في تلك الأرض هاجسُ البحر. ونشمُّ في الهواء من وقت لآخر رائحةَ البحر، وعندما يعصِف البحر، تهرُب أعداد كبيرة من طيور النورس وتأتي إلى هنا، وتهبِط عند حقول الأَرُز المحيطة بنا.

كنتُ بسبب ضَعف جسمي أنهزم أمام الآخرين في سباق الجري ولعب «العُقلة»، وعلاوةً على ذلك، جعلني تلعثمي الذي وُلدتُ به منطويًا أكثرَ وأكثرَ. وعندما عرَف الجميع أنني ابنُ راهب معبد سخِرَ مني شرارُ الأطفال بتقليدِ راهبٍ متلعثم يقرأ كتاب السوترا وهو يتلعثم. ثمَّة درسٌ في المنهج عن مخبِر شرطة متلعثم، فكانوا ينادونني ويقرءون عليَّ هذا الدرس بالتحديد بصوتٍ عالٍ.

ولا داعيَ بالطبع للقول إن التلعثم وضع بيني وبين العالَم الخارجي سدًّا منيعًا. لا يخرج الحرف الأول بسهولة. رغم أنَّ الحرف الأول هو قُفل الباب الذي بين العالم الخارجي وعالمي الداخلي، إلا أنني لم أُفلِح ولو مرةً واحدة في محاولة فتحِ ذلك القُفل بمهارة. الشخص العادي من خلال تحكُّمه بحرِّية في الكلمات وسيطرته عليها، يمكنه أن يجعل البابَ الذي بين العالمَين الداخلي والخارجي مفتوحًا دائمًا على مصراعيه، ويستطيع أن يجعل بذلك تيارًا جيدًا من الهواء بينهما، إلا أنني لا أقدِر على ذلك مهما فعلت. فقد علا الصدأ القُفلَ تمامًا.

يشبه المتلعثم أثناء لهفته المستميتة من أجل نطق الحرف الأول، عصفورًا صغيرًا يتلوَّى محاولًا تخليصَ جسده الذي التصق بدَابُوق عالمِه الداخلي المركَّز. وفي اللحظة التي فُصل فيها جسده أخيرًا، يكون الوقت قد فات. وأحيانًا ما يبدو أن العالم الخارجي في الواقع قد توقَّف عن الحركة وأخذ راحةً لينتظرَني أثناء كفاحي هذا. ولكنَّ الواقع الذي ينتظرني، لم يَعد واقعًا طازجًا. وعندما أصِل أخيرًا، وبعد جهدٍ جهيد، إلى العالم الخارجي، أجد دائمًا أن اللحظة تغيَّرت وانحرفت … فأجِد واقعًا ساءت درجةُ طزاجته؛ واقعًا راقدًا يُطلِق رائحةً شبه عفِنة، وهذا هو فقط ما أعتقد أنه يناسبني.

وكما يمكن تخيُّل ذلك بسهولة تامة، يصبح صبيٌّ مثل هذا راغبًا في امتلاك نوعين متناقضين من السُّلطة. كنتُ أحبُّ ما تذكره كتبُ التاريخ عن الحكام الطغاة. فإذا كنتُ أنا طاغيةً متلعثمًا وقليلَ الكلام، فسيعيش الأتباعُ في رعبٍ ليلًا ونهارًا في محاولةِ قراءة تعبيرات وجهي. فما من ضرورةٍ لإعطاءِ شرعية لقسوتي وعنفي بكلماتٍ واضحة وسلسة. فصمتي فقط هو الذي يعطي الشرعيةَ لكل أنواع القسوة. وبهذه الطريقة أستمتع بتخيُّل أنني أُعدِم المدرِّسين وزملاء الدراسة الذين يحتقرونني يوميًّا، جميعًا بلا رحمة، ولكن من جهةٍ أخرى، أستمتع كذلك بأنني أنا ملِك للعالم الداخلي، كفنان عظيم ممتلئ بنظرةٍ شمولية هادئة. ورغم فقر مظهري الخارجي إلا أنَّ عالَمي الداخلي كان غنيًّا هكذا أكثرَ من أي شخص آخر. أليس من الطبيعي أن يفكِّر الصبي الذي به عيبٌ لا يُزال بسهولة في السرِّ أنه إنسان مختار ومصطفى؟ كنت أشعر أنه تنتظرني في مكانٍ ما من هذا العالم مهمةٌ، أنا شخصيًّا لا أعرف عنها شيئًا.

… أتذكَّر الواقعة التالية.

كانت مدرسة شرق مايزورو الإعدادية ذاتَ مبانٍ ساطعة مبنية على الطراز الجديد، وبها فِناء واسع، وتحيط بها جبال ممتدة.

وفي يومٍ من أيام شهر مايو، جاء أحدُ خرِّيجي المدرسة الذي أصبح طالبًا في الصف الأول بأكاديمية مايزورو البحرية العسكرية، ليزورَ مدرستَه السابقة.

كانت بشَرته سمراء من أشعة الشمس، وتظهر أرنبة أنفه النابغة من تحتِ مقدِّمة قبَّعته الرسمية التي ارتداها حتى العمق، لقد كان مثالًا للبطل الشاب من رأسه حتى أَخْمَص قدميه. وكان يحكي أمام زملائه الأصغرِ منه عن حياة الأكاديمية الصعبة المليئة بالقواعد والقوانين. بل وكان يحكي عن تلك الحياة التي يُفترض أنها تعيسة بائسة، بنبرةِ صوت وكأنها حياةٌ فاخرة باهرة مليئة بالترفيه. وكان يمتلئ فخرًا بأقل جهد ويعلَم بالضبط بثِقل وأهمية تواضعه في صِغر سنِّه وشبابه هذا. كان يَفرد صدره المزيَّن بضفيرة الزي الرسمي بفخرٍ مثل التمثال الذي يوضع على مقدمة السفينة وهي تخترق رياحَ البحار في تقدُّمها للأمام.

كان يجلس على درجات السلَّم الحجرية المكوَّنة من درجتين أو ثلاث درجات التي تؤدي إلى فِناء المدرسة. ويتجمَّع حوله أربعة أو خمسة من الطلاب الأصغرِ منه سنًّا الذين يسمعون حديثَه هذا في هُيام بالغ، وقد تفتَّحت زهور شهر مايو مكتملةً في ركن الزهور على السطح المائل، مثل زهرة التيوليب وزهرة البِسلة، وشقائق النُّعمان والخشخاش المنثور. وكذلك أزهرت شجرة المنغوليا زهرتَها البيضاء العملاقة فوق رءوسهم.

لم يكن المحدِّث والمستمعون، يتحرَّكون وظهروا كما لو كانوا تمثالًا تذكاريًّا لواقعةٍ ما. أما أنا فكنت أجلس وحيدًا على دَكةٍ في فِناء المدرسة تبعُد قرابة مترين منهم. كان ذلك هو منتهى الأدبِ مني. أدب مني تُجاه زهور شهر مايو، وتُجاه الزي الرسمي المفعَم بالفخر، وتُجاه أصوات الضَّحك المشرقة.

حسنًا، كان البطل الشاب مهتمًّا بأمري أنا أكثر من عُبَّاده هؤلاء. وبدا وكأنني أنا الوحيد فقط الذي لم يُذعِن بما يليق بجلاله، وبدا كذلك أن شعوره بذلك جرح كبرياءه. عرف اسمي منهم. ثم صاح:

«أنت! يا ميزوغوتشي!»

مناديًا عليَّ أنا الذي أقابله لأول مرة. أخذت أحملق فيه بجِدية وأنا على صمتي. في ضحكاته التي وجَّهها إليَّ ما يشبه تملُّق المتسلِّط.

«ألا تَرُدُّ؟ هل أنت أخرس؟»

«ﻣ…ﻣ…ﻣﺘ…متلعثم.»

ردَّ أحدُ عُبَّاده نيابةً عني وجعل الجميع يلوون أجسامهم ضحِكًا. الضحك سخرية! يا له من فعلٍ برَّاق للغاية.

بدَت لي ضحكات زملائي القاسية تلك التي يتميَّز بها الفتيان في صباهم، برَّاقة مثل بَتَلات الزهور التي تعكس أشعةَ الشمس الزاهرة.

«ماذا! هل أنت متلعثم! ألن تدخل أنت أيضًا إلى الأكاديمية البحرية؟ سنعالج لك تلعثمَك هذا في يوم وليلة!»

لا أدري السببَ ولكنني فجأةً أجبتُ بالرد المناسب الواضح، انسابت الكلمات في سلاسة، وبلا أي ارتباط بالإرادة، خرجَت في لمح البصر.

«لن أدخل. فأنا سأصبح راهبًا.»

صمت الجميع من الذهول. وانحنى البطل الشاب على الأرض، وقبض بيده على عودٍ من العُشب ووضعه في فمه.

«حقًّا! هذا يعني أنني بعد عدة سنوات سأحتاج إلى رعايتك!»

في ذلك العام كانت الحرب العالمية في المحيط الهادئ قد بدأت بالفعل.

… في ذلك الوقت على ما أتذكَّر كان قد نشأ داخلي وعيٌ محدَّد. وهو أنني أفتح ذراعيَّ على امتدادهما للعالم المظلِم وأنتظر. وفي النهاية تدخل زهور شهر مايو، والزِّي الرسمي، وزملاءُ الدراسة السيِّئو الخُلق، داخل ذراعيَّ المفتوحتَين. الوعي الذاتي أنني أسحب بنفسي العالَم من قاعدته السفلى وأقبض عليه وأعصره … ولكن ذلك الوعي الذاتي، كان أثقلَ من الحد اللازم لكي يصبحَ فخرًا لصبي صغير.

فالفخر يجب أن يكون خفيفًا مشرقًا ومتوهجًا ظاهرًا للعِيان. أريد شيئًا يمكن أن تراه العين. أريد شيئًا يظهر أمام عين أي شخص، ثم يكون فخرًا لي. مثلًا، الخنجر الذي يتدلَّى من خَصره، ذلك هو بحقٍّ الشيءُ الذي أريده.

لقد كان الخنجر الذي ينظر إليه جميعُ طلاب المدرسة الإعدادية بإعجاب وتقدير، مزخرفًا بزينة في منتهى الجَمال حقًّا. وقد سمِعتُ أن طلاب الأكاديمية البحرية يَبرُون أقلامهم الرصاص خُلسةً بذلك الخنجر، ولكن، يا لها من أناقةٍ أن تستخدم عن عمدٍ رمزَ الوقارِ هذا في تلك الأفعال اليومية التافهة!

بالصدفة كانت الملابس الرسمية لطالب الأكاديمية البحرية مخلوعةً ومعلَّقة على السور المصبوغ بلونٍ أبيض. السروال والقميص الداخلي الأبيض كذلك … كانت جميعها تفوح منها رائحةُ بشَرة الشاب التي تَنِزُّ بالعَرق، بالقرب مباشرةً من الزهور. أخطأتْ نحلات العسل وأراحت أجنحتها على وردة القميص الأبيض التي تلمع متألقة. كانت قبَّعة زي الأكاديمية الرسمي التي تتزين بضفيرة من الخيوط الذهبية، معلَّقة بعمقٍ على أحد أعمدة السور بالشكل الذي كانت به على رأسه. كان الشاب قد قبِل تحدي الطلاب الأصغر منه سنًّا وذهبوا جميعًا إلى الملعب الخلفي ليلعبوا معًا مصارعةَ السومو.

تلك الأشياء التي خُلعت ورُميت تعطي انطباعًا بأنها مقبرة المجد. وزادت زهور شهر مايو الكثيرة من هذا الانطباع. إذا فصَّلتُ القول فالقبَّعة الرسمية التي تعكس مقدِّمتها ورنيشًا أسودَ، وبجانبها الحزام الجلدي المعلَّق وبه الخنجر، بعد أن انفصلا عن جسده، على العكس أطلقا جَمالًا شاعريًّا، وكان ذلك نفسه في منتهى الكمال مثل الذكريات … بمعنى أنها بدَت لي في شكل إرثٍّ لبطلٍ شابٍّ مات في الحرب.

تأكدتُ من عدم وجود أي شخص حولي. وتصاعدَت صيحاتٌ عالية من ملعب مصارعة السومو. فأخرجتُ من جيبي سكينَ تقليم الأقلام الرصاص التي بها صدأ … ثم اقتربتُ متسللًا، وفي خلفية غمد ذلك الخنجر الجميل، نقشتُ جُرحين أو ثلاثة بقطعها لتكون قبيحة.

ربما يُصدِر أحدٌ عليَّ حكمًا متسرِّعًا بأنني فتًى به صفات شاعر، من خلالِ ما ذكرته عاليه. ولكن حتى اليوم، لم يسبق لي كتابة شيء، ولا حتى يومياتي، فما بالُك بالشِّعر. أنا لا أملِك دافعًا للتفوُّق على الآخرين من خلال تعويض القدرات الناقصة عندي بقدراتٍ أخرى. إذا قلنا ذلك بقول مختلف، فقد كنت متغطرسًا أكثرَ من الحد اللازم لكي أكونَ فنانًا. ظلَّ الحُلم في أنْ أصبح فنانًا أو طاغية، حُلمًا كما هو، وكأنه لم تكن لديَّ في الواقع أي رغبة في البدء بعملِ شيء وتحقيقه على الأرض.

ولَم أعانِ من وجودِ دافع التعبير، الذي يجعلني أحاول إفهامَ الآخرين؛ فقد كان الأمر الوحيد الذي أفتخر به، هو عدم وجودِ مَن يفهمني. كنت أعتقد أن القدَر لم يعطِني تلك الأشياءَ التي تبدو لعين الناس. كانت وحدتي تزداد سُمنةً بالتدريج كما لو كانت خِنزيرًا.

وتصطدم ذكرياتي هذه فجأةً بحادثةٍ مأسوية وقعت في قريتنا. ورغم أنه من المفترض أن تلك الحادثة ليس لها في الواقع أي علاقة بي، إلَّا أن شعورًا بأنني اشتركت فيها اشتراكًا مؤكدًا لا يزول من داخلي.

من خلال تلك الحادثة واجهتُ أمورًا عدة دفعةً واحدة. واجهتُ أشياءَ متنوِّعة مثل الحياة، والشهوة الحسية، والخيانة، والحُب والكراهية. ولكن فضَّلَت ذاكرتي أن تغضَّ الطرْف عن العناصر السامية المتوارية في تلك الحادثة وتنكِرَها.

كانت هناك فتاة جميلة تسكن على بُعد بيتين من بيت عمي، اسمُها يويكو. كانت عيناها واسعتين وصافيتين. وربما لأن هذا البيتَ مِلكٌ لهم كانت تصرفاتها تتسم بالغطرسة والتعجرُف. ورغم أنها مدلَّلة من الجميع، إلا أنها كانت وحيدة، ولا يُدرى فيما كانت تفكِّر. الفتيات الحقودات كن يقولن شائعاتٍ، محتواها أن يويكو رغم أنها ما زالت عذراء على الأرجح إلا أنَّ صفاتها تلك هي صفاتُ امرأة عاقر.

كانت يويكو قد تخرَّجت لتوها من مدرسة بنات، وأصبحت ممرِّضة متطوِّعة في مستشفى مايزورو للقوات البحرية. كان المستشفى يبعُد مسافةً يمكن التردُّد إليها باستخدام الدراجة. وكان وقت خروجها للعمل في الصباح الباكر مع انبلاج ضوء الشروق من بين جنبات الليل؛ لذا كانت تسبق وقتَ ذهابنا للمدرسة بحوالي ساعتين.

في إحدى الليالي، تذكَّرتُ جسمَ يويكو وغرقتُ في تخيُّلات كئيبة سوداء، ولم أستطِع الخلودَ إلى النوم فنهضتُ من الفراش في الظلام، وانتعلت حذائي الرياضي وخرجت من باب المنزل في الساعات الأولى من فجر ذلك الصيف.

ولم تكن تلك الليلة هي أولَ مرة أتذكَّر فيها جسمَ يويكو. فتفكيري بها من وقتٍ لآخر تدريجيًّا أصبح ملتصِقًا بي، وكأنه كتلةٌ من ذلك التفكير، أصبح جسد يويكو أبيضَ ومرنًا ومتبلورًا في شكل كتلة لحم واحدة لها رائحة، غارقة في ظلال ظلام خافت. تذكَّرتُ سخونة أصابعي عندما أفكِّر في ذلك. وتذكرتُ كذلك المرونة التي تقاوم تلك الأصابعَ والرائحةَ التي تشبه رائحةَ غبار الطَّلع.

جريتُ في الطريق المظلمة في الفجر في خط مستقيم. لم تفلح الأحجار في عرقلة قدمي، وفتح الظلام الطريقَ أمامي بحرية ووضوح.

انفتحت الطريق أمامي في ذلك المكان، وكانت منطقةً نائية على طرَف ياسوأوكا التابعةِ لقرية شيراكو. ثمَّة شجرة دردار وحيدة وكبيرة الحجم. كان جذع شجرة الدردار مبتلًّا بندى الصباح. أخفيت جسمي وراء الجذع القريب من الجذور، وانتظرتُ أن تأتيَ دراجة يويكو من التجمُّع السكني.

كنتُ أنتظر فقط وليس في نيتي عملُ شيء. كنتُ قد جريت حتى انقطعت أنفاسي، وبعد أن حاولت إراحةَ أنفاسي تحت ظل الدردار، لم أكن أعرف ما الذي أحاول أن أفعله بعد ذلك. ولكن لأنني قد عشتُ حياتي حتى الآن بلا أي رابطة أو علاقة مع العالَم الخارجي، فقد كنتُ أتخيَّل أنني إذا قفزتُ مرةً إلى ذلك العالم الخارجي، فسيكون كل شيء سهلًا، وأكون قادرًا على كل شيء.

لسعتني بعوضةُ الزاعجة في قدمي. وسمِعت صيحاتِ الدِّيَكة هنا وهناك. نظرتُ إلى الطريق لأستشرفَ الأمر، فبدا لي على البُعد شيءٌ أبيض مبهم. كنت أعتقد أن ذلك هو ضوء الفجر، ولكنها كانت يويكو.

بدت يويكو راكبةً الدراجة، وقد أضاءت المصباح الأمامي. انزلقت الدراجة دون أن تصدِر أيَّ صوت. من ظل شجرة الدَّردار ظهرتُ فجأة للدراجة ووقفتُ أمامها. فرملتِ الدراجة فجأةً وبخطورة شديدة.

وقتَها أحسستُ أنني أصبحت مثل صخرة. الإرادة والرغبة والشهوة، كلُّها تحجَّرت. مرةً أخرى العالم الخارجي موجودٌ حولي وجودًا مؤكدًا بلا أي علاقة بما في داخلي. عندما انتعلت حذائي الرياضي الأبيض وخرجت من بيت عمي، وجريت في الطريق المظلمة حتى وصلت إلى ظل شجرة الدَّردار تلك، لم يكن الأمر عندي سوى مجرَّد أنني جئتُ جريًا بكلِّ ما أوتيتُ من قوة مستجيبًا لِما في داخلي من هاجس. ولكن كان المعنى مفتقَدًا بالكامل إلى درجةٍ مرعبة للغاية، في أسقف بيوت القرية التي تبرُز ظلالها بحوافَّ منخفضة وسط ظلام الفجر، وفي الأشجار الواقفة السوداء، وفي قمة جبل أوباياما، وحتى في يويكو الواقفة أمام عيني. كان الواقع قد وُجد هناك دون انتظار لتدخُّلي في الأمر، بل قد أُعطيتُ أنا ذلك الواقع الكبير الذي بلا معنًى والمظلم تمامًا، واقترب مني بثِقَل لم أشهد مثله حتى الآن.

كنت أفكِّر كما أفعل دائمًا أن الكلمات هي الشيء الوحيد على الأرجح الذي ينقذ الشخص في موقفٍ كهذا. كانت الكلمات تُشتِّت ذهني، في الوقت الذي يجب فيه العمل والحركة. والسبب في ذلك أن الكلمات صعبة الخروج من فمي، ولذلك يُسجَن عقلي في ذلك، وأنسى أن أقومَ بالحركة والفعل. لقد كنتُ أعتقد أن الفعل الذي يعني ترْكَ الأرضِ والطيرانَ في الجو، يأتي مصاحبًا للكلام.

لم أرَ شيئًا. ولكن كما أعتقد، عندما انتبهت يويكو لي في البداية مع خوفها، كانت تنظر فقط إلى فمي. كانت على الأرجح تتلوى وتزوم بلا معنًى في ظلام الفجر، ظلَّت تنظر فقط إلى حفرةٍ ضيقة مظلمة غير ممتعة، حفرةٍ صغيرة قذرة الشكل وكأنها وكْر حيوان برِّي حقير، بمعنى أنني أقصد فمي. وارتاحت بعد أن تأكَّدت أنه لن يخرج من هناك أيُّ قوة تربطني بالعالم الخارجي.

قالت يويكو:

«ماذا بك؟ أتفعل هذا الفعل الغريب، رغم أنك متلعثم؟!»

كان ذلك الصوت به صحةٌ وحيوية مثل نسائم الصباح الباكر. دقَّت يويكو الجرس ثم وضعت رِجلها مرةً ثانية على البدَّال. ثم لفَّت حولي وكأنها تتجنَّب حجرًا على الطريق. ورغم أنه ما من أثرٍ لإنسان، ويويكو تجري بدرَّاجتها حتى حقول الأَرُز البعيدة في الجهة الأخرى، كنتُ أسمع مرةً بعد أخرى صوتَ الجرس الذي تدقُّه يويكو على سبيل السخرية.

… جاءت أمُّها إلى بيت عمي في تلك الليلة بناءً على شكوى من يويكو. وعنَّفني بشدة عمِّي الذي عادةً ما يكون وديعًا. ولعنتُ يويكو، وأصبحتُ أتمنَّى موتَها، وبعد عدة أشهر تحقَّقت تلك اللعنة. ومن وقتها وأنا أحمل تأكيدًا بقدرتي على إحلال اللعنة بالآخرين.

كنتُ أتمنَّى موتَ يويكو أثناء نومي وأثناء استيقاظي. كنت أتمنَّى اختفاءَ ورحيل الشاهد على عاري. من المؤكَّد أن عاري سيختفي ويزول من هذا العالَم، فقط لو اختفى الشاهد. الآخرون كلُّهم شهود. ومع ذلك إذا اختفى الآخر فسيزول ما يسمَّى العار. أنا رأيت عالَم الآخر — بمعنى عالَم الآخر الذي لا يتركنا بمفردنا مطلقًا والذي يتقدَّم ليصبح شريكًا في الجريمة، ليكون شاهدًا — في خلفية عين يويكو التي لمع ظلُّها في ظلام الفجر مثل الماء، تكِلُّ العين التي ظلَّت تنظر إلى فمي بلا حَراك. يجب أن يفنى الآخر ويندثرَ. من أجل أن أستطيع توجيهَ وجهي نحو الشمس توجيهًا حقيقيًّا، يجب أن يندثرَ العالم.

تركتْ يويكو عملَها في مستشفى القوات البحرية بعد شهرين من تلك الشكوى، وتقوقعتْ في بيتها. وأثار أهلُ القرية شائعاتٍ متنوِّعة. ثم في نهاية الخريف وقعت تلك الحادثة.

… لم نكن نتخيَّل ولا في الأحلام أن عسكريًّا هاربًا من القوات البحرية قد تسلَّل إلى قريتنا هذه. ولكن في ظهرِ ذلك اليوم جاء فجأةً جنودُ الشرطة العسكرية إلى مقر بلدية القرية. ولكن لأن مجيء الشرطة العسكرية لم يكن بالأمر الغريب أو النادر، فلم ينتبه أحدٌ للأمر.

كان ذلك في يوم مشمس من أواخر أيام شهر أكتوبر. ذهبتُ كما أفعل دائمًا إلى المدرسة، وأنهيت استذكاري الليلي، وجاء الوقت الذي يجب فيه النوم. وكنت أنوي إطفاءَ الإضاءة عندما سمِعت أصواتَ جري عدد كبير من الناس يلهثون مثل قطعان الكلاب في طريق القرية أسفل نظري. نزلتُ إلى الطابق السفلي. وعند مدخل البيت كان أحدُ أصدقاء المدرسة ينتظر، وصرخ فيَّ وفي عمي وزوجته اللذين صحَوَا من النوم، قائلًا:

«الشرطة العسكرية تُمسِك يويكو الآن في الجهة الأخرى. هيا بنا نذهب معًا.» انتعلتُ القبقاب وأسرعتُ بالجري. كانت ليلة ينيرها القمر جيدًا، وتسقط ظِلال أعمدة سنابل الأَرُز الجافة زاهيةً واضحةً هنا وهناك على حقول الأَرُز التي حُصدت.

تحرَّكت ظلالٌ سوداء لتجمُّعٍ من البشر تحت ظلال الأشجار. كانت يويكو تجلس على الأرض ترتدي ملابسَ غربيةً يبدو أنها سوداء، ووجهها شديد البياض. وكان حولها أربعةٌ أو خمسة من جنود الشرطة العسكرية وأبواها. صاح أحد الجنود غاضبًا وهو يمدُّ يدَه بما يشبه وجبةَ طعام ملفوفة. وكان الأب يحرِّك وجهه يمينًا ويسارًا، يعتذر للجندي ثم يؤنِّب ويلوم ابنته. والأم تبكي مقوَّسة الظهر.

كنا نراقب ذلك المشهدَ من الناحية الأخرى وبيننا حقلُ أَرُز. وكان عددُ المتجمِّعين للرؤية في ازدياد مستمر مع الوقت، وتتلامس أكتافهم في صمت. يقبع القمر فوق رءوسنا صغيرًا وكأنه عُصِر.

شرح صديق الدراسة الأمرَ لي في أذني.

وهو أن جنديَّ الشرطة العسكرية كان قد كمِن ليويكو التي حملت وجبةَ الطعام الملفوفة وخرجت من بيتهم متوجهةً إلى التجمُّع السكني المجاور. وأنها لا شكَّ كانت تنوي إعطاءَ تلك الوجبة إلى العسكري الهارب من الخدمة. وأن علاقة يويكو والعسكري الهارب توثَّقت في مستشفى القوات البحرية، ولذلك طُردت يويكو من العمل في المستشفى بعد أن حمِلت منه. كان جندي الشرطة العسكرية يسألها طالبًا منها الإفصاح عن مكان اختباء العسكري الهارب من الخدمة، ولكن يويكو كانت جالسةً في مكانها لا تتحرَّك، وترفض الكلام في عناد تام.

أمَّا أنا فقد كنتُ أتأمَّل يويكو فقط دون أن تطرِف لي عين. بدَت لي كامرأة مجنونة أُمسِكَ بها. كان وجهها تحت القمر ثابتًا لا يتحرَّك.

لم يسبق لي حتى الآن أن رأيت وجهًا يمتلئ بالرفض إلى هذه الدرجة. أنا أعتقد أن وجهي مرفوضٌ من العالَم كلِّه. ولكن وجه يويكو كان هو الذي يرفض العالَم. كان ضوء القمر ينساب دون إذنٍ على تلك الجبهة والعين وأرنبة الأنف والخدود، ولكنَّ الوجه الثابت بلا حركة كان فقط يُغسل بواسطة ذلك الضوء. إذا حرَّكت عينيها قليلًا، إذا حرَّكت فمها قليلًا، فالعالم الذي تحاول أن ترفضه، سيَعتبر ذلك إشارة، ويتدفَّق إليها من تلك الثغرة كانهيار جبل الجليد.

كتمتُ أنفاسي وراقبتُ ذلك المشهد. إنه وجهٌ توقَّف التاريخ عنده فلا يحكي أيَّ شيء سواء عن الماضي أو عن المستقبل. يمكننا رؤية ذلك الوجه العجيب، فوق أفرع الشجر المقصوصة التي قُطِعت أطرافُها ورُميت منذ فترة قصيرة. ذلك الوجه العجيب الذي رُسمت على مقطعه الجانبي دوائرُ الحلقات الشجرية الجميلة، والذي انكشف فجأةً لعالَم لا ينتمي إليه من الأصل، وقد غمرته ريحٌ وأشعة شمس لم يكن يُفترَض أن يتعرَّض لهما، وقد توقَّف نموُّه هنا، مهما بدا جديدًا وطازجًا ويلفُّه لونٌ مائي منعِش. وجه عُرِّض لهذا العالم، فقط من أجل أن يرفضه.

لم أستطِع إلا أن أشعر أن تلك اللحظة التي كان فيها وجه يويكو بهذا الجَمال، لا يمكن أن تُكرَّر مرةً ثانية لا في حياتها هي، ولا في حياتي أنا الذي أشاهده الآن. ولكنَّ استمرار ذلك لم يكن بالوقت الطويل الذي توقَّعته. فجأةً ظهرت تغيراتٌ في ذلك الوجه الجميل.

نهضت يويكو واقفة. وأعتقد أنني رأيتها تضحك في تلك اللحظة. بدا لي أنني رأيت لمعانَ تلك الأسنانِ الأمامية البيضاء في ضوء القمر. ولا أستطيع مواصلةَ الكتابة أكثرَ من ذلك عن تلك التغيرات. والسبب أن وجه يويكو التي نهضت واقفةً هرب من ضوء القمر الواضح واختفى وراء ظلال الأشجار الواقفة. وللأسف لم أستطِع رؤيةَ التغيرات التي اعترَت يويكو عندما أخذت قرار الخيانة. ربما لو كنتُ رأيتُ ذلك بالتفصيل، لنبَتَ فيَّ قلبٌ يغفر للبشر، قلبٌ يغفر كلَّ شيء بما في ذلك مختلف أنواع القبح.

أشارت يويكو إلى ظلِّ جبل قريب من تجمُّع منازل كاوارا المجاور.

صاح أحد جنود الشرطة العسكرية:

«إنه معبد كونغوين.»

بعد ذلك تولَّدت داخلي فرحةٌ عارمة مثل فرحة الأطفال بالأعياد. وزَّع جنود الشرطة العسكرية المهامَّ فيما بينهم، وقرَّروا محاصرةَ معبد كونغوين من الجهات الأربع. وطلبوا من أهالي القرية التعاون. انضممتُ أنا مع خمسة أو ستة من الفتيان بسبب الفضول الخبيث، إلى المجموعة الأولى تقودنا يويكو لترشدنا إلى المكان. اندهشتُ من خطواتِ يويكو المليئة بالثقة وهي تسير بصحبة جنود الشرطة العسكرية، تتقدَّم الجموعَ في الطريق التي ينيرها ضوء القمر.

يُعَدُّ معبد كونغوين معبدًا شهيرًا جدًّا، ويقع في سفح الجبل على بُعد ربع ساعة من ياسوأوكا؛ فهو يشتهر ببرجه الثلاثي الفخم، وبشجرة التورية التي يقال إن الأمير تاكاؤكا قد زرعها بيده الكريمة، ويشتهر كذلك بأعمال النحَّات جينغورو هيداري. وقد ذهبتُ كثيرًا في الصيف لكي ألعبَ عند شلالات الجبل الذي يقع في خلفية المعبد.

يقع سورُ المبنى الرئيس للمعبد بجوار ضفة نهر. فوق السور الطيني المتهالك، ينبُت الكثير من الحَسَك، وبَتَلاته البيضاء تلمع حتى في الليل. وبجانب مدخل المبنى الرئيس تُزهِر الكاميليا. سارت الجموع بمحاذاة النهر في صمت عميق.

ويقع أيضًا المبنى الرئيس لمعبد كونغوين في مكانٍ أعلى من ذلك. وبعد عبور جسر ماروكيباشي ثمَّة برجٌ ثلاثي على اليمين وغابةُ أشجار القَيْقَب على اليسار. وفي عمقها تعلو سامقةً درجاتٌ حجرية عددها مائة وخمس درجات. وهي مصنوعة من الحجر الجيري؛ لذلك فهي سهلة الانزلاق.

التفَت أحد الجنود إلى الخلف قبل عبور جسر ماروكيباشي، وأوقف حركةَ الجموع بإشارةٍ من يده. يقال إنه في الماضي ثمَّة بوابة عليها تمثالا نيؤو من صنْع أونكيه وابنه تانكيه. ويملِك معبد كونغوين سلسلة جبال تسوزورا من هنا إلى نهايتها … كتمنا جميعًا أنفاسنا.

حثَّ الجنودُ يويكو على التحرُّك. عبرَت هي جسرَ ماروكيباشي بمفردها، وبعد فترةٍ عبرْنا نحن خلفها. يختفي الجزء الأسفل من الدرجات الحجرية في الظل. ولكن كان ضوء القمر ينير نصفَها العلوي. أخفينا أنفسنا هنا وهناك في الظلال بالجزء الأسفل من الدرجات الحجرية. وظهرت أشجار القيقب التي بدأت تتلوَّن، تحت ضوء القمر في لون أسود.

يقع المبنى الرئيس لمعبد كونغوين أعلى الدرجات الحجرية، ومعلَّق من هناك على اليسار بميلٍ ممرٌّ يؤدي إلى قاعة خالية تشبه قدس الأقداس. تبرُز تلك القاعة الخالية في الهواء، وثمَّة عددٌ كبير من الأعمدة والألواح العرضية المجمَّعة في تقليدٍ لمسرح معبد كيوميزو، كانت تلك الأعمدة تدعَم تلك القاعة من أسفل الجرف. غُسل المبنى الرئيس وجسر العبور والهياكل المجمَّعة بالرياح والأمطار، فكانت الأعمدة والألواح العرضية بيضاءَ في غاية النقاء كأنها هيكلٌ عظمي. يُظهِر شجر القَيْقَب الكثيف بألوانه الحمراء والذهبية توافقًا رائعًا مع ذلك المبنى المعماري الذي يبدو كهيكلٍ عظمي، ولكن بدا الإطار الخشبي مريبًا وضوء القمر يغمُره في الليل على شكل بُقَع هنا وهناك، ولكنه بدا أيضًا آسرًا خلابًا.

يبدو أن الجنديَّ الهارب يختبئ داخل المبنى الرئيس فوق المسرح. وكانت خُطة جنود الشرطة العسكرية هي استخدامَ يويكو طُعمًا للإمساك به.

اختبأنا — نحن الشهودَ — في الظل، وكتمنا أنفاسنا. كان خدَّاي ساخنين رغم إحاطتهما بنسيم الليل البارد في أواخر شهر أكتوبر.

صعِدت يويكو بمفردها الدرجات المائة والخمس المصنوعة من الحجر الجيري. صعِدت بفخر مثل شخص مجنون … كان جانب وجهها الجميل هو فقط الأبيض بين ردائها وشعرها الأسودين.

من بين القمر والنجوم وغيوم الليل، والجبل الذي يلمِس الهواء عند قمم أشجار الأرْز التي على شكل الحِراب، وظلال ضوء القمر المتناثرة كالنقاط، والمباني التي تبرُز برَّاقة، من بين كل تلك الأشياء، سَكِرتُ فقط من الجَمال النقي والمتألق لخيانة يويكو. كانت هي الوحيدة المؤهَّلة لكي تصعد تلك الدرجات الصخرية البيضاء بإباء وفي عزة وكبرياء. كانت تلك الخيانة، مثل النجوم والقمر وأشجار الأَرْز التي على شكل الحِراب. بمعنى أنها كانت تسكن معنا، نحن الشهودَ، في هذا العالم وتستقبل هذه الطبيعة. كانت تصعد تلك الدرجات كوكيل يمثِّلنا.

كنتُ وقد لهثَت أنفاسي لا أستطيع الكفَّ عن الاعتقاد التالي:

«إنها من خلال خيانتها تقبَّلتني أخيرًا. لقد أصبحت الآن مِلكي.»

… إن الأحداث في لحظة زمنية معينة تسقط من ذاكرتنا. ولكن ما زالت صورة يويكو وهي تصعد الدرجات الحجرية المائة والخمس التي نبَت عليها العفن الأخضر، أمام عيني. ويُعتقد أنها ستظل تصعد تلك الدرجات الحجرية إلى الأبد.

ولكنها بعد ذلك ستصبح شخصًا مختلفًا. على الأرجح أن يويكو التي انتهت من صعود الدرجات الحجرية، خانتني مرةً أخرى، خانتنا كلَّنا. يويكو من فصاعدًا، لن ترفض العالَم بأكمله. وكذلك لن تقبله بأكمله. ولكنها أسلمت جسدَها لنظام شهوة الحب، وأسقطت جسدَها لتكون امرأةً من أجل رجل واحد فقط.

ولذلك فأنا لا أستطيع أن أتذكَّر المنظرَ إلا كمنظر لوحة قديمة طُبعت على حجر إردواز … عبَرت يويكو الجسرَ الواصل بين المبنيَين ونادت في ظلام المبنى الرئيس. ظهر ظلُّ رجل. تحدَّثت يويكو إليه بشيءٍ ما. فتوجَّه الرجل إلى منتصف الدرجات الحجرية، وضرب بالمسدس الذي كان يمسكه في يده. مقابل ذلك انطلقت من وسط الدرجات الحجرية المختفية خلف أفرع الأشجار طلقاتُ جندي الشرطة العسكرية ردًّا على ذلك. قبض الرجل على المسدس مرةً أخرى، ووجَّهه إلى ظهر يويكو التي كانت تحاول الهروبَ إلى المبنى الرئيس، وظل يضرب عدةَ طلقات. وقعَت يويكو على الأرض. ثم وضع الرجل فوَّهة المسدس على صدغه وأطلق النار.

… تسابق الجميع في صعود الدرجات الحجرية وأولهم جنودُ الشرطة العسكرية، وأسرعوا إلى مكان الجثَّتين، بينما كنتُ كما أنا أخفي جسدي في ظل أوراق شجر القيقب بلا أي حركة. تتراصُّ قِطع الأخشاب البيضاء بالطول والعرض، وترتفع سامقةً فوق رأسي. ومن فوقها يسقط صوت ترنُّح أحذية تطأ أرضية المبنى الرئيس المغطَّاة بالألواح الخشبية وقد أصبح صوتها في منتهى الخفَّة. تداخلت أشعَّة اثنين أو ثلاثة مصابيح يدوية محمولة متضاربة، وتخطَّت الدرابزين ووصلت إلى أفرع شجر القيقب.

لم أكن أعتقد إلا أنَّ كل ذلك يحدث بعيدًا عني. لا يتوتَّر الأشخاص البليدو الحس، ولا يتحيَّرون ما لم تنزف الدماء. ولكن عندما نزفت الدماء، كانت المأساة قد انتهت بالفعل. كنت قد بدأت أنْعَس في توقيت غير معروف. وعندما استيقظت، كان الجميع نسُوني وتركوني وحيدًا، يملأ المكان حولي تغريدُ العصافير، وأشعة شمس الصباح التي تشعُّ بعمق وقوة تحت أفرع أشجار القيقب. يستقبل مبنى الهيكل العظمي الشمسَ من تحت ركن الزينة، وبدا كأنه بُعث مرة ثانية للحياة. وبرز ناتئًا ذلك المبنى الرئيس الفارغ في هدوء وفخر من بين أودية أشجار القيقب.

نهضت واقفًا، وهززتُ جسمي، ثم حككتُ جسدي هنا وهناك. البرودة فقط هي التي تبقَّت داخل جسمي. الذي تبقَّى فقط هو البرودة.

•••

في عطلة الربيع من العام التالي، زارنا والدي في بيت عمي وكان يرتدي وشاحَ الرهبان فوق الزي الوطني. وقال إنه سيأخذني معه إلى كيوتو مدة يومين أو ثلاثة أيام. كان مرضُ أبي الرئوي قد تدهور كثيرًا، واندهشتُ لاضمحلال صحته. حاولتُ أن أثنيَه عن الذهاب إلى كيوتو بتلك الحالة، ليس أنا فقط ولكن عمي وزوجته كذلك، ولكنه لم يسمع لنا. وعندما أفكِّر في ذلك الأمر بعد أن انقضى، أعتقد أن أبي كان يريد أن يقدِّمني لكبير رهبان المعبد الذهبي أثناء حياته.

بالطبع كانت زيارة المعبد الذهبي هي حلمي لسنواتٍ طويلة، ولكن لم أجد نفسي متقبِّلة الذهابَ في هذه الرحلة وأبي يبدو بهذه الحالة من المرض الشديد الواضحة لكل ذي عينين مهما تظاهر أبي بغير ذلك. تولَّدت في قلبي الحيرة والتردُّد، باقتراب اللحظة التي أتقابل فيها أخيرًا مع المعبد الذهبي الذي لم يسبق لي رؤيته. يجب أن يكون المعبد الذهبي جميلًا بأي حال من الأحوال. ولم يكن الأمر هنا مرهونًا كله بجَمال المعبد الذهبي ذاته، بل كان مرهونًا بقدرة قلبي أنا على تخيُّل ذلك الجَمال.

لقد كنت ضليعًا بكلِّ ما يتعلق بالمعبد الذهبي بقدرِ ما يمكن لعقلِ صبي أن يتفهَّمه. يذكر أحد كتب الفن العادية تاريخَ المعبد الذهبي كما يلي:

«لقد قبِل القائد العسكري يوشيميتسو أشيكاغا (١٣٥٨–١٤٠٨) تنازُلَ عائلة سايؤنجي له عن الجبل الشمالي كيتايامادونو، وهناك بنى له منتجعًا جبليًّا هائلَ الحجم. والمباني الرئيسة كانت مبانيَ بوذية مثل مبنى شاريدن، وقاعة غومادو، وقاعة سنبودو، ومبنى هوسوين، ثم مباني للسُّكنى مثل مبنى شيندن، وغرفة كوغنوما، وقاعة الاجتماعات، ومبنى برج المرآة السماوي، ومبنى النجم الشمالي، ومبنى إزوميدونو، ومبنى كانسيتسو. ونال مبنى شاريدن أثناء بنائه اهتمامًا كبيرًا، وهو الذي سُمِّي فيما بعدُ باسم المعبد الذهبي. ومن الصعب وضعُ خطٍّ فاصل وواضح لوقت تسميته باسم المعبد الذهبي، ولكن يبدو أن ذلك كان بعد تمرُّد أونين (١٤٦٧–١٤٧٧)، وفي عصر بون ميه (١٤٦٩–١٤٨٧) أصبح يُستخدم ذلك الاسم على نطاق واسع.

يتكوَّن المعبد الذهبي من ثلاثة طوابق على شكلِ برجٍ يُطِل على بِركةٍ في حديقة واسعة (بِركة كيوكو)، ويُعتقد أنه انتُهي من بنائه في عام ١٣٩٨. الطابقان الأول والثاني بُنيا على طراز قصور النبلاء، واستُخدمت به ستائرُ تُطوى للحماية من الأمطار والرياح وأشعة الشمس، أما الطابق الثالث فبُنيَ على طراز قاعات الزِّن البوذية الخالصة، بغرفٍ في ثلاثة اتجاهات، وفي المنتصف بابٌ مُنشَأ على عتبة، ونافذتان على اليمين والشمال على شكل رأس اللهب. وصُنع سقفُ المبنى على طراز «سقف الخيمة»؛ حيث يرتفع فوقه طائر العنقاء المصنوع من النحاس المطلي بالذهب. تبرُز كذلك شرفة «سوسيه»، التي بُنيت على طراز «منصة الصيد» في مواجهة البِركة، محطِّمةً لرتابة المبنى بأكمله. يميل سقف المبنى ميلًا معتدلًا، ويعتمد الإفريز المفرَّغ على أعمدة من خشبٍ رقيق فاخر ذي قطعيات جميلة. يتناغم المبنى الذي على طراز معماري للمنازل السكنية مع القاعات البوذية، ويتوافق جَمالُ الحديقة الفاخرة مع المباني، ويظهر فيها ذوق يوشيميتسو الذي أدخل ثقافة طبقة النبلاء لتوضِّح لنا جيدًا البيئةَ العامة لذلك العصر.

بعد موت يوشيميتسو ومن خلال أمره في وصيته، تحوَّل كيتايامادونو إلى معبدٍ بوذي لطائفة الزِّن، وسُمِّي باسم معبد روكوؤنجي. ونُقل بعضٌ من تلك المباني إلى أماكنَ أخرى وهُدم بعضها، ولكن لحسن الحظ ظلَّ المعبد الذهبي فقط باقيًا.

بُني المعبد رمزًا على عصور الظلام، مثل قمرٍ في سماء الليل. وهنا، كان من الضروري أن تكون هناك خلفية من الظلام للمعبد الذهبي في أحلامي، تدفعه وتُبرِزه عمَّا يحيط به. فهو يجلس بهدوء وسكينة تامة في وسط الظلام، حيث تُطلِق الأعمدة الرفيعة الجميلة للبناء من داخلها أشعةً دقيقة. مهما حكى البشر عن ذلك المبنى، فالمعبد الذهبي الجميل، بِصمته، يجب أن يُكشف تركيبه الدقيق المرهف للعِيان، وأن يتحمَّل الظلام الحالك المحيط به. كذلك فكرتُ في طائر العنقاء النحاسي المطلي بالذهب في قمَّة هذا السقف المنكشف للرياح والأمطار طَوال تلك السنين الممتدة. ذلك الطائر السِّحري باللون الذهبي، لا ريبَ أنه قد نَسي أنه طائر، فلا هو يصيح في الفجر معلنًا وقت الصباح ولا هو يرفرف بجناحيه. ولكن من الخطأ الاعتقاد أنه لا يطير. فرغم أن باقي الطيور يطير عبر المكان، إلا أن طائر العنقاء الذهبي هذا يفرد جناحيه المتألقين ويطير بهما عبر الزمان إلى الأبد. الزمان هو الذي يضرب جناحيه. يضرب جناحيه ويذهب متقهقرًا للخلف. ومن أجل أنه يطير بالفعل، لم يكن للعنقاء فقط إلا أن يتشبَّث، وهو في هيئة الثبات، بقدميه الذهبيَّتين المهيبتين بالأرض، ناظرًا في غضب، رافعًا جناحيه عاليًا، ملوِّحًا بريش ذَنَبه للخلف.

عندما أفكِّر بهذه الطريقة، أصل إلى اعتقاد أن المعبد الذهبي ذاته هو عبارة عن سفينة في غاية الجَمال عبَرت بحر الزمان آتية إلينا. ما يقوله كتاب الفن عن المعبد الذهبي إنه «بناء مفرَّغ قليل الجدران»، يجعلك تتخيَّل بناءَ السفينة، وتظهر تلك البِركة التي تُطِل عليها هذه «العوَّامة» المعقَّدة ذات الطوابق الثلاثة، كأنها رمزٌ للبحر. وأن المعبد الذهبيَّ جاء عابرًا لياليَ لا عددَ لها. إنه عبورٌ لبحر هائل لا يُعرف متى ينتهي. ثم في أثناء النهار، تلقي تلك السفينةُ العجيبة مرساتَها بوجهٍ يتصنَّع الجهل وتترك نفسَها لهذا العدد الكبير من الزوَّار. وعندما يأتي الليل، تحصُل على دفعة قوية من الظلام المحيط، ثم تنفخ السقف ليكون مثل الشُّراع وتُبحِر من جديد.

لا أبالغ لو قلتُ إن أولى المشكلات الصعبة التي واجهتني في حياتي هي الجَمال. إن أبي راهبٌ بسيط في قرية ريفية، وحصيلة كلماته فقيرة، علَّمني فقط قول «ليس في هذا العالَم ما هو أجملُ من المعبد الذهبي». كنتُ أشعر بعدم الرضا والاستياء الشديد من فكرة وجود الجَمال بالفعل في مكانٍ أجهله. فمعنى وجودِ الجَمال هناك وجودًا مؤكدًا هو أنني أُبعِدتُ عن الجَمال في مكانٍ منعزل.

ولكنَّ المعبد الذهبي لم يكن يمثِّل بالنسبة لي مجرَّد فكرة نظرية. فرغم أن الجبال تَحيل بيني وبين رؤيته، إلا أنه يمكنني إذا أردتُ، الذهابُ إليه لرؤيته في مكانه. فهو شيء يمكن لمس جَماله بالأصابع هكذا، وينعكس بوضوح في العيون. كنت أعلم، بل كنتُ أُومن تمامًا بوجود معبد ذهبي ثابت غير متغيِّر، في وسط أشكال متغيرة كثيرة.

وأحيانًا ما أعتقد أن المعبد الذهبي عبارة عن تصميم صغير دقيق يمكن احتواؤه داخل يدي. وكذلك أحيانًا ما أعتقد أنه معبدٌ عملاق مثل وحش ضخم يرتفع شامخًا حتى السماء العالية. فلم يكن موجودًا في عقلي أثناء فترة الصبا، فكرةُ أن الجَمال لا بد أن يكون بدرجةٍ مناسبة، وألا يكون كبيرًا ولا صغيرًا. وكنتُ أفكِّر عندما أرى زهرةً صيفية صغيرة، تشعُّ أشعةً مبهمة بعد أن تبتلَّ بندى الصباح، في أنها جميلة مثل المعبد الذهبي. أيضًا عندما أرى غيومًا تقف حاجبةً الجبالَ البعيدة، ويتألَّق منها فقط حوافُّها الكئيبة التي تحوي البرقَ في لون ذهبي، هذا الجلال يذكِّرني بالمعبد الذهبي. وفي النهاية أصبحتُ حتى لو رأيت وجهَ إنسان جميل أصِفه داخلي ﺑ «أنه جميل مثل المعبد الذهبي».

كانت تلك الرحلة مليئةً بالأحزان. خط سكة حديد مايزورو يقف في المحطات الصغيرة من محطة غرب مايزورو إلى ماغورا ثم أويسوغي، ثم يمرُّ عبر محطة أيابي، متجهًا إلى كيوتو، ولكن كانت عربة الركَّاب قذرة، وفي المناطق المحاذية لوادي هوزو التي تكثر فيها الأنفاق، يقتحم دخانُ الفحم العرباتِ دون هوادة ولا استئذان، وبسبب ذلك الدخان الخانق سعل أبي عدةَ مرات.

رغم قلة الركَّاب إلا أن أغلبهم كان له علاقة بالقوات البحرية. وكانت عربة الدرجة الثالثة كاملةَ العدد بالركَّاب من عائلات الضباط الصِّغار الرتبة، وجنود البحرية والعمال العائدين من زيارتهم في مركز التدريب والصيانة التابعِ للقوات البحرية.

نظرتُ في الخارج إلى سماء الربيع ذات السحاب الثِّقال. ثم نظرتُ إلى الوشاح الذي يرتديه أبي على صدره فوق الزِّي الوطني، وكذلك نظرتُ إلى صدورِ الجنود الشباب، ذوي الوجوه الصحية، المزيَّنةِ بأزرار ذهبية اللون. أحسستُ أنني في المنتصف بينهما. فإذا وصلتُ إلى سنِّ العشرين، فسيستدعيني الجيش. ولكن حتى لو افترضنا أنني أصبحتُ جنديًّا هل يا تُرى أستطيع أداءَ واجبي بإخلاص مثل هؤلاء الجنود الصغار الذين هم أمام عيني؟ لقد كانت قدماي كلُّ واحدة منهما في عالم مختلف على أي حال. ورغم أنني كنت في هذه السن الصغيرة، إلا أنني كنت أشعر أن عالَم الموت الذي يسيطر عليه أبي، وعالَم حياة الشباب، على وشْك الارتباط تحت جبهتي القبيحة العنيدة، خلال الحرب كوسيط بينهما. هل سأصبح أنا عقدةَ ذلك الارتباط؟ هل إذا متُّ شهيدًا في الحرب، يتضح لي في نهاية الأمر أن كلا الطريقين اللذين أمام عيني الآن له نفس المآل؟

لقد كانت فترة صباي متعكرة بلونٍ معتم. وكان العالَم مرعبًا وذا ظل مظلم، ولم أكن أملِك حياةً واضحة تمامًا مثل النهار الأبيض.

مع اهتمامي بسعال أبي، كنت أنظر مراتٍ كثيرة إلى خارج نافذة القطار على نهر هوزو. كان النهر يأخذ لونًا أزرقَ شديدَ القتامة، مثل مادة كبريتات النحاس التي تُستخدم في تجارب الكيمياء في المدرسة. وفي كل مرة نخرج من النفق، كان وادي هوزو يبتعد عن خط السكة الحديد، ثم يأتي مرةً ثانية مقتربًا اقترابًا غيرَ متوقَّع، وكأنه مخرطة ذات لون أرزق قاتم محاطة بأحجار ملساء تدور وتلف مصدِرةً صوتًا هادرًا.

كان أبي يخجل من فتح وجبة الطعام، التي تحتوي على أرز أبيض مكوَّر، في عربة القطار.

«إنه ليس أرزًّا من السوق السوداء، بل إنه تبرُّع من أتباع المعبد؛ لذا يجب أخذُه بامتنان.»

قال ذلك بصوتٍ يسمعه المحيطون بنا وهو يُخرِج الأرز ليأكله، وأكل أبي بالكاد واحدةً من كورِ الأرز تلك الصغيرة الحجم.

لم أكن أعتقد أن هذا القطار المتهالك المليء بالسُّخام في طريقه إلى العاصمة. بل كان لديَّ إحساس أن هذا القطار يتقدَّم متوجهًا لمحطة الموت. وعندما فكَّرت في ذلك أحسست أن الدخان الذي يملأ العربة عند كل نفق به رائحةُ أفران حرق الجثث.

… ولكن على الرغم من كل شيء، أُصيب قلبي بالخفقان عندما وقفتُ أمام المدخل الرئيس لمعبد روكوؤنجي. سأرى أخيرًا أجملَ ما في هذا العالم.

مالت الشمس إلى الغروب، والتحفتِ الجبال بالضباب. ودخل عددٌ من زوار المعبد من نفس الباب أمامنا وخلفنا أنا وأبي. وعلى الجانب الأيسر من البوابة، برجُ الناقوس محاطًا بغابة من البرقوق ما زالت بها زهور متفتِّحة.

وقف أبي أمام بوابة المبنى الرئيس التي تتقدَّمها شجرة سنديان عملاقة وطلب الدخول. فقيل له إن الراهب المقيم لديه زائرون حاليًّا ويريد من أبي الانتظارَ عشرين أو ثلاثين دقيقة.

فقال لي أبي:

«هيا نلقي نظرةً ونلفُّ حول المعبد الذهبي خلال هذه المدة.»

وعلى ما يبدو كان أبي يريد أن يريَني أنا ابنه كيف أنه يستطيع الدخولَ مجانًا من بوابة الزوار بسبب معرفتهم به. ولكن الرجل الذي يبيع التذاكر والبطاقات وكذلك الشخص الذي يتأكَّد من التذاكر عند بوابة الدخول تغيَّروا تمامًا عن أولئك الذين كانوا موجودين عندما كان أبي يأتي كثيرًا إلى هنا منذ أكثرَ من عشر سنين.

«عندما آتي في المرة القادمة، من المؤكد أنهم سيتغيَّرون مرة أخرى.»

قال أبي ذلك بوجهٍ يميل إلى الشعور بالبرد، ولكني أحسستُ أن أبي أصبح بالفعل غير واثقٍ من مسألة «آتي في المرة القادمة».

ولكني تعمدتُ وبما يليق بصبيٍّ (في هذا الوقت فقط، في الوقت الذي أتعمَّد فيه التمثيل الشرير، أكون صبيًّا حقيقيًّا) أن أسبقه بمرح، وتقريبًا ذهبتُ جريًا. سيظهر هنا أمام عينيَّ المعبدُ الذهبي الذي اشتقت إليه في أحلامي بكامل هيئته دون تمنُّع.

كنتُ أقف على هذا الجانب من بِركة كيوكو، وكان المعبد الذهبي على الجانب الآخر من البِركة كاشفًا عن واجهته الأمامية تحت الشمس التي بدأت في الميل ناحية الغرب. كان يختبئ أغلبُ منصة الصيد (سوسيه) في الجانب الأيسر من الجهة الأخرى. وكان ظلُّ المعبد الذهبي بتفاصيله الدقيقة منعكسًا على البِركة التي طفَت الطحالب وأوراق الأعشاب المائية متناثرةً على سطحها، وبدا لي ذلك الظل المنعكس في غاية الكمال. جعلت شمس الغروب انعكاسَ ماء البِركة، يهتزُّ على الجانب الخلفي لإفريز كل طابق. بالمقارنة مع إشراقة الجوانب، كان انعكاس الجانب الخلفي لتلك الأفاريز في غاية الوضوح والتألُّق، مما جعل المعبد الذهبي يبدو وكأنه منحنٍ للخلف مثل لوحةٍ رُسمت بطريقة منظور مُبالغ فيها.

وضع أبي يدَه المريضة النحيلة على كتفي وقال:

«ما رأيك؟ أليس جميلًا؟ الطابق الأول يسمَّى هوسوين، والثاني تشوندو، والثالث كوكيوتشو.»

تأمَّلتُ المعبد وأنا أغيِّر وجهةَ النظر بدرجاتٍ متنوِّعة أو أعوج عنقي بأشكال مختلفة. ولكن لم يحدُث لي أيُّ انبهار. إنه لم يَزِد عن مجرد مبنًى قديم صغير مكوَّن من ثلاثة طوابق اسودَّت جدرانه بفعل الزمن. وحتى طائر العنقاء الذي على القمة، لم يبدُ لي إلا كأنه غرابٌ واقف. ليس جميلًا بأي حال، بل على العكس أحسستُ بتنافُر يسبِّب حالةً من الانزعاج. فكَّرت، هل يا تُرى «الجَمال»، هو شيء قبيح هكذا؟

لو كنتُ صبيًّا متواضعًا محبًّا للدراسة، لربما كنتُ أندُب حظي لعدم اكتمال حاسة التذوُّق لديَّ، قبل أن أسقط بهذه السهولة في خيبة الأمل. ولكن غطَّى ألمُ الخيانة، الذي أصاب قلبي بعد توقُّعه الجَمالَ إلى هذه الدرجة، على كل شيء آخر.

فكرتُ أن المعبد الذهبي يتنكَّر في هيئة شيء آخر مختلف ليُخفيَ جَماله. حيث من الممكن أن يخدع الجَمالُ أعينَ الناس من أجل أن يحميَ نفسه. يجب عليَّ الاقترابُ أكثر من المعبد الذهبي، وإزالة الحاجز الذي أشعر به بشدة على عيني، وفحص كل تفاصيله على حدة، ورؤية جوهر هذا الجَمال بعينيَّ هاتين. فهذا هو السلوك الطبيعي، ما دمتُ لا أُومن إلا بالجَمال المنظور لعيني فقط.

حسنًا لقد قادني أبي بجلال واحترام، فصعِدنا إلى الحافة الجانبية لمبنى هوسوين. نظرتُ أولًا إلى نموذج المعبد الذهبي البديع الموضوع في صندوقٍ زجاجي. أعجبني ذلك النموذج. فقد كان على العكس هو الأقربَ إلى المعبد الذهبي الذي كنت أراه في أحلامي. وجعلني هذا النموذج الشبيه تمامًا بالمعبد الذهبي والموجود داخله، وكأنه كونٌ صغير داخل الكون الكبير، أفكِّر في التماثل اللانهائي. استطعت لأول مرة أن أرى حُلمًا فيه معبدٌ ذهبيٌّ أصغرُ من هذا النموذج، معبدٌ ذهبيٌّ مطلَق الكمال، ثم معبدٌ ذهبيٌّ أكبر من الحقيقي بدرجةٍ لا حدَّ لها، كأنه يحوي العالَم كلَّه.

ولكن لم تظلَّ قدماي واقفتين أمام النموذج بلا نهاية. فقد أرشدني أبي بعد ذلك إلى تمثال يوشيميتسو الشهير المسجَّل أثرًا وطنيًّا. ويسمَّى ذلك التمثال الخشبي تمثال «روكوؤنيندونو ميتشيوشي» وهو اسم يوشيميتسو بعد حلقِه رأسَه ودخوله عالَم الرهبنة.

ولكن هذا التمثال لم يبدُ لي إلا كصنم غريب ملوَّث بالسُّخام، ولم أشعر فيه بأي جَمال. وحتى عندما ذهبنا إلى الطابق الثاني المسمَّى تشوندو، ورأيتُ لوحة الملاك العازف في السقف التي يُقال إنها من عمل ريشة الفنان ماسانوبو كانو، لم أحسَّ بأنها جميلة.

نظرت إلى أسفل شاردًا على سطح البِركة وأنا أستند بظهري إلى الدرابزين الدقيق. كانت البِركة مضاءة بشمس الغروب، ويسقط مباشرةً ظلُّ المعبد الذهبي فوق سطحٍ يشبه مرآةً نحاسية صدِئة من العصور القديمة. كانت سماء الليل تنعكس على الطحالب الخضراء والأعشاب أسفل الماء. كانت سماء الليل تلك تختلف عن السماء التي فوق رءوسنا. فقد كانت مشرِقة ورائقة، وتمتلئ بضوء هادئ، يبتلع تمامًا هذا العالَم الأرضي بأكمله من أدناه ومن داخله، ويترسَّب المعبد الذهبي في داخلها، مثل مرساةٍ عملاقة من الذهب الخالص امتلأت تمامًا بالصدأ …

كان الراهب المقيم دوسن تاياما صديقًا لأبي في المعبد نفسه أثناء تعلُّم الزِّن. وقضيا معًا فترةَ الزِّن مدة ثلاث سنوات، وأثناء تلك الفترة كانا يبيتان معًا في مكان واحد. وكانا قد دخلا عالَم الرهبنة بعد أن أنهيا إجراءات الوقوف يومًا كاملًا أمام المدخل، وجلوس جِلسة الزِّن للتأمل مدة ثلاثة أيام، المعروفة من قديم الزمان في المكان المخصَّص لمعبد شوكوكوجي الذي بناه كذلك القائد العسكري يوشيميتسو. ليس هذا فقط، وهذا ما حكاه لي الراهب دوسن فيما بعدُ في وقتٍ كان معتدِل المزاج، فلم يكونا صديقين هكذا في وقت الشدة فقط، بل عند خلودهما إلى النوم أيضًا، وكانا صديقين كذلك في متعة تسلُّقهما المعبدَ والذهاب لجلبِ المومسات.

بعد أن زُرنا المعبد الذهبي أنا وأبي وعندما مررنا مرةً أخرى عند مدخل القاعة الرئيسة، أُرشِدنا إلى ممر واسع وطويل، فدخلنا غرفةَ الراهب المقيم في مبنى المكتبة الكبرى التي تُطِلُّ على الحديقة التي بها شجرة صنوبر شهيرة تأخذ شكل مركب تنين. جلستُ على ركبتي بتبجيل جِلسةً متخشبة وأنا بالزي المدرسي، ولكن أبي عندما وصل إلى هذا المكان ظهر عليه سريعًا الراحة والاسترخاء. ومع تخرُّج أبي وكبير رهبان هذا المعبد من المعبد نفسه إلا أن الاختلاف بينهما كان عظيمًا في تفاوت الرخاء البادي على ملامحهما. فأبي ذابلٌ من المرض، فقير المظهر وبشَرته جافة معفَّرة، وفي المقابل بدت بشَرة الراهب «دوسن» بلون وردي كالحلوى. وفوق مكتب الراهب المقيم تراكم كالجبال ما يتناسب مع رخاءِ معبدٍ مثل هذا؛ رسائل وطرود ومجلات وكتب مرسَلة من جهاتٍ وأشخاص عديدة مقفولة لم تُفتح بعدُ. أمسك الراهب المقيم بأطراف أصابعه الممتلئة مقصًّا وفتح غلاف أحد الطرود.

«هذه حلوى أُرسلت إليَّ من طوكيو. مثل هذه الحلوى أصبحت نادرة. يقال إنها لا تُرسل إلى المحلات، بل تُرسل إلى الجيش والهيئات الحكومية مباشرةً.»

شرِبنا الشاي الأخضر الخفيف وأخيرًا أكلنا تلك الحلوى الغربية التي لم يسبق لي أكلُها من قبل، وكانت تشبه حلوى جافة. كلما زاد توتُّري سقط بلا حدٍّ مسحوقُ الحلوى على ركبة سروالي الأسود.

تبادل أبي والراهب المقيم النقاشَ حول اهتمام الجيش وكبار موظفي الدولة بمعابد الشنتو فقط، في حين ينتقص من شأن المعابد البوذية، وأظهرا الغضبَ والحَنق تجاه الاضطهاد الذي تلاقيه معابد البوذية وليس التقليل من شأنها فقط، وفكَّرا في كيفية إدارة شئونها في المستقبل.

كان الراهب المقيم قصيرًا وسمينًا، وبالطبع به تجاعيدُ، ولكن كانت كل واحدة من تلك التجاعيد في غاية النظافة. كان وجهه بيضويًّا وأنفه طويلًا، كأنه يأخذ شكل تجمُّد دهون منزلقة من أعلى. ورغم أن الوجه كان كذلك، إلا أن الرأس المحلوق تمامًا كان فظًّا وخشنًا، وكأن قوَّته الروحية متجمعة في رأسه، كان رأسه فقط حيوانيًّا بدرجة مريعة.

تحوَّل حديث الراهب المقيم مع أبي إلى ذكريات فترة دراستهما للرهبنة. تأمَّلت أنا صنوبر مركب التنين في الحديقة. كانت عبارة عن شجرة صنوبر عملاقة أفرعها منخفضة ومعقَّدة تأخذ هيئة المركب، الأفرع التي في المقدمة فقط متعدِّدة ومرتفعة. ويبدو أن جماعة سياحية جاءت لزيارة المعبد قبل موعد الإغلاق بقليل، وصلت إلينا عبْر السور أصواتُ الصخب والزحام من ناحية المعبد الذهبي. امتصَّت السماء نهايات الربيع أصواتَ الأقدام وأصوات الأشخاص، فلا نسمع الأصوات حادةً، بل نسمعها تتردَّد لينة خفيفة. تبتعد أصوات الأقدام وكأنها صوتُ تيار البحر، فتجعلك تعتقد أنها أصوات أقدام الكائنات الحية١ يعبرون فوق الأرض. نظرتُ عاليًا مثبتًا نظري على طائر العنقاء في قمة المعبد الذهبي الذي يجتهد في امتصاص أشعَّة الضوء المتبقية في فترة الغروب.

«هذا الولد …»

سمِعت أبي يقول ذلك فجأةً، فحوَّلت نظري نحوه. لقد أودع أبي مستقبلي وديعةً بين يدي الراهب دوسن داخل الغرفة التي أصبحت تقريبًا مظلمة.

«لا أعتقد أنني سأعيش طويلًا، بهذه المناسبة أرجو منك أن تقبل عندك هذا الولد.»

«حسنًا. سأقبله.»

الأمر الذي اندهشت له هو أنَّ الحديث الممتع بينهما بعد ذلك، كان عن أحاديثَ شائعةٍ لموت عدد من مشاهير الرهبان المختلفين. مثل موت راهب شهير بعد أن قال: «آه … إن الموت ليس ببعيد»، وراهب شهير آخر قال مثلما قال غوته تمامًا: «هل لي بضوءٍ أكثرَ!» وراهب شهير ثالث كان حتى موته يسجِّل حسابات أموال معبده.

بعد ذلك دُعينا لتناول وجبة العشاء التي تسمَّى «ياكوسيكي»،٢ وسُمح لنا بالمبيت في المعبد تلك الليلة، وبعد العشاء حفَّزت أبي، فذهبنا مرةً أخرى لرؤية المعبد الذهبي. والسبب أن القمر كان قد صعِد في وسط السماء.

انفعل أبي بمقابلة الراهب المقيم بعد فترة انقطاع طويلة، ولذا كان مرهقًا إرهاقًا كبيرًا، ولكن عند سماع كلمة المعبد الذهبي ذهب معي وهو يستند على كتفي وأنفاسه تتقطَّع.

صعِد القمر من جانب جبل فودو. ليستقبلَ المعبد الذهبي ضوءَ القمر من خلفه، وينطويَ ظلُّه المظلِم المعقَّد ساكنًا، ولكن ينزلق من إطار نافذةِ كاتو على قمَّة كوكيوتشو فقط ظلٌّ أملس للقمر. ولأن القمَّة في الطابق الثالث مفرغة من الحوائط بدا أن تلك المنطقة فقط هي التي يسكن فيها ضوء القمر الخافت.

صاحت طيورُ الليل من خلف جزيرة أشيهارا ثم طارت. أحسستُ بثِقل يدِ أبي الهزيلة على كتفي. عندما نظرتُ إلى تلك الكتِف، وبسبب درجة انعكاس ضوء القمر، شاهدت يدَ أبي تتحوَّل إلى هيكل عظمي.

•••

بعد العودة إلى ياسوأوكا، بُعث جَمال المعبد الذهبي الذي أعطاني هذه الدرجة من فقدان الأمل، في قلبي مرةً أخرى. ويومًا بعد يوم، وفي غفلةٍ من الزمن، عاد المعبد الذهبي الجميل مرةً أخرى أكثرَ مما كان قبل أن أراه. ولم أستطِع التعرُّف على ما هو الجميل فيه. ولكن الذي نشأ وتربَّى على وهم، على العكس، أخذ دفعةً وتأثيرًا أكبر للوهم بعد أن عُدِّل من الواقع مرة.

لم يَعُد وهمُ المعبد الذهبي يلاحقني في الأشياء والمناظر التي تلفت انتباهي من حولي. بل أصبح المعبد الذهبي تدريجيًّا موجودًا وجودًا حقيقيًّا بدرجةٍ أعمقَ وأصلب. فقد برز كلُّ عمود من أعمدته، ونافذة كاتو والسقف وكذلك العنقاء في القمَّة أمام عيني بوضوح تام، وكأنها تكاد تلمس يدي. حتى التفاصيل الدقيقة تتناغم مع التركيبة الكلية المعقَّدة، بما يشبه انسيابَ لحن كامل لعملٍ موسيقيٍّ ما عندما تتذكر فقط جزءًا صغيرًا منه، فكنتُ إذا تذكَّرتُ أيَّ جزء من المعبد الذهبي كان شكله الكامل يتردَّد صداه في داخلي.

ولأول مرة في حياتي أكتب خطابًا إلى أبي قلت له فيه:

«كما ذكرت لي يا أبي: إن المعبدَ الذهبي هو أجمل شيء في الوجود.»

بعد أن اصطحبني أبي وأعادني إلى منزل عمي، عاد على الفور إلى المعبد المنعزل في رأس البر.

وردًّا على الخطاب، تسلَّمتُ برقيةً جاءت من أمي تقول إن أبي نزف الكثير من الدماء بسبب السل ومات.

١  الكائنات الحية هي ستَّة كائنات تتناسخ فيها الروح طبقًا للمعتقَد البوذي، وهم سكان السماء والبشَر والجن والحيوانات ذوات الأربع والعفاريت المتصارعة، وأخيرًا سكان الجحيم. (المترجم)
٢  ياكوسيكي بمعنى حجر الحرق، حيث كان رهبان الزِّن الزاهدون في الماضي يضعون حجرًا ساخنًا على بطونهم في الليل من أجل إلهاء شعورهم بالجوع. وبعد ذلك أُطلق هذا الاسم على وجبة العشاء. (المترجم)

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤