حث القرآن على العلم
وقد زعم بعضهم — ومن جملتهم (سيكار) هذا الذي بالمغرب قد ألف كتابًا في الطعن على الإسلام، وهو الذي يكتب في مجلة «مراكش الكاثوليكية» — أن المراد بلفظة «العلم» في القرآن هو العلم الديني، ولم يكن المقصود به العلم مطلقًا لنستظهر به على قضية تعظيم القرآن للعلم وإيجابه للتعليم.
فلو كان المراد بالعلم هو العلم الديني — كما زعم سيكار — ما كان النبي ﷺ يحث على طلبه ولو في الصين؛ إذ أهل الصين وثنيون؛ لا يجعلهم النبي مرجعًا للعلم الديني كما لا يخفى.
أي العلماء بما ذكر في الآية من الماء والنبات والجبال وسائر المواليد المختلفة الألوان وما فيها من أسرار الخلق، لا العلماء بالصلاة والصيام والقيام.
وقد كنا ظننا هذا الرجل على شيء من حب الحقيقة، فلما أنكر المدنية الإسلامية رددنا عليه من المنار وجادلناه بالتي هي أحسن، وعظمنا من قدر المدنية المسيحية، ووقرنا منها، ورددنا على القائلين من الأوروبيين بأن النصرانية كانت وقفًا لسير المدنية، وسببًا لسقوط اليونان والرومان، إلى غير ذلك.
فكان من سيكار هذا أن نشر سلسلة مقالات تتضمن من الطعن على الإسلام ما لو جئنا برده لم نستغنِ عن إيراد شبه واعتراضات تتعلق بالدين المسيحي مما نأبى أن نتعرض له؛ لأنه ليس من العدل، ولا من الكياسة، ولا من حسن الذوق أن نغيظ إخواننا المسيحيين من أجل رجل اسمه سيكار أو غيره من هذه الطبقة من الدعاة والمبشرين، هذا زائدًا إلى ما رأيناه في كلامه من الخلط والخبط والمغالطة التي من قبيل قوله: إن العلم المقصود في القرآن ليس هو العلم المعروف عند الناس بمفهومه المطلق، وإنما هو العلم الديني فقط؛ لأن القرآن لا يهمه شيء من علوم الدنيا! فمكابر كهذا لا يستحق الجواب.
ثم علمنا أن المسيو سيكار هذا هو من مستخدمي فرنسة في الرباط بإدارة الأمور الإسلامية، وأنه هو والمسيو لويس برينو مدير التعليم الإسلامي هناك، والقومندان ماركو مدير قلم المراقبة على الجرائد والمطبوعات، والقومندان مارتي مستشار العدلية الإسلامية ورهطًا آخرين — هم الذين لعبوا الدور الأهم في قضية العمل لتنصير البربر.
وما كان استخدام فرنسة لهم في مهمات كلها عائدة للإسلام إلا على نية نقض كل ما يقدرون عليه من بناء الإسلام بالمغرب، وستذوق فرنسا ولو بعد حين وبال ما عملته وتعمله من التعرض للدين الإسلامي الذي تعهدت في معاهداتها باحترامه.
إنا لا نريد لفرنسا إلا خيرًا ولكننا ننصح لها بالعدول عن هذه السياسة التي هي على خط مستقيم ضد المبادئ التي تعلنها عن نفسها من أن الأديان في نظرها على حد سواء! فإن كانت الأديان عند الدولة الإفرنسية على حد سواء؛ فلماذا هذا الاجتهاد في تنصير البربر وهم مسلمون؟! ولماذا هذه المساعي الحثيثة في تنصير العلويين سكان جبال اللاذقية، وفي فصلهم عن الوحدة السورية، والحال أن العلويين هم فرقة من الفرق الإسلامية كما لا يخفى؟! وكذلك ننصح الإنكليز بالعدول عن دعايتهم الدينية في السودان والأوغاندة، وننصح لهولاندة بترك دعايتها الدينية بين مسلمي إندونيسيا.
كلمة لطلاب النهضة القومية دون الدينية
أفلم يقل رئيس نظار ألمانيا في الرايستاغ منذ ثلاث سنوات: إن ثقافتنا مبنية على الدين المسيحي؟ وهذه هو إعلان ألمانيا التي هي المثل الأعلى في العلم والصناعة وإتقان الآلات والأدوات، لا ينازع في ذلك أحد، ولا أعداؤها.
ثم إنهم عندما يقولون: في أوروبا (نهضة وطنية) أو (نهضة قومية) أو جامعة وطنية أو قومية، لا يكون مرادهم بالوطن: التراب والماء والشجر والحجر، ولا بالقوم: السلالة التي تنحدر كلها من دم واحد، وإنما الوطن والقوم عندهم لفظتها تدلان على وطن وأمه بما فيهما من جغرافية وتاريخ وثقافة وحرث وعقيدة ودين وخلق وعادة؛ مجموعًا ذلك معًا، وهذا الذي يناضلون عنه، ويستبسلون كل هذا الاستبسال من أجله.