جواب الأمير شكيب أرسلان
إن الانحطاط والضعف اللذين عليهما المسلمون شيء عام لهم في المشارق والمغارب لم ينحصر في جاوة وملايو، ولا في مكان آخر، وإنما هو متفاوت في دركاته، فمنه ما هو شديد العمق، ومنه ما هو قريب للغور، ومنه ما هو عظيم الخطر، ومنه ما هو أقل خطرًا.
وبالإجمال حالة المسلمين الحاضرة ولا سيما مسلمي القرن الرابع عشر للهجرة أو العشرين للمسيح، لا ترضي أشد الناس تحمسًا بالإسلام وفرحًا بحزبه، فضلًا عن غير الأحمسي من أهله.
ويقال: إن العرب في جزيرة سنغافورة هم أعظم ثروة من جميع الأجناس التي تساكنهم حتى من الإنكليز أنفسهم بالنسبة إلى العدد، ولا أعلم مبلغ هذا الخبر من الصحة، ولكنه على فرض صحته ليس بشيء يقدَّم أو يؤخر في ميزانية المسلمين العامة.
ولا إنكار أن في العالم الإسلامي حركة شديدة، ومخاضًا عظيمًا شاملًا للأمور المادية والمعنوية، ويقظة جديرة بالإعجاب؛ قد انتبه لها الأوروبيون وقدروها قدرها، ومنهم من هو متوجس خيفة مغبتها، لا يخفى هذا الخوف من تضاعيف كتاباتهم، إلا أن هذه الحركة إلى الأمام لم تصل بالمسلمين حتى اليوم الأول إلى درجة يساوون بها أمة من الأمم الأوروبية أو الأميريكية أو اليابان.
فبعد أن تقرر هذا وجب أن نبحث في الأسباب التي أوجدت هذا التقهقر في العالم الإسلامي، بعد أن كان منذ ألف سنة هو الصدر المقدم، وهو السيد المرهوب المطاع بين الأمم؛ شرقًا وغربًا، فقبل أن نبحث في أسباب الارتقاء فنقول:
أسباب ارتقاء المسلمين الماضي
إن أسباب الارتقاء كانت عائدة في مجملها إلى الديانة الإسلامية التي كانت قد ظهرت جديدًا في الجزيرة العربية فدان بها قبائل العرب، وتحولوا بهدايتها من الفرقة إلى الوحدة، ومن الجاهلية إلى المدنية، ومن القسوة إلى الرحمة، ومن عبادة الأصنام إلى عبادة الواحد الأحد، وتبدلوا بأرواحهم الأولى أرواحًا جديدة، صيرتهم إلى ما صاروا إليه من عز ومنعة، ومجد وعرفان وثروة، وفتحوا نصف كرة الأرض في نصف قرن، ولولا الخلاف الذي عاد فدب بينهم منذ أواخر خلافة عثمان وفي خلافة علي — رضي الله عنهما — لكانوا أكملوا فتح العالم، ولم يقف في وجههم واقف.
على أن تلك الفتوحات التي فتحوها في نصف قرن أو ثلثي قرن — برغم الحروب التي تسببت بها مشاقَّةُ معاوية لعلي والحروب التي وقعت بين بني أمية وابن الزبير — قد أدهشت عقول العقلاء والمؤرخين والمفكرين، وحيرت الفاتحين الكبار، وأذهلت نابليون بونابرت أعظمهم، وله تصريح في ذلك نقله عنه «لاكاس» الذي رافقه إلى جزيرة «سانت هيلانة» وغيره من المقيدين لحوادث نابليون المتبعين لأقواله؛ فقد ثبت ثبوتًا قطعيًّا من أقوال ذلك الفاتح العظيم وسيرته أيام كان بمصر أنه كان معجبًا بمحمد وعمر وبكثير من أبطال الإسلام، وإن نفسه حدثته لما كان بمصر أن يتخذ الإسلام دينًا له.
فالقرآن قد أنشأ — إذًا — العرب نشأة مستأنفة، وخلقهم خلقًا جديدًا، وأخرجهم من جزيرتهم والسيف في إحدى اليدين والكتاب في الأخرى يفتحون ويسودون، ويتمكنون في الأرض بطولها وعرضها.
ولا عبرة بما يقال في شأن العرب قبل الإسلام، وما يروى من فتوحات لهم ومدنيات أثيلة، وما ينوّه به من أخلاق عظام في الجاهلية، فهذه ولا جدال قد كانت ولا تزال آثارها ظاهرة، ولا شك في مدنية العرب القديمة، وأنها من أقدم مدنيات العالم على الإطلاق، ومما يرجح أن الكتابة قد بدأت عندهم، وأنه لو فرض أن الفينيقيين الذين اخترعوا الكتابة في العالم، فالفينيقيون في الحقيقة أمة سامية عربية، ولكن دائرة تلك المدنية كانت محدودة مقصورة على الجزيرة وما جاورها، وقد أتى على العرب حين من الدهر سادهم الغرباء في أرضهم، وأذلهم الأجانب في عقر دارهم، كالفرس في اليمن وعمان والحيرة، وكالحبشة في اليمن، وكالروم في أطراف الحجاز ومشارف الشام، والحقيقة أنهم لم يستقلوا استقلالًا حقيقيًّا واسعًا إلا بالإسلام، ولم تعرفهم الأمم البعيدة وتخنع لهم الممالك العظام والقياصرة والأكاسرة، وتتحدث بصولتهم الناس، ولم يقعدوا من التاريخ المقعد الذي أحلهم في الصف الأول من الأمم الفاتحة، إلا بمحمد ﷺ.
فالسبب الذي به نهضوا وفتحوا، وسادوا وشادوا، وبلغوا هذه المبالغ كلها من المجد والرقي، يجب علينا أن نبحث عنه وننشده، ونخفي المسألة ونمعن في النشدان: أهو باقٍ في العرب وهم قد تأخروا برغم وجوده، وتأخر معهم تلاميذهم الذين هم سائر المسلمين، أم قد ارتفع هذا السبب من بينهم، ولم يبقَ من الإيمان إلا اسمه، ومن الإسلام إلا رسمه، ومن القرآن إلا الترنم به، دون العمل بأوامره ونواهيه، إلى غير ذلك مما كان في صدر الملة، وعنجهية الشريعة.
فقد المسلمين السبب الذي ساد به سلفهم
فلما كان المسلمون قد غيروا ما بأنفسهم كان من العجب أن لا يغير الله ما بهم، وأن لا يبدلهم الذل والضعة، من ذلك العز وتلك الرفعة، بل كان ذلك يُعَدُّ منافيًا للعدل الإلهي، والله — عز وجل — هو العدل المحض.
كيف ترى في أمة ينصرها الله بدون عمل، ويفيض عليها الخيرات التي كان يفيضها على آبائها، وهي قد قعدت عن جميع العزائم التي قد كان يقوم بها آباؤها؟! وذلك يكون أيضًا مخالفًا للحكمة الإلهية والله هو العزيز الحكيم، وما قولك في عزة دون استحقاق، وفي غلة دون حرث ولا زرع، وفي فوز دون سعي ولا كسب، وفي تأييد دون أدنى سبب يوجب التأييد؟!
لا جرم أن هذا مما يغري الناس بالكسل، ويحول بينهم وبين العمل، بل مما يخالف النواميس التي أقام الله الكون عليها، وهو مما يستوي به الحق والباطل، والضار والنافع، والموجب والسالب، وحاشا الله أن يفعل ذلك، ولو أيد الله مخلوقًا بدون عمل لأيد من دون عمل محمدًا رسوله ولم يحوجه إلى القتال والنزال والنضال، واتباع سنن الكون الطبيعية للوصول إلى الغاية.
وتصور أمة لله عندها مئة وهي تؤدي من المئة خمسة فقط، أتعد نفسها قد أدت ما عليها وهي تطمع في أن يكافئها الله كما كان يكافئ أجدادها الذين كانوا يؤدون المئة مئة، وإن قصروا عن المئة أدوا بالأقل تسعين أو ثمانين منها؟! كل هذا مخالف لما وعد الله على رسله، ومخالف للعقل والمنطق، ومخالف لحكمة التشريع، وليس هذا هو الشرط الذي شرطه الله على المؤمنين، وليس هذا هو البيع الذي يستبشر به المؤمنون.
فأين حالة المسلمين اليوم من هذا الوصف الذي في كتاب الله؟ وأين حالتهم من سلفهم الذين كانوا يتهافتون على الموت الأحمر؛ لإحراز الشهادة، وكثيرًا ما كانوا ينشدون الموت ولا يجدونه؟! وكان فارسهم يكر وهو يقول: إني لأشم ريح الجنة، ثم لا يزال يكر ويخوض غمرات الحرب حتى إذا استشهد قال: هذا يوم الفرح، وإذا فاتته الشهادة برغم حرصه عليها عاد إلى قومه حزينًا كئيبًا.
المقابلة بين حالي المسلمين والإفرنج اليوم
اليوم فقد المسلمون أو أكثرهم هذه الحماسة التي كانت عند آبائهم، وإنما تخلَّق بها أعداء الإسلام الذين لم يوصهم كتابهم بها، فتجد أجنادهم تتوارد على حياض المنايا سباقًا، وتتلقى الأسنة والحراب عناقًا، ولقد كان مبلغ مفاداتهم بالنفائس وتضحيتهم للنفوس في الحرب العامة فوق تصور عقول البشر، كما يعلم ذلك لك أحد؛ فالألمان فقدوا نحو مليوني قتيل، والفرنسيون فقدوا مليونًا وأربع مئة ألف قتيل، والإنكليز فقدوا ست مئة ألف قتيل، والطليان فقدوا أربع مئة وستين ألف قتيل، والروس هلك منهم ما يفوق الإحصاء، وهلم جرّا، هذا من جهة النفوس، وإنكلترا بذلت سبعة مليارات من الذهب (أي سبعة آلاف مليون جنيه) وفرنسة بذلك نحو مليارين، وألمانيا أنفقت ثلاثة، وإيطالية أنفقت خمس مئة مليون، وروسية أنفقت ما أوقع فيها المجاعة التي آلت إلى الثورة ثم إلى البلشفة، وهلم جرّا.
فليقل لي قائل: أية أمة مسلمة اليوم تقدم على ما أقدم عليه هؤلاء النصارى من بيع النفوس، وإنفاق الأموال بدون حساب في سبيل أوطانهم ودولهم، حتى نعجب نحن لماذا آتاهم الله هذه النعمة والعظمة والثروة، وحرم المسلمين اليوم أقل جزء منها؟
وقد يقال: إن المسلمين فقراء ليس عندهم هذه الأموال لينفقوا هذا الإنفاق كله، فنجيب بأننا نوزع هذه النفقات على الأوروبيين بنسبة رأس المال، لا نكلف المسلمين إلا الإنفاق مثل الأوروبيين على هذه النسبة، فهل تسخو الأمم الإسلامية الحاضرة بما تسخو الأمم الأوروبية التي منها من قد أنفقت في الحرب العامة أكثر من نصف ثروتها؟
الجواب: لا، ليس في المسلمين اليوم من يفعل ذلك لا أفرادًا ولا أقوامًا، وندر في المسلمين من ينفق الزكاة الشرعية.
وقد يقال: إن الأمة التركية وهي أمة مسلمة قد أنفقت كل ما تقدر عليه في حرب اليونان، ولم تقصر عن شأو الأوروبيين في المفاداة بالأنفس والنفائس.
والجواب: نعم.
قد كان ذلك، ومن الترك من بذل ثلث ثروته، ومنهم من بذل نصف ثروته في هذه الحرب، ولكنهم لما فعلوا ذلك انقلبوا بنعمة من الله وفازوا، وحرروا أنفسهم واستقلوا، وارتفعوا بعد أن كانوا هووا، وعزوا بعد أن كانوا ذلوا، إذًا الأمم الإسلامية إذا ائتمرت في المعاداة بما أمرها به كتابها كما كان يفعل آباؤها، أو افتدت على الأقل بما هو دأب الأوروبيين اليوم من بذل النفوس والنفائس في سبيل حفظ بيضتها، وذود المعتدين عنها، لم تقطف من ثمرات التضحية إلا مثل ما قطفه غيرها، وانقلبت بنعمة من الله وفضل لم يمسها سوء.
اعتذار المسلمين عن أنفسهم ورده
يقولون: ليس عند المسلمين ما عند الإفرنج من الثروة والسعة لينفقوا في أعمال الخير وفي مساعدة بعضهم بعضًا. فنقول لمن يحتج بهذه الحجة: إننا نرضى منهم أن ينفقوا على نسبة رءوس أموالهم كما تقدم الكلام عند ذكر الجهاد بالمال، فهل المسلمون فاعلون؟!
وقد يقولون: إننا جربنا البذل والتضحية، وابتلينا بالنقص من الأموال والأنفس والثمرات وصبرنا ولم يفدنا ذلك شيئًا، وبقي الأوروبيون مسلطين علينا، إني أنقل هذا القول عن بعضهم؛ لأني قد سمعته كثيرًا.
والجواب: هل يقدرون أن يقولوا لنا أن ما يدعونه من البذل والتضحية يشبه شيئًا مما يقوم به النصارى واليهود من هذا القبيل؟ أو إنه إذا نسب إليه تكون نسبته نسبة الواحد إلى المئة؟
فسيقولون: إن المسلمين لا يملكون مثل ثروة اليهود، ونعود فنجيبهم: نرضى منهم بأن ينفقوا في مساعدة ملتهم على قدر اليهود والإفرنج بالنسبة إلى رءوس أموالهم، ولا نطالب منهم الفقراء الذين لا يملكون ما يزيد على كفاية عائلاتهم.
فلنترك تسعة أعشار المسلمين ونفرض هذه الإعانة لفلسطين على عشر واحد منهم أي على ٣٥ مليون نسمة لا غير، وهؤلاء الخمسة والثلاثون مليون نسمة نجدهم حول فلسطين في لمحة بصر، فإن مسلمي مصر وسورية وفلسطين والعراق ونجد والحجاز واليمن وعمان هم ٣٥ مليونًا، ولنتقاضَ من هؤلاء أداة قرش واحد عن كل جمجمة، فماذا يجتمع لنا من ذلك؟
الجواب: يجتمع ثلاثماية وخمسون ألف جنيه.
فالمسلمون قد تبرعوا عن هذه الأعداد كلها بثلاثة عشر ألف جنيه أي بما يساوي نحو ثلثي عشر القرش عن كل نسمة من عشر عددهم.
أهذا ما تريدون أن تسموه «تضحية»؟
أو بمثل هذه تجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم؟
أفهذه نجدة الأخ لأخيه؟!
يقولون: لماذا سادت الأمة الإنكليزية هذه السيادة كلها في العالم؟ نجيبهم: إنها سادت بالأخلاق والمبادئ الوطنية العالية، حدثني رجل ثقة أنه يعرف إنكليزيًّا ذا منصب في الشرق كان يأمر خادمه أن يشتري له الحوائج اللازمة لبيته يوميًّا من دكان رجل إنكليزي في البلدة التي هم فيها، فجاءه الخادم مرة بجدول حساب وفر عليه به ٢٠ جنيهًا في شهر، فسأله الإنكليزي: كيف أمكنك هذا التوفير؟
فقال الخادم: تركنا دكان الإنكليزي الذي كنا نشتري منه، وصرنا نشتري من دكان أحد الأهالي من العرب.
فقال له الإنكليزي: ارجع إلى دكان الإنكليزي الذي كنا نشتري منه.
فقال الخادم: ولو كان ذلك يستلزم إنفاق ٢٠ جنيهًا زيادة؟!
قال الإنكليزي: ولو كان ذلك يستلزم إنفاق ٢٠ جنيهًا زيادة.
وسمعت أن كثيرين من الإنكليز الذين في الأقطار لا يشترون شيئًا ذا قيمة إلا من بلادهم، ويرسلون إلى لندرة فيوصون على كل ما يحتاجون إليه؛ حتى لا يذهب مالهم إلى الخارج.
نتائج إعانة مصر لمجاهدي طرابلس وبرقة
وكنت مرة أشكو إلى أحد كبار المصريين إهمال إخواننا المصريين لمجاهدي طرابلس وبرقة الذين إن لم تجب عليهم نجدتهم؛ قيامًا بواجب الأخوة الإسلامية والجوار، وجبت عليهم احتياطًا من وراء استقلال مصر واستقبال مصر؛ لأنه كما أن وجود الإنكليز في السودان هو تهديد دائم لمصر، فوجود الطليان في برقة هو تهديد دائم لها أيضًا.
فكان جواب ذلك السيد لي: لقد بذل المصريون مبالغ وفيرة يوم شنت إيطالية الغارة على طرابلس، ولم يستفيدوا شيئًا، فإن إيطالية لم تلبث أن أخذتها.
فقلت له: إن المصريين قد نهضوا في الحرب الطرابلسية نهضة هي دون شك ترضي كل مسلم، بل ترضي كل إنسان يقدر قدر الحمية، ولكن المبلغ الذي تبرعوا به يومئذ معلوم وهو ١٥٠ ألف جنيه.
فهل يطمع المسلمون في أنحاء المعمور أن ينقذوا طرابلس من براثن إيطالية بمئة وخمسين ألف جنيه؟ وهل هذه التضحية تقاس في كثير أو قليل إلى التضحيات التي قامت بها إيطالية بالمال والرجال؟!
كانت إعانة مصر في الحرب الطرابلسية ١٥٠ ألف جنيه وأنفقت الدولة العثمانية على تلك الحرب نحو مليون جنيه.
- (النتيجة الأولى): وهي أهم شيء: حفظ شرف الإسلام، وإفهام الأوروبيين أن الإسلام لم يمت، وأن المسلمين لا يسلمون بلدانهم بلا حرب، وفي ذلك من الفائدة المادية والمعنوية للإسلام ما لا ينكره إلا كل مكابر.
- (النتيجة الثانية): أن هذا المبلغ الضئيل بالنسبة إلى نفقات الدول الحربية قد كان السبب في توطين الطرابلسيين أنفسهم على المقاومة والمجاهدة بما رأوا من نجدة إخوانهم لهم، فكانت هذه المقاومة سببًا لتجشم إيطالية المعتدية من المشاق والخسائر ما هو فوق الوصف، إلى أن صار كثير من ساسة الطليان يصرحون بندمهم على هذه الغارة الطرابلسية.
- (النتيجة الثالثة): مهما يكن من عدد القتلى الذين فقدهم العرب في هذه الحرب فإن مجموع
قتلى الطليان إلى اليوم يفوق مجموع قتلى العرب أضعافًا مضاعفة.
فلقد لقي الطليان في هذه الحرب من الأهوال ما لا يتسع لوصفه مقالة أو رسالة، وفي واقعة واحدة هي واقعة «الفويهات» على باب بنغازي، ثبت فيها ١٥٠ مجاهدًا عربيًّا لثلاثة آلاف جندي طلياني من الفجر إلى غروب الشمس إلى أن انقرضوا جميعًا، إلا أفذاذًا أتى عليهم الليل، ورجع العدو ولما يموتوا، وبينما كان العرب في حزن عظيم على من فقدوهم في تلك المعركة؛ إذ جاءهم الخبر البرقي من الأستانة عن برقية وردت سرًّا من برلين عن برقية رقمية جاءت من سفارة الألمان في رومية بأنه سقط في هذه المعركة ألف وخمس مئة جندي من الطليان، وأصاب الجنون سبعة من ضباطهم.
وهذه وقعة من خمسين وقعة بالأقل تضاهيها، فالمسلمون قد قاتلوا في هذه المعركة جيشًا يفوقهم في العدد عشرين ضعفًا وقتلوا نصفه أي قتلوا عشرة أضاعفهم، والله تعالى قد قدرهم لهم في حال القوة أن يغلبوا عشرة أضعافهم، وفي حال الضعف أن يغلبوا ضعفيهم فقط كما قال في سورة الأنفال:٢١يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِن يَكُن مِّنكُم مِّائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِّنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَفْقَهُونَ * الْآنَ خَفَّفَ اللهُ عَنكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِن يَكُن مِّنكُم مِّائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِن يَكُن مِّنكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللهِ ۗ وَاللهُ مَعَ الصَّابِرِينَ. - (النتيجة الرابعة): أنه قد كانت نفقات إيطاليا في الحرب الطرابلسية في السنة الأولى منها أي من سنة ١٩١١ إلى سنة ١٩١٢ نحو مئة مليون جنيه، ويظن أنها من عشرين سنة إلى اليوم — إذ المقاومة لم تنقطع حتى هذه الساعة — قد بلغت ثلاث مئة مليون جنيه.٢٢
ولنضرب مثلًا ثالثًا ونمسك بعده عن ضرب الأمثال؛ لأنها لا تعد ولا تحصى:
قام أهل الريف المغربي في وجه الدولة الإسبانية مدة بضع سنين إلى أن تغلبوا عليها وطردوا جيوشها بعد أن أبادوا منهم في واقعة واحدة ٢٦ ألف جندي، وغنموا ١٧٠ مدفعًا، مع أن جميع أهل الريف بقضهم وقضيضهم ثمان مئة ألف نسمة، وعدد أهالي إسبانية ٢٢ مليون نسمة، وأراضي الريف أكثرها قاحل، والأهالي فيه فقراء يعيشون من كسب أيديهم، ولقد قاموا بعمل أدهش أهل الأرض بالطول والعرض.
فلو كان أهل الريف نصارى لانثالت عليهم الملايين من الجنيهات من كل الجهات؛ إما بطريقة خفية، وإما بواسطة جمعية الصليب الأحمر في سبيل مداواة جرحاهم.
فليقل لنا المسلمون كم جنيهًا قدموا للريف في ذلك الوقت؟!
ثم تألب الفرنسيس مع الإسبانيين وحشدوا لحرب الريفيين ٣٠٠ ألف مقاتل وحصروا الريف من كل جانب من البر والبحر، وكانت طياراتهم القاذفة بالديناميت على قرى الريفيين تحصى بالمئات لا بالعشرات، ولم تكفِ طيارات الفرنسيس والإسبانيول حتى جاء سرب طيارات أميركية من نيويورك؛ نجدة لفرنسة وإسبانية (النصرانيتين على المسلمين؛ لأنهم مسلمون).
هذا كله والمسلمون ينظرون إلى حرب الريف مكتوفي الأيدي، ولبثوا مكتوفي الأيدي مدة سنة، وأخيرًا نهض منهم أفراد لجمع شيء من أجل جرحى الريف، ولأجل بعث الحمية في الناس لم يكتف محرر هذه السطور بالكتابة، بل تبرع بأربعة جنيهات لأجل القدوة، فماذا كان مجموع تلك الإعانات من كل العالم الإسلامي؟ الجواب ١٥٠٠ جنيه لا غير، فهل من خذلان بين المسلمين يفوق هذا الخذلان؟!
خيانة بعض المسلمين لدينهم ووطنهم واعتذارهم الباطل
وكلام مثل هؤلاء في الاعتذار غير صحيح؛ فإن الأجانب قد ندبوا كثيرًا من المسلمين إلى خيانات كهذه فلم يجيبوهم ولم تنقض عليهم السماء من فوقهم، ولا خسفت بهم الأرض من تحتهم، ثم إنه إن كان الأجانب المحتلون لبلاد المسلمين قد أصبحوا يغضبون على المسلمين الذين لا يلبون دعوتهم إلى خيانة قومهم، فإنما كان ذلك من أجل كثيرين من المسلمين كانوا يعرضون عليهم خدمتهم في مقاومة إخوانهم، ويقومون بها بكل نشاط ومناصحة، ويبدون كل أمانة لهم في أثناء تلك الخيانة، ولولا هذا التبرع بالخيانة، والتسرع إلى مظاهرة الأجنبي على ابن الملة، لما استأسد الأجنبي وصار يتحكم في المسلمين هذا التحكم الفاحش، ويتقاضاهم أن يخالفوا قواعد دينهم ومقتضى مصلحة دنياهم من أجل مصلحته، بل قام يحملهم على الموت لأجل الموت.
فإن الموت موتان: أحدهما: الموت لأجل الحياة؛ وهو الموت الذي حث عليه القرآن الكريم المؤمنين إذا مد العدو يده إليهم، وهو الموت الذي قال عنه الشاعر العربي:
وهو الموت الذي يموته الإفرنسي لأجل حياة فرنسة، والألماني لأجل حياة ألمانية، والإنكليزي في سبيل بريطانيا العظمى — وهلم جرّا — ويجده على نفسه واجبًا لا يتأخر عن أدائه طرفة عين.
وأما الموت الثاني: فهو الموت لأجل استمرار الموت، وهو الموت الذي يموته المسلمون في خدمة الدول التي استولت على بلادهم؛ وذلك أنهم يموتون حتى ينصروها على أعدائها، كما يموت المغربي مثلًا حتى تنتصر فرنسة على ألمانية مثلًا، ويموت الهندي حتى تتغلب إنكلترة على أي عدو لها، ويموت التتري في سبيل ظفر الروسية، والحال أنه بانتصار فرنسة على أعدائها تزداد في المغرب غطرسة وظلمًا وابتزازًا لأملاك المسلمين وهضمًا لحقوقهم؛ وذلك كما حصل بعد الحرب العامة؛ إذ ازداد طمع الفرنسيين في أهل المغرب، وحدثوا أنفسهم بتنصير البربر؛ ليدمجوهم في الشعب الفرنسي، ويأمنوا على مستقبل المغرب الذي صاروا يطلقون عليه لقب «إفريقية الإفرنسية».
وبالاختصار يموت المغربي على ضفاف الرين أو في سورية حتى يزداد موتًا في المغرب؛ لأن كل طائفة تفوز بها فرنسة في الخارج هي زيادة في قهر المغربي وإهانته وإذلاله مما لا سبيل للمناكرة فيه، ومما قد ثبت بالتجربة، وكذلك موت الهندي في نصرة إنكلترا هو تطويل في أجل عبودية الهند، وكذلك موت التتري في خدمة الروسية لا عاقبة له سوى ازدياد قهر الروس للتتر، وهلم جرّا.
وهذا الموت لأجل الموت هو ما كان بخط منحن كما يقال؛ أي باعتبار النتيجة، ولكنه هناك موت لأجل الموت مباشرة بدون واسطة، وهو عندما يموت المغربي في قتال أخيه المغربي الذي قام يحاول أن يزحزح شيئًا من النير الإفرنسي الذي كاد يدق عنقه، وإن لم يدق عنقه بتاتًا استحياه حياة هي أشبه بالموت منها بالحياة.
ولو انحصرت هذه الأمور في العوام والجهلاء لعذرناهم بجهلهم، وقلنا: إنهم لا يدرون الكتاب ولا السنة ولا السياسة الدنيوية، ولا الأحوال العصرية، وإنهم إنما يساقون كما تساق بهيمة الأنعام إلى الذبح.
وبعد هذا فمن يدري؟ فقد يكون المقري مصليًا وصائمًا وبيده سبحة يقرأ عليه أورادًا، ومن يدري؟ فقد يكون البغدادي السيئ الذكر ممن يتمسحون بالقبور ويستغيثون بالأولياء ويتظاهرون بهذا الورع الكاذب، وأما المفتي فهو المفتي فلا حاجة إلى تثبيت كونه يصلي الخمس، ويصوم ويتهجد، ويوتر ويتنفل … إلخ.
ولعل الأخ الشيخ بسيوني عمران يقول: إن هؤلاء أفراد قلائل؛ فلا يجوز أن نجعل الأمة الإسلامية مسئولة عن مخازيهم وموبقاتهم.
والجواب على ذلك: أن الظلم يخص والبلاء يعم كما لا يخفى، ولكني لا أسلم أن هؤلاء أفراد قلائل، وأن الأمة غير مسئولة! إذ لو كان وراء هؤلاء أمة يخشونها ما تجاسروا على الإتجار بدينها بعد الإتجار بدنياها، بل كانوا لو اقترح عليهم الفرنسيس اقتراحًا مضرًّا بملتهم وأمتهم ولم يقدروا على رده اعتزلوا مناصبهم، ولزموا بيوتهم.
أفهذا هو الإسلام الذي يناشد الله الشيخ بسيوني عمران بتأييد أهله؟
كلمة الملك ابن سعود في تخاذل المسلمين وتعاديهم
وهو كلام أصاب كبد الصواب، فإنه ما من فتح فتحه الأجانب من البلاد المسلمين إلا كان نصفه أو قسم منه على أيدي أناس من المسلمين منهم من تجسس للأجانب على قومه، ومنهم من بث لهم الدعاية بين قومه، ومنهم من سل لهم السيف في وجه قومه، وأسال في خدمتهم دم قومه.
أفبمثل هذا تكون طاعة الله ورسوله؟ أم بمثله تكون أخوة الإيمان وولايته وولاية أهله؟
لم نكن لنطلق الكلام إطلاقًا على العالم الإسلامي في هذا الموضوع، فإن الأمة الأفغانية مثلًا لا يمكن أحد أن يخطب فيها في حب الأجانب علنًا ويبقى حيًّا، والنجديون لا يوجد فيهم من يجرؤ أن يمالئ الأجانب على قومه، والمصريون قد ارتقت تربيتهم السياسية كثيرًا عن ذي قبل؛ فأصبحت مجاهرة أحدهم بالميل للأجنبي، أو تفضيل حكم الأجنبي خطرًا عليه، فأما في سائر بلاد الإسلام فمن شاء من المسلمين أن يخلع الرسن ويجاهر بالعصيان لعدو دينه وبلده فلا يخشى شرًّا، ولا يحاذر قلقًا ولا أرقًا.
أفيقدر أخونا الشيخ بسيوني عمران أو غيره أن يقول: إن المسلمين اليوم — إلا النادر الأندر والكبريت الأحمر — يفضلون الله ورسوله على آبائهم وإخوانهم وأزواجهم وتجارتهم وأموالهم ومساكنهم، أو يؤثرون حب الله ورسوله — وإنما حب الله ورسوله إقامة الإسلام — على الجزء اليسير من أموال اقترفوها وتجارة يخشون كسادها؟
لنعمل هذه التجربة، فبضدها تتبين الأشياء.
الموازنة بين المسلمين والنصارى في البذل لنشر الدين
لنفرض أن مسألة تنصير البربر دخلت في طور النجاح، وانتدب البابا الكاثوليكيين الذين في العالم لبذل الأموال اللازمة لهذا التحويل الذي تتوخاه فرنسة في البربر من دين الإسلام إلى دين النصرانية، فكم مليونًا تظن من الجنيهات يدر على المبشرين والرهبان والراهبات لبناء الكنائس والمدارس والملاجئ والمستشفيات ومراكز الأسقفيات وما أشبه ذلك؛ لإتمام هذا العمل الذي تضم به الكثلكة ثمانية ملايين من البرابر إلى الأربعماية مليون كاثوليكي الذين في العالم؟
لا شك أن الجواب يكون: عدة ملايين تجمع في بضعة أشهر، فإن قيل للبروتستانتيين: تعالوا فقد أذنا لكم في تنصير البرابرة فابذلوا في هذه السبيل ما أمكنكم، فإنها تدر حينئذ الملايين بقدر ضعفي ما يدر من الكاثوليكيين، وفي مدة أقصر من المدة التي يجمع فيها المال الذي يجود به هؤلاء.
فلنقل للمسلمين: إن البرابر صاروا على شفا الخروج من الإسلام، وإن الأس في هذا الصبوء عن دين الإسلام هو الجهل، فعلينا أن نرسل إليهم علماء ووعاظًا؛ ليتفقهوا في الدين، وأن نبني لهم المساجد والمدارس والكتاتيب والملاجئ … إلى غير ذلك من الوسائل التي تمسك بحجزاتهم عن مفارقة الإسلام والمسلمين.
فهذه هي حمية المسيحيين على دينهم، وهذه هي حمية المسلمين.
ومن الناس من يسأل عن أسباب انحطاط المسلمين وقصورهم عن مباراة سواهم، فلو تأمل في هذه الفروق في النهضة والحمية لوجد عندها الجواب الكافي.
ومن أغرب الأمور أن نرى الأوروبيين ودعاتهم وتلاميذهم من الشرقيين بعد هذا كله يتهمون المسلمين بالتعصب الديني وينبزونهم بلقبه، وينتحلون لأنفسهم التساهل في الدين! إن هذا والله لعجب عجاب.
وها أنذا الآن في كتابتي هذه التي معناها الدفاع لا التجاوز، والأستاذ الأكبر صاحب المنار، وعبد الحميد بك سعيد رئيس جمعية الشبان المسلمين وغيرنا من المدافعين عن حق الإسلام، والرجال الذين يبغون منع الاعتداء على الإسلام وينادون المسلمين لينتبهوا للخطر المحدق بهم — متهمون بالتعصب الديني ومنبوزون بهذه الكلمة، لا بين غير المسلمين فقط، بل بين المسلمين الجغرافيين أيضًا — أعني الذين يتباهون بأن سياستهم «لادينية» وطالما صرحوا بأنهم لا يقيمون للدين وزنًا، وطالما تزلفوا إلى المسيحيين بكونهم هم لا يدافعون عن الدين الإسلامي كما يدافع زيد وعمرو … وهؤلاء فئة معروفة يعرفهم الناس، وهم يعرفون أنفسهم، ولو فكر المسيحيون في شأنهم لعلموا أنهم ليسوا على شيء، وأنهم لا يستحقون الاحترام منهم؛ لأن الذي يتزلف إلى الناس بمثل هذه الطرق حري بأن لا يكون أهلًا للثقة ولا للكرامة، وما يزين المرء شيء مثل الاستقامة واستواء الباطن والظاهر.
فالمسلم إذًا لا يخلص من لقب «متعصب» إلا إذا سمع أن الفرنسيس يحاولون تنصير البربر، فمر بذلك كأن لم يسمع شيئًا، وإلا إذا سمع أن الهولانديين نصروا مئة ألف — وقد زعم أحد نواب البرلمان الهولاندي أنهم فازوا بتنصير مليون مسلم من مسلمي الجاوى — وهز كتفه قائلًا: أنا لا يهمني أكان الجاوي مسلمًا أم مسيحيًّا … هنالك «المسلم» يصير «راقيًا» ويعد «عصريًّا» ويصير محبوبًا ويقال فيه كل خير؟!
وأما الأوروبي فله أن يبذل القناطير المقنطرة على بث الدعاية المسيحية بين المسلمين، وله أن يحميها بالمدافع والطيارات والدبابات، وله أن يحول بين المسلمين ودينهم بالذات وبالواسطة، وله أن يدس كل دسيسة ممكنة لهدم الإسلام في بلاد الإسلام، وليس عليه حرج في ذلك، ولا يسلبه هذا العمل صفة «راق» و«متمدن» و«عصري» وأغرب من هذا أنه لا يسلبه نعت «مدني» و«لاديني» و«متساهل».
قد قام ببث هذه السفسطة أناس في تركيا ووجدوا ممن تلقاها بالقبول عددًا كبيرًا، وترى أناسًا في مصر والشام والعراق وفارس يقولون بها ويكابرون في المحسوس ولا يبالون؛ لأنهم يجدون على كل الأحوال من الأغرار من يصدقهم.
هوامش
النشيد الطلياني في التحريض على قتال المسلمين ومحو القرآن
إن من أعظم الآلام لشاب في العشرين من عمره أن لا يحارب في سبيل وطنه مع دوام القتال في طرابلس، والراية المثلثة الألوان والموسيقى الحربية تنبهان النفس المقدامة، يا أماه أتمي صلاتك ولا تبكي، بل اضحكي وتأملي، ألا تعلمين أن إيطالية تدعوني وأنا ذاهب إلى (طرابلس) فرحًا مسرورًا؛ لأبذل دمي في سبيل سحق الأمة الملعونة (كذا) ولأحارب الديانة الإسلامية التي تجيز البنات الأبكار للسلطان. [(١) الديانة الإسلامية لا تجيز للسلطان إلا ما تجيزه لغيره من المسلمين، وهو تزوج البكر والثيب، ولكن الإفرنج تبيح لهم نصرانيتهم الافتراء على الإسلام، وتبيح لهم مدنيتهم الزنا، حتى أفسدوا كل قطر دخلوه ببغاياهم لا سيما الطليان منهم (ر).]
سأقاتل بكل قوتي نحو القرآن (كذا).
ليس بأهل للمجد من لم يمت إيطاليًّا حقًّا.
تحمسي أيتها الوالدة، تذكري (كاروني) التي جادت بأولاده في سبيل وطنها:
يا أماه أنا مسافر، ألا تعلمين أن على الأمواج الزرقاء الصافية من بحرنا ستلقي سفائننا المراسي؟
أنا ذاهب إلى طرابلس مسرورًا؛ لأن رايتنا المثلثة الألوان تدعوني، وذلك القطر تحت ظلها.
لا تموتي لأننا في طريق الحياة، وإن لم أرجع فلا تبكي على ولدك، ولكن اذهبي في كل مساء، وزوري المقبرة ونسائم الأصيل تحمل إلى طرابلس وداعك الذي لا يأبى الحداد على قبره فلذة كبدك، وإن سألك أحد عن عدم حدادك علي فأجيبيه: إنه مات في محاربة الإسلام.
الطبل يقرع يا أماه، أنا ذاهب أيضًا، ألا تسمعين هزج الحرب، دعيني أعانقك وأذهب! (ر).
فهل يبلغ العدو من عدوه أكثر مما يبلغ العرب من أنفسهم؟ لا والله (ش).
ألم ترَ أنهم ألغوا الحزب الوطني المغربي وحكموا على ألفين وخمس مئة شاب منهم بالحبس سنة وسنتين، ونفوا علالًا الفاسي إلى بلاد خط الاستواء، ونفوا نخبة رجالات المغرب إلى الصحراء، وضربوا ضربًا مبرحًا عشرات من الأدباء؛ منهم الأستاذ محمد المقري الذي مات تحت الضرب، وكل هذا باسم السلطان، والسلطان لا يبدي ولا يعيد، ولا يقدر أن يدفع عن رعيته التي مرجعها إلى الجنرال نوغيس واضع أساس المشروع البربري الأثيم (ش).
فليراجع السياق من سورة آل عمران وتفسيره المؤثر في الجزء الرابع من تفسير المنار (ر).