الفصل الثاني
المشهد الأول
(السيد جوردان – أستاذ الموسيقى – أستاذ الرقص – خادم)
السيد جوردان
:
جميل هذا الرقص، ليس أبله هذا الرقص.
أستاذ الموسيقى
:
وعندما يمتزج الرقص بالموسيقى يكون أحسن وقعًا من ذلك، وستجد في الحفلة التي
أعددناها لك برهانًا قويًّا على ما أقول.
السيد جوردان
:
يجب أن تُعَجِّلوا بها؛ لأنَّ الشخص الذي عَمِلْت كل ذلك لأجْله سيشرفني
بتناوله الغداء هنا.
أستاذ الرقص
:
كلُّ شيءٍ مُهيَّأٌ.
أستاذ الموسيقى
:
يبقى عليَّ أن أقول لك: إن هذا كله لا يكفي؛ فيجب على من يكون مثلك رجلًا
سخيَّ اليد ميَّالًا إلى الأشياء الجميلة أن يُقيم في داره حفلة موسيقية كل يوم
أربعاء ويوم خميس.
السيد جوردان
:
وهل يُقيم أصحاب الصفات الممتازة مثل هذه الحفلة؟
أستاذ الموسيقى
:
نعم يا سيدي.
السيد جوردان
:
سأقيمها إذَن، وهل تحلُّ محلًّا جميلًا؟
أستاذ الموسيقى
:
بدون ريب.
السيد جوردان
:
حسنًا، ولكن لا تنسَ أن تُرسل إليَّ عَددًا من الموسيقيين ليغَنُّوا على
المائدة.
أستاذ الموسيقى
:
سنرسل إليك ما تريد.
السيد جوردان
:
ويجب أن تكون الحفلة على أتمِّ ما يكون.
أستاذ الموسقى
:
ستكون مسرورًا جدًّا.
السيد جوردان
(لأستاذ الرقص)
:
وعلى ذِكْر الرقص؛ علِّمْني كيف يجب أن أنحني لأحيِّي مركيزة … سأحتاج إلى
ذلك قريبًا.
أستاذ الرقص
:
كيف يجب أن تنحني لتحيي مركيزة؟
السيد جوردان
:
نعم، مركيزة تُدعى دوريمين.
أستاذ الرقص
:
أعطني يدك.
السيد جوردان
:
لا؛ فما عليك إلا أن تفعل لأتعلم.
أستاذ الرقص
:
إذا شئتَ أن تحَيِّيها بكثير من الاحترام، فيبنغي لك أولًا أنْ تنحنيَ إلى
الوراء، ثم تمشي نحوها مُنحنيًا ثلاث مرَّاتٍ إلى الأمام، وفي المرَّة الأخيرة
تنحني إلى ركبتيها.
السيد جوردان
:
افعل لأرى.
الخادم الأول
:
هو ذا أستاذ البِراز قد جاء يا سيدي.
السيد جوردان
:
قل له يدخل ليعطيني الأمثولة في هذا المكان؛ فأريد أن تروني أفعل.
المشهد الثاني
(أستاذ البِراز – أستاذ الرقص – أستاذ الموسيقى – السيد جوردان –
خادمان)
أستاذ البِراز
(بعد أن يضع السيف في يد جوردان)
:
هيَّا يا سيدي فلنبدأ بأصول التحية، الجسد مستقيم، قليل الانحناء على الردف
الأيسر، قدماك على خطٍّ واحدٍ، يدك على خصرك، رأس سيفك تجاه كتفك، لا تبسط
ذراعك إلى هذه الدرجة، اليد اليسرى في مرتفع العين، اثقب نظرك، تقدم، ليكن جسدك
ثابتًا، المِسْنِي بسيفك، اقفز إلى الوراء، واحد، اثنان، تقدَّم، أَثْبِتْ
جسدك، تقدَّم، واحد اثنان، راجع الكرَّة، وثبة إلى الوراء، الحذر، الحذر يا
سيدي! (يطعنه بضع طعنات وهو يقول له: الحذر!)
السيد جوردان
:
أوه!
أستاذ الموسيقى
:
إنك تعمل عجائب!
أستاذ البِراز
:
لقد سبق أن قلتَ لي إن جميع أسرار البِراز تنحصر في أمرين، وهما أن يُعطي
الرجلُ ولا يأخذ، وبحسب البرهان الحسي الذي أعطيتكم إيَّاه منذ أيامٍ؛ يستحيل
على الرجل أن يأخذ إذا هو أجاد تحويل سيف الخصم عن جسده، وهذا يتوقَّفُ على
حركة صغيرة من اليد.
السيد جوردان
:
إذن بهذه الطريقة يستطيع الرجل أن يقتل خصمه ولا يُقتل وإن يكن بلا
قلب؟
أستاذ البِراز
:
بلا ريب، أفلم تر البرهان؟
السيد جوردان
:
بلى.
أستاذ البِراز
:
وفي هذا دليلٌ واضحٌ على أنَّ فنَّ البِراز أفضل بكثيرٍ من جميع الفنون التي
لا فائدة منها كالرقص والموسيقى واﻟ …
أستاذ الرقص
(يقاطعه)
:
على رسلك يا حضرة ممتشق السلاح ولا تتكلم عن الرقص إلا باحترام.
أستاذ الموسيقى
:
وأرجو من حضرتك أن تتعلم احترام الموسيقى.
أستاذ البِراز
:
إنه لَمِن المضحك أن تشبِّها فنَّيْكما بفنِّي.
أستاذ الموسيقى
:
يظهر أنك كثير الادِّعاء!
أستاذ الرقص
:
يا لك حيوانًا مضحكًا!
أستاذ البِراز
:
سأُرْقِصُك كما يجب أن ترقص يا حضرة أستاذي الراقص الصغير، وأنت يا موسيقيَّ
الصغير سأجعلك تنشد بشكلٍ لطيف.
أستاذ الرقص
:
سأُعَلِّمك مهنتك يا حضرة الضارب بالحديد.
السيد جوردان
(لأستاذ الرقص)
:
أمجنونٌ أنت لتخاصم رجلًا يستطيعُ أن يقتُلَ خصمه بالبرهان الحسي؟
أستاذ الرقص
:
إنِّي أسخرُ من برهانه الحسِّي ومن جميع ترَّهاته.
السيد جوردان
:
بهوادة … بهوادة قلت لك.
أستاذ البِراز
:
ماذا تقول؟ يا لك غافلًا صغيرًا!
السيد جوردان
:
بهوادة …
أستاذ الرقص
:
ماذا تقول؟ يا لك حصانًا ضخمًا مربوطًا بعجلة.
السيد جوردان
(لأستاذ البِراز)
:
بهوادة …
أستاذ البِراز
:
إذَن هجمتُ عليك …
السيد جوردان
:
بهوادة …
أستاذ الرقص
:
إذَن ألقيت عليك يَدَيَّ …
السيد جوردان
:
بهوادة …
أستاذ البِراز
:
أحطمك بطريقة …
السيد جوردان
:
أتَوَسَّل إليك!
أستاذ الرقص
:
أعصرك بشكل …
السيد جوردان
:
أرجوك …
أستاذ الرقص
:
دعنا نُعَلِّمْه فنَّ الكلام.
السيد جوردان
:
يا الله! تمهَّلوا.
المشهد الثالث
(أستاذ الفلسفة – أستاذ الرقص – أستاذ الموسيقى – أستاذ البِراز –
السيد جوردان)
السيد جوردان
:
هولا، سيدي الفيلسوف، لقد جئتَ بوقتكَ، فتعال ضع السلام بين هؤلاء
السَّادة.
أستاذ الفلسفة
:
ماذا جرى؟ ماذا جدَّ أيها السادة؟
السيد جوردان
:
لقد اختلفوا على أفضلية فنونهم، فغضب بعضهم على بعض وراحوا يتشاتمون حتى
أوشكوا أن يتماسكوا بالأيدي.
أستاذ الفلسفة
:
ماذا أيها السادة؟ أمِنَ الحكمة أن يصل بكم الغضب إلى هذا الحد؟ ألم تقرأوا
الرسالة التي وضعها سنيكا عن الغضب؟ وهل ثمة أحط وأخجل من هذه العاطفة الممقوتة
التي تجعل من الرجل حيوانًا مفترسًا؟ ماذا؟ ألا ينبغي للعقل أن يسود جميع
حركاتنا؟
أستاذ الرقص
:
كيف؟ لقد شتم كلًّا منَّا باحتقاره الرقص الذي أحترفه والموسيقى التي
يُعَلِّمها.
أستاذ الفلسفة
:
إنَّ الرجل الحكيم هو دائمًا فوق الشتائم التي تُوجَّهُ إليه، وأعظم جواب على
الشتيمة هو الهوادة والصبر.
أستاذ البِراز
:
لقد تجاسر كلاهما على أن يشبِّهَا مِهْنَتَيْهِما بِمِهْنَتِي.
أستاذ الفلسفة
:
وهل في هذا بأسٌ عليك؟ لا ينبغي للرجل أن يُخاصم أخاه على المجد الباطل،
والذي يميِّزنا بعضنا عن بعض إنما هو العقل والحكمة والفضيلة.
أستاذ الرقص
:
لقد أكَّدتُ له أنَّ الرقص علمٌ شريف …
أستاذ الموسيقى
:
وأكَّدْتُ له أنا أنَّ الموسيقى عِلم احتَرَمَتْه جميع العصور.
أستاذ البِراز
:
وأكَّدْتُ لهما أنا بدَوْري أنَّ عِلْم البِراز إنما هو أجمل العلوم وأفضلها
جميعًا.
أستاذ الفلسفة
:
إذن ماذا أبقيتم للفلسفة؟ أراكم جميعًا سخفاء، كيف تجرءون أنْ تتكلموا أمامي
بهذه اللهجة الوقحة وتعطوا اسم عِلْمٍ لأشياءَ لا تستحقُّ أن تَشْرُف حتى بلقب
فنٍّ، ولا ينبغي أن يُطلَق عليها إلا أسماء مِهَن بائسة يمتهنها المصارعون
والمغَنُّون والطوَّافون؟
أستاذ البِراز
:
اخرس يا فيلسوف الكلب!
أستاذ الموسيقى
:
اخرس يا فيلسوف الادِّعاء!
أستاذ الرقص
:
اخرس أيها البطِن المهذار؟
أستاذ الفلسفة
:
ماذا؟ يا لكم أغبياء! (يهجم عليهم فينقَضُّون عليه
بالضرب.)
السيد جوردان
:
يا حضرة الفيلسوف!
أستاذ الفلسفة
:
وُحوش! خبثاء! مجرمون!
السيد جوردان
:
يا حضرة الفيلسوف!
أستاذ البِراز
:
طاعون! حيوان!
السيد جوردان
:
أيها السادة!
أستاذ الفلسفة
:
وقحاء!
السيد جوردان
:
يا حضرة الفيلسوف!
أستاذ الرقص
:
اذهب إلى الجحيم يا حمار!
السيد جوردان
:
أيها السادة!
أستاذ الفلسفة
:
قتلة! لصوص!
السيد جوردان
:
يا حضرة الفيلسوف!
أستاذ الموسيقى
:
إلى الشيطان أيها الأبله!
السيد جوردان
:
أيها السادة!
أستاذ الفلسفة
:
متشردون! خدَّاعون! كذَّابون! (يَخرجون وهم
يَقْتَتِلُون.)
السيد جوردان
:
يا حضرة الفيلسوف، أيها السادة، يا حضرة الفيلسوف، أيها السادة، يا حضرة
الفيلسوف. أوه! تقاتلوا ما شئتم فلن أكلِّف نفسي تمزيق ردائي لأفرِّق
بينكم.
المشهد الرابع
(أستاذ الفلسفة – السيد جوردان)
أستاذ الفلسفة
(مُصلحًا طَوقه)
:
لنرجع إلى أُمثولَتِنَا.
السيد جوردان
:
آه يا حضرة السيد! إني شديد الأسف للضربات التي تَلَقَّيْتَهَا.
أستاذ الفلسفة
:
لا بأس؛ فالفيلسوف يعرف أن يتلقى الأشياء كما يجب أن يتلقاها، وسأنظم في
هؤلاء قصيدة هجائية على طريقة جوفنال تمزِّقهم تمزيقًا، ولكن دعنا منهم الآن،
ماذا تريد أن تتعلم؟
السيد جوردان
:
كلَّ ما أستطيع أن أتعلمه؛ إذ أني أرغب رغبة شديدة في أن أصير من العلماء،
ولَكَمْ أراني غاضبًا لأن والدي ووالدتي لم يلقناني جميع أنواع العلوم إذ كنت
صغيرًا.
أستاذ الفلسفة
(صحيح)
:
نام سين دو كترينا فيتا إست كازي مورتيس إيماكو، هل فهمت ذلك؟ إنك ولا ريب
تفهم اللاتيني.
السيد جوردان
:
نعم، ولكن افرض أني لا أفهمه، واشرح لي معنى هذه الكلمات.
أستاذ الفلسفة
:
معناها أن الحياة بدون العلم هي شبه صورة من صور الموت.
السيد جوردان
:
هذا اللاتيني مصيب بكلامه.
أستاذ الفلسفة
:
ألا تملك بعض مبادئ أوَّلِيَّة في العلوم؟
السيد جوردان
:
أوه! بلى! أعرف أقرأ وأكتب.
أستاذ الفلسفة
:
بأي شيءٍ تُريد أن نبدأ؟ أتريد أن أعلمك المنطق؟
السيد جوردان
:
ما هو هذا المنطق؟
أستاذ الفلسفة
:
هو الذي يُعَلِّم عمليات العقل الثلاث.
السيد جوردان
:
ما هي هذه العمليات الثلاث؟
أستاذ الفلسفة
:
الأولى والثانية والثالثة؛ فالأولى: هي الإدراك بطريقة الكليات، والثانية: هي
التمييز بطريقة الأصناف، والثالثة: هي الافتراض بطريقة الأقيسة
المنطقية.
السيد جوردان
:
هذا المنطق لا يُوافقني؛ فلنتعلم شيئًا آخر أجمل من هذا.
أستاذ الفلسفة
:
أتريد أن تتعلم الحكمة؟
السيد جوردان
:
الحكمة؟
أستاذ الفلسفة
:
نعم.
السيد جوردان
:
ماذا تقول هذه الحكمة؟
أستاذ الفلسفة
:
إنها تُعَلِّم البشر تلطيف ميولهم و…
السيد جوردان
:
لا، فلندع هذا العلم؛ فأنا مستقلٌّ كجميع الشياطين ولا أجد حكمة تُوقفني عند
حد. بل أريدُ أن أستسلم للغضب ساعةَ أُريد.
أستاذ الفلسفة
:
إذن تريد أن تتعلم الطبيعيات؟
السيد جوردان
:
ماذا تعني الطبيعيات؟
أستاذ الفلسفة
:
الطبيعيات هي التي تشرح مبادئ الأشياء الطبيعية وخصائص الأجسام، والتي
تُعَلِّمنا أسباب العلامات الجوية كالبروق والعواصف والصواعق والشتاء والثلج
والبرد والأهوية والزوابع.
السيد جوردان
:
لا، لا، في هذا ضجيجٌ شديدٌ ودويٌّ هائلٌ.
أستاذ الفلسفة
:
ماذا تُريد أن أُعَلِّمَك إذَن؟
السيد جوردان
:
علِّمْني الإملاء.
أستاذ الفلسفة
:
بطيبة خاطر.
السيد جوردان
:
وبعد ذلك تعلمني الرُّوزنامة لأعرف متى يكون القمر ومتى لا يكون.
أستاذ الفلسفة
:
حسنًا، إذن فلِكَيْ أُنَفِّذ مشيئتك وأُطَبِّق هذه المادة على الفلسفة ينبغي
أن نبدأ بمعرفة طبيعة الأحرف الأبجدية وطريقة لفْظِها، وعلى هذا أقول لك إن
الأحرف الأبجدية تنقسم إلى اثنين: الأحرف الشفهية وهي التي تخرج من الشفتين،
والأحرف الحلقية وهي التي تخرج من الحلق.
السيد جوردان
:
أعرف ذلك.
أستاذ الفلسفة
:
يُوجد اثنان وعشرون حرفًا شفهيًّا وهي: ألف باء تاء ثاء جيم دال ذال راء زاي
سين شين صاد ضاد طاء ظاء فاء قاف كاف لام ميم واو ياء.
السيد جوردان
:
واو ياء، ياء واو، جميلٌ جدًّا.
أستاذ الفلسفة
:
أمَّا الواو فَلِكَيْ تجيد لَفْظَها ينبغي لك أن تَفْتَحَ شفتيك
وتُطْبِقَهُمَا: واو …
السيد جوردان
:
واو … واو … صحيح، ليَحْيَ العِلْم!
أستاذ الفلسفة
:
وإذا شئت أن تهزأ بأحدٍ فما عليك إلا أن تقول له في وجْهِهِ: واو … واو …
لتنال منه وتزعجه.
السيد جوردان
:
واو … واو … صدَقْتَ! آه! لماذا لم أَتَعَلَّمْ كل هذا منذ الصغر؟ واو … جميل
جدًّا، إنك لرجلٌ حاذق ممتاز.
أستاذ الفلسفة
:
وسأشرح لك غدًا جميع هذه الأحرف الأبجدية.
السيد جوردان
:
أتوسل إليك أن تَسمع هذه المطارحة مني، إنِّي عاشقٌ هائمٌ بأُنثى من أصحاب
الصفات الممتازة، وأرغبُ جدًّا في أن تساعدني على كتابة شيءٍ لها على ورقة
صغيرة أريد أن أَدَعَهَا تَسْقُط على قدميها.
أستاذ الفلسفة
:
حسنًا.
السيد جوردان
:
ألا ترى ذلك لطيفًا؟
أستاذ الفلسفة
:
بدون ريب، أتريد أن تكتب لها شِعرًا أم نثْرًا؟
السيد جوردان
:
لا، لا أريد شِعرًا.
أستاذ الفلسفة
:
لا تريد إلا نثْرًا؟
السيد جوردان
:
لا، لا أريد نثْرًا ولا شِعرًا.
أستاذ الفلسفة
:
يجب أن يكون هذا أو ذاك.
السيد جوردان
:
لماذا؟
أستاذ الفلسفة
:
لأن ثَمَّة طريقتين للتعبير هما النثر والشِّعر.
السيد جوردان
:
ألَا يستطيع الإنسان أن يعَبِّر عن أفكاره بسوى النثر والشِّعر؟
أستاذ الفلسفة
:
لا يا سيدي، فكل ما ليس شِعرًا هو نثْر، وكل ما ليس نثْرًا هو شِعر.
السيد جوردان
:
وعندما نتكلم ماذا يدعى ذلك؟
أستاذ الفلسفة
:
نثْرًا.
السيد جوردان
:
ماذا؟ عندما أقول: «نيقول أحضري لي مشايتي وأعطيني قبعة النوم»، أتسمي هذا
نثرًا؟
أستاذ الفلسفة
:
نَعَم يا سيدي.
السيد جوردان
:
وحقِّك! لقد مضى عليَّ أربعون سنة وأنا أتكلم نثرًا من غيْر أن أشْعُر، إني
لَمَدِينٌ لك بهذه المفاجأة، إذن أريدُ أن أضع لها على ورقة هذه الكلمات «إن
عينيك الجميلتين تَيَّمَتَانني حُبًّا أيتها المركيزة الجميلة» ولكن أرغب في أن
تُوضع هذه الكلمات بطريقةٍ لطيفةٍ … بتعبيرٍ جذَّاب.
أستاذ الفلسفة
:
تُريد أن تقول: إنَّ نيران عينيها تُحِيلُ قلبك إلى رماد، وإنك لَيلَ نهار
تُقاسي مِنْ أَجْلِها …
السيد جوردان
:
لا، لا، لا أريد كل هذا، بل الذي قلتُه لك: «إن عينيك الجميلتين
تَيَّمَتَانني حُبًّا أيتها المركيزة الجميلة.»
أستاذ الفلسفة
:
ولكن يجب أن تتوسَّع قليلًا بالموضوع.
السيد جوردان
:
قلت لك لا … لا أريد على الورقة إلا هذه الكلمات، ولكني أريدها على الطريقة
الحديثة، هل لك أن تُسْمِعَني التعابير المختلفة التي يُستطاع أن تُوضع بها هذه
الكلمات؟
أستاذ الفلسفة
:
نستطيع أن نضعها أولًا بالطريقة التي قُلْتَهَا: «إن عينيك الجميلتين
تَيَّمَتَانني حُبًّا أيتها المركيزة الجميلة»، أو بهذه الطريقة: «حُبًّا
تَيَّمَتَاني أيتها المركيزة الجميلة إن عينيك الجميلتين»، أو بالطريقة
التالية: «تَيَّمَتَاني أيتها المركيزة الجميلة إنَّ عينيك الجميلتين حُبًّا»،
أو بهذه الطريقة الأخرى: «حُبًّا إن عينيك الجميلتين أيتها المركيزة الجميلة
تَيَّمَتَاني».
السيد جوردان
:
ولكن أية طريقة أفضل من الأُخرى من بيْن هذه الطرق؟
أستاذ الفلسفة
:
الطريقة التي عملتها أنتَ «إن عينيك الجميلتين تَيَّمَتَانني حُبًّا أيتها
المركيزة الجميلة».
السيد جوردان
:
بيْد أني لم أتعلم، ولقد عملت ذلك دفعة واحدة.
أشكرك من صميم قلبي وأرجو منك أن تُبَكِّر غدًا في الحضور.
أستاذ الفلسفة: لن أتأخَّر.
السيد جوردان (لخادمه): كيف؟ ألم يُحْضَر ردائي بعد؟
الخادم: لا يا مولاي.
السيد جوردان: إنَّ هذا الخياط الملعون يُرغمني على الانتظار في أحرج أوقاتي، ألَا
فَلْتَنْزِل حمَّى التيفوئيد على هذا الخياط الملعون، ليخنقه الطاعون. آه لو
اجْتَمَعْتُ الآن بهذا الخياط الممقوت، بهذا الخياط الكلب، بهذا الخياط
الخائن!
المشهد الخامس
(الخياط – تلميذ الخياط (يحمل رداء السيد جوردان) – السيد جوردان –
خادمان)
السيد جوردان
:
حَضَرْتَ؟ كنتُ أوشكتُ أن أَغْضب عليك.
الخياط
:
لم أستطع الحضور قبل الآن، ولقد شغَّلت عشرين ولدًا في ردائك.
السيد جوردان
:
أُرْسِلَتْ إليَّ أجربة حريرية ضيقة قاسيت أهوالًا شديدة في وضعها بقدميَّ،
ولقد تمزَّق زوجان منها، ثم إنَّك جعلتني أصنع حذاء يجرحني كلما
احتذيته.
الخياط
:
لا، أبدًا يا سيدي.
السيد جوردان
:
كيف لا أبدًا؟
الخياط
:
لا، لا يجرحك.
السيد جوردان
:
قلت لك إنه يجرحني … أنا.
الخياط
:
إنك تتصوَّر ذلك.
السيد جوردان
:
أتصوره لأني أحس به، هذه مسألة عقلية.
الخياط
:
هو ذا أجمل رداء في البلاط، وهو رائعة من روائع الفن.
السيد جوردان
:
ما هذا؟ وضعتَ الأزهار نزولًا؟
الخياط
:
لَمْ تَقُلْ لي: إنك تريدها صعودًا.
السيد جوردان
:
وهل ينبغي أن أقول ذلك؟
الخياط
:
نعم؛ لأن جميع أصحاب الصفات الممتازة يضعون الأزهار بهذه الطريقة.
السيد جوردان
:
أصحاب الصفات الممتازة يضعون الأزهار نزولًا؟
الخياط
:
نعم يا سيدي.
السيد جوردان
:
أوه، إذن هذا حسن.
الخياط
:
وإذا شئت فسأضعها صعودًا.
السيد جوردان
:
لا، لا.
الخياط
:
ليس عليك إلا أن تقول.
السيد جوردان
:
قلْتُ لك لا، فلقد أحسنت عملًا. أتظن أن ردائي يليق بي؟
الخياط
:
معجزة من معجزات الفن.
السيد جوردان
(وهو ينظر إلى ثوب الخياط)
:
ها ها! رداؤك هذا من القماشة التي عَمِلْتَ منها رداءً لي في المرة
الأخيرة.
الخياط
:
ذلك لأنَّ القماشة أعجبَتْني إلى درجة أني أردت أن أصنع منها ثوبًا
لي.
السيد جوردان
:
نعم، ولكن لم يكن جديرًا بك أن تصنع ثوبك كثوبي.
الخياط
:
أتريد أن تلبس رداءَك؟
السيد جوردان
:
نعم، هاتِهِ.
الخياط
:
انتظر، فلقد صحبتُ معي جمهورًا ليُلْبِسَكَ إيَّاه، فهذا النوع من الثياب
يُرْتدى بين مظاهر الأبهة. هولا! ادخلوا جميعكم، وألبِسوا حضرة السيد رداءه
بالطريقة التي تعالجونها في أصحاب الصفات الممتازة.
(يدخل أربعة خياطين ويأخذون بنزْع الثياب عن جوردان وإلباسه الرداء الجديد، عند هذا يجعل السيد جوردان يتمشى بينهم وهم يرقصون.)
تلميذ خياط
:
أعطِ التلاميذ بخشيشًا يا مولاي.
السيد جوردان
:
ماذا سميتني؟
تلميذ خياط
:
مولاي.
السيد جوردان
:
مولاي! جميلٌ هذا! ثقوا أنكم لو صرَفْتُم حياتكم في ارتداء مثل هذا الثوب لم
تسمعوا من أحد لقب «مولاي». خذوا هذا جزاء
«مولاي!»
تلميذ خياط
:
شكرًا لك يا صاحب السيادة.
السيد جوردان
:
صاحب السيادة! هو هو! صاحب السيادة! انتظر يا صاحبي، فصاحب السيادة يستحقُّ
أشياءً كثيرة … خذ، هذه عطية صاحب السيادة.
تلميذ خياط
:
سنشرب نخب عظمتك يا صاحب السيادة.
السيد جوردان
:
عظمتك! هو هو هو! انتظروا لا تخرجوا، وخذوا جزاء هذا اللقب العظيم.
تلميذ خياط
:
إنا لشاكرون صاحب السيادة على عطاياه الجزيلة.
(الستار)