الاتفاق الجديد
قدم «المعجمي الشهير» — الوصي الأمين على مسكني المختار — للجيل القادم المُرتعد تعريفًا لفعل الأكل، الذي يمكن تخيُّله كغولٍ يعاني عُسر هضم. «يأكل: يلتهم بالفم» وهذه نظرة صادمة لمثل هذه الوظيفة اللطيفة: إنها نظرة مُتهكمة وفظة ولا يمكن التغاضي عنها بسبب دقتها. لأنه على أي حال هذا ما يعنيه الأكل، إذا كان على المرء أن يُعبر عنه بمثل هذه الوحشية الفظة. ولكن إذا كان «ابتلاع المواد الغذائية» — لندخل تغييرًا معاصرًا على الصيغة القديمة — في حدِّ ذاته هو عملية للوصول إلى إشباع شهوة جسدية، فممَّا لا يمكن إنكاره أن ينشأ عن هذا رابط مقبول إلى حدٍّ كبير بظواهر نفسية أكثر.
وهكذا بينما ينعكس ضوء المصباح، مدعومًا بضوء شموع الزينة، على المائدة الصغيرة الموجودة في حجرة الطابق الأول المطلة على حارة فيتر — وقد أُسدِلت الستائر الآن فقط — كانت المحادثة ودودةً ومبهجة جدًّا في صُحبة الحركة المستمرة للشوك والسكاكين وأصوات تخبُّط الكئوس والصوت المبهج لصبِّ الخمر من القوارير. وفي المقابل، كانت المناسبة لواحدٍ منَّا، على الأقل — أقصد جودفري بيلينجهام — احتفالًا غير مألوف وقد أحدث استمتاعه الصبياني بالمناسبة البسيطة إيحاءاتٍ مثيرة للشفقة تظهر في أوقاتٍ عصيبة، ولم يكن هناك تذمُّر على الرغم من أنها كانت محسوسةً بشكلٍ قوي.
انتقل بنا الحديث من موضوع لآخر، وقد انحسر بشكلٍ أساسي في أمور فنية، ولم يتطرق أبدًا، ولو لدقيقةٍ واحدة، للموضوع الشائك المُتعلق بوصية جون بيلينجهام. لقد انتقل الحديث من هرم سقارة المُدرج وأحجاره المزدانة برسومات زاهية إلى أرضيات كنائس العصور الوسطى، ومن هذا الموضوع إلى المشغولات الخشبية في العصر الإليزابيثي والأواني الخزفية المتبقية من الحضارة الميسينية وحتى الفنون الصناعية للعصر الحجري وحضارة الأزتيك. لقد بدأت أشك أن صديقيَّ القانونيَّين قد انجرفا مع الحديث لدرجة أنهما نسِيا الغرض السري من اللقاء، فقد وُضِعت الحلوى على المائدة (وضعتْها السيدة جامر بأسلوب شخصٍ أفجَعَه فقدان عائلِه يوزِّع فطائر اللحم في الجنازة) ولا زال الحديث خاليًا من أي إشارة إلى «القضية». ولكن بدا أن كل ما يفعله ثورندايك هو أنه يمارس لعبة الانتظار، فهو يترك الودَّ ليتعمَّق ويزداد خلال الحديث بينما يُراقب الفرصة ليغتنمها. وقد جاءت الفرصة، في الوقت نفسه الذي اختفت فيه السيدة جامر كطيفٍ بصينيةٍ من الأطباق والأكواب.
قال السيد بيلينجهام: «إذن كان لديك زائر الليلة الماضية يا دكتور، أعني صديقي جيليكو. لقد أخبرَنا أنه رآك، وكم هو فضولي بشأنك. فلم أرَ جيليكو فضوليًّا إلى هذا الحدِّ من قبل. ما رأيك فيه؟»
«عجوز ظريف. لقد وجدتُه مُسليًا إلى حدٍّ كبير. لقد سلَّى أحدنا الآخر لفترةٍ طويلة بالأسئلة المتبادلة والإجابات الملتوية؛ لقد كنتُ أُظهر فضولًا شديدًا، وكان يتَّخذ موقفًا دفاعيًّا مُبديًا جهلًا عامًّا. لقد كان لقاءً شديد المراوغة.»
علقَت الآنسة بيلينجهام: «لم يكن في حاجةٍ إلى أن يكون كتومًا إلى هذا الحد، فالعالَم كله سيبتهج بمعرفة شئوننا عما قريب.»
قال ثورندايك: «إنهم إذن يقترحون رفع القضية إلى المحكمة؟»
ردَّ السيد بيلينجهام: «نعم، لقد أتى جيليكو ليُخبرني أن ابن عمي هيرست قد أعطى توجيهات لمُحامِيه أن يُقدِّموا الالتماس وليدعُوني للانضمام له. في الواقع لقد جاء ليُسلمني إنذرًا نهائيًّا من هيرست، ولكن لم يكن عليَّ أبدًا أن أُعكر صفو انسجامنا في هذه المناسبة بهذه الخلافات القانونية.»
سأله ثورندايك: «لماذا لا يجب عليك ذلك؟ لماذا يُمنع التحدُّث في موضوع كلُّنا مُهتمون به بشدة؟ أنت لا تُمانع التحدث معنا بشأنه، أليس كذلك؟»
«لا، بالطبع. ولكن ماذا تظن برجلٍ يقاطع طبيبًا في حفل عشاء ليسرد عليه قائمةً من الشكاوى والأمراض؟»
«هذا يعتمد على شكواه، فإذا كان يُعاني من عُسر هضم مزمن ويريد الحديث عن مزايا الأقراص الأرجوانية لدكتور سنافلر للأشخاص كثيري البثور، فإنه سيكون مُملًّا. أما إذا كان يعاني من بعض الأمراض النادرة مثل داء المِثقبيَّات أو ضخامة الأطراف، فسيَسعَد الطبيب بالاستماع إليه.»
سألت الآنسة بيلينجهام: «هل نفهم من ذلك أننا نُمثل مكسبًا نادرًا بالمعنى القانوني؟»
فرد ثورندايك: «بالطبع؛ فقضية جون بيلينجهام تعدُّ قضية فريدة من نوعها في العديد من جوانبها، وسيُتابعها المختصُّون باهتمامٍ كبير بصفة عامة، واختصاصيو الطب الشرعي بصفةٍ خاصة.»
ردَّت الآنسة بيلينجهام: «كم يجب أن يكون هذا الأمر مُفرحًا بالنسبة لنا! فربما اكتسبنا شهرةً أبدية في الكتب والمقالات؛ ومع ذلك لا يتملَّكنا الغرور بسبب أهميتنا.»
قال والدها: «لا، لسنا بحاجة إلى الشهرة مُطلقًا، وكذلك هيرست أيضًا، على ما أظن. هل أخبرك بيركلي بالعرض الذي تقدَّم به؟»
ردَّ ثورندايك: «نعم، وقد استنتجتُ مما قلتَه أنه أعاده ثانية.»
«نعم، لقد أرسل لي جيليكو ليمنحني فرصةً أخرى، ولقد مِلتُ للموافقة، ولكن ابنتي كانت تُعارض بقوةٍ أي مساومة، وربما هي مُحقَّة. على أي حال، هي مُهتمة بالأمر أكثر منِّي.»
سأله ثورندايك: «ماذا كان رأي السيد جيليكو؟»
«أوه لقد كان حريصًا ومُتحفظًا للغاية، ولكنه لم يُخفِ شعوره بأنه يجب أن أكون حكيمًا لأقبل الأمر بدلًا من إحداث إشكاليةٍ كبيرة حول الثروة. فهو بالتأكيد يودُّ لو أوافق لأنه يرغب بالطبع في تسوية الأمر والحصول على إرثه.»
«ولكنك بالتأكيد رفضت؟»
«نعم، بكل تأكيد؛ ولذلك قدَّم هيرست التماسًا بافتراض الوفاة وإثبات الوصية، وسيُسانده جيليكو، فهو يقول إنه ليس أمامه خيار آخر.»
«وأنت؟»
«أعتقد أنني سأطعن في الدعوى، على الرغم من أنني لا أعرف على أي أساسٍ سأفعل ذلك.»
قال ثورندايك: «قبل أن تتخذ خطواتٍ مُحددة، لا بدَّ أن تفكر في الأمر جيدًا. فأنا أفهم من كلامك أنك ليس لديك الكثير من الشكِّ في وفاة أخيك. وإذا كان ميتًا فإن أي فائدة ستعود عليك بناء على الوصية ستكون مشروطةً بافتراض الوفاة السابق أو دليل الوفاة. ولكن ربما استشرتَ أحدًا!»
«لا، لم أفعل. فكما أخبرك صديقنا الطبيب على الأرجح، فإنَّ مواردي — أو انعدامها — لا تُفصح أبدًا عن أنني حصلتُ على أي نصيحة مهنية. وهذا هو السبب وراء حساسيتي في التحدُّث معك بشأن القضية.»
«إذن، أنت تطلُب تسيير القضية بنفسك؟»
«نعم، إذا كان ضروريًّا أن أحضر في المحكمة، وأفترض أنَّ هذا سيحدُث إذا ما طعنتُ في الدعوى.»
فكر ثورندايك لدقائق قليلة، ثم قال في قلقٍ بالغ:
«من الأفضل لك سيد بيلينجهام ألا تحضر في المحكمة بمُفردك لتسيير الدعوى، للعديد من الأسباب؛ أولًا، لا بدَّ أن السيد هيرست سيُوكل مُحاميًا بارعًا، وستجد نفسك غير قادر على مواجهة الأمور المفاجئة للطعن في المحكمة، وسيُناورونك بدهاء، ثم إن هناك قاضيًا ستَمثُل أمامه.»
«ولكن بالتأكيد يمكن أن يعتمد المرء على قاضٍ يتعامل بشكل عادل مع رجل لا يستطيع توفير نفقات محامٍ أو استشاري؟»
«بلا شك، فإن القُضاة كقاعدة عامة يمنحون كل المساعدة والتفهُّم للمدعي الذي لا يُوكِّل مُحاميًا. فالقضاة الإنجليز بشكلٍ عام لديهم عقلية كبيرة وإحساس عميق بمسئولياتهم الكبيرة. ولكن لا يمكنك أن تعتمد على الاحتمالات، فلا بد أن تأخذ في اعتبارك الاستثناءات؛ فالقاضي كان في الأساس مُحاميًا، وربما يأتي إلى موقعه كقاضٍ ببعض الانحيازات المهنية الخاصة بالمُحامين. فإذا وضعتَ في اعتبارك الرخصة السخيفة التي تُمنح للمُحامين في تعاملهم مع الشهود، والموقف العدائي الذي يتبنَّاه بعض القضاة تجاه رجال العلم والطب الذين يُقدمون أدلتهم، فإنك سترى أن العقل القضائي لا يكون عادلًا دائمًا بالدرجة التي يتمنَّاها المرء، خاصة عندما تضع في اعتبارك الامتيازات والحصانات التي توفرها المهنة. ولذلك فحضورك بمفردك لتسيير القضية لا بدَّ أنه سيُسبِّب إرباكًا للمحكمة، فجهلك بالإجراءات والتفاصيل القانونية سيُسبب بعض التأخير، وإذا صادف أنَّ القاضي كان رجلًا مُزعجًا فإنه قد يستاء من هذا التأخير والإرباك، ولا أقول إن ذلك سيؤثر على قراره — فأنا لا أعتقد ذلك — ولكنني مُتأكد أنه من الحِكمة أن نتجنَّب التسبُّب في أي ضِيق للقاضي. وعلاوة على كل ذلك، فإنه من الأفضل أن تكون قادرًا على تتبُّع أي مناورة من جانب مُحامي الخصم والرد عليه، وهذا بالطبع قد لا تقدِر أنت على فعله.»
قال بيلينجهام بابتسامةٍ عابسة: «هذه نصيحة رائعة يا دكتور ثورندايك، ولكنني يؤسفني أنه سيتعيَّن عليَّ أن أقتنص فُرصتي.»
قال ثورندايك: «ليس بالضرورة، سأقدم لك عرضًا بسيطًا، حيث سأطلب منك أن تفكر في الأمر بلا أي تحيُّز كتسويةٍ متبادلة؛ كما ترى، فإن قضيتك ذات أهميةٍ استثنائية، وستُصبح قضيةً مشهورة كما تنبَّأت الآنسة بيلينجهام؛ ونظرًا لأنها تقع داخل نطاق تخصُّصي، فإنه سيكون من الضروري بالنسبة لي أن أُتابع أدقَّ تفاصيلها. والآن من الملائم كثيرًا بالنسبة لي أن أدرسها من داخلها وليس من خارجها، ناهيك عن المجد الذي سيُنسَب إليَّ إذا استطعتُ أن أُسيِّر القضية بنجاح. ولذلك فأنا أطلب منك أن تضع قضيتك بين يديَّ وتجعلني أرى ما يمكن فعله حيالها. أنا أعرف أن هذه طريقة غير تقليدية ليتخذها رجل مِهني مِثلي، ولكنني أعتقد أنها ملائمة في ظل هذه الظروف.»
فكر السيد بيلينجهام في صمتٍ وبعد أن ألقى نظرةً سريعة على ابنته، بدأ يتحدَّث في تردُّدٍ نوعًا ما: «هذا كرم كبير منك دكتور ثورندايك …»
قاطعه ثورندايك: «عفوًا، الأمر ليس كذلك، فدوافعي التي فسَّرتُها للتوِّ دوافع أنانية ببساطة.»
أطلق السيد بيلينجهام ضحكةً مُتوترة، ونظر ثانيةً إلى ابنته التي، على الرغم من ذلك، كانت تُتابع عملها في تقشير ثمرة كمثرى بهدوء متعمد دون حتى أن ترفع عينَيها. وعندما لم يحصل على أي مساعدة منها قال: «هل تعتقد أن هناك أي احتمالٍ لتكون القضية ناجحة؟»
«أجل، احتمال بعيد، وأخشى أن يكون بعيدًا جدًّا في ظل الظروف الحالية؛ ولكن لو كنتُ أرى أن القضية مؤكدة الخسارة، لنصحتُك بأن تتنحَّى جانبًا وتترك الأحداث تأخذ مجراها.»
«وعلى افتراض أن القضية ستنتهي كما نريد، هل تسمح لي أن أسوِّي أتعابك بالطريقة العادية؟»
أجاب ثورندايك: «لو كان الأمر بيدي، لوافقتُ بكل سرور. ولكن الأمر ليس بيدي. فمَوقفي المهني غير مُواتٍ على الإطلاق بالنسبة لممارسة التقصِّي. ربما تتذكر الشركة المشهورة دودسون آند فوج التي جنت الكثير من الأرباح ولكن القليل من المجد. ولكن لماذا نناقش أُمورًا من هذا النوع لم يأتِ أوانها؟ فإذا حققتُ النجاح لقضيتك، أكون قد قدمتُ مكسبًا كبيرًا لنفسي. فكلٌّ منَّا سيفيد الآخر بشكل متبادل. أرجو الدعم منكِ آنسة بيلينجهام. لقد جلسنا معًا ناهيك عن فطائر الحمام والكعكات الأخرى. ألن تدعميني، وفي الوقت نفسه تُسدين معروفًا للدكتور بيركيلي؟»
«لماذا، هل الدكتور بيركلي مُهتم بقرارنا؟»
«بالطبع، كما ستفهمين عندما أُخبرك أنه حاول بالفعل أن يرشُوَني سرًّا من نقوده الخاصة.»
سألت وهي تنظر إليَّ بتعبيرٍ يُهدِّدني: «هل فعلت؟»
جاوبتُ وأنا أشعر بالحرج الشديد والتوتُّر، وأتمنَّى أن يذهب ثورندايك للجحيم بصراحته هذه: «حسنًا ليس بالضبط، لقد ذكرتُ فقط أن نفقات اﻟ… المُحامين كما تعرفين وهذا النوع من الأمور … ولكنك لستِ في حاجة لتوبيخي آنسة بيلينجهام؛ فالدكتور ثورندايك فعل كل ما يلزم فيما يخصُّ ذلك.»
استمرَّت تُحدق فيَّ بينما أسرد أعذاري ثم قالت: «لا لن أفعل، أنا أفكر فقط في أن الفقر له ما يُعوِّضه. لقد كنتَ كريمًا دائمًا معنا، ومن جانبي يجب أن أقبل العرض الكريم الذي قدَّمَه الدكتور ثورندايك بكل امتنانٍ وأشكره على أنه سهَّل علينا الأمر كثيرًا.»
قال السيد بيلينجهام: «حسنًا جدًّا يا عزيزتي، سوف نستمتع بالجانب الحلو من الفقر كما قلتِ — لقد جرَّبنا النوع الآخر من الأشياء بِحُرية كبيرة — وكذلك سنبتهج بقبول هذه اللفتة الكريمة التي قَدَّمتِ بشكلٍ رقيق للغاية.»
قال ثورندايك: «شكرًا لك، لقد أثبتِ لي صحة إيماني بك آنسة بيلينجهام وبتأثير حُسن ضيافة الدكتور بيركلي. وأتفهَّم أنكم تضعون أموركم تحت تصرُّفي؟»
ردَّ السيد بيلينجهام: «بشكلٍ كامل ومع جزيل الشكر، ونحن نوافقك مُسبقًا على أي إجراءٍ تراه أفضل لمصلحتنا.»
قلت: «إذن، لنشربَ نخبَ نجاح القضية. شراب البورت، إذا سمحتِ آنسة بيلينجهام؛ الخمر ليست مُدرجة في مُناسبتنا، ولكنها رائعة؛ فهي وسيلة ملائمة من أجل توطيد الصداقة.» ملأتُ كأسها وعندما انتهيتُ من ملء كئوسنا وقفْنا وشربنا نخبَ هذا الاتفاق الجديد.
قال ثورندايك: «هناك شيء واحد أودُّ قوله قبل أن نُغلق الموضوع في الوقت الحالي: من المُفيد لنا أن نُعين مستشارًا خاصًّا؛ فعندما تتسلَّم إخطارًا رسميًّا من مُحامي السيد هيرست بأن الدعوى قد رُفعت، يمكنك أن تُحيله إلى السيد مارشمونت من جرايز إن، الذي سيُمثِّلك بشكلٍ صوري؛ فهو لن يفعل شيئًا في الواقع، ولكن لا بدَّ أن نحبُك قصة أنَّ هناك مُحاميًا يوجهني. وفي هذه الأثناء وحتى تُعرض القضية أمام المحكمة، أعتقد أنه من الضروري للغاية ألا يعلم السيد جيليكو أو أي شخصٍ أنني ذو صِلة بالأمر. يجب أن نُبقي هذا الأمر سرًّا قدر استطاعتنا.»
قال السيد بيلينجهام: «سيكون اتفاقنا سرًّا كأسرار القبور. وفي الواقع، سيكون هذا الأمر سهلًا للغاية، لأنه يصادف، وهذا من الصُّدف العجيبة، أنني على معرفةٍ بالفعل بالسيد مارشمونت. لقد مثل ستيفن بلاكمور، بالطبع تذكُرُه، في تلك القضية التي كشفتها على نحوٍ رائع؛ فأنا أعرف عائلة بلاكمور.»
قال ثورندايك: «أتعرفه حقًّا؟ يا له من عالَمٍ صغير. ويا لها من قضية شهيرة! فالتعقيدات والجوانب المتداخلة للقضية جعلتْها مُثيرة للاهتمام على نحوٍ كبير؛ كما أنها كانت مهمةً بالنسبة لي من ناحيةٍ أخرى، لأنها كانت واحدة من أوائل القضايا التي عملتُ فيها مع الدكتور جيرفيس.»
علق جيرفيس قائلًا: «نعم، وكم كنتُ مساعدًا مُفيدًا، على الرغم من أنني اكتشفتُ حقيقةً أو اثنتَين بالصدفة. وبالمناسبة، لقد كانت قضية بلاكمور بها نقاط مشتركة مُعينة مع قضيتك سيد بيلينجهام؛ فقد كان هناك اختفاء وثروة مُتنازَع عليها، كما كان الرجل المُختفي باحثًا وخبير آثار.»
قال ثورندايك: «القضايا في مجالنا تميل إلى أن تحتوي نقاط تشابُه عامة معينة.» وبينما كان يتحدَّث وجَّهَ نظرةً حادة خاطفة لمساعده، وقد فهمتُ مغزاها جزئيًّا عندما غيَّر الموضوع فجأة.
«إن تقارير الصحف حول اختفاء أخيك، يا سيد بيلينجهام، مليئة بالتفاصيل على نحوٍ ملحوظ. حتى إن هناك مخططًا مُفصلًا لمنزلك ومنزل السيد هيرست. هل تعرف مَن أمدَّ الصحف بهذه المعلومات؟»
ردَّ السيد بيلينجهام: «لا، لا أعرف. لم أمنحهم أي تفاصيل؛ فقد جاء لي بعض الصحفيين للحصول على بعض المعلومات، ولكنني طردتُهم، وكذلك فعل هيرست حسب ظني. وبالنسبة لجيليكو فهو شخص كتوم للغاية.»
قال ثورندايك: «حسنًا، فرجال الصحافة لديهم طرُق مُريبة في الحصول على المعلومات، ولكن لا بدَّ أنَّ هناك من منحَهم وصفَ أخيك وهذه المُخططات، ومن المُثير للاهتمام أن نعرف من هو، ولكننا لا نعرفه. والآن، لنُنهِ هذه المواضيع القانونية مع تقديم اعتذارنا على فتحها من البداية.»
فقلت: «وربما علينا أن ننتقل إلى ما نطلق عليها غرفة الجلوس — إنها وكر بيرنارد — ونترك الخادمة لتُنظف هذه البقايا.»
انتقلنا إلى حجرة مُبهجة بالية الأثاث، وعندما قدَّمت السيدة جامر القهوة بخضوعٍ كئيب (كمَنْ يقول: «إذا شربتَ هذا الشيء الذي أعتقد أنه لا بدَّ أن تشربه، فلا تلُمني على العواقب».) أجلستُ السيد بيلينجهام على كرسي بيرنارد المفضل، وهو كرسي مُريح مائل إلى أحد جانبيه، ومقعده منخفض بشدة بشكلٍ يوحي بأن من يستخدِمُه عادةً هو فيل قليل الحركة، وفتحنا البيانو الصغير.
قلت: «أتساءل ما إذا كان يمكن أن تعزف لنا الآنسة بيلينجهام بعضَ المُوسيقى؟»
فأجابت مُبتسمة: «أتساءل ما إذا كانت ستستطيع؟» وأكملت: «هل تعرفون؟ لَم ألمس بيانو منذ عامين تقريبًا! ستكون تجربةً مشوقة بالنسبة لي؛ ولكن إذا فشلتُ فأنتم من سيُعاني. لا بدَّ أن تحسموا أمركم.»
قال السيد بيلينجهام: «رأيي هو: لنُجرِ التجربة. ولن أُكمل الاقتباس لأنه ربما فيه إهانة لبيانو السيد بيرنارد. ولكن قبل أن تبدئي يا روث، هناك شيء آخر يزعجني وأريد أن أتخلص منه حتى لا يعكر صفوي فيما بعد.»
توقَّفَ لبرهةٍ وأنظارنا جميعًا معلقة به في ترقُّب.
قال: «أعتقد، يا دكتور ثورندايك، أنك تقرأ الجرائد؟»
ردَّ ثورندايك: «لا، ولكنني أطَّلع على محتواها لأهدافٍ مهنية بحتة.»
قال السيد بيلينجهام: «إذن، ربما صادفتَ بعض الأخبار عن اكتشاف بقايا جثة بشرية، ومن الواضح أنها أجزاء لجسدٍ مُشوَّه.»
«نعم، لقد صادفَني بعض التقارير ووضعتُها في ملف خاص كمرجعٍ مستقبلي.»
«بالضبط، والآن لم يعُد ضروريًّا بالنسبة لي أن أُخبرك أنَّ هذه البقايا — وهي بقايا مُشوَّهة لشخصٍ مسكين قُتل؛ حيث لا يُوجَد مجال للشك في ذلك — تبدو ذات دلالةٍ كبيرة بالنسبة لي. ستفهم ما أعنيه، وأريد أن أسألك ما إذا … ما إذا كانت لها دلالة مُماثلة بالنسبة لك؟»
توقَّف ثورندايك لبرهةٍ قبل أن يُجيب وهو يركز عينَيه على الأرض، ونحن جميعًا ننظر إليه في ترقُّب.
ثم تحدَّث بإسهاب: «من الطبيعي جدًّا أن تربط بين هذه البقايا وبين لغز اختفاء أخيك. أودُّ أن أقول إنك مُخطئ في ذلك؛ ولكن حينها سأكون كاذبًا؛ فهناك حقائق مُعينة تُوحي بلا أدنى شكٍّ أن هناك علاقة، وحتى اللحظة الحالية لا تُوجَد حقائق مؤكدة تدلُّ على النقيض.»
تنهَّد السيد بيلينجهام في عُمقٍ وعدل جلسته في ضيق.
قال بصوت منخفض: «هذا أمر فظيع! فظيع! هل تمانع دكتور ثورندايك في إخبارنا كيف يبدو الأمر من وجهة نظرك؛ ما الاحتمالات، المُؤيِّدة والمُعارضة؟»
مرة أخرى فكَّر ثورندايك قليلًا، وقد بدا لي أنه لا يرغب في مناقشة الموضوع. ولكن السؤال طُرح بشكلٍ واضح ومُحدَّد، فأجاب في النهاية:
«في المرحلة الحالية من البحث، ليس من السهل ترجيح الاحتمالات، فالأمر لا يزال مجرد تكهنات، فالعظام التي تم العثور عليها حتى الآن (لأننا نتعامَل مع هيكلٍ عظمي وليس جسدًا) كانت كلها من نوعيةٍ غير مفيدة في تحديد الهوية الشخصية، وهذا في حدِّ ذاته يُعدُّ حقيقة غريبة لافتة للنظر. ولكن الخصائص والأبعاد العامة للعظام تُوحي بأنها لرجلٍ في منتصف العمر وفي نفس طول أخيك، كما أن تاريخ دفن هذه العظام يتوافق مع تاريخ اختفائه.»
فسأل السيد بيلينجهام: «هل تاريخ دفن هذه العظام معروف إذن؟»
«في حالة هذه العظام التي وجدت في سيدكوب يُمكن أن نتوصَّل إلى تاريخ تقريبي. فأحواض زراعة نبات البقلة المائية تم تنظيفها منذ عامين، ومِن ثَم لا يُمكن أن تكون هذه العظام موجودة هناك منذ فترة أطول من ذلك. كما أن حالة العظام تُوحي بأن مدة دفنها هناك لا تقلُّ عن عامين، لأنه لا تُوجَد أي آثار لأنسجةٍ لينة من الجسد. وأنا أتحدث بالطبع من منطلق تقارير الصحف، فليس لي أي معرفة مباشرة بالأمر.»
«هل وُجِد أي جزءٍ مُهم من الجسد؟ فأنا لم أقرأ الصحف، فلقد أحضرت لي صديقتي الصغيرة الآنسة أومان حزمةً كبيرة منها لأقرأها، ولكنني لم أُطق ذلك فألقيتُها كلها من النافذة.»
أعتقد أنني لاحظتُ بريقًا خاطفًا في عينَي ثورندايك، ولكنه أجاب في اهتمامٍ بالغ:
«أعتقد أنني يُمكنني أن أمنحك التفاصيل من الذاكرة، ولكنني غير متأكد من التواريخ. لقد كان الاكتشاف الأصلي في سيدكوب في الخامس عشر من يوليو، ومن الواضح أنه حدث بالصدفة. وكان يتكوَّن من ذراع يسرى كاملة، مقطوع منها الإصبع الثالثة، وتضمُّ عظام الكتف — لوح الكتف وعظمة الترقوة — ويبدو أن هذا الاكتشاف قد جعل سكان المنطقة وخاصة الشباب منهم يبحثون في كل جدولٍ وبركة ماء في المنطقة …»
قاطعه السيد بيلينجهام: «آكلو لحوم البشر!»
«ونتيجةُ ذلك كانت جزءًا آخَر استُخرِج من بركةٍ قريبة من سانت ماري كراي في كينت، وكان عظمة الفخذ اليمنى. وهناك ثمة دليل يمكن تحديده فيما يتعلق بهذه العظمة، لأن رأسها كان به بقعة صغيرة من الاستعاجة — وهو جزء مصقول يُشبه سطح البورسلين يحدث في أجزاء العظام التي تكوِّن المفصل عندما تَبلى طبقة الغضروف الطبيعية بفعل مرضٍ ما — وهو ينتج بفعل احتكاك الطبقة غير المَحمية من العظام بطبقةٍ أُخرى غير مَحمية مثلها.»
سأل السيد بيلينجهام: «وكيف يساعد ذلك في التعرُّف على هوية القتيل؟»
أجابه ثورندايك: «سيوضح ذلك أن الفقيد ربما كان يُعاني من التهاب المفاصل الروماتويدي — ويُعرف أيضًا بالنقرس — وأنه ربما كان يُعاني عرَجًا خفيفًا أو آلامًا في الفخذ اليمنى.»
قال السيد بيلينجهام: «أخشى ألَّا يُفيدنا ذلك كثيرًا، فكما تعرِف، جون كان يُعاني من عرجٍ واضح لسببٍ آخر، وهو إصابة قديمة في كاحله الأيسر. وبالنسبة للشكوى من الآلام، فقد كان أخي عجوزًا عفيًّا لا يُظهر أي شكوى من أي نوع. ولكن لا تدعني أقاطعك.»
استطرد ثورندايك قائلًا: «الاكتشاف الثاني كان في منطقة لي وكان على أيدي الشرطة هذه المرة، ويبدو أنهم أظهروا اهتمامًا مفاجئًا بالأمر، ففي أثناء البحث في منطقة غرب كينت استخرجوا من بركةٍ قريبة من لي عظام القدم اليُمنى. ولو أن هذه القدَم كانت اليسرى بدلًا من اليمنى، لكنَّا حصلنا على دليل؛ فكما فهمت منك فإن أخاك كان مُصابًا بكسرٍ في كاحله، وربما يكون هناك آثار لهذه الإصابة في القدم نفسها.»
قال السيد بيلينجهام: «نعم، أعتقد ستكون هناك آثار. فقد عُرف الكسر بأنه كسر بوت.»
«بالضبط. والآن بعد هذا الاكتشاف في لي بدا أن الشرطة قد بدأت بحثًا منهجيًّا في جميع البرك وأي مجرًى مائي صغير حول لندن. وفي الثالث والعشرين من يوليو وجدوا في شوكوبيتس بالقُرب من غابة إيبينج، وهي ليست بعيدة عن وودفورد، عظام الذراع اليُمنى (وكانت تضم عظام الكتف كما حدث من قبل) ما يبدو أنها جزء من الجسد نفسه.»
قال السيد بيلينجهام: «أجل، سمعت بذلك؛ لقد حدث بالقُرب من منزلي القديم. هذا فظيع! فظيع! وقد أعطاني هذا إيحاءً للتفكير في ذلك؛ لقد فكرتُ في أن جون المسكين قد أُوقِف وقُتِل في الطريق عندما كان فعلًا قادمًا لزيارتي. بل أعتقد أنه دخل بالفعل من البوابة الخلفية، في حالة تركها مفتوحة، حيث تُتبِّع وقُتِل هناك. هل تذكُر هذا الجعران الذي سقط من سلسلة ساعته ووجدناه هناك؟ ولكن هل كان واضحًا أن هذه الذراع كانت ذات صِلة بالذراع التي وُجدت في سيدكوب؟»
قال ثورندايك: «تبدو مُتشابهة في الخصائص والأبعاد، وهذا التشابه قد ثبتَ بقوةٍ من خلال اكتشافٍ وقع بعدَها بيومين.»
سأل السيد بيلينجهام في لهفة: «ما هو؟»
«إنه النصف السُّفلي من الجزع الذي أخرجته الشرطة من بركةٍ أكثر عمقًا على حدود الغابة في لوتون، ويُطلق عليها بركة ستيبل. وكانت العظام التي وُجدت هي عظام الحوض، وهي تضمُّ عظمتَي الفخذ وستَّ فقراتٍ من العمود الفقري. ومع اكتشاف هذه العظام، أقامت الشرطة سدًّا على الجدول وجفَّفت البركة، ولكن لم يتم اكتشاف أي عظام أخرى، وكان هذا الأمر غريبًا، لأنه كان يجب أن يُوجَد زوجان من الأضلاع مُرتبطان بالفقرة العلوية؛ الفقرة الظهرية الثانية عشرة. وهذا يطرح بعض الأسئلة الفضولية بشأن الطريقة التي قُطِّعت بها الجثة، ولكن لا بدَّ لي ألَّا أخوض في تفاصيل مُزعجة. المُهم هو أنَّ تجويف مفصل الفخذ اليمنى يُظهر بقعة استعاجة مُماثلة لتلك الموجودة على رأس عظمة الفخذ اليمنى التي وُجدت في سانت ماري كراي. لذلك لا يُوجَد شكٌّ في أن هذه العظام هي أجزاء للجسد نفسه.»
تنهد السيد بيلينجهام قائلًا: «أفهم ذلك.» وأضاف بعد لحظة من التفكير: «الآن السؤال المطروح هو: هل هذه العظام هي بقايا جسد أخي جون؟ ماذا ترى دكتور ثورندايك؟»
«لقد قلتُ إن هذا السؤال لا يمكن إجابته اعتمادًا على الحقائق المتاحة حاليًّا. يمكننا القول فقط بأن هذا مُمكن، وأن بعض الملابسات تؤيد ذلك. ولكن علينا انتظار المزيد من الاكتشافات؛ ففي أي لحظةٍ يمكن أن تكتشِف الشرطة بعض أجزاء من الهيكل العظمي تحسِم هذا السؤال بشكلٍ أو بآخر.»
قال السيد بيلينجهام: «أعتقد أنني لن أفيدك أبدًا فيما يخصُّ التعرُّف على بقايا هذه الجثة؟»
قال ثورندايك: «بل تستطيع في الواقع، وسأطلُب منك أن تساعدني. ما أحتاجه منك هو فعل ذلك: كتابة وصفٍ كامل لأخيك، يتضمَّن كل تفصيلةٍ تعرفها عنه، بالإضافة إلى ذِكر أي مرض أو إصابة كنتَ تعرِف أنه يعاني منها، وأيضًا أسماء، وإذا كان مُمكنًا، عناوين جميع الأطباء والجرَّاحين، وأطباء الأسنان الذين تعامل معهم في أي وقت. وأطباء الأسنان مُهمُّون على نحوٍ خاص؛ فمعلوماتهم شديدة الأهمية إذا ما اكتُشِفت الجمجمة المرتبطة بهذه العظام.»
ارتجف السيد بيلينجهام، وقال:
«هذا صادم، ولكنك بالطبع مُحق. فلا بدَّ أن يكون لديك الحقائق إذا أردتَ تكوين رأي. سأكتُب ما تريده وأرسله إليك سريعًا. والآن بالله عليكم دَعُونا نفيق من هذا الكابوس لبعض الوقت على الأقل! ماذا يُمكنكِ أن تعزفي لنا يا روث من بين مجموعة الدكتور بيرنارد الموسيقية؟»
كانت مجموعة الدكتور بيرنارد تميل إلى الموسيقى شديدة الكلاسيكية، ولكننا انتقَينا من هذه الكومة بعض الأعمال الخفيفة من النوع القديم، وتضم مجموعة موسيقية لمندلسون بعنوان «أغانٍ بلا كلمات» (لإيدر أوهن فورت). واختارت الآنسة بيلينجهام مقطوعةً من هذه المجموعة لتُجرِّب مهارتها؛ حيث كان عزفها يحمل ذوقًا رفيعًا وأداءً معقولًا. كان هذا على الأقل رأي والدها، وبالنسبة لي فقد وجدتُ أن مُنتهى السعادة هو مجرد جلوسي أمامها والنظر إليها، وهي حالة ذهنية لا يمكن أبدًا تعكير صفوِها حتى إن عزفت «الأمواج الفضية» (سيلفري ويفز) أو «صلوات الخادمة» (ذا ميدينز براير).
ومع هذه الموسيقى البسيطة الدافئة والمُحادَثة المبهجة دائمًا والبارعة أحيانًا، مرَّت سريعًا واحدةٌ من أسعد الليالي في حياتي، لقد مرت سريعًا جدًّا. كانت دقات ساعة سانت دانستان هي الصوت الذي عكر صفو جلستنا؛ حيث انطلق صوتها مُدويًا في الساعة الحادية عشرة بالضبط، عندما بدأ ضيوفي يشكر بعضهم بعضًا، وبذلك حملوا معهم الشمس الساطعة (وأبيها القمر التابع لها) التي أنارت سمائي. مع أنني كنتُ قد أصدرت، بصفتي المهنية، أوامر قضائية بأن يجلس معنا السيد بيلينجهام إلى وقتٍ مُتأخر تحت أي ظرف، والآن بصفتي الاجتماعية، ابتسمت لسماع عبارة «أوامر الطبيب». وكانت هذه عودة حقيرة إلى حالتي البائسة.
عندما غادر السيد بيلينجهام وابنته الآنسة بيلينجهام، كان على ثورندايك وجيرفيس أن يُغادرا أيضًا، ولكن عندما رأيا حالتي البائسة ولأنهما عطوفان وصاحبا قلوبٍ طيبة، فقد اقتنعا أن يمكُثا معي لفترةٍ ويتحمَّلا صُحبتي وأنا أنفُث دخان الغليون لمواساة نفسي.