الشخصية
من الكلمة اليونانية التي معناها «انطباع» أو «نقش».
هي ما نقشتْه الطبيعة فينا.
أيستطيع أحد أن يغير شخصيته؟ نعم، إن استطاع تغيير جسده. من الممكن لرجل وُلِد خطَّاءً، أو عنيدًا، أو عنيفًا، إذ يُبتلى بالسكتة الدماغية في شيخوخته، أن يصبح أحمق، وطفلًا باكيًا، وجبانًا، ومسالمًا. لم يعد جسده كما كان. لكن طالما كانت أعصابه ودماؤه ونُخاعه على حالتها، فلن تتغيَّر طبيعته أكثر مما تتغير غريزة ذئب أو سمور.
تتكون الشخصية من أفكارنا ومشاعرنا. حسنًا، معروف لنا أننا لا نمنح أنفسنا المشاعر ولا الأفكار؛ ومن ثم فشخصيتنا لا تعتمد علينا.
ولو اعتمدت علينا لما كان أحدٌ ناقصًا.
لا نستطيع أن نمنح أنفسنا الأذواق والمواهب. لماذا ينبغي أن نمنح أنفسنا المَلَكات؟
إن لم يفكر المرء مليًّا، فسيعتقد أنه سيد كل شيء؛ لكن حينما يتفكَّر المرء فسيجد أنه ليس سيدًا على شيء.
إن رغبت في أن تُغيِّر شخصية إنسان بشكل كامل، فطهِّره بالمنظِّفات كل يوم حتى تقتله. لم يعد شارل الثاني عشر، وهو مُصاب بالحمى القيحية في طريقه إلى بيندر، الشخص نفسه. كان المرء يطلُّ عليه وكأنه يطلُّ على طفل.
لو كان لديَّ أنف معقوف وعينان تُشبهان عينَي القطة فربما أستطيع إخفاءهما بقناع. هل أستطيع أن أفعل المزيد مع الشخصية التي منحتْني إياها الطبيعة؟
تقدَّم رجل وُلِد عنيفًا طائشًا أمام فرانسوا الأول، ملك فرنسا، ليشكو ظلمًا؛ سيماء الأمير، هيئة رجال البلاط الوقورين، طبيعة المكان بذاتها، كل هذا يُحدِث انطباعًا قويًّا على هذا الرجل؛ بطريقة آلية، يغضُّ ناظريه، ويرقُّ صوته الأجش، ويُقدم التماسه بتواضُع حتى يكاد المرء يُصدق أنه وُلد لطيفًا — على الأقل في تلك اللحظة — كأحد رجال الحاشية الذي كان يرتبك من مجرد الوقوف بينهم. لكن فرانسوا الأول يَفهم بالفراسة، ويكتشف بسهولة في العينين الذليلتَين، المشتعلتَين بنارٍ كامنة، وفي عضلات وجهه المشدودة المتوتِّرة، وفي شفتيه المزمومتين أن ذلك الرجل ليس لطيفًا كما أُجبر على أن يبدو. يتبعه هذا الرجل إلى بافيا، ويؤخذ معه، ويُزَج به إلى السجن نفسه في مدريد. لا يُحدِث جلالةُ فرانسوا الأول الانطباع نفسه؛ يزداد ألفة مع موضوع احترامه. ذات يوم، وهو ينزع حذاءَي الملك، وينزعهما بطريقة سيئة؛ يَغضب الملك إذ يشعر بالحنق من حظه العثر؛ يَطرد صاحبُنا الملكَ، ويُلقي بحذاءَيه خارج النافذة.
ولد سيكتوس الخامس مشاكسًا عنيدًا مُتغطرسًا طائشًا حقودًا مُتكبرًا. بدا وكأن هذه الشخصية لانت أثناء تجارب إعداده للرهبنة. يبدأ في التمتُّع بقدر من المصداقية في رتبته الكهنوتية، وإذا به يستشيط غضبًا على أحد الحراس، ويضربه بقبضة يده. كان الرجل محقِّقًا في فينيسيا يقوم بواجباته بعجرفة. وحينما اعتقد نفسه كاردينالًا، استولى عليه الغضب البابوي. يغلب هذا الغضب طبيعته، فيَدفن شخصيته في الظلام، ويحاكي الرجل المتواضع الخامد. انتُخب لمنصب البابا، وإذا به يعود إلى سابق عهده بعد أن تخلَّص من أعباء السياسة وكل مرونتها المقهورة؛ فيصبح أكثر الحكام غرورًا وطغيانًا.
قد تقتلع الطبيعة بشوكة حقل، لكنها تعود إليك.
اطرد الطبيعة ترجع إليك خببًا.
يكبح كلٌّ من الدين والنازع الأخلاقي قوة الطبيعة، لكنهما لا يستطيعان تحطيمها. السكِّير المعزول في الدير، الذي تُقَلَّل حصته إلى ربع لتر من عصير التفاح المخمَّر في الوجبة لن يعود يثمل؛ لكنه سيظل يحب الخمر.
تُضعِف الشيخوخة الشخصية. إنها شجرة لا تنتج سوى ثمار سيئة، لكن الثمرة تبقى دومًا من الطبيعة نفسها. إنها متغضِّنة مُغطاة بالطحالب، وتُصبح وقد أكتلها الديدان؛ لكنها دومًا شجرة سنديان أو كمثرى. إن كان بمقدور المرء أن يغير شخصيته، فسيمنح نفسه شخصية تسيطر على الطبيعة. وهل يمكن أن يمنح المرء نفسه شيئًا؟ ألا نتلقى كل شيء؟ حاول أن تُحرك رجلًا كسولًا بنشاط مُتواصل؛ أن تجمِّد باللامبالاة نفس رفيقٍ طائش تغلي؛ أن تُلهم شخصًا آخر لا أذن له ولا ذوق بأن يتذوق الموسيقى والشعر؛ لن تنجح أكثر مما لو شرعت في منح البصر لمن وُلد أعمى. نحن نُكمل ونُرقق ونُخفي ما وضعته الطبيعة بداخلنا؛ لكننا لا نضع أي شيء بداخلنا على الإطلاق.
قال امرؤٌ لفلاح: «لديك سمكٌ أكثر مما ينبغي في تلك البركة، لن يَكبر؛ هناك ماشية أكثر مما ينبغي في مرجك، والعُشب يتناقص، وستُصبح تلك الماشية نحيفة.» حدث بعد هذا التحذير أن التهم سمك الكراكي أكثر من نصف أسماك المبروك لدى صاحبنا، وأن التهمت الذئاب نصف أغنامه؛ فسَمِنت البقية. أيُمكن أن يهنئ نفسه على تدبيره؟ هذا الريفي هو أنت؛ فإحدى عواطفك التهمَت العواطف الأخرى، بينما تَعتقد أنك انتصرت على نفسك. ألا نشبه جميعًا هذا الجنرال العجوز الذي بلَغ التسعين من عمره إذ يلتقي بعض الضباط الصغار وهم يَزنون مع بعض الفتيات؛ فيقول لهم بغضب: «أيها السادة، أهذه هي القدوة التي منحتكم إياها؟»