الديمقراطية
لا توجد مقارنة عادةً بين جرائم العظماء الذين دائمًا ما يكونون طموحين وبين جرائم الناس الذين دائمًا ما يريدون الحرية والمساواة ولا يمكنهم أن يريدوا سواهما. هاتان العاطفتان؛ الحرية والمساواة لا تؤديان مباشرة إلى الافتراء والنهب والاغتيال والتسميم وتخريب أراضي الجيران … إلخ، ولكن الشخص الطموح، مع جنون السلطة، قد يَنغمس في كل تلك الجرائم، بصرف النظر عن الزمان والمكان.
لذلك، فالحكومة الشعبية بذاتها تُعد أقل شرًّا وأقل بشاعة من السلطة الاستبدادية.
ليست الرذيلة العُظمى للديمقراطية بالتأكيد هي الطغيان والوحشية. ظهَر جمهوريون قاطنو جبال مُتوحِّشون، لكن ليست الروح الجمهورية هي التي صنعت ذلك، وإنما هي الطبيعة.
الرذيلة العُظمى للجمهورية المتحضِّرة يمكن أن نجدها في الأسطورة التركية عن التنين ذي الرءوس العديدة، والتنين ذي الأذيال العديدة. تُصيب الرءوس العديدة بعضها بعضًا، وتطيع الأذيال الكثيرة رأسًا واحدًا يودُّ أن يلتهم كل شيء.
تبدو الديمقراطية مناسبة لبلد صغير جدًّا فقط، فضلًا عن أنه لا بد وأن يكون في موقعٍ جيد. ومهما يكن صغيرًا؛ فسيَرتكب أخطاءً كثيرة؛ لأنه سيكون مكوَّنًا من البشر. سيسود النزاع هناك كما يحدث في دير؛ لكن لن تكون ثمة مذبحة يوم سان بارثولوميو، ولا مذابح أيرلندية، ولا صلاة غروب صقلية، ولا محاكم تفتيش، ولا مصادرة سفن شراعية لحُصولها على بعض الماء من البحر دون أن تدفع ثمنه، إن لم يفترض المرء أن هذه الجمهورية مكوَّنة من شياطين في ركن من الجحيم.
يتساءل المرء كل يوم: هل الحكومة الجمهورية أفضل من حُكم ملك؟ دائمًا ما ينتهي الخلاف بالاتفاق على أن حكم البشر صعب للغاية. اتخذ اليهود الرب نفسه سيدًا؛ فانظر ما حدث لهم بسبب هذا: دائمًا تقريبًا ما هُزموا وصاروا عبيدًا، واليوم ألا تجد أن لهم شأنًا؟