عن المسرح الإنجليزي
ألقيتُ نظرة على طبعة لأعمال شكسبير أصدرها السيد صمويل جونسون. رأيت فيها أن الأجانب المدهوشين من أنه في مسرحيات شكسبير العظيم يلعب عضو مجلس شيوخ روماني دور المُهرِّج، ويظهر ملكٌ ثملًا على خشبة المسرح، يُعامَلون على أنهم ضعاف العقول. لا أود أن أتَّهم السيد جونسون بأنه مُهرِّج بائس، وأنه شديد الولع بالخمر؛ لكنني أجد غرابة في أنه يحسب المزاح والسُّكْر من جماليات المسرح التراجيدي، والسبب الذي يقدمه ليس أقل فرادة، وهو أن الشاعر يَحتقر التمييزات العرضية للظروف والبلد، مثله مثل الرسام الذي؛ إذ يقنع برسم الشخص، يُهمل الثياب. ستكون المقارنة أكثر عدلًا لو أنه كان يتحدَّث عن رسام ينبغي أن يُدخل في موضوع نبيل تشوُّهات سخيفة، ينبغي أن يرسم الإسكندر الأكبر راكبًا حمارًا في معركة أربيلا، وزوجة داريوس تحتسي الخمر في حانة مع الدهماء.
لكنَّ ثمَّة شيئًا أغرب من كل ما سبق؛ وهو أن شكسبير عبقري. اعتبر الإيطاليون والفرنسيون ورجال الأدب في كل البلاد الأخرى، الذين لم يقضوا بعض الوقت في إنجلترا، أنه مجرَّد بهلوان، وأنه مُهرِّج أدنى بكثير من هارلكوين، وأنه أكثر المُهرجين الذي أضحكوا الجمهور جدارة بالسخرية. غير أن المرء يجد في أعمال الرجل نفسه ما يَسمو بالخيال، ويُثير القلب في أعماقه. إنها الحقيقة، وإنها الطبيعة نفسها التي تتحدث بلغتها بلا زيف. إنه من التسامي، ولم يسعَ إليه الكاتب على الإطلاق.
ماذا يُمكن للمرء أن يستنتج من ذلك التناقض بين الجلال والدناءة، وبين المنطق السامي والحماقة الفظة، باختصار من بين كل التبايُنات التي نجدها في أعمال شكسبير؟ نستنتج أنه كان من الممكن أن يكون شاعرًا عظيمًا لو أنه عاش في وقت أديسون.
ربما كان أديسون الشهير الذي ازدهر في أيام الملكة آن هو الوحيد من بين كل الكُتاب الإنجليز الذي عرف جيدًا كيف يُهدي العبقرية بالذوق. كان لديه أسلوب سليم، ومخيِّلة حكيمة في التعبير، وأناقة، وقوة وبساطة في شِعره ونثره. ولما كان صديقًا للياقة والنظام، أراد أن تُكتب التراجيديا بعظمة، وهكذا أُلِّفت تراجيديته «كاتو».
من الفصل الأول نرى أشعارًا تُضارع أشعار فرجيل، وأحاسيس تُضارع أحاسيس كاتو. ما من مسرح في أوروبا لم يُصفَّق فيه لمشهد جوبا وسيفاكس بوصفه عملًا رائعًا يُظهر المهارة والشخصيات المتطورة تطورًا جميلًا، والتباينات المُتقَنة، والصياغة النقية والنبيلة. صفَّقت أوروبا الأديبة التي تعرف ترجمات هذا العمل حتى للسمات الفلسفية التي امتلأ بها دور كاتو.
حظيَ هذا العمل بالنجاح الأعظم الذي استحقَّه جمال تفاصيله، وضمنتْه له اضطرابات إنجلترا التي كانت هذه التراجيديا في أكثر من موضع تلميحًا مُذهلًا لها. لكن مع انتهاء دلالات هذه التلميحات، وكون الشعر جميلًا وحسب، والحِكَم نبيلة وعادلة وحسب، والنص باردًا، لم يَعُد الناس يشعرون إلا بالبرود. ما من شيء أجمل من المقطع الثاني من قصيدة فيرجيل؛ ولكنها ستبعَث على الملل إذا ما تُليت على المسرح. على المسرح، لا بد من وجود العاطفة، والحوار الحي، والفعل. سرعان ما عدا الناس إلى غرابات شكسبير الآسرة على فجاجتها.