حدود العقل البشري
سأل شخص نيوتن ذات يوم لماذا مشى حينما أراد ذلك، وكيف تحرَّكت ذراعه ويده انصياعًا لإرادته. أجاب ببسالة بأنه ليست لديه فكرة. قال مُحاوره: «لكن على الأقل أنت يا من تفهم جيدًا جاذبية الكواكب ستُخبرني لماذا قد تتحرَّك الكواكب في اتجاهٍ ما، لا في آخر!» وأعلن مرة أخرى أنه ليست لديه فكرة.
هؤلاء الذين درَّسوا أن المُحيط كان مالحًا خشية من أن يُصبح عفنًا، وأن المد والجزر صُنعا لجلب سفننا إلى الميناء (الأب بلوش في كتاب «منظر الطبيعة») أصابهم الخِزي بعض الشيء حينما رُدَّ عليهم بأن للبحر المتوسط موانئ وليس به مَد. سقط موشينبروك نفسه في ذلك السهو.
هل استطاع أيُّ شخص قطُّ أن يُخبرنا بدقة كيف يُحَوَّل غصنٌ على نيران الموقد إلى كربون مُحترق، وبأية آلية يشتعل الجير بالماء العذب؟
هل يُفهَم المبدأ الأول لحركة قلوب الحيوانات فهمًا سليمًا؟ هل يعلم أحد بوضوحٍ كيف يحدث التكاثر؟ هل خمَّن أحدٌ ما الذي يمنحنا الإحساس والأفكار والذاكرة؟ نحن لا نفهم جوهر المادة بأيِّ قدر أكثر من فهم الأطفال الذين يلمسون سطحها.
مَن سيُعلِّمنا بأيِّ آلية تنمو مرة أخرى حبوب القمح التي نرميها على الأرض لتنتج سيقانًا محمَّلة بسنابل القمح، وكيف تنتج التربة نفسُها تفاحة في أعلى تلك الشجرة، وكستناءة في الشجرة المُجاورة؟ قال كثير من المعلمين: «ما الذي لا أعلمه؟» واعتاد مونتين أن يقول: «ما الذي أعلمه؟»
أيها الزميل الحاد بقسوة، المعلم كثير الكلام، المنظِّر الفضولي، يا من تبحث عن حدود عقلك؛ إنها عند طرَف أنفك.