الترف
ألقى الناس خطبًا ضد الترف طوال ألفَي عام، شعرًا ونثرًا، وسعد به الناس دومًا.
ما الذي لم يَذكره الناس عن الرومان الأوائل حينما نهب أولئك اللصوص المحاصيل وسلبوها؛ حينما دمَّروا، من أجل توسيع قريتهم الفقيرة، قُرى الفولسيك والسامنيت الفقيرة؟ كانوا نزيهين وفضلاء! لم يكونوا بعدُ قادرين على سرقة الذهب أو الفضة أو الأحجار الكريمة؛ لأنه لم يكن يوجد أيٌّ منها في البلدات الصغيرة التي نهبوها. لم تكن أحراجها ولا مستنقعاتها تنتج طيور الذيَّال ولا طيور الحجل، وامتدح الناس اعتدالهم.
حينما نهبوا كل شيء بالتدريج، وسرقوا كل شيء من أقصى الخليج الأدرياتيكي حتى الفرات، وحينما كان لديهم من الذكاء ما يكفي ليستمتعوا بثمار ما نهبوه؛ وحينما بدءوا في تهذيب الفنون، وحينما ذاقوا كلَّ المُتع، وحينما خبا تذوُّقهم لها، توقفوا عن تذوقها كما يُقال لكي يكونوا أناسًا حكماء وشرفاء.
كل تلك الخُطب تُختزَل في إثبات أن السارق يجب ألا يتناول أبدًا العشاء الذي أخَذه، أو ألا يرتدي المِعطَف الذي سرقه، أو ألا يُزيِّن نفسه بالخاتم الذي سلبه. يجب عليه أن يُلقي بكل ذلك في النهر — كما يقول الناس — كي يعيش نزيهًا. قل بالأحرى إنه كان يجب ألا يَسرق. اشجب اللصوص حينما يَنهبون؛ لكن لا تُعاملهم على أنهم بلا إحساس حينما يَستمتِعون. بأمانة، حينما اغتنى عدد كبير من البحارة الإنجليز عند الاستيلاء على بوندشيرى وهافانا، هل كانوا مُخطئين إذ استمتعوا بعد ذلك في لندن ثمنًا لما واجهوه من متاعب في أعماق آسيا وأمريكا؟
يصل المرء إلى الموت بالافتقار إلى كل شيء، وكذلك بالاستمتاع بما يجعل الحياة مُمتعة. يعيش الهمَجي الكندي، ويبلغ الشيخوخة مثله مثل المُواطن الإنجليزي الذي يُقدَّر دخله بخمسين ألف جنيه، ولكن من ذا الذي سيُقارن أرض الإيروكواس بإنجلترا؟
إن كنت تفهم الترف على أنه الإفراط، فالجميع يَعرفون أن الإفراط بأي شكل قاتل، سواء أكان إفراطًا في الزهد أم في النهم، في الاقتصاد كما في الكرم. لا أعلم كيف حدث أنه في قريتي؛ حيث الأرض جحودة، والضرائب ثقيلة، وحظر تصدير الحبوب التي زرعها المرء لا يُطاق، يَصعُب أن تجد مع ذلك زارعًا ليس لديه معطف من قماش جيد، أو لا يَنتعِل جيدًا، أو لا يتغذى جيدًا. إن كدح ذلك الفلاح في حقله مُرتديًا معطفه الجيد من الكتان الأبيض، وشعره مصفَّف بشكلٍ جميل، فهذا رفاهية زائدة عن الحد بالتأكيد، بل يُعتبَر شيئًا غير ملائم بالمرة، ولكن أن يذهب أحدُ بورجوازيي باريس أو لندن إلى المسرح مُرتديًا زي فلاح، فسيُعَد هذا أشد التقتير سخفًا وفظاظة.