الدموع
الدموع هي لغة الأسى الصامتة. ولكن لماذا؟ ما العلاقة بين فكرة حزينة وبين ذلك السائل المالح الشفَّاف الذي يرشح عبر غدة صغيرة في الزاوية الخارجية من العين، ويُرطِّب الملتحمة والنقاط الدمعية الصغيرة، ومنها ينحدر داخل الأنف والفم عبر خزانة يطلق عليها الخزانة الدمعية وقنواتها؟
لماذا تكون استثارة الدموع بفعل الحزن أسهل كثيرًا لدى النساء والأطفال الذين تكون أعضاؤهم جزءًا من شبكة هشة رقيقة، منها لدى الرجال الناضجين ذوي النسيج الأقوى؟
هل شاءت الطبيعة أن تُولد فينا الشفقة لرؤية تلك الدموع التي ترققنا، وتقودنا لمساعدة أولئك الذين يسكبونها؟ المرأة التي تنحدر من جنسٍ همَجي مجبولة على مساعدة طفل يبكي مثلما تفعل امرأة من الحاشية، وربما بقدرٍ أكثر؛ لأن لديها مُلهيات ورغبات أقل.
لكل شيء في الجسم الحيواني غرض بلا شك؛ فلِلعُيون تلك العلاقة الواضحة، المؤكَّدة والمحبَّبة بأشعة الضوء. هذه الآلية مقدسة حتى إنها تغريني باعتبار الوقاحة التي تُنكر العلل الغائية لبِنية أعيُننا هذيانًا من الحمى المستعرة.
لا يبدو أن لاستخدام الدموع هدفًا محددًا ومدهشًا هكذا، لكن سوف يكون جميلًا أن تجعلها الطبيعة تنهمر لتبعث فينا الرحمة.
من النساء من يُتَّهمن بأنهن يبكين متى يرغبن. لا تدهشني على الإطلاق موهبتهن. فيُمكن لمخيلة حية حساسة رقيقة أن تُثبِّت نفسها على هدفٍ ما؛ على ذكرى ما حزينة، وتصورها بألوان آسرة، لدرجة أنها تعتصر الدموع منها. هذا ما يحدث للكثير من المُمثِّلين والمُمثلات، خاصة على خشبة المسرح.
النساء اللاتي يُحاكينهن في بيوتهن يُضفِن إلى هذه الموهبة القليل من الاحتيال بالتظاهُر بأنهن يبكين على أزواجهن بينما هنَّ في الحقيقة يبكين على عشاقهن، دموعهن حقيقية ولكن الغرض منها زائف.
قد يسأل أحدهم: ولماذا قد يبكي الرجل على المسرح عند تمثيل هذه الأحداث والجرائم وهو مَن شاهد أكثر الأحداث وحشية بعينٍ جافة، بل وارتكب جرائم بدم بارد؟ هذا لأنه لا يراها بالعينين نفسيهما، ولكن يراها بأعيُن المؤلِّف والمُمثل. لم يعد الرجلَ نفسه. كان قبل ذلك همجيًّا مهتاجًا بعواطف غاضبة حينما شاهد امرأة بريئة قتيلة، وحينما لطَّخ نفسه بدم صديقه. كانت روحه مملوءة باضطرابٍ عاصف، وها هي هادئة، فارغة، تعود إليها الطبيعة؛ فيذرف دموعًا نقية. وهذه هي الميزة الحقيقية، هذا هو النفع العظيم للمسارح. هناك قد أُنجِز ما لم يكن من المُمكن إنجازه أبدًا بالخطب الباردة التي يُلقيها الخطيب، وتجعل الجمهور كله يشعر بالملل لساعة من الزمن.
ربما ذرف الدمع ديفيد المشرِّع الذي تسبَّب في مقتل كالاس البريء على العجلة وشاهده بلا عاطفة، لو شاهد جريمته في تراجيديا مكتوبة بحنكة وممثَّلة جيدًا.
لهذا السبب قال البابا لكيتو في افتتاحية مسرحية أديسون: «لم يعد الطغاة يَحتفظون بطبعهم الهمجي، وتعجَّب أعداء الفضيلة كيف بكَوْا.»