الفضيلة
(١) القسم الأول
يُقال إن ماركوس بروتوس قبل أن يقتل نفسه صاح بتلك الكلمات: «أيتها الفضيلة! ظننُتك شيئًا مهمًّا، لكنك محض سراب خاوٍ!»
كنتَ على حق يا بروتوس إن كنتَ اعتبرت الفضيلة أن تكون على رأس طغمة، وأن تقتل وليَّ نعمتك. لكن لو أنكَ اعتبرت أن الفضيلة تتألف فقط من فعل الخير لهؤلاء الذين يعتمدون عليك، لما سميتها سرابًا، ولما قتلت نفسك من فرط اليأس.
يقول حثالة علم اللاهوت هذا: أنا فاضل جدًّا لأن لديَّ الفضائل الأساسية الأربع، والثلاث المقدسة. يسأله رجل أمين: «ما الفضائل الأساسية؟» فيجيب الآخر: «القوة، والحكمة، والزهد، والعدل.»
الأمل لا يُمكن أن يكون فضيلة إلا إذا اعتبرنا الخوف كذلك. يخاف المرء ويأمل طبقًا لما يتلقاه من وعد أو وعيد. أما عن الإحسان، أفَهو ما فهمه اليونانيون والرومانيون عن الإنسانية، وحب الجار؟ هذا الحب لا يساوي شيئًا إن لم يكن فعَّالًا؛ ولذا ففعل الخير هو الفضيلة الحقيقية الوحيدة.»
(٢) القسم الثاني
ما الفضيلة؟ الإحسان للمخلوق الأخ. أيُمكنني أن أطلق اسم الفضيلة على أشياء أخرى بخلاف تلك التي تفعل الخير لي؟ أنا فقير وأنت كريم. أنا في خطر، وأنت تساعدني. أنا مخدوع وأنت تخبرني الحق. أنا مُهمَل وأنت تواسيني. أنا جاهل وأنت تعلِّمني. بلا صعوبة أدعوك فاضلًا، لكن ماذا سيصير أمر الفضائل الأساسية والمقدَّسة؟ سيبقى بعضها في المدارس.
ماذا يعنيني أن تكون زاهدًا؟ أنت تتبع نظامًا صحيًّا وسوف تتحسَّن صحتك، وأنا سعيد لسماع ذلك. لديك الإيمان والأمل وأنا ما زلتُ سعيدًا. سيجلبان لك الحياة الأبدية. فضائلك الدينية هي عطايا سماوية، وفضائلك الأساسية صفات ممتازة تستطيع أن ترشدك، لكنها ليست فضائل بالنسبة إلى إخوانك. يفعل الحكيم الخير لنفسه، لكن الفاضل يفعل الخير للإنسانية. كان القدِّيس بولس على حق حينما قال إن الإحسان يسود على الإيمان والأمل.
لكن هل ينبغي الإقرار بأن تلك الأمور النافعة لإخوان المرء هي وحدها الفضائل؟ أنَّى لي أن أقرَّ بأي أمور أخرى؟ نحن نعيش في مجتمع. يُمكن للمُعتكِف أن يكون حكيمًا، ورعًا، أن يكتسي بالوبر، أن يكون قديسًا، لكني لن أدعوه فاضلًا حتى يفعل بعض أفعال الفضيلة التي يستفيد منها الآخرون. ما دام وحيدًا، فهو لا يفعل الخير ولا يفعل الشر، ومن وجهة نظرنا فهو لا شيء. إن كان القديس برونو جلب السلام للعائلات، وسد العوز، فهو فاضل. وإن كان صام، وصلى في عزلة، فهو قديس. الفضيلة بين الناس هي تبادلٌ للحنان؛ ومَن لم يسهم في هذا التبادل فلا يُحسَب. لو أن هذا القديس كان في العالم، لفعل الخير، ولا شك، لكن ما دام أنه ليس في العالم، فسيكون العالم مُحِقًّا في رفْضِ مَنْحِه لقبَ الفاضل. سيكون هذا الرجل خيرًا لنفسه لا لنا.
لكنك تقول لي إن كان هذا الزاهد شَرِهًا سكِّيرًا غارقًا بنفسه في الموبقات السرية، فهو فاسد؛ ومن ثم فهو فاضل إن كانت لديه الصفات المناقضة لذلك. هذا ما لا أستطيع أن أوافق عليه. سيكون أخًا كريهًا إن كانت لديه تلك الأخطاء التي ذكرتها، لكنه ليس فاسدًا شريرًا مُستحقًّا للعقاب فيما يخص المجتمع الذي لا تضيره هذه الشوائن. يجب أن نضع في الاعتبار أنه إن كان له أن يعود إلى المجتمع فسوف يتسبب في أذًى هناك، وأنه سيكون فاسدًا جدًّا، بل إن احتمال أن يكون إنسانًا شريرًا، أكبر من التيقُّن من أن الزاهد الآخر الورع العفيف سيكون إنسانًا فاضلًا؛ ففي المجتمع تَتزايد الأخطاء، وتتقلَّص الخصال الحميدة.
يثار اعتراضٌ أقوى؛ ذلك أن نيرون والبابا ألكسندر السادس ووحوشًا أخرى من هذه الفصيلة جادوا ببعض الحنان. أجيب بصلابة إنهم حينئذ كانوا فضلاء.
تقول ثلة من اللاهوتيِّين إن الإمبراطور المقدَّس أنطونيوس لم يكن فاضلًا؛ وإنه كان رواقيًّا عنيدًا، وإذ لم يكن يتفق مع القادة، كان يرغب بدلًا من ذلك أن يكون هو محل تقديرهم؛ وإنه عزا لنفسه الخير الذي فعله للبشرية؛ وإنه كان طوال حياته عادلًا كادحًا محسنًا بالادِّعاء، وإنه لم يفعل سوى خداع الناس بفضائله.» سأقول متعجبًا: «يا إلهي! امنحنا دائمًا محتالين مثله!»