خاتمة البحث ونتائجه
وبعدُ، هذا هو الإمام أبو حنيفة في عصره وبيئته، وفي نشأته وحياته وسيرته، وفي ثقافته واتجاهه للفقه عن تروٍّ وقصد واستعداد فطريٍّ له، وتلك هي طريقته ومذهبه في الفقه، هذا المذهب الذي خلد إلى اليوم، والذي يتعبد به عشرات الملايين من المسلمين في جنبات العالم وأقطاره المختلفة.
وقد وصلنا من دراسة العصر الذي كان يعي فيه، إلى أن الفقهاء لم يكونوا يعيشون على هامش الحياة كما نعيش اليوم، بل كانوا يعرفون من الخلفاء والولاة وينكرون، وكان من هؤلاء من يقبل النصح والتوجيه، ومن يصدُّ عنه ويضيق به، ومن ثَمَّ، رأينا من الفقهاء عددًا غير قليل أوذي في سبيل بيان الحق ورفع الصوت به، وسواء في ذلك عهد الدولة الأموية، وعهد الدولة العباسية.
وقديما اتهم أبو حنيفة بكثرة قوله «بالرأي» وإعراضه عن النصوص من أحاديث الرسول ﷺ، وقد وصلنا إلى براءته من هذه التهمة، وذلك بعد البحث والتنقيب والموازنة بين الآراء والأقوال التي اختلفت في هذه المسألة اختلافًا شديدًا؛ فإن كتب أصحابه، وعماد الكثير منها آراؤه الخاصة التي أثروها عنه، مملوءة بالمسائل التي تركوا العمل فيها بالقياس وأخذوا بالآثار الواردة فيها، وبعض هذه الآثار كانت عن الصحابة رضوان الله عليهم، لا أحاديث للرسول نفسه ﷺ.
- (أ)
التيسير في العبادات والمعاملات.
- (ب)
رعاية جانب الفقير والضعيف.
- (جـ)
تصحيح تصرفات الإنسان بقدر الإمكان.
- (د)
رعاية حرية الإنسان وإنسانيته.
- (هـ)
رعاية سيادة الأمة ممثلة في الإمام.
وكان لا بد أن يختلف الفقهاء في ذلك العصر، عصر الاجتهاد، وقد عرفنا لِمَ كانوا يختلفون، وفيم كانوا يختلفون، مع تقدير كل منهم لرأي مخالفه، وأنهم جميعًا كانوا طلَّاب حق، وإن اختلفت بهم السُّبل والأدلة، وفي ذلك عبرة لنا وقدوة صالحة؛ فبهذا الاختلاف عن اجتهاد يتقدم الفقه، وبهذا وحده يرجع صالحًا حقًّا لحل مشاكل هذا العصر الذي نعيش فيه وكل عصر يجيء في المستقبل من الزمان.
وأخيرا رأينا مقدار أثر الإمام في أصحابه وتلاميذه وأتباعه، وفضل هؤلاء جميعًا على المذهب من ناحية أخرى، وكيف بدأ المذهب يأخذ طريقه للتطور والانتشار، حتى غدا على ما نعرف الآن قبل أن يقف به الجمود الذي مُنينا به منذ قرون، والذي نرجو ونلحُّ جاهدين أن نتخلص منه تمامًا بفضل الله تعالى.
رضي الله عن الإمام وأصحابه وتلاميذه وأتباعه، وعن سائر الأئمة الذين بينوا شريعة الله ورسوله، وقاموا على صيانتها وتثبيتها وتأييدها وأثابهم الله خير الجزاء.