أشجان الملِك!
– وماذا يمنع يا مولاي أن تجتمع لك أسباب السعادة، وأنت ولي الأمر في هذه البلاد، لا يملك أحد إلا طاعتك فيما تأمر وتنهى؟
– أكذلك تظنُّ يا قطز؟ فكيف لو علمتَ أنَّني لا أكادُ أنعمُ برؤية ولدي «علي» إلا مُستخفيًا وعلى حَذرٍ ورقبة، وقد تقطعت بيني وبين أُمِّهِ الأواصر فليست مني ولست منها؟!
– كيف يا مولاي وإنَّه لولدُك، وإنَّ أُمَّه لزوجك، وقد فرضَ عليك دينك أن تقسم بالسويَّةِ بين زوجتيك، وفرضتْ عليك المروءة أن تحتضن ولدك البكرَ لينشأ على عينك!
– وشجرةُ الدُّرِّ يا قُطز؟
– ما لشجرة الدُّرِّ ولهذا؟ أتُحرِّمُ عليك أن ترى زوجتك وولدك؟ فما هي إذن ذاتُ دينٍ ولا لها عليك حقُّ الزَّوجةِ!
– لا حقَّ الزَّوجة ولا حق الرعية يا قطز، إنَّ شجرة الدُّرِّ هي الملكة الحاكمة؛ وما زاد الملكُ المعز باعتلائه العرش شيئًا على ما كان أيبكُ الجاشنكير، على ذلك اتفقنا يوم خلعتْ نفسها وألبستني التَّاج والحُلَّة طاعةً لأمرِ الخليفة، وعلى ذلك عاهدتُها ولا زلتُ وفيًّا بما عاهدت!
– فليكن مكانها منك حيث شئتَ وشاءتْ مُقتضياتُ الحكم والسياسة؛ ولكنْ ما شأنُها بزوجتك وولدك؟ وكيف تَحولُ بينك وبينهما؟
– على ذلك اتَّفقنا أيضًا يوم رضيتني زوجًا ملكًا!
– على المعصية؟
– لا يا قطز، فقد اتفقنا يومئذٍ على أن أُطَلِّقَ أُمَّ ولدي لأخلص لها، ولكني لم أقوَ على ذلك، وتحسبني شجرة الدُّرِّ قد وفَّيتُ، فليستْ أم ولدي فيما تظن شجرةُ الدُّرِّ إلا مُطلقةً لا حقَّ لها.
– وولدُكَ علي؟
– كنتُ آمُلُ أن يكون لي ولدٌ من شجرة الدُّرِّ أتعوَّضُ به من علي وأوليه عهدي، ولكنها لم تَحبلْ ولم تلد!
– وحُرمتَ سُلطة الملك وسلطة الزوج وسلطة الأب، وحُرمتَ زوجتك وولدَك، ووأَدْتَ بنيك في صُلبِكَ حين ارتبطتَ إلى هذه المرأة العقيم لا تَخلصُ إلى غيرها من النِّساءِ والجواري، وكنتَ حَرِيًّا أن تتكثَّرَ من الأبناء ليكون لك عزوةٌ تسند عرشك وأنت على رأس دولةٍ يُرجى أن تتسلسل في الأبناء والحَفدَة على امتداد التاريخ!
– ولكنَّنِي أكرهُ أن أنكثَ بما عاهدتُها يا قطز.
– وعلامَ عاهدتَها؟
– أن أقطعَ ما بيني وبين أمِّ عليٍّ.
– فَلكَ مناصٌ يا مولاي من هذا العهد بزواجٍ جديدٍ!
– زواجٌ جديدٌ؟
– نعم، ولعلَّكَ أن تجد في الصهر الجديد جاهًا يَدْعَمُ عرَشك ويَشدُّ عزَمك؛ ولعلَّ زوجةً جديدةً أن تُنجِبَ لك وتُكثر ولدَك، ولعلَّ شجرة الدُّرِّ حين ترى لها ضَرةً أن تتنبَّهَ الأنثى فيها فتُعطيك مقادتَها لتكسبَ وُدِّكَ؛ فتعود لك بذلك سلطةُ الملك وسلطةُ الزوج وسلطة الأب وتسعد!
أطرق الملك المعز برهةً مُفكِّرًا، وأمسك غُلامه قطز وقد تعلَّقت عيناه بسيده، لا يعرف أين ينتهي به الفكر فيما عَرض عليه من مَشورةٍ.
ثم رفع أيبكُ رأسه إلى غُلامه قائلًا: ومَن تراه أهلًا لأن أصهر إليه يا قطزُ من ملوك المشرق؟
قال الملك المعز: كلتيهما يا قُطز! وقد رَخَّصَ اللهُ للمسلم في أربع حرائر!
وبعث الملك المعز منذ الغد رسولين إلى حماة والموصل.
•••
– وما لك أنت ولهذا يا بدر الدين؟ أفذلك من عِلم الحلال والحرام تريدُ أن تُبصِّرني به، أم هو قضاءٌ قضيته وما وليتُكَ قضاءَ مصر لتدخل بين الأزواج وزوجاتهم وتقتحمَ على سرائر الملوك!
– وَيْ! وتراني أيضًا لا علمَ لي ولا دين ولا سَعةَ ذرْعٍ!
قال الملك المعز مُحنقًا: ثمَّ ماذا يا شيخ؟
– ثم يكون ما تراه يا مولاي.
– فقد رأيتُ عَزْلكَ من قضاءِ مصر يا بدر الدين، فليس لك منذ اليوم رأيٌ ولا نصيحة!