أشواك على الطريق
وبلغ الملك الصالح بجيشه دمشق، فتلبَّث ينتظر ما يكون من أمْرِه وأمْرِ أمراء الأيوبيين في الشَّام، وما يأتيه من أنباء القاهرة.
وكان العادل في مصر قد ساء سيرةً وفسدَ سريرةً، وأسرف في بذل المال حتى أوشكت أن تنفد خزائنه، وقد غلبه أصحابه على رأيه، فأعطاهم مقادته يُصرِّفون الأمر في الدولة كيف يحلو لهم؛ ليفرُغ لشهواته ومباذله، واطَّرح أمراء أبيه وأقصاهم عن السلطة، وأمعن في مطاردتهم والميل عليهم.
وترامت إليه الأنباء بحركة أخيه الملك الصالح نجم الدين، فقبض على أصحابه واستصفى أموالهم، وألزمهم دورَهم أو ساقهم إلى معاقل الأسر، وقبض على الأمير فخر الدين بن الشيخ، وإنه وإخوته يومئذٍ لأعظمُ أمراء الدولة حُرمة وأرفعهم منزلة؛ إذ كانوا — فوق مكانتهم في العلم والدين وماضيهم المجيد في خدمة الدولة — إخوةَ أبيه الملك الكامل بالرضاع، وكان أحظَى لديه من سائر أمرائه وأدناهم إلى الشعب منزلة.
وضاق الناس بالعادل وثَقلتْ عليهم أيامه، فتوجَّهُوا بقلوبِهِم إلى المشرق يُؤَمِّلُونَ أن يطلعَ عليهم من هُناك من يُخَلِّصُهُم من بَغي ذلك الملك الصبي!
وترادفت الرسل على الملك الصالح نجم الدين أيوب.
•••
فراح يتودَّدُ إلى الملك الصالح نجم الدين، وإنَّ رُسُله ورسائله لتتردَّدُ في الوقتِ نفسه بينه وبين العادل في مصر.
وانحاز إليه طائفة من أمراء الشام، وبقي على الولاء للعادل أو للصالح طائفة، وآثرت طائفة ثالثة أن تعمل لنفسها أو تعتزل الطائفتين جميعًا، وغَصَّ الميدانُ الشاميُّ بأصحاب المطامع.
•••
وكان القمر يسطع في السَّماءِ قد أوشكَ أن يصيرَ بدرًا، وقد عكف المؤمنون على صَلوَاتهم، طَيِّبة نفوسُهم قريرةً أعينهم، قد امتلأت قلوبهم بِشرًا ومَسرَّة؛ فقد كانت تلك ليلةَ الثانيَ عشرَ من ربيع الأول، ذكرى مولد النبي الأعظم ﷺ.
وأقيمت الزينات الملوكية في القاهرة؛ فرحًا بخذلان عدو السلطان العادل وذهابِ أمره.
على أنَّ العادل لم يكن ليطمئن ويهدأ باله، وعدوُّه ما يزال حيًّا ولا سبيل له عليه، فبعث إلى الناصر بمالٍ جمٍّ على أنْ يسلم إليه أخاه ليقتله فيتخلَّص منه إلى الأبد!
ولكن النَّاصر لم يكن ليخدعه المالُ عن الأمل الكبير الذي يأمله، فبعث إلى العادل يطلب إليه أن يدع له عرش الشام خالصًا قبل أن يُسلم إليه أخاه!