إضاءة
غطَّت منجزات محمد جبريل في حقل الرواية والقصة القصيرة على جوانبه الأخرى؛ كاتبًا للمقالة، وصحفيًّا، وناقدًا أدبيًّا (ولو أنه لا يعد نفسه كذلك)، وباحثًا في علم الاجتماع الأدبي بكتابه الرائد «مصر في قصص كُتَّابها المعاصرين» الذي صدرت طبعته الأولى في ١٩٧٣م.
ويؤرخ جبريل لسقوط دولة الرجل بموقفٍ صغيرٍ، ذي دلالة رمزية، من ثلاثية نجيب محفوظ، في أواخر ثلاثينيات القرن الماضي؛ نزول أمينة من وراء المشربية إلى الطريق تزور حبيبها الحسين وابنتيها والقرافة، وتشتري احتياجات البيت، في حين يجلس أحمد عبد الجواد — ذلك المستبد القديم — في الموضع نفسه وراء المشربية، يكتفي بمتابعة حركة الطريق، وينتظر أوبة زوجته. هكذا تنعكس الأوضاع، ويتبادل طرفا المعادلة الأدوار، بما يحمله ذلك من دلالاتٍ حضارية ونفسية وسوسيولوجية على الصعيد الفردي والصعيد المجتمعي بدرجة متساوية.
وإذ يستقي جبريل أمثِلته من نماذج روائية وقصصية كثيرة تغطي بقاعًا مختلفة من العالم العربي (وهو يولي اهتمامًا خاصًّا للمجتمع المصري ومجتمعات الخليج والمغرب العربي) يحرص على ألَّا يكون انشغال الفنان/الفنانة بالدلالة/المقولة على حساب الأبعاد الفنية التي تجعل من النص الإبداعي نصًّا حقيقيًّا، وتنثر في ثنايا بحثه إحصاءات موثَّقة تدنو بنتائجه من اليقين (النسبي طبعًا)؛ بحيث يجتمع في هذا الكتاب حسُّ الفنان، ومنهجية عالِم الاجتماع، واستنارة المفكِّر التقدُّمي، الذي ينحاز إلى صف المرأة، مؤكدًا ما لها من حقوقٍ وما عليها من واجبات، دون إسرافٍ ولا عاطفية متهافتة ولا مفهومات مسبقة. وإنما موقفه ثمرة خبرة حياتية عميقة، وبُعدٌ بالطبيعة البشرية، ومتابعة يقِظة لحركة المجتمع، وكلها مصادر تغذو إبداعه القصصي وكتاباته النقدية سواءً بسواءٍ.