ملك تنظيف الأموال!
لم يترك رقم «صفر» ﻟ «عثمان» و«أحمد» فرصةً لمزيد من الدهشة، وأكمل قائلًا: لا بد أنكما قد تعلَّمتما من خلال العمل الطويل في المنظمة بألَّا يُفاجئَكم أيُّ خبر أو نبأ. وللحقِّ فإن حقيقة «أوزال أفران» قد فاجأَت الكثيرين وعلى أعلى المستويات. إن هذا الرجل التركي البليونير الذي يلقِّبونه بالأسطورة … قد اكتشفنا أنه أسطورة بالفعل، ليس لسببِ شركاتِه العديدة وحفلاته التي لا نهايةَ لها، بل لأننا اكتشفنا أنه ملكُ العمل السري وأغلب التجارات المحرَّمة … وأنه الزعيم أو الأب الروحي لكثير من رؤساء العصابات وزعماء المافيا … حيث إن العمليات الكبيرة لا تتم إلا بإذنه … وإنه بذلك يعيش بشخصيتَين … أو بوجهَين … ولا يعرف هذه الحقيقةَ غيرُ عدد من الأفراد … عددُهم يقلُّ عن أصابع اليد الواحدة.
عثمان: لقد كانوا يُلقِّبون هذا الرجل ﺑ «البليونير العصامي» …
رقم «صفر»: هذا صحيح تمامًا، وبداية هذا الرجل الأسطورة كانت بدايةً عادية جدًّا … فهو لا يحمل أية شهادات علمية … كانت ولادته في مدينة «أنقرة» بتركيا منذ خمسين عامًا … واشتغل في مِهَنٍ عديدة، منها شيَّالًا بالميناء … ثم بحَّارًا … وبهذه الصفة الأخيرة دار حول العالمِ كلِّه، ثم استقر في «نيويورك» ليبدأ مشروعًا صغيرًا برأسمال صغير … ثم توالَت المشاريع والأرباح بسرعة هائلة … حتى تحوَّل «أوزال» إلى ما هو عليه الآن.
أحمد: وتجارته المحرَّمة … متى بدأت؟
رقم «صفر»: لسنا نشكُّ في أنه بدأ مبكرًا … وأن تلك البداية كانت عملَه كبحَّار، وأنه كان يقوم بتهريب شحنات صغيرة من المخدرات بصفة شخصية لحساب بعض التجار الصغار. ومع الوقت اتسعَت أعمالُه ونشاطه، وساعده بعضُ رجال المافيا في الاستقرار ﺑ «نيويورك» عاصمة الجريمة، وصار «أوزال» صاحبَ تجارة أيضًا. ولا شك أنه بدأ صغيرًا في تجارة المخدرات ثم اتسع نشاطُه شيئًا فشيئًا وتضاعفَت أرباحُه آلاف المرات … على حين كان نشاطه الظاهري في الاستيراد والتصدير والصحافة والسينما، كلُّ هذا كان يُضفي عليه مظهرًا محترمًا … خاصة وأن كثيرًا من رؤساء العالم وعظمائها من أصدقائه، وهم بالطبع لا يدرون شيئًا عن حقيقته.
أحمد: من العجيب أن يعمل هذا «التركي» الأسطورة وحدَه ويؤمِّن نفسَه بذلك القَدْر، دون أن يدريَ أحدٌ عنه شيئًا!
رقم «صفر»: ومَن قال ذلك؟! … البعضُ يعرفون حقيقةَ «أوزال»، وهذا البعض يُفترَض فيهم أنهم رجالُ أمنٍ وحماية … ومن صميمِ عملِهم كشفُ أمثاله … غير أن هؤلاء البعض يقومون بحماية هذا الرجل وتقديم العون إليه لأقصى حد.
أحمد: هذا مذهل! … ومَن هم هؤلاء البعض؟
رقم «صفر»: إنهم رؤساء أقوى جهاز مخابرات في العالم … وقد يبدو ذلك التعاونُ عجيبًا في نظر الكثيرين، غير أننا لو عرفنا أن «أوزال» لا يتاجر في المخدرات فقط، بل وفي الأسلحة أيضًا بأرقام تفوق صادرات بعض الدول الكبرى … عندئذٍ سيذهب عجبُنا.
عثمان: هل تقصد أن «أوزال» يعمل لحساب جهاز المخابرات لتلك الدول القوية؟
رقم «صفر»: بالضبط … فهذه الدول أحيانًا ولأسباب سياسية لا تستطيع إمدادَ دولة أخرى أو جيش ما بالسلاح … ومن ثَم تطلب من «أوزال» أن يفعل ذلك … وفي المقابل فإنها تتغاضَى عن أنشطته الأخرى.
عثمان: يا لَها من صفقة بشعة!
رقم «صفر»: أما الأكثر بشاعة فهو ما ستعرفانِه حالًا … إن الجميع يعرفون أن بلادنا العربية مستهدفةٌ أكثرَ من غيرها لحرب المخدرات. وقد ثبت لنا أن جزءًا كبيرًا من المخدرات يأتي عبر قنوات هذا «التركي الأسطورة»؛ حيث يتخذ رجالُه من الوطن العربي مسرحًا كبيرًا لنشاطهم … ليس هذا فقط، بل أغلب صادرات الأسلحة لهذا الرجل تأتي إلى عالَمنا العربي أيضًا … وبالتحديد تتجه إلى بُؤَر الصراع فيه … فمثلًا تتجه الأسلحة إلى «لبنان» أو «جنوب السودان» أو غيرها …
عثمان: هذا مذهل!
رقم «صفر»: إن بعض الأيادي والدول التي تتظاهر بأنها تريد حلَّ مشكلة «لبنان» المشتعل، هذه الدول هي نفسها التي تُرسل السلاح بواسطة «أوزال» لكل المتحاربين ولكل الجبهات، والميليشيات في «لبنان» لكيلا تهدأَ الحربُ فيها وتظل مشتعلة دائمًا فيظل العالَم العربي في حالة صراع وتمزُّق مستمر. وهو نفسُ الشيء الحاصل في جنوب السودان … ويقوم «أوزال» بتوريد كافة أنواع السلاح لهذه المناطق المشتعلة … أما الثمن فهو لا يقبضه نقودًا … بل مخدرات … فأنتم تعرفون أن مناطق كبيرة في «لبنان» تُزرَع بالمخدرات حيث تكون هي الثمن لذلك السلاح الذي تحصل عليه الميليشيات … ومن ثَم فإن تلك المخدرات التي يقبضها «أوزال» ثمنًا لأسلحته، يقوم ببيعها مرة أخرى وتهريبها إلى بقية الوطن العربي … في خطة مزدوجة للقضاء على شبابه واقتصاده …
وسادَت لحظاتُ صمتٍ قصيرة بعد حديث رقم «صفر» كأنه يعطي ﻟ «أحمد» و«عثمان» فرصةً لاستيعاب ما قاله. وكان ما قاله رقم «صفر» خطيرًا بالفعل إلى درجة مذهلة لا تخطر على بالِ إنسان.
هتف «عثمان» في حنَق: هذا الشيطان المجرم … يجب التخلص منه على الفور.
رقم «صفر»: ليس في الوقت الحاضر … قد يكون ذلك هو مهمتكما القادمة … فهذا الرجل يعيش تحت حراسة هائلة في ضَيْعته ﺑ «نيويورك» أو في ضَيْعته الأخرى في «سويسرا»، ونحن سوف نضع الخطة اللازمة للوصول إلى رأسه … بلا مخاطرة من جانبنا … ولكن هناك مهمة أخرى لكما يجب القيام بها الآن … وفورًا.
أحمد: ونحن مستعدون لها تمامًا.
رقم «صفر»: أنتما تعرفان أن الأمور يسودُها الهدوء حاليًّا في «لبنان». وأن كافة الأطراف المتصارعة تسعَى إلى الحل السلمي بعيدًا عن القتال، وربما يرجع ذلك أساسًا إلى نقصِ السلاح لدى كافة الأطراف بعد العديد من الجولات القتالية التي استنفدَت فيها كلُّ الميليشيات ذخيرتَها … وهذا هو ما نتمنَّاه جميعًا … أن يسودَ السلام في «لبنان»، ويتصالح كلُّ الأطراف، غيرَ أن بعض القوى العالمية ليس لها نفسُ الهدف … ومن ثَم فقد دفعَت بعميلها أو بمخلب القط «أوزال» إلى العمل.
عثمان: إذن فهناك شحنة أسلحة جديدة … في طريقها إلى «لبنان».
رقم «صفر»: بالضبط. وهذه الشحنة يُشرف عليها «أوزال»؛ فهناك سفينة كبيرة رابضة بميناء «نيويورك» يجري شحنُها في سرية تامة بكل أنواع الصواريخ والمدافع والقنابل، ومنها أنواع متطورة جدًّا كفيلة بإشعال الصراع ليس في «لبنان» فقط، بل في الشرق الأوسط بأكمله، وسوف ينتهي شحنُ هذه السفينة غدًا مساءً دون أن تدريَ السلطات الأمريكية عنها شيئًا؛ لأن قوانينها تمنع شحنَ السلاح إلى أماكن الصراع الملتهبة. ولكن بالطبع هناك مَن يتحايلون على القانون، «أوزال» هو خيرُ مَن يفعل ذلك؛ ولهذا فإنه يجب منعُ وصولِ هذه السفينة الضخمة إلى «لبنان» بأي ثمن.
أحمد: سنفعل ذلك بكلِّ تأكيد ولو اضطررنا إلى نسْفِها في الميناء.
رقم «صفر»: إنني أثقُ في قدرتكما. لقد اخترتُكما وحدَكما لهذه المهمة؛ لأن الخطة التي وضعتُها تتطلَّب منكما العملَ كبحَّارَين على السفينة ومرافقتها في رحلتها إلى بيروت … وخلال هذه الرحلة عليكما بمنع وصول هذه السفينة إلى المنطقة العربية بأيِّ ثمن، حتى ولو لزم الأمر بنسفها كما قال «أحمد».
عثمان: هل هناك خطة تسهِّل لنا الالتحاق بهذه السفينة للعمل بها كبحَّارة؟
– لا … إنني أترك ذلك لكما … وأنا واثقٌ من كفاءتكما … إن هناك مقعدَين محجوزَين لكما في الطائرة المتجهة إلى «نيويورك» بعد ساعة … وفقكما الله.
نهض رقم «صفر» من مكانه وسَمِع الشيطانان أصواتَ أقدامه وهي تُغادر المكان. وتلاقَت عينَا «أحمد» و«عثمان»، وقد لمع بريقُ التصميم والتأهب للمهمة القادمة التي طال انتظارُها.