الفصل العشرون
في السادس عشر من شهر تشرين الأول، الساعة التاسعة صباحًا، أُعْلِنت الحرب في جنوب ليبزيك على يد أمير شوارتزنبرج، إلَّا أنه لم تلبث أن أصبحت حربًا عامَّة اشترك فيها مائتا مدفع. جنح النصر في بادئ الأمر إلى جهة الحلفاء الذين كانوا يهدِّدون قريتَيْ مركليبرج ودوليتز وتمكَّنوا من إضعاف ميمنة الفرنسيين، وإذا بمشاة بونياتووسكي وأوجرو وخيَّالة الجنرال ميلهو أُتِيح لها أن توقف انتصار العدوِّ عند حدِّه، في حين كان فيكتور ولوريستون يحافظان، في الوسط، على فاشو ولبيبر فلولكوتينر بالرغم من جهود أمير ورتنبرج والجنراليْنِ كورزاكوف وكلينو.
إلا أن الإمبراطور لم يكتفِ بذلك حتى يقاوم مقاومة صحيحة ويحافظ على مراكزه، فكان بحاجة إلى فوز باهِر وانتصار مؤكَّد، فأشار إلى مكدونالد وسيبستياني بأن يهجما على كلينو من اليسار، وأمر مورتيه بأن يذهب لدعم لوريستون بفرقتين من الحرس الحديث، وأرسل أودينو ليدعم فيكتور من اليمين، في حين كان كوريال زاحفًا إلى دوليبز ليعضد بونياتووسكي، وفي حين كانت مائة وخمسون مدفعًا من مدافع الحرس يديرها الجنرال دروو زاحفة لتحمي هذه الحركات المختلفة.
أُتِيح لجميع القوَّاد والجنود أن يحقِّقوا آمال القائد العظيم؛ فلقد تمكَّن فيكتور وأودينو أن يطردا أمير ورتنبرج حتى كوسا، وتمكَّن مورتيه ولوريستون أن يطردا فرقة كلينو، وقُدِّر لماكدونلد وسيبستياني وبونياتووسكي أن يقضوا على محاولات البروسيانيِّين والروسيين والنمسويِّين. فلما رأى الإمبراطور إسكندر أنه يوشك أن يخسر موقعة فاشو صحَّت عزيمته على أن يضحِّي، ليس بجيشه الاحتياطي فحسب بل بحرَّاسه أنفسهم، فأسرع إلى النقطة الأكثر خطرًا من سواها وأشار إلى الكوزاك من فرقة الحرس بأن هجموا على الخيَّالة الفرنسية، فهذه الجرأة المُدهِشة أنقذت جيش الحلفاء من انكسار تامٍّ، ولقد استرجع الكوزاك أربعة وعشرين مِدْفعًا من ستة وعشرين، كان الجيش الفرنسي قد غنمها من الروسيين، وظهر عقيب ذلك الجيش الاحتياطي النمسوي.
لم تنحصر المواقع في فاشو فقط بل سُمِع دويُّ المدفع في جهة لندنو والبارثا؛ فلقد خلص بلوخر إلى أن يلوي كتيبة مارمون في البارثا، أمَّا جيولاي فقد كان في لندنو أقل حظًّا من الجنرال برتران الذي دافع عن طريق فرنسا وأنقذه.
كانت الحرب أُعِيدَت في اليوم التالي لو لم تضطرَّ الأمطار الغزيرة والطرق الموحلة، التي أخَّرت وصول الجنرال بننكسن، أن يؤجِّل العدو القتال إلى الغد. في الثامن عشر من الشهر، عند بزوغ الفجر، كان الحلفاء يتأهَّبون للقتال، إلَّا أن الإمبراطور كان قد تنبَّأ عن كلِّ ذلك فصرف الليل بإعداد العدَّة، فكان يركض من خيمة إلى خيمة فيوقظ ناي في ريدنيتز، ويزور برتران في لندنو، ويعطي أوامره في جميع الأماكن.
في الساعة العاشرة دوَّت المدافع في جميع الجهات، وحوَّل الأعداء جهودهم نحو قريتي كونيوبتز وبروبستيد اللتين يعلِّقون على أخذهما ربح المعركة. حاولوا أربع مرات أن يستولوا على بروبستيد، وأربع مرَّات ارتدوا مقهورين. في الساعة الثالثة بعد الظهر كان الفوز لا يزال في جانب الفرنسيِّين، إلَّا أن حادثًا من تلك الحوادث التي لا يستطيع الفن العسكري أن يتنبَّأ عنها، والتي كثيرًا ما غدرت نابوليون منذ سنة في ساحات القتال، جرى على حين غرة، فقلب الأمور بطنًا على ظهر؛ انتقل الجيش السكسوني والخيَّالة الورتنبرجويَّة إلى جهة العدوِّ وأخذا يقاتلان معه، أما القائد العام زيشو، الذي بقي أمينًا للعلم الفرنسي، فلم يستطِع أن يبقى تحت قيادته إلَّا خمسمائة رجل. فهذا الانقلاب الفجائي الذي حدث في ساحة القتال نفسها فتح فراغًا عظيمًا في الصفوف الفرنسية، وأخلى للحلفاء المركز الخطير الذي عُهِد إلى الجيش السكسوني بالمدافعة عنه. وما هي إلَّا بعض ثوانٍ حتى تمكَّن العدو، وكان برنادوت، من عبور البارثا واحتلال ردينتز وأصبح على مسافة نصف فرسخ من ليبزيك، إلَّا أنَّ نابوليون وصل في تلك الآونة مع كتيبة من الحرس فأنعش وجوده حماس كتائبه، وما هي إلَّا ساعة حتى استُرجعت ردنيتز وعاد النصر إلى الجيش الفرنسي. ولكن في الساعة السابعة مساءً، جاء القائدان سوبيه وديلولوي إلى الإمبراطور، وأعلماه أنَّ ذخائر الحرب قد نفذت ولم يبقَ في حوزتهم منها إلا نزر قليل قد لا يكفي لإضرام القتال أكثر من ساعتين؛ كان الجيش قد أطلق في الخمسة أيام الماضية أكثر من مائتين وعشرين ألف قنبلة مِدْفع.
لم يبقَ لنابوليون في مثل هذا الموقف إلَّا أن يتقهقر من معابر لندنو، التي دافع عنها الجنرال برتران مدافعةً شديدة ضد فرقة جيولاي النمسوية. وفي الساعة الثامنة مساءً ترك الإمبراطور معسكره ودخل إلى ليبزبك، فبات في أحد الفنادق هناك؛ فندق عساكر بروسيا.
بينما كان الحرس يدافعون عن الضواحي تحت أسوار ليبزيك صوَّب السكسونيُّون مدافعهم على الكتائب الفرنسية من أعالي هذه الأسوار. كان جسر الألستر مُلغَّمًا، ولقد عُهِد إلى الكولونيل مونتفور بنسفه ساعة يمرُّ آخر صفٍّ من صفوف الجيش على الشاطئ الآخر حتى يتأخَّر زحف الأعداء، إلَّا أن الكولونيل مونتفور ظنَّ أن الفرنسيين قد عبروا جميعهم الجسر المُلغَّم فأشعل النار في الألغام وتهدَّم الجسر، قبل أن تمرَّ أربع فِرَق من الجيش كانت لا تزال في الضواحي. ما الذي سيحلُّ بهؤلاء البواسل الذين يقودهم ماكدونلد، رينييه، لوريستون وبونياتووسكي؟
لقد دهمهم العددُ الغفير فلم يبقَ لهم سبيل للمقاومة ولقد سُدَّت في وجوههم طريق التقهقُر على يد فرنسية! ألقى ماكدونلد نفسه في مياه الألستر ونجا سباحة، ودفع بونياتووسكي جواده إلى النهر فسقط في لجَّة ولم يظهر بعد ذلك؛ وتوارى رينيه ولوريستون عن الأنظار فظُنَّ أنهما قُتِلا أو غرقا! اثنا عشر ألف رجل قُتِلوا أو أصبحوا في قبضة الأعداء في ذلك الحادث المشئوم!
وما هي إلا ليلة وضحاها حتى كان الحلفاء أسياد ليبزيك؛ وجيء بملك السكس إلى برلين ليكفِّر عن أمانته لفرنسا، أمَّا برنادوت، الذي شاطر أعداء الاسم الفرنسي سكرة الانتصار، فقد جلس إلى خوان الملوك العظماء الذين يتابعون ضدَّ نابوليون تجديد الحقِّ الإلهي!
بعد أن أدَّى نابوليون إلى ضحايا هذه النكبة الفظيعة ما حقَّ لهم من الحزن والألم، حاكم في مجلس حربي الكولونيل مونتفور الذي أشار بنسف جسر الألستر على حين فجأة، ثم أكمل زحفه إلى أرفورث التي وصلها مع أركان الجيش في الثالث والعشرين من الشهر.
في الخامس والعشرين منه غادر الإمبراطور أرفورث وتابع سيره إلى الرين، فأقبل النمسويون والبافاريُّون لملاقاته وحاولوا أن يقطعوا عليه المرور في هانو، إلَّا أن نكبة ليبزيك لم تضعف من قوى الفرنسيين إلى درجة أنهم يعجزون عن قهر الحلفاء الخائنين الذين حاولوا أن يقطعوا عليهم خطَّ التقهقر؛ فسيمر الإمبراطور على بطون ستين ألفًا من النمسويين والبافاريِّين الذين يقودهم فريد ويحرسهم ثمانون مدفعًا. خسر البافاريُّون عشرة آلاف رجل في معركة هانو، وقتل ستَّة من قوَّادهم، فضلًا عن أنهم تركوا في قبضة المنتصر كثيرًا من المدافع والأعلام.
في الواحد من شهر تشرين الثاني وصل الإمبراطور إلى فرنكفور، فكتب منها إلى ماري لويز يبشِّرها بوصول عشرين علمًا استولي عليها في معارك فاسو وليبزيك وهانو؛ وفي اليوم التالي دخل إلى مايانس في الساعة الخامسة صباحًا حيث بقي عدة أيام يهتمُّ بتنظيم الجيش الذي سيعسكِر على خطِّ الرين، وسافر في الثامن منه ليلًا إلى فرنسا، وفي اليوم التالي، الساعة الخامسة مساءً، كان في سن كلود.
إن نابوليون، الذي كثيرًا ما عوَّد الباريسيين أغاني النصر والفتوحات الغرَّاء، رأى نفسه للمرة الثانية وفي مدة سنة واحدة يعود إلى عاصمته وقد خانه حلفاؤه والحظُّ وطاردته جيوش أوروبا جميعًا، ولم يبقَ لديه إلا بقايا جيش سقط في ساحة الشرف تحت طعنات الخيانة والقدر!
في الخامس عشر من شهر تشرين الثاني طلبت الحكومة تجنيد ثلاثمائة ألف رجل، فوافق أعضاء مجلس الشيوخ على هذا الطلب.
عندما وصل نابوليون إلى باريس انتهى إليه أن تحزُّباتٍ عدائية تحاول أن تضع يدها على إدارة الفرقة التشريعية، فاتَّخذ عندئذٍ سلطته الديكتاتورية، التي يجيد إدارتَها عندما تدعوه الظروف إلى ذلك، وأصدر مرسومًا يقضي بأن يُترَك له حقُّ اختيار رئيس هذه الفرقة، ووَقَع اختياره على الدوق ده ماسا. في التاسع عشر من شهر كانون الأوَّل سنة ١٨١٤ استلم نابوليون رسالة من كارنو يقول له فيها إنه ينضم إليه في خدمة مقاصده. يا للتبايُن الغريب! فإنَّ كارنو، الذي كان آخر عنصر من عناصر الجمهورية والذي بقي غريبًا عن أُبَّهة الإمبراطورية الجديدة، لم يطُلْ عليه الأمر حتى دنا من ذلك الذي قاوم سلطته وعظمته، في حين كان مورات، أحد أمراء الإمبراطورية الأُوَل وصهر نابوليون وصديقه القديم الذي غمره بالنعم ومَهَرَه بتاج عظيم، يغتنم الفرصة السانحة ليخون المُنعِم عليه ويهب النمسويين والروسيين نجدة تلك البسالة الفرنسية التي كثيرًا ما كانت شؤمًا عليهم.
في الخامس والعشرين من شهر كانون الثاني، الساعة الثالثة صباحًا، ترك الإمبراطور باريس وزحف لملاقاة الحلفاء الذين عزموا أن يشنُّوا الغارة على المقاطعات الشرقية، بعد أن أحرق أوراقه السرية وعانق امرأته وولده … للمرة الأخيرة! وفي السابع والعشرين منه وصل إلى سن ديزيير فطرد منها العدوَّ الذي مضى عليه يومان وهو يقترف جميع أنواع الرذائل، عند هذا فرح السكان فرحًا عظيمًا، وأظهر له الكولونيل بولان، وهو جندي مسنٌّ، عواطف الأهلين الذين تألَّبوا زرافات حول منقذهم الأعظم. وبعد مرور يومين استولى نابوليون على مدينة بريين وقصرها، اللذين كانا في قبضة بلوخر، بعد أن قتل من رجالة أربعة آلاف. أما البروسيون، فلكي يضمنوا تقهقرهم، أعملوا النار في المدينة.
إن موقعة بريين والدفاع عن الروتيير وديانفيل وجيبري افتتحا حملة ١٨١٤ افتتاحًا مجيدًا، إلَّا أن بلوخر وشوارتزنبرج كانا يهيِّئان قوَّاتٍ عديدة خشي نابوليون أن تُحِيط به، وتقطع عليه طريق عاصمته، إذا هو أصرَّ على البقاء في مراكزه في نواحي بريين. وكانت بعض الكتائب العدوَّة تتجه إلى سنس عن طريق بارسوو أُوب وأوكسير. في ذلك الحين شعر نابوليون بأنه من الواجب عليه أن يسرع لوضع باريس في مأمن من المداهمة، فانحدر إلى تروا، التي دخلها في الثالث من شهر شباط، ثم إلى نوجانت التي احتلَّها أركان جيشه في السابع منه، ولقد كانت غايته أن يفرِّق بين الجيشين البروسياني والنمسوي الكبيرين اللذين لم يكن يستطيع أن يقاتلهما معًا، فنجحت خطَّته هذه نجاحًا باهرًا في شانبوبرت في العاشر من شهر شباط، إلَّا أن طعناته سقطت هذه المرة على الروسيين. فإن القائد العام أوسووييف، الذي يقود اثنتي عشرة كتيبة، نُكِب نكبة فظيعة بأن أُخِذ أسيرًا هو وستة آلاف من رجاله وترك الباقين غرقى في أحد المستنقعات أو قتلى في ساحة الحرب، بعد أن ترك أربعين مدفعًا وجميع ذخائره في قبضة المنتصر.
في اليوم التالي كان دَوْر بلوخر؛ فلقد أدركه نابوليون في مونميرال وقاتله ساعتين متواليتين حمَّله فيهما خسائر لا يُحصَى عددها؛ وفي الغد فاز الفرنسيون فوزًا آخر، فلقد أُسِرت كتيبة من الأعداء كانت تحاول أن تحمي تقهقُر بلوخر، وذلك في شاتوتييري التي دخلها الفرنسيون مع البروسانيين والروسيين. بات نابوليون ليلته في قصر نيل … كانت بقايا جيوش الأعداء تسرع في تقهقُرها الذي كان يشبه الهرب فأدركها الفلَّاحون في الغابات، وأسروا منها عددًا غفيرًا جاءوا به إلى الفرنسيين. إلا أن هذه الجيوش المحالفة، وإن كانت تضعُف كلَّ يوم؛ فإنها لم تكن إلَّا لتزيد رغبةً في القتال؛ إذ إن أوروبا جميعها كانت تغذِّيها بكتائبها.
اضطر نابوليون، لكي يزحف لملاقاة الكتائب التي تتهدَّد باريس من جهة رنس وسولسون، أن يترك لبغض الملازمين العناية بردع شوارتزنبرج عن بلوغ شواطئ الأوب والسين، إلَّا أن الجنرال يسيم النمسوي، الذي لم يكن أمامه سوى قوَّاتٍ أقلَّ من قوَّاته بكثير، تقدَّم إلى الأمام بعد أن أوقفه الجنرال بورمون يومين كاملين تحت أسوار نوجانت. فلما بلغ الإمبراطور نابوليون تقدَّم شواتزنبرج ترك مارمون ومورتيه على شواطئ المارن وأسرع كوميض البرق إلى الجهة التي يتهدَّدها الجيش النمسوي. في السادس عشر من شباط وصل إلى شواطئ الأيبر، وفي اليوم التالي زحف إلى نانجي حيث كانت الفرقة الروسية، التي يقودها ويتجنستن، الذي جاء يعضد الجيش النمسوي البافاري، وكانت كتيبة روسية أخرى بقيادة الجنرال باهلن معسكرة في مورمانت، فقاتل الإمبراطور هذين القائدين وشتَّتهما أفظع تشتيت. عند هذا استولى الجنرال جيرار على قرية مورمانت التي دخلتها الفرقة الثانية والثلاثين بانتصار باهر، وأُتِيح للخيَّالة التي يقودها الجنرالان فالمي وميلهو، وتعضدها مدفعية الجنرال دروو، أن تخترق مربَّعات المشاة الروسيين وتستولي عليها بجملتها، وكانت تضمُّ أكثر من ستة آلاف رجل، أما القائد العام ويتجنستن فقد نجا بنفسه وهرب إلى نوجان، وكان أعلن أنه سيكون في باريس في الثامن عشر من الشهر.
صرف الإمبراطور الليلة التي بين السابع عشر والثامن عشر من الشهر في قصر نانجي، وقد عزم أن يزحف في اليوم التالي إلى مونترو، التي كان على فيكتور أن يتقدَّم الجيش النمسوي إليها ويستحكم فيها في السابع عشر مساءً. إلَّا أنه عندما مَثَل الجنرال شاتو أمام مونترو في الساعة العاشرة من صباح اليوم الثامن عشر، كان الجنرال بيانشي قد احتلَّ هذا المركز الخطير منذ ساعة، واستحكمت كتائبه على المرتفعات التي تغطي جسور المدينة؛ ولكن الجنرال شاتو، وإن لم يكن لديه من الرجال عددٌ غفير يوازي عددَ العدوِّ، إلَّا أنه لم يصغِ إلَّا إلى شجاعته وهاجم العدوَّ ببأس غريب فلم ينجح وارتد إلى الوراء؛ لأن الكتائب التي كان عليها أن تصل إلى مونترو في مساء اليوم المُنصرِم لم تكن قد وصلت كما تُوقِّع، سوى أن القوَّة التي أظهرها في الدفاع فسَّحت مجالًا لوصول كتائب أخرى يقودها الجنرال جيرار؛ وما هي إلا هنيهة حتى أقبل الإمبراطور فأعاد وجودُه الحميَّة والنشاط إلى صدور الكتائب، وهجم بنفسه بين كرات المدافع وقنابل البنادق، ولما سمع الجنود يُظهِرون استياءهم من تعرُّضه لهذا الخطر قال لهم: «هيَّا أيها الأصدقاء، ولا تخافوا؛ فإن القنبلة التي ستقتلني لم تُذوَّب بعدُ.»
كان العدوُّ قد جنح إلى سهول سورفيل عندما أرغمه الجنرال باجول أن يرمي بنفسه في مياه السين والأيون. أمَّا الحرس فلم يُحتَج إليهم ليشتركوا في القتال، ولم يظهروا إلَّا ليبصروا العدوَّ هاربًا في جميع الجهات، ويحضروا انتصار فرقتي جيرار وباجول. أما أهالي مونترو فقد اشتركوا في هذا الانتصار بأن أطلقوا بنادقهم من شرفات منازلهم على النمسويين والورتنبرجوازيين. لقد خسر الجيش الفرنسي خسارة أوجعت قلب الإمبراطور؛ فإن الجنرال شاتو أُصِيب بقنبلة قتَّالة على جسر مونترو، جزاء تلك البسالة النادرة التي أبرزها في المعركة.
بعد أن وزَّع نابوليون المكافآت على القوَّاد الذين أبلَوا بلاءً حسنًا في هذه المعركة التفت إلى الذين أبطئوا في زحفهم أو تهامَلوا في قيادتهم، فوبَّخ الجنرال مونبرن على تركه غاب فونتنبلو للكوزاك من غير مقاومة، إلَّا أن التوبيخ الذي خرج من فم نابوليون، وكان له دويٌّ في جميع أوروبا، وأثَّر تأثيرًا كبيرًا هو الذي وُجِّه إلى المرشال فيكتور. جاء في المذكِّرة ما يلي: «كان على الدوق ده بللون أن يصل إلى مونترو في السابع عشر مساءً، ولكنه توقَّف في سالنس، فهذه هفوة فظيعة؛ لأن احتلال جسور مونترو كان أتاح للفرنسيين أن يدركوا النمسوي مُنغمِسًا في الجريمة.»
ولم يكتفِ الإمبراطور بهذا التوبيخ العلني بل أرسل إلى المرشال فيكتور الإذن بالانفصال عن الجيش وسلَّم القيادة للجنرال جيرار. أمَّا فيكتور، الذي أحزنه موت صهره الجنرال شاتو الباسل، فلم يبقَ ساكنًا لدى هذا العزل، بل جاء إلى الإمبراطور وقال له: «إن المشقات التي كابدها الجيش إنما هي التي سبَّبت هذا التأخير.» وزاد على ذلك بقوله: إنه إذا اقترف هفوة فالطعنة التي حلَّت بأسرته كفَّرت عنها تكفيرًا عظيمًا، عند هذا تمثَّلت لنابوليون صورة شاتو المحتضر وفطرت قلبه، فاغتنم المرشال هذه السانحة ليقول له بشفقة: «أنا ذاهب لآخذ بندقية، فلم أنسَ مهنتي القديمة، وسترى فيكتور مصطفًّا في صفوف الحرس.» فالتوى نابوليون لدى هذه اللهجة النبيلة، وبسط له يده قائلًا: «إذن فابقَ يا فيكتور، لا أستطيع أن أُعِيد إليك جيشك لأنِّي سلَّمته إلى جيرار، ولكني أعطيتك كتيبتين من الحرس، فاذهب واسْتلِم قيادتهما.»
في الثالث والعشرين من شهر شباط دخل نابوليون إلى تروا …
انتهى إلى نابوليون وهو في تروا، أن الجنرال بلوخر يحاول الزحف إلى باريس فأسرع حالًا للدفاع عن عاصمته، وفي السابع والعشرين مساءً وصل إلى جوار مقاطعة لاوب والمارن فصرف الليل في هربيس، واستقرَّ في دَيْر هناك لا يحتوي إلَّا على غرفةٍ واحدة.
وفي اليوم التالي بلغه أن مورتيه ومارمونت اندحرا أمام بلوخر في طريق مولان، وجيش هذا كان يَرْبو على الجيش الفرنسي، فزحف مُسرِعًا إلى هذه الجهة وحمل أركان جيشه إلى قصر إسترني حيث صرف الليلة التي بين الثامن والعشرين من شهر شباط وأول آذار. كان الجيش العدوُّ قد أصبح على مقربة من باريس فأخذ نابوليون يفكِّر في الوسيلة التي تمكِّنه من إيقافه. أما بلوخر، فلمَّا علم بدنوِّ الإمبراطور، أخذ يحتال للتملُّص منه وهرب مسرعًا في طريق سولسون؛ عند هذا استلم مورتيه ومارمونت أمرًا بمطاردة البروسيانيِّين، فنفَّذاه تنفيذًا جميلًا؛ إذ إنَّ زحْفهما إلى سولسون، الذي كان موآزرًا زحْفَ الإمبراطور، حصر بلوخر بين جيشين فرنسيَّيْن أوشك البروسيانيُّون أن ينكسروا انكسارًا فظيعًا، حتى إن هربهم لم يكن ليستطيع أن يُوصِلهم إلَّا إلى تسليمٍ أو إلى مذبحة فظيعة تحت أسوار سولسون؛ ولكن الحكمة لم تكن تريد أن يتلاشى البروسيانيُّون؛ فعندما أوشك بلوخر أن يقع تحت طعنات الكتائب الفرنسية التي تحرجه وتزنِّره فتحت له سولسون أبوابها وكان عليها أن تقاومه.
كان نابوليون في فيسم لمَّا انتهى إليه ماذا جرى في سولسون فكان سَخَطه مُضارِعًا لدهشته، وأصدر حالًا مرسومَيْنِ؛ يأمر في الأول الفرنسيين جميعَهم بأن يسرعوا إلى السلاح لدى دنوِّ الأعداء، وضمَّن الآخر العقاب الذي يلحق بالخائنين لكلِّ موظف يحاول أن يبرِّد عزائم المواطنين.
كان المفوِّضون الإنكليز، في معاهدة جرت في شومون في أول آذار، قد أخذوا عهدًا على جميع سلطات البر أن لا تلقي السلاح إلَّا بعد أن تُعِيد فرنسا إلى حدودها القديمة.
كان الجيش الفرنسي يكاد يدرك بلوخر في كراوون ويقاتله قتالًا تامًّا عندما أرسل الدوق ده فيسانس برقياتٍ إلى الإمبراطور، يعلن له فيها، أنَّ العصبة تتطلَّب منه ليس أن يتخلَّى عن فتوحات الجمهورية والإمبراطورية فحسب، بل أن يكون هذا التخلِّي كفاتحةٍ للمداولات، وأن يمتنع المفوِّضون الفرنسيون عن إظهار مطاليبَ معاكسةٍ لمقاصد السلطات العليا؛ إلَّا أن مفوِّضي أوروبا القديمة كانوا يعلمون جيدًا، أن الرجل الذي ارتفع فوق الأمجاد القديمة والحديثة، والذي يمثِّل فرنسا الفتاة، لن يهبط من ذلك العلوِّ لِيُذْعِن إلى ملوك لا يزالون يحملون على جباههم الملكيَّةِ آثارَ قَدَمَيْه، إذن فمن البديهي أن تكون هذه المطاليب شهرَ حربٍ جديدة لا مفاوضة في صلح، ومن البديهي أيضًا تجاه هذه المطاليب أن يخلد نابوليون إلى القتال، فزحف إلى لاون التي كان الجيش البروسياني مُحتلًّا مرتفعاتها. أما بلوخر، فعلى ما حلَّ به من الانكسارات العديدة، لم يأْلُ جهدًا في تغذية جيشه بالرجال حتى أصبح وهو على رأس مائة ألف مقاتل.
في العاشر من شهر آذار، الساعة الرابعة صباحًا، بينما كان نابوليون يستعد للهجوم على البروسيانيين جيء إليه بجنديين من الدراغون أخبراه بأن فرقة الدوق ده راكوز دُوهِمت فجأة في الليلة نفسها وشُتِّت تشتيتًا تامًّا، فأوقف نابوليون لدى هذا النبأ الأمر بالهجوم الذي كان أعطاه إلى قواده، إلَّا أن العدوَّ، الذي بلغته حوادث الليل، أعلن القتال بسرعة كبيرة، وبعد معركة هائلة أبلى فيها فيلق شربنتيه بلاءً حسنًا، أخذ نابوليون يفكِّر في التقهقُر. فغادر شافينيون في الحادي عشر صباحًا، وصرف النهار التالي في سولسون التي ترك فيها الدوق ده تريفيز ليحول دون جيش بلوخر، وانحدر إلى رنس التي كان العدوُّ قد استولى عليها بعد قتال جرى بينه وبين الجنرال كوربينو فدخلها عنوةً في الليل الواقع بين الثالث عشر والرابع عشر من شهر آذار.
بقي الإمبراطور ثلاثة أيام في رنس صرفها في التدبيرات العسكرية والتنظيمات الإدارية. وفي حين كان الجنرال ميزون على الحدود الشمالية يدافع عن المراكز التي عُهِد إليه بحراستها، وكان كارنو يحبط مساعي الإنكليز على مقربة من إنفرس، كانت حظوظ الحرب تنقلب على نابوليون في جميع جهات الإمبراطورية. لقد قُوتِل سول في أورتز وتقهقر إلى تارب وتولوز، وضعف أوجرو في ليون حتى أخذ يستعدُّ للتخلِّي عنها والاستحكام وراء الإيزير؛ وفتحتْ بوردو أبوابها للإنكليز مُنتظِرة قدوم الدوق دانكوليم، ووصل الكونت دارتوا إلى بورغونيا، وأخيرًا أُتِيح لشوارتزنبرج، الذي لم يبقَ ماكدونلد وأودينو قادرين على إيقافه، أن يهدِّد باريس التي بدأت العصبة الملكية تنتعش فيها من يوم إلى يوم.
شعر الإمبراطور بأنه لم يبقَ يستطيع أن ينجوَ إلَّا بضربة قاضية فلم يتردَّد أن وجَّه هذه الضربة إلى شوارتزنبرج الذي بدأ دنوُّه يدبُّ الذعر في العاصمة؛ ولقد ترك لمارمونت ومورتيه العناية بالوقوف في وجه بلوخر وصيانة باريس من جهة أيسن والمارن، وكأنه خشي عدم نجاح هذه الخطة، فأشار إلى أخيه جوزيف بأن لا ينتظر حتى يستفحل الخطر لوضع الإمبراطورة وملك روما في مأمن، ثم زحف إلى أبرناي ليأخذ من الوراء النمسويين الذين حسبهم قد وصلوا إل نوجانت.
في العشرين من آذار التقى نابوليون بجيش شوارتزنبرج الذي كان زاحفًا بجملته إلى مدينة أرسيس ليجتاز الأوب ويصل بسرعة إلى سهول شمبانيا؛ فهذا الانقلاب الفجائي الذي حصل في جيوش الحلفاء، قلب خطط الإمبراطور بطنًا لظهر؛ لأنه رأى نفسه أمام قوة تضارِع قوَّته ثلاث مرَّات في حين كان يظن أنه سيجد فِرقَة من الحرس لا غير؛ إلَّا أنه لم يتردَّد تجاه هذا الانقلاب أن أعطى أمثولة في التضحية الشخصية بأن ألقى نفسه في المعمعة غير مُكترِث بالخطر المحدق به. جاء في مذكِّرة سنة ١٨١٤ ما يلي: «ألقى الإمبراطور نفسه في وسط المعمعة غير عابئ بالخطر المحدق به، وإذا بقنبلة تنفجر تحت قدميه حجبته وراء غيمة من الدخان والغبار، فظنه الجنود قد مات، إلا أنه ما لبث أن نهض فألقى بنفسه على جواد آخر وراح يقف مرةً أخرى في وجه المدافع! … إن الموت لا يريده.»
لم تستطع موقعة أرسيس أن تمنع النمسويين من عبور الأوب، على ما أظهر الجيش الفرنسي من الجهود المدهشة، وما أبرز القائد العام من البطولة العجيبة، فتراجع الإمبراطور بنظام تامٍّ بعد أن حمل الأعداء كثيرًا من الخسائر، إلَّا أن شوارتزنبرج لم يلبث أن أخلى له الطريق الذي يوصل إلى بلوخر، وفي اليوم نفسه غادر أوجرو ليون لبيانشي وبوبنا.
أما الآن فقد أصبح طريق باريس مفتوحًا، من غير معارضة، في وجه الحلفاء، الذين والَوا زحفهم إلى العاصمة الكبيرة طارِدين أمامهم بقايا الجيش الذي سحقوه. عندما علم الإمبراطور بانكسار قوَّاده وبالخطر العظيم الذي يهدِّد العاصمة لم يتردَّد أن أسرع إلى باريس بعد أن أرسل الجنرال ديجان، مساعِدَه؛ ليبشِّر الباريسيِّين بأنه يطير إلى إنقاذهم، وفي الثلاثين مساءً كان الإمبراطور على مسافة خمسة فراسخ من عاصمته عندما تُبُلِّغَ أن الوقت قد فات، وأنَّ هذه المدينة الكبيرة قد سلَّمت، وأن الأعداء ستدخلها في اليوم التالي. هذا النبأ المشئوم أوقف نابوليون عن الزحف فرجع إلى فونتنبلو! أمَّا جوزيف، فعندما علم بدنوِّ الحلفاء، خفَّ إلى تعجيل سفر الإمبراطورة وملك روما! … قيل إن الملكة هورتنس، التي حزنت لرؤيتها الإمبراطورة وولدها يغادران العاصمة لأصحاب الدسائس والمؤامرات، ألحَّت على ماري لوزي بالبقاء قائلة لها بلهجة حملت معاني النبوءة: «إذا تركتِ التويلري لن تعودي إليه»، إلَّا أن جوزيف أصرَّ على عزمه وأخذ ماري لويز. قال المؤرِّخ بونس ده ليرولت: «إنَّ الأمر المدهش الذي حدث في ذلك الوقت إنَّما هو العناد الذي أظهره ملك روما، الذي لم يشأ أن يترك القصر، فهذا العناد كان شديدًا، إلى درجة أن جوزيف اضطرَّ أن يستعمل القوة لإخراج الأمير الطفل. كان صراخ ملك روما يمزِّق الفؤاد، ولقد كرَّر مرارًا عديدة قوله: قال لي والدي لا تذهب! … حتى إن جميع الحضور لم يتماسكوا من ذرف الدموع لدى هذا المشهد المؤلِم! لا يُتصوَّر للقارئ أنه يسمع حكاية مُلفَّقة فإن هذا المشهد المُوجِع جرى أمام شهودٍ صادقين. قد يكون أحدهم قد أوحى إلى الأمير الطفل ما يجب أن يقول، ولكنَّ الغرابة هي في اختياره اللهجة التي استعملها في التعبير.»
بعد أن سافرت ماري لويز وولدها جرى في باريس الاستعداد للدفاع، إلَّا أن الفوضى كانت سائدةً في جميع الدوائر، ولا سيَّما في الدائرة الحربية، التي نهج فيها رئيسها الدوق ده فيلتر نهجًا غريبًا ألقى على رأسه شبهاتٍ صارمةً! كان السلاح ينقص من جهة، والمئونة من جهة أخرى، وكانت يدٌ خفيَّة تشل الدفاع في جميع الجهات وتساعد على الهجوم. ولكن، بالرغم من جميع الموانع التي قاساها الحماس الوطني، قام الحرس الوطني الذي يقوده مونساي الباسل بأعمالٍ عظيمة في موقعة ثلاثين آذار؛ ولقد اشترك تلاميذ ألفور والمدرسة الحربية مع الحرس الوطني في الدفاع عن مدينتهم الجميلة. أمَّا الحلفاء فقد قاسَوا مقاومة شديدة في كليشي، حيث كان مونساي المحترم وولده وعددٌ من رجال الفنِّ المشهورين والكتَبَة الممتازين جاءوا يدافعون عن مدينتهم الجميلة، وقد تركوا أعمالهم في سبيل الواجب، نذكر منهم إيمانوئيل دوباتي، شارله، أوبرت، موكن وهوراس فرنه. قال مونساي يحثُّ الرجال: «لقد أحسنَّا البداية فيجب أن نُحْسِن النهاية. هنا قتالنا الأخير فلْنقُمْ بجهودٍ أخيرة، فالشرف والوطن يأمرانِنا بذلك!»
إلا أنَّ الشجاعة كان يجب عليها أن تُقهَر وتتراجع أمام العدد، كان يحب عليها أن تُقهَر في كلِّ مكان وتضؤل في وسط الجبن والخيانات. أما مونساي، فإذا رأى تحت أسوار باريس نزوات الشباب الفرنسي، فإن الذين بدءوا مثله سيَرَوْن ما هو مؤلِم وينتهون بأسوأ حظًّا منه؛ فلقد ترك مارمونت نفسه يغلِّف بجنود العصبة الملكيَّة، ولقد أكَّدوا للأمير ده بنيفان أنَّ العاصمة لن تنجُوَ إلَّا بتسليم؛ أمَّا هو، فلكي يُنقِذ العاصمة، سلَّم الإمبراطورية! في الواحد والثلاثين من شهر آذار دخل الغرباء إلى باريس مُنتصِرين ليقلبوا عرش نابوليون، والذين فتحوا لهم الأبواب هم الرجال أنفسهم الذين وضعوا في الثلاثين من شهر آذار عام ١٨٠٦ أنظمة السلالة الوراثيَّة الجديدة!
•••
روما، فيينا، برلين، مدريد، نابولي، ليسبون، موسكو، يا عواصم أوروبا القديمة لقد انتُقمَ لك! لقد قاست باريس في دورها سيادة الغُربَاء المُتغطرِسين، وأصبح التويلري واللوفر في قبضة الروسيين والجرمانيين، وعسكر الكوزاك في مراكز الثورة، وسيعود البوربونيُّون! لقد خُيِّل للبربرية أنها انتصرت، وانتهت مهمَّة الأريستوقراطيِّين، أما البربرية والأريستوقراطية فإنهما لعلى خطأٍ مبين!
لم تنتصر الأريستوقراطية والبربرية على الديموقراطية والترقي؛ لأنهما قد احتلَّتا مدينتهما؛ فإن كانت العصبة نشرت سيادتها على باريس، فالفرنسيون لا يزالون أسيادًا على الحلفاء؛ إذ إنهم سيثابرون على تعليم هؤلاء الحلفاء الفنَّ والرياضيات والصناعة والعادات والشرائع، ويبثُّون فيهم أفكارهم الحرة التي بنَوا عليها أساس إمبراطوريتهم!