الفصل السابع
بعد مرور شهر اهتمَّ بونابرت بتنظيم شورى الدولة وتعيين أعضائه، وفي الثالث من أيلول
عقد
معاهدة حبِّية تجارية بين فرنسا والولايات المتحدة، وفي العشرين منه عين مؤتمرًا آخر
في
لونيفيل مثَّل فيه الجمهورية بالقائد كلارك، وذلك عند رفض الإمبراطور توقيع شروط
الصلح.
لم يكن عيد أوَّل فنديميير أقلَّ أبهة من عيد ١٤ تموز، فقد حضره نوَّاب المقاطعات
جميعها،
ووضع فيه الحجر الأول للتمثال الوطني في ساحة النصر لذكرى دوزه وكليبر اللذين سقطا معًا
في
يوم واحد، الأول في مارنغو تحت نار العدو، والآخر في القاهرة تحت خنجر أحد القتلة المماليك،
ثم إن نقل رُفات تورين
١ إلى هيكل مرس زادَ على أبهة عيد تأسيس الجمهورية؛ فقد لفظ وزير الحربية كارنو
خطبة بليغة بهذه المناسبة مَدَح فيها المحارِب الخالد الذي تحتفل فرنسا بنقل رُفاته.
كانت
الخطبة تُفْصِح عن العلوم العسكرية، والنبوغ الوديع، والفضائل المجردة التي كان ينطوي
عليها
قائد الملكية العظيم. ولقد عرف كارنو أن يمزُج مع اسمي كليبر ودوزه اسم لاتور دوفرني
الباسل
العالم الذي يكاد يقتل في ألمانيا. على أنه، بالرغم من أبهة الأعياد الأهلية والجهود
المتوالية التي قام بها القنصل لِيُخفِي أفكاره العميقة، كانت الطريقة التي استولى بها
على
السلطة والاستعدادات التي أظهرها بعد ذلك، تُشِير إلى عدم رغبته في بقاء النُّظُم
الجمهورية؛ ما جعل القدماء في خدمة الجمهورية أن يسخطوا سخطًا شديدًا وينقلب البعض منهم
على
بونابرت فيحاولوا قتله كما يجب أن يُقتَل المُختلِس القاتل. كان بين هؤلاء النائب السابق
أرنيا، والنحَّات سيراكشي، وتوبينو لوبرون، تلميذ دافيد، ودامرفيل، فاستغلَّ أحد البائسين
واسمه هريل حقدهم على بونابرت وأدخلهم في مؤامرة ثمَّ وشى بهم إلى الشرطة، وهكذا كانت
نجاة
القنصل الأول من هؤلاء المؤامرين.
أما المحازبون البوربونيُّون الذين خُيِّل لهم بادِئ ذي بَدْء أن سَيَرَوا في بونابرت
«مونك»
٢ آخر وانتهوا بأن قطعوا الأمل من هذه الفكرة، فقد أخذوا يتحزَّبون ضده، وما لبثت
العداوة الأجنبية أن انضمَّت إليهم وانطلقت عند ذلك الآلة الجهنميَّة. جرى ذلك في الثالث
من نيفوز.
٣ كان القنصل الأول مُتجِهًا إلى الأوبرا يصحبه لان وبرتيه ولوريستون، فعندما بلغ
شارع سن نيكيز دُهِش لانفجار برميل بارود موضوع على عجلة، ولو تأخَّر عشر ثوانٍ لقُضِي
عليه
وعلى حاشيته، إلَّا أن سائق مركبته الذي كان سكران سوَّط على الجياد بأشد من العادة،
فأنقذت
هذه السرعة العظيمة الرجلَ الذي لو مات لقَلَب موتُه مُقدَّرات فرنسا وأوروبا جميعًا.
صرخ
القنصل الأول قائلًا: «لقد لُغمنا!» وألحَّ لان وبرتيه بالعودة إلى التويلري، فقال بونابرت:
«لا، بل إلى الأوبرا!» وحقًّا ظهر بونابرت في الأوبرا وجلس في مقدَّم لوجه حيث أبرز جبينه
صافيًا هادئًا كما لو كان الاطمئنان كلُّه حالًّا في نفسه، وبعد مرور مدَّة قصيرة استسلم
لتأثُّراته الشديدة فأسرع إلى التويلري حيث كانت تزدحم ذاتيات العصر لترى ماذا جرى وما
سيجري، ولم يكد يتوسَّط هؤلاء الكبراء حتى استسلم لصاعقة خُلُقِه فقال لهم بصوت شديد:
«هذا
هو عمل الجاكوبيِّين! … إن الجاكوبيِّين هم الذين أرادوا أن يقتلوني! … ليس هناك أشراف
ولا
كهنة! … بل هناك أيلوليُّون
٤ وقتلة تغمرهم الوحول لم يكن شأنهم إلَّا التمرُّد على جميع الحكومات التي
تعاقبت. إنهم فنَّانون ومصوِّرون!
٥ هم قتلة فرسايل، ولصوص ٣١ أيار، ومسبِّبو الجرائم المُقترَفة ضدَّ الحكومات،
يجب أن يُسحَقوا جميعهم، يجب أن تَطْهُر فرنسا من هؤلاء الأسافل القذرين، يجب أن لا يُشفَق
على قتلةٍ كهؤلاء! …»
هذه الكلمات أُعِيدت مرَّة أخرى في جوابٍ لَفَظَه القنصل الأول على مسمع وفْدِ مقاطعة
السين، إلَّا أن الأمر الفظيع هو أنها أُتْبِعت أيضًا بتعذيب الضحايا التي سلَّمها هريل
إلى
الشرطة، وبنفي مائة وثلاثين مواطنًا اشتُبه بهم لاستمرارهم في وطنيَّتهم الحقة ومحافظتهم
عليها محافظة شديدة. أما فوشه وزير الشرطة الذي كان يسعى إلى تبرئة ساحته من الاشتراك
في
الجريمة، فقد أظهر غَيْرةً لم يُظْهِر مثلها أحدٌ في معاقبة المجرمين؛ والاستعدادت التي
طرحها على القنصل الأول نالت موافقته، ولكن بعد شهر ثبت له أن الجريمة كانت تخصُّ الملكيين،
وتأكَّد أن الجاسوسيين كاربون وسن ريجن هما مسبِّبان هذا التعدِّي فحكم عليهما بالموت
ونفَّذ الحكم، إلَّا أن هذا العقاب العادل لم يلغِ الخطة التي اتخذتها الحكومة ضدَّ
الديموقراطيين الأبرياء الذين أوشكوا أن يذهبوا ضحية السخط العمومي لدى مرورهم في
نانت.
هذه العدالة صادفت عددًا قليلًا من المُخالِفين؛ لأنها كانت من جهة بونابرت، ولقد
خاطر
الأميرال تروكه ببعض ملاحظات مَرْجِعُها لصالح الحزب الذي يذهب في مذهبه، وتشكَّى من
أن
الروح العمومية قد أفسدتها نشراتٌ من شأنها ترويج العودة إلى الحكم الملكي الوراثي. هذه
المخاطرة كانت ترمز إلى كتابةٍ عنوانُها «مقابلة بين القيصر، وكرومويل، وبونابرت» نُشِرت
تحت رعاية وزير الداخلية وأُعِدَّت لسَبْر استعدادات الشعب الفرنسي للثورة التي كان بونابرت
عازمًا على إطلاقها.
إن الكتابات والمناشير التي خُصِّصت لتهيئة الأفكار إلى ثورة جديدة في شكل حكومة،
لم تنل
قبولًا من الشعب الذي كان القنصل الأول يعلِّق آمالًا على تعلُّقه به ومحبته إياه. إلَّا
أنَّ الآلة الجهنمية فتحت سبيلًا لإيجاد محاكم استثنائية لم تلبث أن أصبحت آلاتٍ سريعة
في
يد السلطة المُطلَقة التي كان القنصل الأول يتمتَّع بها — حقًّا — في فرنسا. هذا التنظيم
الرهيب هيَّج في «التريبونه»
٦ المعارضة الباسلة التي قام بها بانجمين كونستان،
٧ ودونو، وجنكنه، وشينيه، وإسنار، وغيرهم. وهيَّج في مجلس الشيوخ أربعة أصوات
كريمة هي أصوات لامبريك، ولانجونيه، وكارا، ولونوار لاروش. إلا أن المحامين عن الحرية
الوطنية كانوا الأقلِّية، فأُتِيح للقنصل أن يحقِّق رغائبه بسهولة تامَّة.
كان يُرى إلى جنب هذه الخطط الرجعية أعمالٌ مجيدة من حقِّها أن ترفع عاليًا مجد فرنسا
وعظمتها. كانت الطرق والترع تنفتح من جميع الجهات؛ والفنون الجميلة تكسب عزَّةً ورونقًا
من
يوم إلى يوم، ولقد نشطت الاكتشافات العلمية، ودخلت التجارة والصناعة في طرقٍ كانت لا
تزال
مجهولة.
في السابع عشر من كانون الثاني عام ١٨٠١ أُمِر بتنظيم شركة أفريقيا، وشخص القنصل
الأول
إلى جبال أتلاس
٨ ساعيًا إلى احتضان فوائد الرقي عند الشعوب المهذبة والهمجية فعهد إلى القائد
تورو بأن يرأس تخطيط طريق سنبلون الجميلة.
٩ في التاسع من شباط وُقِّع الصلح البري في لونيفيل. عند هذا اغتنم بونابرت
الفرصة ليشكو الديوان الإنكليزي بأنه الحاجز الوحيد دون السلام العالمي. فقال للفرقة
التشريعية والتريبونه: «فيمَ هذه المعاهدة ليست معاهدة السلام العمومي؟ إن السلام العمومي،
إنما هو أمنية فرنسا، هو الغاية الكبرى من جهود الحكومة، إلا أن هذه الجهود ذهبت أدراج
الرياح. وإن أوروبا جمعاء لتعرف حقَّ المعرفة مساعي الوزارة البريطانية في سبيل إسقاط
مداولات لونيفيل.» ثم بعد ذلك قال مُجِيبًا على التهنئات التي وجهتها إليه الفرقة
التشريعية: «إن جميع السلطات ستُنْفِق على إدخال إنكلترا في طريق الاعتدال والإنصاف
والعقل.»
أما معاهدة لونيفيل التي عُقِدت خِصِّيصى مع بلاط فيينا فقد أُتْبِعت بمعاهدات خصوصية
مع
نابولي ومدريد وبارم. في ذلك الوقت أوجد بونابرت مقاطعات روبر، والسار، والرين وموزيل،
والمون تونير، وبما أن توسيع الجمهورية وتهدئتها كان من حقِّهما أن يُساعِدا على إفلاحه
المادي فقد أجاز لنفسه تنظيم بِنايات تجاريَّة، وأمر بأن يُقام كلَّ عام من ١٧ إلى ٢٢
أيلول
معرضٌ عمومي لحاصلات الصناعة الفرنسية، على أنه لم يكفِ القنصل الأول أنه قهر أوروبا،
وهدَّأ فرنسا، وأحيا التجارة والصناعة، ونشَّط الفنون الجميلة والعلوم، بل كان يشعر في
وسط
أعماله المجيدة بأن خطته في تجديد التنظيمات إنما كانت غيرَ كاملة وأنه لا يزال ينقصه
شيء
بعدُ لإكمال بنائه وهو مركزٌ للدين. لم يكن بونابرت قد احتقره، بدون شك، ولكن لم يُدبَّر
شيء لأجله، لا في المعاهدات ولا في القوانين، فلكي يعيِّن القنصل ذلك المركز الجديد على
أساس شرعيٍّ دخل في مداولة مع روما وعقد اتفاقًا مع بيوس السابع، أما الفلاسفة الذين
كانوا
رضوا بثورة برومير؛ لأنها أثبتت حظَّهم الفجائي فقد شرعوا يصرخون ضد تلك الرَّجعة الدينية،
وربما رغبوا في أن يُعلِن بونابرت نفسه رئيسًا للكنيسة الفرنسية ويقطع بينه وبين السُّدة
الرسولية. إلَّا أن القنصل الأول كان يفهم تطلُّبات دينِ الأكثرية بشكل آخر، ويخشى أن
يجرح
الأشخاص البارزين في الأمة.
في مدة الثورة، وعلى عهد حكم الفلسفة الظالم، كان الفراغ الذي تركه في الدولة غيابُ
الدين
قد أثَّر ببعض رجال، فحاولوا أن يشيِّدوه بإقامة الاحتفالات الدينية في المعابد وغيرها.
قال
روبسبيير يوم ذاك: «إنَّ الذي يستطيع أن يملأ فراغ الألوهة يُعدُّ في نظري أعجوبة في
النبوغ، وأما الذي يحاول أن ينفيها من روح الرجال من غير أن يُسُدَّ ذلك الفراغ فهو أعجوبة
في الحماقة والفساد!»
أما بونابرت فلم تكن المعتقدات الدينية في نظره سوى أوهامٍ باطِلة نَسَجَها الزمن،
أو
خيالات نشأت في أذهان الشعوب منذ مدرجها وقد حاربها العقل طويلًا لأنها حالت دون رقيِّه.
وكان يقول عن الدين المسيحيِّ نفسه، الذي سمَّاه الدين الحقيقي: إن العلم والتاريخ إنما
هما
عدوَّان شديدان له.
لقد نَسِي بونابرت، وهو يعزو هذه العداوة إلى المسيحية من غير أن يبيِّن الوقت والمكان،
العلاقة المكينة التي كانت بين الدين والعلم بين الدين والسياسة، عهدَ نشأة المجتمعات
العصرية، وفي منازعات المعتقدات المسيحية والعادات الشريفة ضدَّ تقاليد العالم الهرطوقي
الممقوتة ومعتقدات الأمم الوثنية السَّمِجة. ولو اعتقد بونابرت بتفوُّق الدين في المستقبل
لفكَّر في أن هذا الدين لم يبقَ بإمكانه، بعد أن مرَّ عليه ثلاثة قرون من الاعتراضات
والشكوك الفلسفية، بعد أن مرَّ عليه باكون وديكارت، فولتير وروسو؛ لم يبقَ بإمكانه أن
يعود
إلى ما كان عليه في القرون الوسطى، ولكان أُتِيح له أن يُضِيف على الفاتح الشارع ورجل
الثورة السياسي لقب مُصلِح دينيٍّ. إلَّا أن بونابرت — نكرِّر القول — لم يكن يرى في
الأديان الوضعيَّة، كفيلسوف، غيرَ أعداءٍ أبديِّين للدين والمعارف، وكرجل سياسي، غيرَ
وسائل
للضغط على الشعب، غير أنه عندما رأى أن أكثرية الشعب الفرنسي مُتمسِّكة بالكثلكة تمسُّكًا
مكينًا لم يجِدْ بُدًّا من مساعدة البابا على تنظيم مصالح المذهب الكاثوليكي، ومن الظهور
بمظهرِ راغبٍ في أن يُرجِع إلى الكنيسة والأسقفية جلالهما القديم، ولقد عزم أن يُخفِي
آراءه
الخصوصية تحت مظاهر إيمانٍ علنيٍّ فاقتحم سخرية بلاطه الفولتيري وحضر قدَّاسًا في نوتردام
بمناسبة اتفاقية الصلح مع إنكلترا التي عُقِدت في أميان. حضر الاحتفال الديني جميعُ الأشخاص
البارزين في العصر، وعندما أدرك لان وأجرو، وهما ذاهبان مع الموكب القنصلي، أنهما يتَّجهان
إلى القدَّاس حاولا أن يرجعا، فأشار إليهما بونابرت بالبقاء، وفي اليوم التالي سأل بونابرت
أوجرو، مازحًا، كيف رأى الاحتفال، فأجابه جندي أركول ولودي الباسل: «جميلًا جدًّا، لم
يكن
ينقصه إلَّا المليون رجل الذين قُتِلوا ليهدموا ما نجدده.»
كان جواب أوجرو مرًّا، فالمليون رجل لم يموتوا ليلاشوا الدين، بل ليمنعوا رجوع تطرُّفات
الدين، رجوع العشور، والتبرئات، والامتيازات الإكليريكية، إن الثورة إنما مَحَقت التقاليد
المسيحية لتُنِيب عنها العقل، لم تكن غايتها أن تنصر حزبًا على آخر، وتُحرِّر العبيد
لتستعبد الأسياد، أو أن تجعل للفلسفة سبيلًا تصل منها إلى إماتة الدين، وأن لا تهب العالم
إلا عار الأعياد الزُّحلية،
١٠ بل كانت غايتها أن تخلق حقًّا جديدًا يصون أعضاء الأمة من أي مذهب كانوا. وبقدر
ما كانت شديدة الوطء على الكهنة عندما اقتضى الأمر أن تنزع منهم القسمة الفنية التي وهبها
إيَّاها النظام القديم في توزيع الامتيازات الاجتماعية كانت تسعى في أن تبرهن أن شدَّتها
لم
تقصد إلَّا عدم المساواة التي مُهِّدت لصالح الإكليروس، ولم تُطبَّق إلَّا على عداوة
أصحاب
الامتيازات المختلسين، وإذا كانت هذه العداوة قد أدَّت إلى إغلاق المعابد، وتهييج رسل
العقل، وجعل الكنائس منتدياتٍ طوال مدة القتال، فمن الضروري أن تبرهن الثورة المنتصرة
بصوت
رنَّان لدى استتباب السلام أنها لم تكن عدوَّة الإكليروس إلَّا اضطرارًا، وأنه لم يكن
بينها
وبين الدين تنافُرٌ قطُّ، بل هي مستعدة لأن تمارس الاعتقادات الدينية التي هي غذاء الشعوب.
تلك هي المظاهرة الضرورية التي قامت بها الثورة في تداوُلِها مع روما ونشرها الاتفاقية،
وذهابها إلى الكنيسة بعظمة احتفالية في شخص أعظم أبنائها وأشهر ترجمان فيها. قال بونابرت
في
مذكِّراته: «إن اتفاق ١٨٠١ الكنسي إنما كان ضروريًّا للدين وللجمهورية وللحكومة … لقد
أوْقَف الانقلابات عند حدِّها، وبدَّد جميع شكوك مُشترِي الأملاك الوطنية، وقطع الخيط
الأخير الذي كان يربط السلالة الملكية القديمة بالبلاد.» وقال في إحدى خُطَبه: «إن كان
البابا غير موجود فمن الضروري إيجاده في مثل هذه الظروف كما كان القناصل الرومانيون يعملون
ديكتاتورًا في المواقف الحرجة.»
عندما وُفِّق بين البابا وبونابرت، أُعِطي هذا ضمانًا جديدًا لتثبيت تلك العلاقة
الجديدة
بأنْ أسَّس ممالك في الأرض الإيطالية التي كان يرغب في الماضي أن يملأها جمهوريات، فأصبحت
التوسكان مملكةً صغيرة أُعطِي عرشها إلى دوق ده بارم الذي سُلِخت عنه ممالكه لِتضاف إلى
لومباردي.
١١ زار هذا الأمير عاصمةَ فرنسا تحت اسم الكونت ده ليفورن فأُقِيمت له احتفالات
باهِرة ظهرت فيها للمرة الثانية العظمة الأريستوقراطية القديمة. إلَّا أن تلك الاحتفالات
لم
تستطع أن تُخفِي قصور ذلك الأمير وعدم كفاءته، وعندما سُئل بونابرت سؤال دهشة عن السبب
الذي
دعا إلى رفع رجلٍ كهذا إلى المقام السامي أجاب: «هكذا شاءت السياسة، ثم لا بأس بأن يرى
الشباب الذين لم يروا ملوكًا بعدُ كيف يكون الملوك.»
ألَا يعني هذا الكلام أن أفكاره الخفية في إعادة الملكيَّة إنما كانت دائمًا تحمل
الطابع
الثوري، وأنه إذا كانت الجمعية الشارعة والاتفاقية قد حاربا الملكيَّة في المِلك، فهو
يُكمِل عملهما بأن يمحق الملكية بإقامة ملوك؟