مقدمة
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله وجنده.
أما بعد؛ فهذه محاضرات ألقيتها على طلابي في معهد الدراسات العالية بالقاهرة للتعريف بالشيخ الإمام عبد القادر المغربي، أحد قادة الإصلاح، وزعماء الحركة الفكرية والأدبية، في نهضة أمتنا العربية، الذي توفاه الله في العام الماضي، واحتفل العالم العربي والإسلامي بتكريمه احتفالًا كبيرًا، اشتركت فيه الحكومات العربية، والإسلامية، والمحافل الأدبية والاجتماعية، اشتراكًا دلَّ على مكانة الفقيد وتقديرهم إيَّاه، بما بذل في خدمة أمَّته، وعمل على تتميم رسالة شيخه السيد المصلح جمال الدين الأفغاني، وصديقه الإمام الشيخ محمد عبده.
ومن حق أمتنا العربية، في هذه الفترة من تاريخنا الحديث أن تقف وقفة طويلة أمام سِيَر البررة من أبنائها، الذين قضوا في سبيلها ورفعة شأنها في كافة الحقول العامة من سياسة وأدب واجتماع واقتصاد، منذ القرن الماضي في أيامنا هذه، فإنهم البناة الأُول لهذه الحركة التحررية التي نرجو لها أن تتم في دنيا العرب، وعوالم المشرق كله بحول الله وقوته.
إنَّ علي مبارك، ورفاعة الطهطاوي، وجمال الدين الأفغاني، ومحمد عبده، ومصطفى كامل، وعلي يوسف، وجمال الدين القاسمي، وعبد الرحمن الكواكبي، وعبد العزيز جاويش، والأمير شكيب أرسلان، وعبد القادر المغربي، وإخوانًا لهم كثيرين في مضمار الفكر والعلم والإصلاح، لهم دين كثير في أعناق هذه الأمة العربية، فيجب عليها أن توفيهم إيّاه، وذلك بتعريف الأجيال الصاعدة الناشئة اليوم بما فعله أبناء الرعيل الأول بالأمس القريب والبعيد من جهد وكَدٍّ في سبيل النهضة العربية الحاضرة، وإيقاد شعلتها، والدفع بها تسير قدمًا بخطًى صحيحة متزنة، وتنفض عن عيونها وسن العصور الظالمة، وآثار عهود الاستعمار الظالم البغيض بشتى ألوانه وأشكاله في كافة أقطار القارتين الشقيقتين آسيا وأفريقيا.
وإنَّ الجهود التي يقوم بها بعض الكتاب وقادة الفكر اليوم في مصر وسائر البلاد العربية، والأقطار الشرقية، لتعريف الجيل الصاعد الواعي بأخبار الرعيل الأول من الجنود القدامى في حملة محاربة الاستعمار، والبعث القومي، لهي جهود مشكورة، وطيبة، ومفيدة. وإنَّ الشيخ الإمام «المغربي» رحمه الله هو أحد أولئك الجنود الذين بذلوا حياتهم، منذ نعومة أظفارهم إلى أن قضوا، في سبيل أمتهم، متسهلين كل صعب من سجن ونفي وتعذيب وتشريد في سبيل عقيدتهم الوطنية، وأفكارهم الإصلاحية، والعمل على القضاء على الاستعمار في حقول السياسة والعلم والاقتصاد.
ومما هو جدير بالذكر أنَّ الوعي العام قد تنبه في القارتين الشقيقتين، وأنَّ الناس بصورة عامة أخذوا يتتبعون أخبار الرعيل الأول من المجاهدين القدامى، وينقبون عن آثارهم، ويعملون على التعرف إليهم، والإشادة بمآثرهم، والسير على غرارهم، وتتميم رسالتهم.
ولقد كان للإدارة الثقافية بجامعة الدول العربية وللمعاهد والمؤسسات العلمية المرتبطة بها أو بغيرها من المعاهد العالية الأخرى في مصر وعواصم المشرق أثر بيِّن في هذه الحلبة، وإنَّ جهود هذه المؤسسات في الطلب إلى المؤلفين أن يكتبوا عن ذلك الرعيل، وإلى الحاضرين أن يتحدثوا عنهم، ويسهموا في ذلك، لهي جهود طيبة ومحمودة، ويرجى لها أن تفيد.
وبعد فرحم الله «المغربي» «الأفريقي» الأرومة، «الآسيوي» المنبت الذي قضى في سبيل نهضة الشرق من أدناه إلى أقصاه، وحقق لأممه أن تسير في ركب الحضارة من جديد، عاملة على تدعيم مواكب النور، والحضارة، والحرية، والخير في الأرض.