المغربي المؤلف
- (١)
كتاب «الاشتقاق والتعريب» طبع في سنة ١٩٠٨م ثم أعادت لجنة التأليف والترجمة والنشر طبعه في سنة ١٩٤٧م.
- (٢)
«كلمتان في السفور والحجاب» طبع سنة ١٩١٠-١٩١١م.
- (٣)
كتاب «البينات» في مجلدين طبع سنة ١٣٤٣-١٣٤٤ﻫ.
- (٤)
كتاب «الأخلاق والواجبات» طبع سنة ١٩٢٠م، ثم سنة ١٩٢٩م/١٣٤٧ﻫ.
- (٥)
محاضرات عن «محمد ﷺ والمرأة. مع محاضرات في موضوعات أخرى» طبعت سنة ١٣٤٧ﻫ.
- (٦)
كتاب «جمال الدين الأفغاني، ذكريات وأحاديث» نُشِر في سلسلة «اقرأ» سنة ١٩٤٨م.
- (٧)
«مناظرة أدبية لغوية» بين المغربي والبستاني والكرملي، نشرها الأستاذ حسام الدين القدسي سنة ١٣٥٥ﻫ.
- (٨)
تائية عامر بن عامر البصري بشرح المغربي وتحقيقه، نشرها المعهد الفرنسي بدمشق ١٩٤٨م.
- (٩)
تفسير جزء تبارك، طبعته الحكومة المصرية في المطبعة الأميرية ١٣٦٨ﻫ/١٩٤٩م.
- (١٠)
كتاب على هامش التفسير، طبعته مكتبة الآداب المصرية ١٣٦٨ﻫ/١٩٤٩م.
- (١١)
كتيب «عثرات اللسان»، طبعه المجمع العلمي العربي بدمشق ١٣٦١ﻫ/١٩٤٩م.
- (١٢)
تحقيق كتاب «التنبيه على غلط الجاهل والنبيه»، نشره في مجلة المجمع العلمي ٦ / ٤٣ وما بعدها.
- (١٣)
مجموعة مقالاته وأبحاثه التي نشرها في الصحف والمجلات. وقد صنفها تصنيفًا كاملًا وأعدها للطبع في مجلدات عديدة تبلغ العشرة.
- (١٤)
مجموعة محاضراته التي لم تنشر، وهي في مجلد واحد ضخم.
- (١٥)
أحسن القصص والتاريخ النبوي المقدس.
- (١٦)
المعجم اللغوي.
- (١٧)
أقرب الطرائق إلى كنز الدقائق في الفقه الحنفي.
- (١٨)
العقائد الإسلامية.
- (١٩)
شرح مقصورة ابن دريد.
- (٢٠)
طائفة من الأشعار في وصف الصحاري والقفار.
- (٢١)
تاريخ آداب اللغة العربية.
- (٢٢)
فنون البلاغة.
- (٢٣)
التعليم بالمراسلة.
- (٢٤)
النُّغَب أو نوادر العلوم وفرائد الأدب.
- (٢٥)
النجم الآفل.
هذا ثبت كتبه التي خلَّفهما، وهي — كما ترون — متنوعة النواحي إلا أنها تدور في فلك الدين واللغة والأدب والاجتماع، ويجدر بنا هاهنا أن نشير إلى كتاب «النجم الآفل»، وهو ترجمة للرواية الاجتماعية المشهورة ﺑ «غادة الكاميليا» التي ألَّفها إسكندر دوماس، فقد كتب المغربي عن هذه الرواية بحثًا في مجلة الحديث الحلبية ١٩٢٩م قال فيه: إنه اشترك هو ومواطنه الطرابلسي السيد أميل شبطيني في ترجمتها، وإنهما أتما الترجمة في أربعة أشهر، وإنهما تصرفا فيها بعض التصرف، فكانا يحذفان ما لا يتفق وذوقهما، مراعين في ذلك أخلاقنا وأساليب تفكيرنا. وبعد أن أتما ترجمتها أعاد المغربي قراءتها فحرر عبارتها، وأضاف إليها من الأشعار والأدوار الغنائية ما رآه لازمًا في بعض فصولها حتى إذا فرغت سماها «النجم الآفل» إشارة إلى أفول نجم مرجريت بطلة الرواية، وذهب بعد إتمام الترجمة والتصنيف إلى زيارة الشيخ سلامة حجازي الممثل المصري المشهور آنئذ فتلاها عليه في عدة جلسات، وأعجب بها الشيخ سلامة، فمثلها على مسرحه ليلة الأحد ٣ تشرين الأول (أكتوبر) ١٩٠٨، وكان الإقبال عليها عظيمًا … ويظهر أنَّ المغربي لم يكن يرغب في أن يعرف الناس أنه قد ترجم هذه الرواية، وأنه نظم أغانيها ووضع أدوارها الغنائية؛ فلذلك لم يوافق زميله في ترجمتها السيد أميل على طبعها لبعض العبارات المتعلقة بشخصه، وما تزال الرواية محفوظة في خزانة المغربي، ويظهر أنه كان لا يحب أن يعرف عنه أنه اهتم بالروايات والمسرحيات لما في ذلك من الغض من سمعته ومكانته الدينية.
ولا بد لنا من الوقوف أمام بعض كتبه المطبوعة وتحليلها لنتبين طريقته في التأليف، وأسلوبه، وأهدافه، وما أفادته العربية من جهوده التي بذلها في تآليفه، وسنخص البحث بالكتب الآتية:
(١) الاشتقاق والتعريب
هو كتاب يبحث فيما يعرض للغة العربية من تكاثر كلماتها بواسطتي الاشتقاق والتعريب، وأنَّ هذا الأخير طبيعي في لغتنا وفي غيرها من اللغات، وأنَّ استعمال المعرب لا يحط من قدر فصاحة الكلام، وقد أثبت ذلك وأكثر من التدليل عليه والاستشهاد على صحته بأقوال أئمة ورجال مشهود لهم.
- (أ)
حسن اختيار الكلمات، فنختار له من الكلمات ما نحن في حاجة إليه، ونهمل ما لا حاجة لنا به.
- (ب)
أن يضاف إليه كلمات جديدة دخيلة ومولدة ومنحوتة ومشتقة، مما تستدعيه حاجة الفنون المعربة والاختراعات الحديثة.
- (جـ) أن لا يشتغل واضعو المعجم بالعمل منفردين؛ بل عليهم أن يستعينوا برأي علماء اللغة أو مجامعها في الأقطار العربية توحيدًا لكلمات اللغة وطرق استعمالها،٣ ولكن هدف المغربي لم يتحقق لصعوبة القيام بعبء هذا المعجم، فانصرف إلى كتابة المقالات، ونشر البحوث اللغوية في الصحف والمجلات العلمية وبخاصة مجلة المجمع العلمي العربي إلى أن أسس مجمع فؤاد الأول للغة العربية «مجمع اللغة العربية المصري» في سنة ١٩٣١، وانتخب المغربي عضوًا فيه، فقال في كلمته يوم الافتتاح:
يكاد لا يفهم الجمهور من وظائف المجمع إلا أن عليه أن يتتبع الكلمات — الدخيلة والأعجمية المتفشية في لغته اليومية، وأن يستبدل ألفاظًا عربية لها، حتى كان هذا العمل أو هذا الغرض هو كل ما يرتجى من المجمع، وقد نسوا ما للمجمع من فضل في توجيه الأغراض الأخرى حقها، ولا سيما وضع ألوف الكلمات للغة الدراسة؛ أي لغة العلوم والفنون … ماذا صنع حماة اللغة، الغير على سلامتها بكلمات: براشوت «شتوكا» جستابو كوماندوس … هما رأيان بدآ يتصاولان منذ زمن الشيخ رفاعة الطهطاوي، أو نقول منذ عهد الترجمة الأول، وما زالا في الصيال حتى أسلما أمرهما أخيرًا إلى مجمع فؤاد ونزلا على حكمه. حقًّا إنَّ مسألة التعريب أو نقول: إنَّ مسألة التردد في قبول الكلمات الأعجمية، وعدم قبولها أخل بنهضتنا اللغوية وأخرها إلى الوراء أكثر من نصف قرن؛ ولذا كان التعريب من أعظم الأغراض التي ينبغي أن تعنى بها المجامع اللغوية، وهو فوق ذلك موضوع معقد خطر، ولم ننس بعد ما كان من اختلاف الرأي حول وضع اصطلاحات عربية للجيش المصري مكان اصطلاحاته القديمة، وكم عالم غيور من رجال نهضتنا الحديثة قضى نحبه وبقلبه شيء أو حسرة من التعريب!
فأنتم ترون أنَّ المغربي ظلَّ وفيًّا لفكرته في وجوب التعريب، وقد دافع عن ذلك دفاعًا مجيدًا في كتابه المشار إليه، وفي بحوثه العديدة التي نشرها في مجلة مجمع دمشق وفصلها في بحوثه في مجلة مجمع القاهرة.
(٢) عثرات اللسان في اللغة
وقد اهتم المغربي بهذه الناحية اهتمامًا شديدًا فجمع أكثر من ثلاثمائة كلمة تعثر بها الأفمام وتلفظها لفظًا خاطئًا، فصنفها تصنيفًا دقيقًا، عمد من ورائه إلى إحياء اللغة الفصيحة وتطهيرها من العاميَّة المبتذلة واستعمال الكلمات الصحيحة مكانها.
وقد ذكر في صدر كتابه ملاحظة لطيفة بين فيها أنَّ الكلمات اللغوية قسمان: قسم سماه «الكلمات الأدبية»، وهي التي تستعمل في الخطابة والكتابة والتأليف، وقسم سماه «الكلمات اليومية»، وهي التي تستعمل في لغة الحياة العامة في البيت والشارع ومجالات الأنس والسمر. وإنه قصر بحثه في كتابه هذا على الكلمات اليومية. ولا بأس أن أورد عليكم طرفًا من مباحث ذلك الكتاب لتعرفوا طريقة الشيخ ومقدار حرصه على اللغة العربية وعنايته بحمايتها قال: يقولون «حَلَوِيَّات» مجموعة الأطعمة الحلوة، يفتحون اللام ويكسرون الواو ويشددون الياء خطأ كأنها جمع حَلوِيَّة، ولا يوجد في كلام العرب حلوية، وإنما «حَلْوَيَات» جمع «حَلْوَى» بالألف المقصورة، فالواجب أن تلفظ بفتح الحاء وسكون اللام وفتح الياء من دون تشديد، وإذا جعلناها جمعًا لحلواء بالألف الممدودة زدنا ألفًا بعد الواو في الجمع، فنقول «حَلوَيات»، والياء مخففة أيضًا إلا أن يدعي مدع بأن «حلويات» المشددة الياء نسبة إلى «حلو»، فيقال فيه «حُلويٌّ» وجمعه «حُلوِيات»، فيكون خطأ العامة فيه فتح الحاء واللام وصوابه ضم الحاء وسكون اللام.
هذا نمط من مباحث «عثرات اللسان» وللمغربي مباحث ومقالات عديدة نشرها في مجلات مجامع مصر والشام والعراق كلها تنطق عن تعمقه في مباحث اللغة، وتبين حرصه الشديد على حمايتها من عبث العابثين.
وله في مباحث اللغة دراسات طويلة وآراء صائبة في القضايا اللغوية لا يتسع المجال للإفاضة فيها، فمن ذلك رأيه في أنَّ كثيرًا من الكلمات الرباعية والخماسية يمكن إرجاعه إلى كلمتين ثلاثيتين بسهولة، فقد تبين أن تكوُّن تلكم الكلمات في لغة العرب إنما كان بوساطة ما سماه «الاشتقاق النحتي»، فكلمة «دحرج» منحوتة من «دحره فجرى»، وكلمة «هرول» من «هرب وولى» و«خرمش» من «خرم وشوه» وما إلى ذلك من المباحث التي تدل على عمق تفكير وسعة اطلاع، ولقد عرف فضله في هذا الباب المرحوم الشيخ محمد عبد المطلب الشاعر المصري الفحل، فقال فيه من قصيدة بمدحه عام ١٩٠٩م، ويعتذر عن عدم تمكنه من توديعه حين مغادرته مصر إلى الشام:
(٣) الأخلاق والواجبات
انصرف المغربي بعد تركه نشاطه السياسي الذي كان يزاوله في العهد العثماني، وبخاصة خلال الحرب العالمية الأولى، إلى التأليف العلمي الهادئ، وكان كتاب «الأخلاق والواجبات» أول ثمرات هذه الفترة من حياته، وهو مؤلف إصلاحي اجتماعي ألَّفه حينما رأى (أنَّ المكتبة الإسلامية — على وفرة ما حوته من الكتب والأشعار المؤلفة في الفنون المختلفة — لم يكن فيها من المؤلفات المترجمة للأخلاق، الخاصة على الآداب، المرغبة في الفضائل. وإذا تساءلنا عن كتب الأخلاق المتداولة بيننا اليوم لم نكد نعد منها سوى «كتاب الأخلاق» لابن مسكويه، و«أدب الدنيا والدين» للماوردي و«الجزء الرابع من إحياء الإمام الغزالي». إنَّ الكتب الثلاثة التي ذكرناها هي نفسها، لا يكاد يفهمها أو يستفيد منها إلا أفراد قلائل أيضًا، وكتاب ابن مسكويه احتذى فيه مثال الحكماء والفلاسفة وسلك طرائقهم في البيان والشرح وما لنا ولما قاله أولئك الحكماء الأقدمون وهذا قرآننا وحديث نبينا ﷺ تضمنا من روائع الحكم في الفضائل والآداب والحث على مكارم الأخلاق ما يبذ القائلين، ويفي بحاجة المحتاجين، وكل ما نريد اليوم كتب أخلاقية يستعين بها المسلمون والآباء والمتصدون لإرشاد العامة ولتربية الطلاب والناشئين، وقد ألَّف المغربي كتابه هذا فجاء ضخمًا إذ تعمَّد فيه إلى توفية الأمور الأخلاقية والدينية، التي عالجها ما تستحقه من العناية، وأسهب، ورأى وزير معارف الحكومة العربية الفيصلية إذ ذلك الأستاذ الكبير ساطع الحصري أنَّ ما كتبه الشيخ مطول جدًّا فطلب إليه اختصاره، وأن يقتصر فيه عن المنقول والمأثور — على ما ورد في الكتاب السماوي والحديث النبوي، اللهم ما جاء عرضًا من أقوال الحكماء مما يلتحم معناه مع معنى الآيات والأحاديث، ففعل ذلك كله، وأفرغ الكتاب في أسلوب سهل المأخذ قريب المتناول.
- (١)
الواجبات الشخصية وبحث فيها عن وجوب اهتمام المرء بالصحة والتداوي والنظافة والطهارة، والعلم والعقل، والصبر والشجاعة، والصدق والكذب، والعمل والسعي والزراعة والصناعة، والكسب والتجارة وما إلى ذلك.
- (٢)
الواجبات العائلية وبحث فيها عما ورد في الدين عن الأهل والعيال والنكاح والطلاق وأحكام النساء والأيتام وما إلى ذلك.
- (٣)
الواجبات الاجتماعية وبحث عن مزايا الجماعة والتعاون والرحمة والصدقة والأمانة والعدل، وما إلى ذلك من مباحث الأخلاق الاجتماعية.
- (٤)
الواجبات المدنية وفيها بحث لطيف عن واجبات الفرد نحو الوطن والحكومة ووجوب الدفاع عن الوطن، والنصح للحكام والطاعة لهم وما إلى ذلك.
ثم ختم الكتاب بمختارات من القرآن والحديث يستظهرها الفرد، ويستعين بها على تدارس أموار الأخلاق والواجبات الدينية.
وقد لقي الكتاب رواجًا عظيمًا في كافة أرجاء العالم الإسلامي بسهولة عبارته، وصفاء سريرته، ونقاء سيرة مؤلفه، وصدقه في دعوته.
- أولها: ترك إخراجها إلى تقوى المرء بحيث لا يكون له محاسب سوى نفسه، ولما انحطت الأمة في علمها ومجموع أخلاقها وشئونها الاجتماعية والسياسية، تبع ذلك إهمال الفريضة فلم يعد يخرجها إلا القليل ممن تشبع بروح الدين.
- وثانيها: أنَّ هذا القليل يوزع مبالغ طفيفة — حسب رأي الفقهاء — فلا يكون لها أثر في تحسين حالة الفقراء.
- وثالثها: أنَّ مصارف الزكاة — أي مستحقيها — اختلط حابلهم بنابلهم، فلم يعد يعرف المستحق من غيره، وربما كان في هذا ما يثبط عزائم المزكين.»
وقد اقترح المغربي حلًّا لهذه المشاكل أن تؤلف في كل بلدة إسلامية لجنة من أهل الدين والعفة والأمانة، بحيث تتوفر على الوساطة بين الأغنياء، وتعد لذلك الأمر عدته من اتخاذ الأعوان والنقباء للبحث عن المستحقين وما مبلغ حاجة الواحد منهم، وأيهم الأكثر استحقاقًا وأشد عوزًا، ثم تتناول هذه اللجنة أموال الزكاة من الأغنياء وتصرفها عنهم بالوكالة إلى الفقراء بتعليم أولادهم العلوم والصنائع وإعطائهم رءوس أموال يشتغلون بها وبناء ملاجئ للزَّمنَى ومستشفيات للمرضى … إلخ.
هذا نمط من طريقة المغربي في معالجة بعض المشاكل الاجتماعية الصعبة، ولا شك عندنا في أنَّ المعلومات التي كان يعرفها عن الاشتراكية كانت معلومات أولية؛ لأن الناس في ذلك الحين كانوا لا يعرفون عنها إلا معلومات ساذجة، وما كانت الخزانة العربية قد ترجمت بعدُ المهم من مباحث العلماء عن الاشتراكية، إذ ليس ثمة من صلة بين موضوع فريضة الزكاة التي شرعها الإسلام، وبين الاشتراكية كبحث اقتصادي، فإن ما جاء به الإسلام ليس إلا دعوة دينية إصلاحية. أما الاشتراكية فمذهب اجتماعي وسياسي واقتصادي يقول الدكتور عبد الوهاب حومد: «إنَّ الدعوات الدينية ليست دعوات اشتراكية اقتصادية، وإنما هي مذاهب إصلاحية هالها هذا التفاوت بين طبقات المجتمع وهي مكونة من أفراد أمهم حواء وأبوهم آدم، فعملت على تحسين أوضاع المحرومين، وهذا الطابع الإصلاحي واضح جدًّا في الدعوة الإسلامية حتى إنها جعلت الزكاة ركنًا من أركان الدين، وحفل القرآن بكثير من الآيات التي تحض على التصديق، أما الاشتراكية فهي مسألة اقتصادية خالصة يترتب عليها نتائج اقتصادية قد تنعكس عكس الأخلاق، ولكنه انعكاس غير مباشر وعلى هذا يكون ما قاله شوقي:
ومهما يكن من أمر فإن نظرة المغربي إلى كل المذاهب الغربية كانت نظرة المسلم المحافظ الذي يرى في كتاب الله وسنة رسوله وأقوال السلف جماع كل شيء، ومنها علاج كل قضية اجتماعية وسياسية، على هذا نشأ وعليه رحل فلا مساع لمجادلته في آرائه ومعتقداته.
(٤) كتابا «تفسير جزء تبارك» و«على هامش التفسير»
هذا هو رأي المغربي في فهم نصوص القرآن وقد طبقه في تفسير كل ما ورد في القرآن من نعيم الجنة، فذكر في ذلك بحثًا طويلًا سماه «رسالة الحجج الظاهرة في ما هي ملذات الآخرة». أسهب فيها عن هذا الموضوع وأعاد وبدأ، وذهب إلى أنَّ الوحي الإلهي أراد أن يصف للمخاطبين آيات الملذات في الجنة بما ألفوه وكلفوا به من ملذاتهم الدنيوية على نحو ما يشعرون به مفرغًا، ذلك الوصف في التراكيب والأساليب التي اعتادوها في التخاطب بينهم ودرجوا عليها في ملاحن كلامهم؛ وذلك لعجز فطرهم وضعف استعدادهم عن فهم تلك الملذات الأخروية، وتعلقها بالكنه والحقيقة، فضرب لها مثلًا ملذات الدنيا ووسائل اجتلابها وأسباب الشعور بها من مثل الحور، واللحم، والخمر، واللبن، والفاكهة، والأسرة، والحرير، والذهب، والفضة، واللؤلؤ، ولا يخفى أن تمتع النفس بهذه المذكورات وتقليب النظر فيها، وممارسة الحواس لها من أكبر ملذات الدنيا وأسباب الترف فيها عند البشر عامةً، وعند العرب المخاطبين بالوحي لذلك العهد خاصة. فالمنعم في الجنة يشعر بلذة عجيبة، ثم يحس بمسرة غيرها شديدة التأثير في نفسه، ثم بلذة ثالثة وبأخرى غيرها رابعة وهكذا. فتتألف من مجموع هذه الملذات والمسرات وشعور النفس بها حالة صورها الوحي الإلهي للبشر بحالتهم التي يشعرونه بها، مذ يتناولون ملذوذاتهم الدنيوية المتعددة الأنواع والمختلفة الأشكال، ويمارسون أسبابها ووسائلها كل ذلك تشويقًا لهم وحفزًا لهممهم إلى الإيمان والعمل الصالح وطاعة الله. ولا يلزم من هذا أن تكون ملذات الجنة روحانية أو معنوية لا وجود لها في الخارج ولا يشعر بها الجسم؛ لأنك إذا ضربت جود حاتم المعهود لك مثلًا لجود زيد لا يلزم منه أن يكون جود زيد أمرًا معنويًّا لا وجود له في الخارج، وإذا ضرب الله لنا لحم الطير مثلًا لملذة من ملذات الجنة، لا يلزم منه أن تكون ملذة الجنة روحانية لا يحس بها الجسد، ويوشك أن يكون الشرح قد نقل الكلمات الدالة على المسرات من معناها اللغوي الدنيوي إلى معنى اصطلاحي جديد أخروي، فنقل كلمات الخمر واللبن واللحم والطير والحور والولدان من معانيها المعهودة في الدنيا إلى معانٍ أخرى؛ وهي وسائل اللذات والمسرات التي تكون في الجنة، فهذه الكلمات إذن لها معانٍ لغوية أخرى، ومعان أخرى عرفية أو شرعية، وهذه الكلمات الصوم والصلاة والزكاة وغيرها مما له معان لغوية ومعانٍ شرعية. ونحن نقول بأن لتلك الألفاظ «كالخمر والحور والولدان» مدلولات علوية تلائم الحياة الأخروية التي لا نستطيع اكتناهها في حياتنا الدنيا، وإنما فصل الشرع ذلك تفاديًا من وضع كلمات جديدة لهذه المسرات الأخروية، ليست من لغة العرب المخاطبين ولا يفهمونها، والحكمة تقضي أن لا يخاطبهم إلا بما يفهمون لتنهض الحجة عليهم. ولما كانت اللذات المادية كما نفهمها في هذه الحياة الدنيا غير ممكنة في تلك الحياة الأخرى وجب أن نحمل آيات النعيم ووصف اللذائذ الأخرى على المعنى الكنائي والأسلوب التمثيلي — كما وقع في قول الخنساء وأقوال كثيرين غيرها من فحول فصحاء العرب وبلغائهم — ولا يضر تلك الآيات، ولا يحط ذلك من قدر بلاغتها وقيمة إعجازها، بل على العكس يزيدها رونقًا وبلاغةً وحسنًا ويرفعها درجات في معارج الإبداع والإعجاز.
والمغربي في تفسير جزء «تبارك» يسلك طريقة المفسرين الأول من رجال مدرسة أبي عمرو بن العلاء، وأبي عبيدة الذين يمزجون التفسير بالآداب ويتفهمون القرآن بأساليب العرب، ولعل كتاب المجاز الذي ألَّفه أبو عبيدة وملأه بالشواهد الشعرية، وبحث فيه عن مجازات القرآن وكناياته دليل على ما قلناه.
وتفسير المغربي كتفسير محمد رشيد رضا وتفسير شيخهما محمد عبده، وهي من التفاسير الحديثة التي سار فيها أصحابها على مذهب السلف، ولعل رائد هذه الطريقة في العصور المتأخرة هو الإمام أبو الثناء الألوسي في العراق، والمصلح الشيخ جمال الدين القاسمي في الشام.
أما بعد فهذا بحث موجز عن المغربي المؤلف عمدنا فيه إلى دراسة بعض آثاره المطبوعة، لئلا يطول البحث بدراسة آثاره كلها، ولا بد لنا قبل ختام هذا الحديث من الوقوف أمام كتاب من أواخر كتبه التي نشرها هو شرح تائية عامر بن عامر البصري الصوفي الحكيم، فقد نشر التائية مع شرح موجز لأبياتها كشف فيه عن رموز الصوفية في أشعارهم وأفكارهم. ومن هذه الرسالة تتكشف لنا ناحية من نواحي الشيخ ما كنا لنعرفها عنه لولا هذه الرسالة، وهي معرفته الواسعة بالتصوف ومذاهبه، فقد قدم لنا الشيخ فيها «صورة من صور التفكير العربي جمع مصورها البارع في نقشها بين لونين: لون أدبي مشرق باسم، ولون صوفي عابس قاتم».
أما آثاره المخطوطة فنجمل الحديث عنها بما يلي:
(٥) «كتاب أحسن القصص أو التاريخ النبوي المقدس» في سيرة نبينا محمد ﷺ وتاريخ نشأته إلى حين وفاته
هو كتاب في السيرة أتى فيه المؤلف على تفاصيل حياة نبينا محمد ﷺ مبوبًا ومرتبًا ترتيبًا عصريًّا وقد ضمنه كثيرًا من الأبحاث والفوائد المتعلقة بأخلاق النبي الكريم وحقائق الشريعة التي أتى فيها بما يروق لدى الفضلاء المعاصرين، وصدره بمقدمة قال فيها: «إنَّ الغرض من هذا الكتاب فائدتان الأولى، تقوية إيماننا وازدياد ثقتنا بصحة ديننا، والثانية هي التأمل في أخلاق النبي، وروائع آدابه، وتدبر أعمال الصحابة وجليل مآثرهم، والمقارنة بين جميع ذلك، وبين ما نحن عليه اليوم من الأخلاق والآداب، وأن نتخذ من سيرته ﷺ وآدابه وآداب صحابته ما نقتدي به ونعمل على شاكلته.»
وقد أفرد في مستهله بحثًا من المؤلفين في سيرة النبي ﷺ، ثم وصفًا لحالة العالم قبيل البعثة، وبحثًا عن حال جزيرة العرب قبل الإسلام وعن قريش وطفولة النبي وشبابه وزواجه، ثم تكلم عن الوحي وعن صبر النبي على أذى المشركين وعن صحابته وغزواته، وما تخلل ذلك من الحوادث التي تشيد بصدق هذه الدعوة المحمدية، كل ذلك بأسلوب بالغ الروعة، غير أنَّ المؤلف بعد أن تكلم على سرية زيد بن حارثة وقف عند غزوة أحد ولم يكمل الباب.
(٦) المعجم اللغوي
هو معجم لطيف جمع فيه ما يحتاجه المؤلفون والكتاب في الفنون المختلفة العصرية والإدارية من الألفاظ والتراكيب التي يجدر بهم استعمالها في كتاباتهم وتآليفهم، فتحيا بها اللغة العربية وتجاري غيرها من اللغات الحية في حلبة التأليف الفني الصحيح، وقد نهج في هذا المعجم نهجًا جديدًا، وهو أنه قسم كلمات اللغة إلى ألفاظ زراعية، وصناعية وإدارية، وعسكرية، واقتصادية، وحقوقية، وتجارية، وفنية، وكلمات علمية عامة أدرجها تحت عنوان «المعارف» ثم ذكر كلمات مختلفة لمعان مختلفة، وجعل كل نوع من هذه الألفاظ في باب خاص، كما أورد معناها والمراد منها بأسلوب سهل واضح إلا أنَّ هذا التأليف لم يتم ووقف المؤلف فيه عند حرف الذال.
(٧) أقرب الطرائق إلى كنز الدقائق
هو كتاب كان وضعه وهو في طور التحصيل شرح فيه «متن الكنز» في الفقه الحنفي شرحًا قرب مسائله إلى أذهان المتعلمين، ومما قاله في مقدمته: «إنه قد اقتصر على المسائل الفقهية التي يكثر حدوثها وتحاشي الألفاظ التي يقبح سمعها بقدر الإمكان»، ولم يتعرض للخلافات بل ذكر القول المعتمد، وقد توخى الإيجاز حين يرى الإيجاز ألزم، والإسهاب حين يراه أنفع، وهو شرح سهل العبارة بسط فيه المسائل الفقهية تبسيطًا علميًّا قريبًا من أذهان أهل العلم والمراجعين.
(٨) رسالة العقائد الإسلامية
هي رسالة في العقائد الإسلامية أفرغها المغربي بأسلوب يقرِّبها من أذهان الطلاب، وقد جمع فيها ما ينبغي معرفته في هذا الموضوع، كما ضرب أمثلة، وأتى باستدلالات معقولة تساعد على تفهم مسائل هذا العلم، لا سيما ما يتعلق بوجود الله تعالى والنبوات والمعجزات.
(٩) كتاب شرح مقصورة ابن دريد
هو كتاب كبير شرح فيه أبيات المقصورة الدريدية بأسلوب طلي رائع في الإبانة، وحلل ألفاظها تحليلًا لغويًّا يغني المتعلم والمتأدب عن الرجوع إلى أستاذ يساعده على فهمها، وصدَّرها بمقدمة أفاض فيها في ضرورة العناية باللغة العربية لأمم «الجامعة الدينية والجامعة الوطنية»، وشرح المزايا التي تتحلى بها المقصورة الدريدية وما جمعته من ضروب المديح والفخر والحماسة والغزل والتاريخ، وشكوى الزمان، ووصف السحاب والخيل والإبل، والحكم الرائعة، والأمثال البديعة، والمواعظ البليغة، ثم عقد فصلًا أوجز فيه سيرة صاحب المقصورة أبي بكر محمد بن الحسن بن دريد الأزدي.
(١٠) مجموعة طائفة من الأشعار في وصف الصحاري والقفار
جمع المؤلف في هذا الكتيب قطعًا شعرية لبعض الشعراء في العصر الجاهلي، ثم لبعض الشعراء الإسلاميين المتقدمين ولبعض الشعراء الإسلاميين المتأخرين في وصف الصحاري، وقد علق على هذه الأشعار بشروح لطيفة توضح معناها الذي أراده الشاعر، وصدر هذه المجموعة بمقدمة نقل فيها ما قاله المسعودي في مروج الذهب عن السبب الذي جعل العرب يفضلون سكنى البوادي على سكنى المدن والأمصار.
(١١) تاريخ آداب اللغة العربية
هو كتاب ضخم صدره بمقدمات عن الآداب التي يجب أن يروض المشتغل بالآداب العربية نفسه بها، وعن معنى التاريخ وفن تاريخ الآداب والتأليف فيه، وعن معنى الأدب والآداب عند الإفرنج والعرب، ثم انتقل إلى الكلام عن عرب الجزيرة ولغاتهم وطبائعهم وعلمهم، ثم بسط مسائل هذا العلم مبتدئًا بتاريخ الآداب العربية في عصر الجاهلية الأولى، ثم عصر الجاهلية الثانية الذي ينتهي بظهور الإسلام، ثم العصور الإسلامية، وقد أفاض في كل هذه المواضيع، وما يتعلق بها، وأتى على نموذجات من مطالب اللغة، وعلى أبحاث لغوية تتعلق بتاريخ الآداب العربية، ثم ذكر المؤلفين في اللغة، ثم بحث في الألفاظ التي عاشت، ثم ماتت، والمعرَّب، والمولَّد، والأمثال والشعر والشعراء وطبقاتهم، والخطباء، والأنساب، وأسواق العرب إلى آخر ما يحتاج إليه المتأدبون في هذا العلم.
ويلحق بهذا الكتاب جزء عنوانه: «الآداب العربية».
استهله الشيخ بمقدمة في تحديد وظيفة أستاذ الآداب العربية، ثم انتقى مختارات من أبلغ الشعر والنثر في العصور المختلفة مع شرح لغريب ألفاظها، والمعنى الذي أراده قائلها بعد تعريف موجز بهذا القائل إن كان معروفًا.
(١٢) كتاب «فنون البلاغة»
هو كتاب في فنون البلاغة الثلاثة مصدر بآمال شيقة في تاريخ البلاغة، ثم في التعريف بعلومها الثلاثة وتحديد كل من هذه العلوم بإيجاز، ثم تلا ذلك مقدمة في ماهية الفصاحة وماهية البلاغة، ثم ينتقل إلى مباحث علم المعاني، ومن المؤسف أنَّ هذا الكتاب غير كامل.
(١٣) كتيب في التعليم بالمراسلة
هي دروس في رسائل كان يبعث بها المغربي يوم كان في القدس عام ١٩١٥م إلى ولديه مصطفى ونعيمة في طرابلس تضمَّن نصوصًا أدبية وأخلاقية بليغة منتقاة من أمهات كتب الأدب العربي، و«شرحها شرحًا وافيًا، وعلَّق عليها، وفسر ما فيها من غريب الألفاظ تفسيرًا على غاية في الوضوح، وهي خمس وعشرون رسالة متنوعة المواضيع.»
(١٤) النغَب: أو نوادر العلوم وفرائد الآداب
هي مختارات قطع أدبية متفرقة في الأدب والتاريخ واللغة، حوت البليغ من النظم والنثر ويظهر أنَّ الأستاذ كان جمعها وشرحها وحلل ألفاظها، وهو يريد أن يطبعها في كتاب أدبي على نمط الكامل للمبرد.
•••
هذا وقد ترك الأستاذ كراريس كثيرة وتساويد في علوم الدين واللغة والأدب منها «كتاب في أصول الفقه» على طريقة السؤال والجواب و«كتاب في النحو» ورسالة عنوانها «إثبات الحسِّ اللغوي»، كما ترك مقالات وأبحاثًا في مختلف المواضيع معدة للنشر في الصحف والمجلات. وله حواش وهوامش وتعاليق كثيرة على بعض الكتب مثل: المزهر للسيوطي، وحماسة أبي تمام وغيرهما.
أما محاضراته التي تنيف على المائة في الإصلاح الديني والاجتماعي واللغة وآدابها والتاريخ، فقد كان ألقاها في مدن مختلفة في سوريا ولبنان ومصر وأكثرها ألقي في ردهة المجتمع العلمي بدمشق ومنها ما ألقي على السيدات ومعظمها لم ينشر بعد، وله تأليف خاص بأسرته (آل المغربي) في سورية ومصر وتونس تكلم فيه عن منشئها وعن العلماء الذين ظهروا فيها، كما كتب شيئًا عن نشأته وعن شيوخه وتاريخ والده وأجداده والأعمال العلمية التي مارسها، واستطرد بالمناسبة إلى ذكر وقائع من تاريخ طرابلس وحالتها الاجتماعية في الماضي والحاضر.
هذا هو الإمام المغربي في نواحيه العلمية والأدبية والإصلاحية، وهذه هي صفحة مشرقة من صفحات تاريخها الحديث خطها المغربي في سفر الحضارة العربية الخالدة.
فعليه من الرحمة والرضوان بقدر ما خدم أمته ولغته ودينه.