حديث بعد منتصف الليل!
كان الظلام قد بدأ يهبط على مدينة «سياتل» حينما كانت السيارة التي تقلُّ الشياطين الخمسة تسير في شوارعها الواسعة، وأضواؤها تشق الظلام، فتضيء أرضها المنزلقة من أثر الأمطار، التي كانت تنهمر طوال اليوم.
كانت علامات التعب والإرهاق واضحة على وجوه الشياطين الخمسة، بعد المعركة الرهيبة التي تمَّت بينهم وبين عصابة سادة العالم، على شاطئ «سيورد»، والتي على إثرها استطاع «عوني» الفرار، بعد مساومته مع «أحمد»، في سبيل إطلاق سراح «فهد» و«بو عمير»، والتي خرج منها الشياطين بمجموعة وثائق ضخمة وهامة جدًّا.
كان النوم قد تمكَّن من «زبيدة» و«إلهام» في السيارة الأجرة، التي استقلَّها الشياطين من المطار إلى مقرِّهم بمدينة «سياتل». وكان الهدوء مُخيمًا على السيارة وعلى شوارع المدينة الأمريكية. ولم يكن يَقطعه سوى الصوت المنخفِض الذي كان يصدر من راديو السيارة، والذي على أثره كان سائق السيارة الأمريكي يَنقُر بأصابعه على المقوَد، دون أن يُخفض من سرعة السيارة المنطلقة في الشوارع الهادئة … في هذه الساعة المُتأخِّرة من الليل.
قطع «أحمد» الهدوء قائلًا: يجب الإسراع بإبلاغ رقم «صفر» بتفاصيل هروب «عوني»، وأظنُّ أن رقم «صفر» سوف يُصاب بخيبة أمل؛ فقد كان مهمًّا جدًّا بالنسبة له الإيقاع ﺑ «عوني».
بو عمير: أظن أن مجموعة الوثائق التي حصلنا عليها هامة جدًّا، وهذا سوف يُهدئ من غضب رقم «صفر» … وأخذ يُربِّت على الحقيبة التي كان يَحتضنها بين ذراعيه …
أحمد: أظنُّها ستكون مجموعة من المعادلات الكيميائية، التي سوف نأخذ وقتًا كبيرًا في الوصول إلى معنى لها … وسوف يتَّضح كل شيء فور وصولنا إلى المقرِّ الذي أعدَّه رقم «صفر» لنا، والذي أعتقد أننا اقتربنا منه!
كان «فهد» صامتًا، وقد شرَد ذهنُه بعيدًا، وكأنه لا يَسمع الحوار الدائر بين «أحمد» و«بو عمير» …
لم تمضِ لحظات حتى بدأت السيارة تهدأ في سَيرها، وبدأ السائق يَنحرِف ناحية اليمين، حتى استقرَّ أمام مبنى مكوَّن من طابقَين من المباني الحديثة، في أحد الشوارع الضيقة من شوارع المدينة، وهنا طابق «أحمد» العنوان المكتوب على المبنى، مع العنوان الذي يَحمله في يده …
استيقظت «إلهام» و«زبيدة»، وبدأ الجميع يُغادرُون السيارة … وتقدم «فهد» ودفع أجرة السائق، الذي انطلق بالسيارة بسرعة كبيرة، دون أن يَنطِق بكلمة شكر، رغم البقشيش السخي الذي منحه له «فهد» … وهز «فهد» رأسه متضايقًا، ثم تبع الشياطين إلى المبنى.
كانت أول مرة للشياطين يزورون فيها مدينة «سياتل» التي كانت درجة الحرارة فيها مُنخفضة للغاية، ولكن بالنسبة لدرجة حرارة «أيسلندا» التي جرَت فيها أحداث المغامرة السابقة، فإنها تُعتبَر مُحتملة.
ولكن لم يشعر الشياطين بفارق الجو، إلى جانب الإرهاق المسيطر عليهم.
كان المنزل الذي نزل فيه الشياطين «فيلا» من طابقَين يَغلب عليها الطابع الأمريكي في الأثاث والبناء … بدأ الشياطين يتفرَّقون في الغرف، فدخلَت «إلهام» و«زبيدة» غرفة، وبدأنا الاستعداد للنوم، بينما أخذ «أحمد» و«بو عمير»، و«فهد»، في التجول في أنحاء المنزل، للتعرُّف عليه … وكان «أحمد» يبحث عن الغرفة الموجود بها جهاز الإرسال، الذي سوف يتَّصل منه برقم «صفر» ليحكي له تفاصيل التطورات لهروب «عوني».
ذهب «فهد» إلى المطبخ، حيث بدأ في إعداد بعض الشاي الساخن ﻟ «أحمد»، و«بو عمير»، الذي كان يجلس وقد فتح حقيبة المستندات والوثائق التي حصلوا عليها، بعد انتهاء معركتهم مع عصابة سادة العالم، وبدأ «أحمد» يعدُّ التقرير الذي سيُرسله لرقم «صفر» …
لقد أوضح فيه كل التفاصيل التي جرَت منذ وصولهم إلى «أيسلندا»، حتى هروب «عوني مسعود» في الغواصة، على شاطئ سيورد، وكيف لم يستطع الشياطين استكمال متابعته … وقد أوضح «أحمد»، أن العصابة قد أعدَّت مقرًّا ضخمًا، يحتاج اقتحامه إلى دبابات … وأنهم فعلوا ما يُمكنهم لتدمير ما يُمكن تدميره منه بالقنابل الناسفة … ثم أوضح «أحمد» أهمية الوثائق التي حصلوا عليها، وأنَّهم سوف يُتابعون مطاردة «عوني» إذا رأى رقم «صفر» ضرورة ذلك.
بعد انتهاء «أحمد» من إرسال التقرير جلس مع «فهد» و«بو عمير» يَشربون الشاي الساخن.
وقال «أحمد»: لقد كنت أعلم أن «عوني مسعود» ليس بالصيد السهل … فقد كنت متأكدًا أنه سوف يقاوم مقاومة شديدة … وفعلًا هذا ما حدث!
فهد: إن رجلًا مثل «مسعود»، كان من مُدرِّبي الشياطين، فليس من الصعب عليه أن يفعل ما يفعله … خصوصًا أن اشتراكه مع عصابة سادة العالم، قد جعل منه مجرمًا خطيرًا.
بو عمير: إنها المرة الأولى، التي تتلقَّى فيها إذنًا من رقم «صفر» بقتل أحد معاونينا … إنه لشيء مؤسف، أن يشترك رجل داهية مثل «عوني مسعود» في أعمال إجرامية، مستخدمًا ذكاءه المتفوِّق.
أحمد: إننا سوف نستمر في مطاردته حتى الوصول إليه، وتنفيذ الأوامر الصادرة إلينا بالحرف الواحد … ولكنَّني في انتظار التوصل إلى حقيقة محتويات الوثائق التي حصلْنا عليها، ومعرفة تعليمات رقم «صفر» بخصوص الوضع الحالي …
خيَّم الصمت على الشياطين الثلاثة الذين كانوا قد انتهوا من شرب الشاي …
قال «أحمد»: أظنُّنا في حاجة إلى راحة طويلة … حتى يصلَنا رد رقم «صفر» وتعليماته الجديدة.
وسوف نَشترك صباحًا في فحص الوثائق التي لدينا!
بو عمير: لقد ألقيتُ عليها نظرة سريعة … وأظنُّ أن معظم الأوراق، عبارة عن مجموعة خرائط، ورسومات هندسية، ومعادلات كيميائية.
أحمد: سيتَّضح كل شيء صباحًا، وسنُرسل تقريرًا آخر بما توصلنا إليه من معلومات، إلى رقم «صفر»!
أما الآن، فأنا في أشد الحاجة للنوم … وأظنكما أيضًا في حاجة إلى الراحة … فلدينا عمل كثير صباحًا …
وهنا تفرَّق الشياطين الثلاثة …
فذهب «بو عمير» و«فهد»، إلى غرفة نوم مشتركة … وذهب «أحمد» إلى غرفة النوم المستقلَّة، التي كان بها جهاز الإرسال والاستقبال بينه وبين رقم «صفر» … فاستلقى على الفراش، وذهب في سبات عميق.
ولم تمرَّ لحظات، حتى كان المنزل غارقًا في الظلام والصمت … ولكن لم تمضِ ساعة، حتى قطعه صوت جهاز الإرسال المتقطع … وبدأ النور الأحمر يضيء ويطفئ في غرفة «أحمد» … وهذا معناه وصول تقرير هام وعاجل إلى الشياطين الخمسة …
واستيقظ «أحمد» على صوت صفارة رفيعة تصدر بانتظام مع نبضات النور الأحمر …
أسرع إلى جهاز اللاسلكي … وأخذ يتابع بعينين طار منهما النوم … تعليمات رقم «صفر» … وماذا يريد في الخطوات القادمة!
كان رأسه يكاد ينفجر من اليقظة المفاجئة … وجسمه يئنُّ من التعب، ولكن التعليمات كانت شديدة الأهمية، ويتوقَّف عليها الكثير مما سيَحدُث بعد ذلك …