عندما يَحترق الجليد
بعد لحظات من الاطِّلاع … تأكَّد له أنه من الضروري إيقاظ بقية الشياطين، فدقَّ جرسًا بجواره … وظهر الأربعة فورًا على عتبة الباب … ثم التفُّوا حوله، وهم تحت تأثير النوم واليقظة المفاجئة.
كان من الواضِح أن رسالة رقم «صفر» طويلة، وأنها تَحمِل أخبارًا خطيرة … ارتسمَت ابتسامة غريبة على وجه «أحمد»، وهو لا يزال أمام جهاز اللاسلكي … اقتربت «إلهام» من «أحمد»، وبدأت تَنظر إلى الرسالة التي يتلقَّاها منذ أكثر من ثلث ساعة من الكتابة المتصلة … بينما ارتمى «فهد» على سريرٍ «أحمد»، وكأنه يأخُذ آخر قسط من الراحة، استعدادًا لبداية نشاط قادم، مع رسالة رقم «صفر».
تعلَّقَت أعين الشياطين بالورقة الطويلة التي يَحملها «أحمد»، بعد توقف جهاز اللاسلكي في بث إشارته الحمراء وصفارته المتقطعة …
زبيدة: أظنها رسالة تأنيب، من رقم «صفر»!
بو عمير: أظنُّه، يتعجَّل ما هو موجود بالوثائق، التي حصلنا عليها …
فهد: هل مِن جديد!
سكت «أحمد» لحظات، وهو لا يزال ينظر إلى بقية الشياطين وعلى وجهه ابتسامة يصعب فهمها … فساد الصمت للحظة … ثم بدأ يقرأ ما نقَلَه جهاز اللاسلكي …
كنت أضع في احتمالاتي، فكرة هروب «عوني مسعود» …
إنني أقدر العمل الذي قُمتم به في «أيسلندا» … ولكن التفوُّق العدَدي والإمكانيات، قد مكَّنت «عوني» من الهرب … خصوصًا أنه يُعتبَر الآن من عصابة سادة العالم، وهذا يضع بين يدَيه إمكانيات ضخمة وأنتم تعرفون أنه زميل سابق في مجموعتنا، وحصل على دراسة وتدريبات على الأسلحة الصغيرة … وهو يتمتع بذكاء معروف. كل هذه عوامل ساعدته على الفرار.
هذا إلى جانب أنه يعرف عنكم الكثير … ويَعرف الكثير عن طرُقِ تدريبِكم وقدرتكم المادية والبدنية … كما أنكم كنتم في عقر داره … فليس غريبًا إذن أن يفرَّ منكم …
هذا إلى جانب أنكم عندما تَدرسُون حجم إمكانياتهم، وعددهم فأنتم بالتأكيد، ستكون لديكم القُدرة على القضاء عليهم، لكن لم تُواتِكم الفرصة المناسبة بعد …
واستطرد «أحمد» في قراءة التقرير …
«إنني آسف لعدم تركِكُم فترة أكبر للراحة … ولكن، قد شوهد «عوني مسعود» عن طريق عملائنا في مدينة «تاكوما» الأمريكية، وكما تعلمون أن المسافة بين مدينة «سياتل» و«تاكوما»، تقطعها السيارة في نحو ثلاث ساعات، وتقطعها الطائرة في نصف ساعة.»
هذه هي المرة الثانية التي يُرسل القدر «عوني» إليكم على بُعدِ كيلومترات منكم … وهو بالطبع بعيد عن مقره الأساسي … فلذلك، فلن تكون لديه كل الإمكانيات المتاحة له في «أيسلندا»، ولذا فإنني أعتبرها فرصة مُمتازة للقضاء عليه … ولكن لا داعي للتهاون، فأنتم الآن تُقدرون قدرته الحقيقية إلى جانب ذكائه المعروف …
ولذلك فأنا أترك لكم حرية وضع الخطة المناسبة للسفر، وطريقتها، وسوف تكون كل الإجراءات والتسهيلات في متناول أيديكم، بمجرد الاتصال برجلنا في مدينة «سياتل» في رقم التليفون الموضَّح في آخر التقرير …
في انتظار نتائج الوثائق التي حصلتم عليها.
مع تمنِّياتي لكم بالتوفيق.
لم يكن يخطر ببال أحد من الشياطين أن الالتحام مرةً ثانية مع «عوني مسعود» سوف يتمُّ بهذه السرعة، فلم تمضِ سوى ساعات، منذ فرَّ في غواصة، ولم يعرفوا اتجاهه، وهذا هو مرة ثانية أمامهم، وجهًا لوجه، على بُعدِ أميال قليلة.
وبينما استغرق كلُّ واحد من الشياطين في خواطره في صمت مُطبق …
قال «بو عمير»: لن يُفلِت منَّا هذه المرة!
أحمد: لا بدَّ أن نكون على حذر بالغ، كما قال رقم «صفر» … فالأغلب أن يكون «عوني» على علم تام، بوصلِنا إلى «سياتل» …
زبيدة: يا له من رجل جريء، إذا كان قد حضر وراءنا إلى مدينة «تاكوما»!
فهد: إنني أستبعِد أن يكون قد جاء وراءَنا خصيصًا.
أحمد: لا بدَّ أن نهاجمه قبل أن يُهاجمنا … ومن الأفضل أن نُبادِر بالسفر إليه غدًا … بعد انتهائنا من فحص الوثائق!
لم يَعترِض أحد من الشياطين على اقتراح «أحمد» … وبعد هذا الاتفاق، تفرَّقوا إلى غرفهم مرة أخرى، ليكملوا راحتهم خلال الساعات القليلة الباقية من الليل …
كانت «إلهام» أول مَن استيقظ في الصباح، وأعدت الشاي والإفطار لبقية زملائها … وسرعان ما كانوا جميعًا مُلتفِّين حول الشاي وهم يتجاذَبون أطراف الحديث، حول التطورات الأخيرة للموقف …
ما إن انتهوا، حتى فتح «أحمد» الحقيبة التي بها الأوراق، وبدأ في فحصِها هو وبقية الشياطين، ورقة ورقة، بدقة شديدة … فكانت مُعظمها خرائط عن القطب المتجمِّد الشمالي، وبعض الرسومات الهندسية وبعض الشرح والتعليق تحت كلِّ صورة … وبعض المعادلات الكيميائية المعقَّدة …
ولكنَّ الشياطين كانوا قد درَسوا كثيرًا من أمثال هذه الوثائق … واستطاعوا أن يكونوا فكرة واضحة عما فيها … واتضح لهم من الخرائط، أنها تظهر أماكن وضع السخانات التي ستضعُها عصابة «سادة العالم» لإذابة الثلج الموجود في المنطقة المتجمدة القطبية، للوصول إلى البترول بطريقة سهلة، رغم خطورة ما يترتَّب على إذابة الجليد من أخطار، قد تُهدِّد الأرض كلها.
أحمد: إن هذه الوثائق غاية في الأهمية، فعن طريقها، نستطيع الوصول إلى جميع السخانات الموجودة بالمنطقة … إن طريقة الوصول إلى البترول بتسخين الجليد طريقة شيطانية.
إلهام: إنها تُوفِّر جهد البحث والتنقيب والحفر …
فهد: كل هذه السخانات العملاقة، لرفع درجة الحرارة عشر درجات فقط …
زبيدة: أنت تعرف يا «فهد» أن صلابة الثلج في هذه المنطقة من القوة، بحيث يَستحيل استخدام المعدات العادية، للوصول إلى الطبقات السفلى …
أحمد: ألم تُلاحظوا شيئًا خطيرًا في كل صورة؟!
موجود خلف كل صورة تاريخ … وهذا التاريخ لم يأت بعد، وأعتقد أنه موعد استخدام كل سخان، بحيث تتواصل الحرارة خلال الجليد، فتذيبه تدريجيًّا في توقيتات محسوبة!
بو عمير: لو كان الأمر كذلك، فإنه لم يَعُد أمامنا سوى خمسة أيام فقط، قبل استخدام أول سخان!
إلهام: يا لها من كارثة ستعصف بالعالم … إذا لم نبادر إلى وقف عمل هذه السخانات!
أحمد: من المؤكَّد أنها تحت حراسة قوية … فمثل هذا المشروع، لا بدَّ أن تتوافَر له حماية ضخمة … وأمامنا الآن عمل كبير وخطير!