رجل … في المصعد!
دخل الرجل إلى الغرفة، وكان يرتدي بدلة سوداء، شديدة الأناقة، نحيفًا … طويل القامة، له شارب أسود ضخم … وسرعان ما عرفه الأصدقاء؛ فهو بلا شك الحارس الخصوصي ﻟ «عوني» …
أغلق الرجل الباب خلفه … كانت المفاجأة قد أذهلت الشياطين الثلاثة … فلم يتصوروا أن تصل المعلومات ﻟ «عوني» بهذه السرعة، حتى يرسل هذا السفاح في نفس الساعة لوصولهم … لا بد أنهم كانوا مراقَبين منذ وصولهم …
كل هذه الخواطر مرت بأذهان الشياطين الثلاثة وأحسُّوا بالخجل من أنفسهم … لقد كان يجب أن يتوقعوا الهجوم.
كان المسدس موجهًا إلى «أحمد»، الذي كان يتوسط الغرفة، في مواجهة الرجل الذي كان يبتسم بثقة، وهو يقول: مرحبًا بكم في «تاكوما».
كان لا بد للشياطين من سرعة التحرك، وإلا فضغطة واحدة على زناد هذا المسدس الضخم، الذي يحمله الرجل كافية لأن تشطر رجلًا إلى نصفين …
وكانت البداية من فهد، الذي كان في جانب الغرفة … وبالتالي جانب الرجل … كان قميصه ما زال في يده، فأداره بسرعة ثم قدفه بكل قوته في وجه الرجل … كانت لحظة أو أقل تكفي للتصرُّف … وهذا ما حدث. في نفس اللحظة، كانت موجهة إلى الرجل قبضة «بو عمير» الغليظة التي كانت كفيلة أن تجعل الرجل النحيف يترنح … ثم يفقد توازنه، ويسقط على جانبه الأيسر.
ولكن يد الرجل القوية، كانت لا تزال تمسك بالمسدس الضخم، وكان رد فعله في غاية السرعة … ضغط على زناد المسدس لتنطلق منه قذيفة كادت تستقر في كتف «أحمد»، الذي ارتمى جانبًا. وتلتْها قذيفة أخرى، قطعت الغرفة لتستقر في المنضدة، التي كان يقف عندها «فهد» …
وكانت قدم «أحمد» القوية أسرع من الطلقة الثالثة.
ارتمى «أحمد» على الأرض، وأرسل قدمه في الهواء بسرعة شديدة، أصابت يد الرجل التي تحمل المسدس، فطار إلى نهاية الغرفة.
وكانت بداية لسيطرة الشياطين على الموقف …
حاول الرجل مدَّ يده إلى داخل سترته، ولكن يد «فهد» أسعفته بضربة، ارتفع على أثرها صوت آهة عالية من الرجل … سقط بعدها على أرض الغرفة بلا حراك، وقد انتهت أناقتُه، واختفت الابتسامة الواسعة التي كانت تملأ وجهه.
لم تستمرَّ المعركة سوى نصف دقيقة … ولكنها كانت كافية لإعادة النظر في خطتهم المُقبِلة … نظر الشياطين الثلاثة إلى بعضهم البعض؛ فقد أذهلتهم سرعة تحرك «عوني» … ودقته …
وإن كان لم يقدر كفاءتهم القتالية تقديرًا كافيًا.
أحمد: لقد كنا في غاية السذاجة؛ إذ تصوَّرنا أننا سنَسبق «عوني»!
بو عمير: أخشى أن يكونوا قد هاجموا «زبيدة» و«إلهام» …
قفز «فهد» إلى باب الغرفة … وطرق على غرفة «زبيدة» و«إلهام»، وكم كانت مفاجأة.
فقد فتحت «إلهام» الباب ونظرت إلى «فهد» نظرة استفسار وقالت: ماذا حدث؟
أحمد: الحمد لله أنكما بخير!
زبيدة: من داخل الغرفة: هل حدث شيء؟
«أحمد» مبتسمًا: حدث هجوم مفاجئ من أحد أعوان «عوني» … ولكن الموقف على ما يرام!
عاد «أحمد» و«فهد» إلى الغرفة، وكان الرجل ما زال راقدًا على الأرض، وقد انحنى عليه «بو عمير» وأخذ يفتشه بدقة، ولم يكن في توقُّعهم أن يجدوا شيئًا يمكن أن يدلهم على شخصية الرجل؛ لأن رجل عصابات كهذا، لا يحمل عادةً أيَّ شيء يُمكن أن يدل على شخصيته أو شخصية مُرسلِه … لم يكن معه سوى مسدَّس آخر صغير موضوع في أحد جيوبه الداخلية.
أحمد: لقد حدث كل شيء بسرعة … وأعتقد أن أحدًا لم يلحظ شيئًا!
فهد: أظن ذلك …
أحمد: بالتأكيد إن هناك آخرين في صالة الفندق في انتظار الرجل!
بو عمير: أعتقد ذلك … إن خروجنا من الغرفة، أصبح عملية صعبة في حدِّ ذاتها …
أحمد: لا بد من سرعة التحرُّك … ولا أجد طريقة أخرى سوى التنكُّر …
بو عمير: فعلًا … التنكُّر هو الحل الوحيد …
فهد: المهم … كيف سنتخلَّص من هذا الرجل؟
بو عمير: أرى ضرورة إبلاغ إدارة الفندق … فالرجل في غرفتنا!
فهد: إن ذلك سوف يؤدي بنا إلى متاهات كثيرة، من أسئلة، واستفسارات، وتحقيقات، نحن في غِنًى عنها!
أحمد: أحسن طريقة، هي أن نضعه في مصعد الفندق … وبذلك لن يعلم أحد، من أي دور قادم … وسيعلم زملاؤه بما حدث، ويعرفون أننا لسنا لقمة سائغة!
بو عمير: ولكن أولًا، يجب أن يكون أحدنا في صالة الفندق متنكرًا، ليرى من هناك … إنهم في الأغلب ينتظرون نتيجة حضوره إلينا!
قام «فهد» وفتح باب الغرفة بحذر شديد، ونظر على يمين ويسار الردهة الخارجية، ولم يكن أي شخص في الممر … فذهب وطرق على غرفة «زبيدة» و«إلهام»، وانتظر للحظة … ولم يفتح أحد … ثم عاد وطرق الباب مرة أخرى … ولم يفتح أحد … ثم عاد وطرق الباب مرة أخرى … ولم يفتح أحد للمرة الثالثة … ثم أعاد الطرق أكثر قوة … وانتظر لحظة قصيرة، ولكن استمر الصمت.
بدأ الشك يتسرب إلى «فهد» … فمد يده إلى مقبض الباب وحاول إدارته … ولكن الغرفة كانت مغلقة من الداخل … فكر في الذهاب إلى «أحمد» و«بو عمير» … ولكنه رأى أنه لا فائدة من إضاعة الوقت، فرجع إلى الخلف، ثم وجه كتفه ناحية الباب، وسند قدمه على حائط الممر، ثم انطلق بكل قوته ناحية الباب ليفتحه … انفتح الباب بسرعة قبل أن يصل إليه، وانطلقت منه «زبيدة» مبتسمة … وبصعوبة شديدة، استطاع «فهد» أن يسيطر على اندفاعه، وكاد أن يَصطدم ﺑ «زبيدة» لولا أنها تراجعت خطوة إلى الخلف …
توقف «فهد» ونظر إليها وهو لا يدري ماذا يقول …
وظهرت «إلهام» في الشرفة وهي ترقب الموقف … وقالت مبتسمة ﻟ «فهد»: هل كنت تتدرب على الجري في الممر يا «فهد»؟
زبيدة: ادخل بسرعة لقد كنا نرقب الطريق من الشرفة … هناك تحركات مريبة … لهذا، أغلقت الباب من الداخل …
دخل «فهد» الغرفة، وأغلقها مرة ثانية … ثم بدأ يحكي «لزبيدة» و«إلهام» ما حدث لهم باختصار، ثم طلب حقيبة التنكُّر، التي لم تكن تفارق «إلهام» في أيِّ مكان تذهب إليه، ثم شرح لهما خطة التخلص من الرجل، ثم عاد مرة أخرى إلى «أحمد» و«بو عمير».
بعد لحظات، كان من الصعب معرفة شخصية «أحمد» بعد أن وضع شاربًا ثقيلًا، وأضاف قليلًا من الشعر الأبيض إلى حاجبَيه، وارتدى شعرًا مُستعارًا أيضًا، وأضاف إلى ذلك نظارة طبية سميكة العدسات، مما غير من شكل عينيه تمامًا …
وبدأ يتظاهَر بقراءة جريدة في صالة الفندق التي لم يكن بها سوى أربعة أشخاص … لم يكن منهم أحد تنطبق عليه مواصفات الحارس الآخر، الذي وصفه لهم رقم «صفر». بدأ «أحمد» يَرقب بحذر الأشخاص الأربعة ليرى ردود أفعالهم حيال الأحداث القادمة.
وبعد لحظات قليلة، نظر إلى ساعته، فحسب الاتفاق بينه وبين «بو عمير» و«فهد» عليه أن يهبط في المصعد الذي يحمل الرجل الآن … ولم تمرَّ لحظات، حتى أضاءت الأرقام التي تعلو المصعد، وبدأت في العدِّ التنازلي من الطابق الذي يقطن فيه الشياطين، ثم الذي يَليه، في سرعة متَّجهة إلى الطابق الأرضي، الذي به صالة استقبال الفندق.
استقر المصعد في النهاية، في الدور الأخير، ووقف … وبقيَ «أحمد» يَنتظِر أن يفتح أحد النزلاء باب المصعد، وتبدأ الأحداث.
وتقدَّمت إحدى السيدات قادمة من الخارج، ناحية المصعد في خطوات سريعة، ووضعت يدها على مقبض المصعد … وأخذ «أحمد» يرقب الرجال الأربعة، وأذنه تتابع صوت باب المصعد الذي فتح … وبدأ ينتظر صوت صرخة السيدة … وكم كانت دهشته، وهو يري السيدة تدخل المصعد، الذي كان خاليًا تمامًا …