من مأزق إلى مأزق!
انطلق «أحمد» جريًا في الدهليز المظلم، وهو يسمع أصواتًا كثيرة مختلطة. وعندما استدار عند نهاية الدهليز فوجئ برجل يبرز من الظلام وفي يده مسدس … وقبل أن يدرك الرجل سرعة «أحمد» الخارقة، كان المسدس قد طار من يده في ناحية، ثم وجد نفسه يطير هو الآخر في الهواء، ويسقط على الأرض.
فتح «أحمد» غرفة في أول الدهليز الضيق الذي دخله، ثم أغلق خلفه الباب، وبسرعة، وعلى ضوء مصباحه الصغير، رأى مجموعة ضخمة من الأنابيب والقوارير وأجهزة التفجير الإلكترونية الصغيرة، وقرأ على أحد الأدراج كلمتي «مشروع ألاسكا» … وأدرك أنه في معمل التجارب الخاص بعملية تسخين الجليد في ألاسكا، وإذابته لاستخراج البترول، رغم أن هذا قد يُدمِّر قارات بأكملها.
كان يسمع أصوات الأقدام هنا وهناك، والكلمات تتناثَر … ولكنه أدرك أنه وقع على أهم جزء في هذا المكان … خاصة أجهزة التفجير المبتكَرة التي وجدها أمامه … وقرر أن ينتهز الفرصة، رغم الأخطار التي يتعرَّض لها … أمسك أحد الأجهزة، وفحصه بسرعة، وعرف أنه جاهز للتشغيل. ونظر إلى ساعته … كانت تشير إلى منتصف الليل تمامًا … ومعنى هذا أن بقية الشياطين الآن في الحديقة، في انتظار التقاء «ك» مع «ف»، وتمنى ألا يُقدموا على عمل يعرضهم للأخطار … فإنه إذا استطاع تفجير هذا المكان، فسوف يدفن مشروع إذابة جليد ألاسكا لمدة طويلة، وربما إلى الأبد.
أدار جهاز التفجير الإلكتروني الصغير، وقدَّر أنه يحتاج مدة ساعة تقريبًا للابتعاد عن المكان … فضبطه لينفجر بعد ٦٠ دقيقة، ثم فتح أحد الأدراج ووضَعه فيه، ليضمن ألا يعثر عليه أحد … ثم فتح النافذة، وانتظر قليلًا ثم تسلقها في هدوء، وقفز إلى الحديقة … وقف لحظات بجوار الجدار … لقد أدهَشه ما شاهد … كان سور الحديقة مضاءً كله، وقد سُلِّطت عليه أضواء كاشفة حولت الظلام حوله إلى نهار … ونظر إلى المبنى المكون من أربعة طوابق، فوجد في كل طابق مجموعة من القناصة، يحملون المدافع الرشاشة.
أدرك «أحمد» أنه وقع في فخٍّ لا فكاك منه … وسمع شخصَين يتحدثان، يسيران في اتجاهه … فأسرع يغادر مكانه … وتسلق شجرة قريبة، ثم قبع على أحد الأغصان في انتظار تطور الأمور … ولكن انتظاره لم يطل، ففجأة ظهر رجل يمسك بمقود كلب ضخم كالوحش … كان الكلب يتشمَّم الأرض واتجه فورًا إلى الشجرة، ثم أخذ ينبح وهو يكاد يقطع المقود في رغبة للانقضاض.
أسرع عدد من الحراس للتجمع حول الشجرة وأخرجوا مصابيحهم، وأخذوا يطلقون أشعتها بين الأغصان … تسلق «أحمد» حتى آخر غصن يمكن أن يحتمل ثقله … ووجد نفسه مقابل الطابق الثالث … وبجوار شرفة، استجمع قوته، ثم قفز إلى الشرفة، واستطاع أن يمسك بالسور الخشبي، ثم ينثني كالبهلوان، ويقع على أرض الشرفة … في نفس الوقت الذي كانت مصابيح الحراس قد أضاءت الشجرة تمامًا وسمع صياح الحراس مُمتزجًا بنباح الكلب.
استطاع بسرعة فتح باب الشرفة الصغيرة، ثم دخل إلى غرفة نوم فاخرة، وتمنَّى لو يلقي بنفسه على الفراش، ويستغرق في النوم … ولكنه بدلًا من تحقيق هذه الأمنية فتح الباب وأطل على دهليز مضاء إضاءةً خافتة، فسار فيه سريعًا، ثم صعد على السلالم التي قابلته في نهاية الدهليز … وسار على أطراف أصابعه، حتى وصل إلى الطابق الرابع ولم يَسِر فيه، ولكنه صعد إلى سطح المبنى … واقترب بحذر من السور ونظر … كان الرجال يجرون في كل اتجاه … وما زال بعضهم متجمِّعًا تحت الشجرة.
كان المبنى وحيدًا وسط الحديقة الواسعة … وليس ثمة مبنى آخر قريب يمكن أن يقفز إليه … ونظر إلى ساعته … كانت تشير إلى الثانية عشرة والربع … أي إن الشياطين الآن قد شاهدوا الرجلين … فماذا فعلوا؟ وفي نفس الوقت لم يبقَ سوى ٤٥ دقيقة، وينفجر جهاز التفجير الإلكتروني، في كميات ضخمة من الأحماض والمواد المتفجرة، وقد يؤدي هذا إلى نسف المبنى كله، أو على الأقل نسف جزء منه، واشتعال النار فيه.
ذهب إلى الجانب الآخر من السور، كان يطلُّ على فناء خلفي به ملعب للتنس وحمام سباحة … ومجموعة من السيارات … ولم يكن هناك شكٌّ أن الانقاذ الوحيد، كان من هذا الطريق.
فكر «أحمد» لحظات … كان يتمنَّى أن يَلتقي «بعوني» الآن … فهذه فرصته للتخلُّص منه … ثم يحدث بعد ذلك ما يحدث … فإن مهمتهم الأساسية هي الحصول على «عوني» … حيًّا أو ميتًا … فهو رجل قد خانَ المنظَّمة ويجب القضاء عليه بأيِّ ثمن … ولكن أين «عوني» في هذا المبنى الضخم؟ لا بد أنه قابع الآن، وحوله عدد كبير من الحراس المسلَّحين. والأمل الوحيد هو أن يقضي عليه الانفجار الوشيك.
في الصمت … سمع صوت سيارة تقترب من المكان … ثم تقترب من الباب … وأسرع يطلُّ على ما يحدث … ودق قلبه بعنف، عندما شاهد السيارة التي كان يستقلُّها مع الشياطين.
ماذا حدث؟ هل هم أسرى أم هم مهاجمون؟
فُتح الباب، فأدرك «أحمد» أن الشياطين قد وقعوا أسرى، وأن عليه الآن مهمة إنقاذ نفسه، وإنقاذ زملائه.
كان الموقف حرجًا … والدقائق الثمينة تمرُّ سريعًا … واستطاع أن يرى باب السيارة يفتح، ثم ينزل منه رجلان … ولدهشته الشديدة، كانا يرفعان أيديهما إلى فوق … وأحسَّ بالراحة … إذن فإن الشياطين قد استطاعوا أسر «ك» و«ف».
اجتاز السطح مسرعًا ثم نزل على السلالم … من الطابق الرابع … إلى الثالث إلى الثاني … ثم إلى الأول … وبحذر أخذ يتقدم في الدهليز وهو يسمع أصواتًا غاضبة …
وفجأة سمع طلقات رصاص استطاع أن يميزها … إنها من مسدس أحد الشياطين … فهم يحملون نوعًا معينًا يطلق قذيفة ضخمة … وبعدها انهالت الطلقات … فاندفع كالمجنون عبر الدهليز، إلى حيث صوت الرصاص … وشاهد الشياطين الثلاثة، يتراجعون إلى الخلف وهم يطلقون رصاص مسدساتهم …
وبرَز هو في الدهليز وصاح: «فهد» … استلقوا أرضًا!
واستلقى الشياطين وأطلق هو الرصاص في اتجاه نهاية الدهليز، فاختفى المطاردون.
فتح أول غرفة إلى يمينه وصاح: تعالوا فورًا!
أسرع الشياطين ودخلوا الغرفة وقالت «إلهام»: «بو عمير» مُصاب!
صاح «بو عمير»: دعك من إصابتي … إنها ليست ذات قيمة.
أحمد: ماذا حدث؟
إلهام: استطعنا أسر الرجلين في وقتٍ واحد … كان مع أحدهما كمية من مفاتيح التفجير …
بعد محاولات، استطعنا أن نجعل الثاني يعترف … قال إن «عوني» في هذا المكان … وإنه يستعدُّ للسفر بمجرد الحصول على المفاتيح … فوجدناها فرصة للقضاء على «عوني» وجئنا … ولم نكن نتصور أن مقر سادة العالم في مدينة صغيرة بهذه الضخامة والتسلح. وعندما دخلنا، استطاع أحد القناصة أن يُصيب «بو عمير» في ساقه … ثم بدأت المعركة!
أحمد: لقد استطعت معرفة المكان من رقم تليفون … وقد أعددتُ جهاز تفجير، سوف ينفجر المكان بعد ثلث ساعة تقريبًا، فيجب الخروج قبل هذا الموعد.
فهد: سيكون الزمن مستحيلًا … إن المبنى محاط بعشرات الحراس المسلحين … ومن المؤكد أنهم يحيطون بالغرفة الآن …
كان الموقف فعلًا ميئوسًا منه … ودق في هذه اللحظة جرس التليفون … ماذا يفعلون؟
شيء ما في نفس «أحمد» جعله يرفع السماعة … وسمع على الفور صوتًا لا يُمكن أن ينساه … صوت «عوني».
كان يقول في صوت خافت: ألو … من «ش. ك. س»!
هل هذا معقول … شعار الشياطين اﻟ ١٣ ينطق به «عوني» …
رد «أحمد» وقلبه يكاد يقفز في صدره: إن «ش. ك. س» يستمع!
«عوني»: لقد أخطأتم فهمي … وعليكم تنفيذ تعليماتي بدقة.
أحمد: إنني لا أصدق أذني!
«عوني»: لا وقت للتصديق أو التكذيب … عليك أن تَستمع إلى كل كلمة أقولها لك، وتنفذها فورًا …
… هل تسمعني؟
أحمد: نعم … وعلى استعداد للتنفيذ!