يوم المهمات الصعبة!
عندما حلَّقت الطائرة الخاصة بالشياطين، كانت الساعة تقترب من منتصف الليل، وكان هذا يعني أنهم في حاجة إلى النوم، فأمامهم أربع ساعات، حتى يصلوا إلى مطار «أورلي» الذي يقع خارج العاصمة الفرنسية «باريس».
ألقى «أحمد» نظرةً على مجموعة الشياطين، ثم ابتسم؛ فقد كانت «إلهام» مستغرقة في الكتابة. قال في نفسه: إن «إلهام» تبدأ تحقيقَ فكرتها فعلًا من الآن.
انتظر لحظة ثم قام إليها. نظرَت إليه مبتسمةً، فقال: ينبغي أن تنامي الآن؛ فإن أمامنا عملًا كبيرًا غدًا!
ردَّت «إلهام»: إنني فقط أسجِّل بعض النقاط حتى لا أنساها.
سألها: هل طرحتِ فكرتَكِ على أحد من الشياطين؟
ردَّت: ليس بعد، لكنني أبدأ بنفسي، حتى إذا طرحت الفكرة يكون هناك أساس للمناقشة.
ابتسم «أحمد» وهو يقول: لا بأس، فقط أرجو ألَّا يسرقَك الوقت، فلا تنامي.
ثم أخذ طريقَه عائدًا إلى مقعده، أغمض عينَيه وحاول أن ينام، لكنه لم يستطع، لقد كان يستعيد في ذاكرته كلَّ ما قاله رقم «صفر»، في نفس الوقت كان يفكر: كيف يمكن لمجموعتين من الشياطين أن تدخلَا في عمليتَين متشابكتَين … ثم قال لنفسه بعد لحظة: إنها مسألة معقدة تمامًا، وأرجو أن تتمَّ بشكل جيد؛ فإن أيَّ خطأ سوف نفقد فيه واحدًا من الاثنين: «إليك كرو» أو «جان»!
فتح «أحمد» عينَيه وألقى نظرةً في اتجاه «إلهام» التي كانت تطوي أوراقَها في هذه اللحظة؛ فأغمض عينَيه من جديد، ثم أجرى بعض التمارين الذهنية، حتى استغرق في النوم. كانت «إلهام» هي الأخرى قد نامَت، وعلى وجهها ابتسامةٌ هادئة، فقد حقَّقَت فكرتَها في النهاية.
وعندما كانت أضواء الفجر تزحف على الوجود، فتح «أحمد» عينَيه، واستقبل اللحظة، وتذكَّر الساعة التي كانوا يقفون فيها في شُرفة المقر السري لحظة الغروب، وقال في نفسه: إني أستقبل اللحظتَين؛ الغروب ثم الشروق … ابتسم وهو يهمس: إنه فألٌ حسن، إن الشروق يعني الانتصار، وسوف ننتصر في هذه المغامرة بإذن الله.
فجأة جاء صوت الكابتن «صقر» يقول: صباح الخير!
اتجه ناحية الصوت، فوجد الكابتن «صقر» يقف مبتسمًا، فقال «أحمد»: صباح الخير يا عزيزي الكابتن «صقر»!
قال الكابتن: لقد استيقظتَ مبكرًا، مع أنه لا يزال أمامنا بعضُ الوقت.
ردَّ «أحمد»: إنها عادتي، لا بد أن أرى الشروق؛ فإنه يمنحني السعادة.
ابتسم كابتن «صقر»، وقال: هل لك من فنجان من الشاي معنا في كابينة القيادة؟ إنك سوف ترى الشروق أحسن!
وقف «أحمد» بسرعة وهو يقول: إن ذلك سوف يُسعدني تمامًا.
في كابينة القيادة كان طاقم الطائرة مستيقظًا. ألقى «أحمد» إليهم بتحية الصباح، ثم أخذ مكانه، كان الفجر يبدو رائعًا من الكابينة، وفي دقيقة كان أحدُ أفراد طاقم الطائرة يقدِّم له فنجانًا من الشاي. أخذ «أحمد» يرشفه في هدوء، غير أن كابتن «صقر» قطع هدوءَه وهو يقول: هل سنعود بالطائرة أم أنكم سوف تبقون في «باريس»؟
ابتسم «أحمد» وقال: نرجو أن نعود معًا!
مضى الوقت سريعًا في حوار بين «أحمد» وطاقم الطائرة. ثم فجأة، ظهرَت أضواء مطار «أورلي».
فقال «صقر»: ينبغي أن يستيقظ الشياطين، فسوف نهبط بعد قليل!
أسرع «أحمد» بمغادرة الكابينة، وعندما دخل إلى الطائرة، كان الشياطين جميعًا قد استيقظوا.
ابتسم وقال: صباح الخير يا سادة، فأنتم مدعوُّون على عشاء الليلة في مطعم «مكسيم»!
ضحك الشياطين، فسأل «أحمد»: أين العزيزة «إلهام»؟
كانت إلهام الوحيدة التي لم تستيقظ بعد، ذهب «أحمد» إليها، ثم هزَّها في رفق، وهو يقول: الآنسة الكاتبة ينبغي أن تستيقظ حتى ترى المغامرة من البداية!
فتحَت «إلهام» عينَيها، وابتسمَت قائلةً: لقد كنت أستعيدُ بعضَ النقاط في ذهني؛ فقد استيقظتُ منذ دقائق.
جاء صوتُ الكابتن «صقر» يُلقي تحيةَ «الصباح»، ثم قال: أرجو أن تربطوا الأحزمة؛ فنحن سوف نهبط حالًا.
كان الشياطين جاهزين، وقال «أحمد»: ينبغي أن نرتِّب خطواتِنا قبل أن نَصِلَ إلى المطار.
انتظر لحظة، ثم أضاف: إن كلَّ مجموعة سوف تتحرك وحدها؛ لأننا هكذا سوف نلفت النظر وسوف نجد سيارتَين في انتظارنا، وسوف نعرف من عميل رقم «صفر» ترتيباتِ تحرُّكِنا في «باريس». فجأة، ارتجَّت الطائرة ارتجاجًا خفيفًا؛ فعرفوا أن عجلات الطائرة قد لامسَت الأرض، وبعد قليل كانت تقف في مكانها على أرض مطار «أورلي».
كان الصباح يغطِّي المطار الصغير. وإن كان النشاط قد بدأ يدبُّ فيه، تحرَّك الشياطين وودَّعوا طاقم الطائرة، ثم أخذوا طريقَهم إلى الخارج، كانت هناك سيارتان متماثلتان تمامًا في انتظارهم خارجَ المطار، رَكِبَت المجموعة الأولى في إحدى السيارتَين، ورَكِبَت المجموعة الأخرى السيارة الثانية.
رفع «أحمد» سماعة التليفون، فردَّ عميل رقم «صفر» مباشرةً: مرحبًا بكم في «باريس»، سوف تنزلون في فندق «مصر» في شارع «سان ميشيل»، إنه ليس فندقًا كبيرًا، وهذه مسألة مقصودة، وأنتم مدعوُّون للغداء في المطعم المختار.
شكره «أحمد»، وقال: غداؤنا في مطعم «مكسيم».
اتجهَت السيارة إلى فندق «مصر»؛ كان شارع «سان ميشيل» يضجُّ بالحركة؛ فقد كان الناس في طريقهم إلى أعمالهم، وفي دقائق، كانوا يغادرون السيارتَين إلى داخل الفندق، كان فندقًا بسيطًا فعلًا، وكانت موظفة الفندق شابة تقفُ في انتظارهم. أرشدَتهم إلى حجراتهم، فتسلَّموا المفاتيح واتجهوا إلى الحجرات، غير أن «أحمد» قال: سوف نجتمع في غرفتي بعد ساعة؛ فينبغي أن نذهب إلى منطقة المطعم، لنتعرف عليها جيدًا.
دخل «أحمد» غرفتَه وجلس، ثم بسط خريطةً ﻟ «باريس»، وأخذ يحدِّد مطعم «مكسيم» الذي كان واضحًا في الخريطة تمامًا؛ فهو أحد المطاعم المشهورة في العاصمة الفرنسية، كان المطعم يقع في مربع تحوطه أربعةُ شوارع.
فكَّر «أحمد»: إن هذا يُعطي لنا فرصةَ المناورة إذا حدث شيء … أخذ يحدِّد أماكن العبور في الشوارع، ومكان التليفونات العامة. وعندما حدَّد كلَّ شيء تمامًا، بدأ يفكِّر في ترتيب مجموعتَي الشياطين. لكن فجأة دقَّ جرس التليفون، فرفع السماعة بسرعة … كان المتحدث هو عميل رقم «صفر» الذي قال: سوف نلتقي في المطعم بشكل عادي، وسوف تجد كلُّ مجموعة منضدةً خاصة بها … المجموعة الأولى على منضدة رقم «٨»، والثانية على رقم «١٢».
ثم انتهَت المكالمة، وضع «أحمد» السماعة، غير أن التليفون رنَّ من جديد. رفعها مرة أخرى، وكانت المتحدثة «إلهام» قالت: إنني لا أستطيع أن أبقَى ساعة في الغرفة، هل يمكن أن آتيَ إليك؟
فكَّر «أحمد» لحظة مبتسمًا ثم قال: سوف أدعو الشياطين جميعًا.
وبعد دقائق كان الجميع في غرفة «أحمد». بدأ «أحمد» الكلام: أريد أن أطرح عليكم تصوُّري لطريقة عملنا، إن «إليك كرو» سوف يكون في المطعم في الخامسة تمامًا، وسوف يأتيه طعامه، خلال فترة تتراوح من خمس إلى عشر دقائق. وعندما يكون في حالةِ أكْلِ الطعام، سوف يدخل أحدُ أفراد العصابة ويُطلق عليه الرصاص الوهمي، أو طلقات الصوت. وسوف يسقط «إليك» على الأرض؛ في نفس الوقت سوف يغادر رجال عصابة «اليد الحديدية» المطعمَ في هدوء، وسوف يدخل رجال عصابة «سادة العالم» في ملابس الشرطة الفرنسية، وربما رجال الإسعاف، ويحملون «إليك» ويخرجون، هذه مهمة، وسوف أقوم بها أنا والمجموعة الأولى. إنني أتصور أن نكون أسرع من رجال العصابة في الوصول إلى «إليك»، وهم عندما يرونَنا سوف يرتبكون، أو يهربون. في نفس الوقت تكون سيارتنا في الخارج؛ وبذلك نكون قد أنقذنا «إليك».
انتظر «أحمد» لحظةً ثم تساءَل: هل هذا التصور صحيح؟
مرَّت لحظة قبل أن يقول «عثمان»: هو صحيح إلى حدٍّ بعيد، لكني أتصور أن رجال عصابة «سادة العالم» لن يسكتوا عندما يروننا؛ فإن «إليك» هدفٌ هامٌّ بالنسبة لهم، وقد يستخدمون أسلحتهم في هذه الحالة.
ردَّ «أحمد»: هذا توقُّعٌ صحيح.
ثم أضاف بعد لحظة: إن تصوُّرَنا لما سوف يحدث، لن يكون صحيحًا مائة في المائة، لكنه فقط يقترب من الصواب.
قال «قيس»: هذا صحيح، وكل لحظة لها مفاجآتها ولها تصرفاتها.
مرَّت لحظة ثم قال «رشيد»: يبقى أمامَنا تصورُ موقفِ «جان»، وأظن أنه موقفٌ معقَّد … ونحن لا نعرف أين يكون ولا كيف نتصرف معه!
قال «أحمد»: إن «جان» سوف يقوم بعمل الخُدع كاملة ﻟ «إليك كرو» قبل أن يَصِل إلى المطعم، وقد يكون قريبًا منه، حتى لا تفلتَ لحظة، وحتى تأتيَ التمثيلية كاملة. إنني فعلًا أتصوَّر أنه سوف يكون هناك. وتبقى المسألة: كيف يمكن إنقاذه؟ فمن المؤكد أنه سوف يخرج من المطعم بعد ارتكاب الجريمة الوهمية، أو قد يخرج ساعتَها بالضبط، حتى لا يُشتَبهَ فيه. وفي هذه الحالة، من المؤكد أنهم سوف يخطفونه أو يقضون عليه في لحظتها؛ ولذلك فإن عملية «جان» تحتاج إلى قدر كبير من اليقظة، فأية لحظة سهو يمكن أن يكون فيها نهاية الرجل.
قال «خالد»: هذا صحيح، وهذا ما يجعل مهمَّتَنا صعبةً تمامًا.
ابتسم «أحمد» وهو يقول: يمكن أن نتبادل الأدوار؛ فتقومون أنتم بمهمة «إليك»، ونقوم نحن بمهمة «جان»!
ضحك «خالد» وهو يقول: إن الشياطين يستطيعون تنفيذَ أية عملية في أي وقت، وفي أي مكان!
واتفقوا على الترتيبات، ثم غادروا الغرفة، في طريقهم إلى المطعم «مكسيم» ليتأكدوا من أرض المعركة جيدًا.