غداء في مطعم «مكسيم»!
دار الشياطين طويلًا في المنطقة التي يقع فيها مطعم «مكسيم». وحدَّدوا الأماكن التي سوف تكون فيها السيارتان. وعندما تأكَّدوا من كلِّ شيء قضَوا وقتًا في المشي في شارع «الشانزلزيه» أشهر شوارع «باريس». وعندما اقترب موعد الغداء، أخذوا طريقهم مرة أخرى إلى المطعم. ما إن دخلوه؛ حتى وقعَت أعينهم على منضدتَين تقعان في نهاية المطعم. ابتسم «أحمد» عندما رأى رقمَي «٨» و«١٢»، جلسَت المجموعة الأولى على المنضدة «٨»، والثانية على «١٢».
وما إن استقروا حتى سألت «إلهام»: لماذا اختار العميل منضدتَين في نهاية المطعم؟!
ابتسم «أحمد» وقال: حتى نستطيع مراقبة المطعم جيدًا، فبهذه الطريقة يكون كلُّ شيء أمامنا واضحًا نرى الداخل والخارج، ونستطيع أن نُلمَّ بخريطته الداخلية كاملة.
ابتسمَت «إلهام» وقالت: هذه نقطة هامة، ينبغي أن أسجِّلَها!
نظر لها «قيس» في دهشة، وسأل: أين تسجلينها، ولماذا؟
ابتسم «أحمد» وقال: إن «إلهام» لديها فكرة جيدة، سوف تشرحها لكم عندما ننتهي من المغامرة.
أسرعَت «إلهام» تقول: بل سوف أطرحها الآن، حتى يهتمَّ كلٌّ منهم بجميع التفاصيل.
كان «الجرسون» قد اقترب حتى وقف ينتظر ما سوف يأكلونه. واتفقوا على أن يأكلوا أسماكًا …
ابتسم «الجرسون» وقال: هل يتفضل أحدُكم لانتقاء الأسماك التي تريدونها.
همس «أحمد»: ينبغي أن تقوم «إلهام» بهذه المهمة!
غير أن «إلهام» قالت بسرعة: بل ينبغي أن تقوم أنتَ، حتى أجدَ وقتًا أشرح لهم فيه فكرتي.
ضحك «أحمد»، ثم قام مع الجرسون، لانتقاء الأسماك. كانت هناك أحواض ممتلئة بالماء، والأسماك الحية تسبح فيها.
قال الجرسون: اختَرْ ما تريد.
ظل «أحمد» ينظر إلى الأسماك في حركتها الرشيقة داخل الأحواض، وتمنَّى ساعتها ألَّا يختارَ؛ فمنظر الأسماك كان رائعًا، لكنه في النهاية اختار عددًا من الأسماك، أخرجها أحدُ العمال بشبكة صغيرة، ثم عاد «أحمد» إلى مجموعته. ما إنْ رآه «باسم» حتى هتف: إنها فكرة رائعة!
لكن «أحمد» كان لا يزال يفكر في الأسماك، فقال: هل تقصد فكرة الأحواض؟
ضحك «باسم» وقال: أقصد فكرة «إلهام».
ضحك «أحمد» طويلًا، ثم قال: هذا صحيح، لكن أرجو ألَّا تشغلَكم الفكرة عن تنفيذ العملية جيدًا. إن تسجيل الفكرة مؤجَّلٌ حتى تنتهيَ المغامرة.
فجأة، شعر أن جهاز الاستقبال يستقبل رسالة، كانت رسالة شفرية، وعرف أنها من عميل رقم «صفر». كانت الرسالة تقول: ««٢ – ٥٠ – ٥٢ – ٥٤ – ٣٤ – ١٦ – ٥٦»، وقفة «٤»، وقفة «٤٠ – ٥٠ – ٣٠ – ٥٦ – ٢»، وقفة «٢ – ٨ – ٥٤ – ٢ – ٥٤»، وقفة «٥٢ – ٥٤»، وقفة «٤٠ – ٣٢ – ٢ – ٤ – ٥٦»، وقفة «٢٤ – ٢ – ١٦ – ٥٦»، وقفة «٢ – ٥٠ – ٤٠ – ٢ – ٥٠ – ٥٢»، وقفة «٢ – ٥٠ – ٥٠ – ٥٤ – ٣٤ – ٥٢ – ١٦»، وقفة «٤٠ – ٥٠ – ٣٠ – ٥٦ – ٢»، وقفة «٢ – ٨ – ٥٤ – ٢ – ٥٤»، وقفة «٥٢ – ٥٤»، وقفة «٢ – ٥٠ – ٣٠ – ١٦»، وقفة «٢ – ٥٠ – ١٢ – ١٦ – ٣٠ – ١٦ – ٣٠ – ٦» انتهى.»
ظهرَت الدهشةُ على وجه «أحمد» وهو يتلقَّى الرسالة، ويفكُّ رموزَها، ثم تحوَّل بعينَيه في هدوء إلى المنضدة رقم «٧» القريبة منه. كان هناك رجلان يأكلان، وهما يتبادلان حديثًا هامسًا؛ حوَّل عينَيه في هدوء أيضًا إلى المنضدة رقم «٤»، فرأى رجلَين يأكلان، وهما يفعلان نفس الشيء، كانَا يتبادلان حديثًا هامسًا. كانت بقية المجموعة الأولى تنظر إلى «أحمد» في تساؤل.
وهمس «قيس» بلغة الشياطين: ماذا هناك؟
نظر له «أحمد» لحظة، ثم قال: ينبغي ألَّا تفوتَ الفرصة، إن القدَر يقدِّم لنا لحظةً لا تعوَّض. وفي هدوء، أخرج فراشة إلكترونية، ثم وجَّهَها إلى المنضدة «٧». كانت الفراشة الدقيقة مزودةً بجهاز تسجيل في حجم الزرِّ الصغير، في نفس الوقت أرسل رسالة شفرية إلى المجموعة الثانية، ثم قال فيها: ««٢ – ٥٠ – ٥٢ – ٥٤ – ٣٤ – ١٦ – ٥٦»، وقفة «٤»، وقفة «٤٠ – ٥٠ – ٣٠ – ٥٦ – ٢»، وقفة «٢ – ٨ – ٥٤ – ٢ – ٥٤»، وقفة «٤٠ – ٣٢ – ٢ – ٤ – ٥٦»، وقفة «٢٤ – ٢ – ١٦ – ٥٦»، وقفة «٢ – ٥٠ – ٤٠ – ٢ – ٥٠ – ٥٢»، وقفة «٢ – ٥٠ – ٤٠ – ٢ – ٥٠ – ٥٢»، وقفة «١٢ – ٢ – ٥٨ – ٥٠ – ٥٨ – ٢»، وقفة «٦ – ٢٤ – ١٠ – ٣٠ – ٥٠»، وقفة «٥٢ – ٢»، وقفة «٣٠ – ٤٦ – ٥٨ – ٢٨ – ٥٤ – ٥٨» انتهى.»
تلقَّى «رشيد» الرسالة؛ فنظر إلى «أحمد» وقد ظهرَت على وجهه الدهشةُ. لكنه ابتسم وهو يُشير بأنه سوف ينفذ.
في نفس الوقت قال «عثمان»: ماذا هناك؟!
همس «أحمد»: نحن والعصابتان نتناول الغداء معًا!
كان الجرسون يقترب وقد سار اثنان آخران يحملان الطعام، فوضعوه أمام الشياطين، ثم قال الجرسون: أرجو أن يطيب لكم!
ابتسم «أحمد» وردَّ: بالتأكيد سوف يطيب لنا.
انصرف الجرسون؛ فهمسَت «إلهام»: هل تعني أن أحدًا من العصابتَين في المطعم الآن؟
ردَّ «أحمد» هامسًا: نعم، ودون أن تلفتوا الأنظار؛ هناك اثنان على المنضدة «٤»، وآخران على المنضدة «٧»!
ظهرَت الدهشة على وجوه الشياطين، وقال «فهد»: هل تسجِّل لهم؟
قال «أحمد»: نعم، هذه فرصة لم نكن نتوقعها! ومَن يدري قد نستفيد مما يقولان.
ثم أضاف بسرعة: ينبغي أن تأكلوا بطريقة عادية حتى لا تلفتوا انتباهَهم.
بدأ الشياطين يأكلون، لكن أفكارهم كانت تدور حول رجال العصابتَين. كان «أحمد» أكثرَهم اهتمامًا؛ فقد كان يعلِّق آمالًا على الفراشة الإلكترونية. فجأة، لاحظ «أحمد» أن الجرسون يقترب كثيرًا من المنضدة «٧» القريبة من المجموعة الأولى، وينحني ليتبادلَ حديثًا مطوَّلًا من الرجلين، ثم ينصرف، ولا تكاد تمرُّ دقائق، حتى يعودَ مرة أخرى ويفعل نفس الشيء مع الرجلَين الآخرَين. قال «أحمد» في نفسه: هذا الجرسون، لا بد أنه عميل من عملاء «اليد الحديدية»؛ ولذلك أخذ بين لحظة وأخرى يراقب الجرسون في تحركاته. فجأة، اقترب الجرسون من المنضدة «٧» وهو يحمل طبقًا فوقَه شيءٌ ملفوفٌ بفوطة بيضاء. وإن كانت بعضُ حبات البرتقال تظهر في جانب من الطبق. قال «أحمد» في نفسه: هذا البرتقال يُخفي شيئًا، ومن المؤكد أن الطبق لا يحمل برتقالًا فقط!
لاحظَت «إلهام» مراقبةَ «أحمد» للجرسون، واستغراقه في التفكير، فهمسَت: هل هناك جديد؟
ردَّ هامسًا: المؤكد أننا سوف نرى جديدًا الليلة؛ فيبدو أن المطعم تحت سيطرة العصابتَين تمامًا.
مرت دقائق، ثم انصرف رجُلَا المنضدة «٧»، وكان الطبق لا يزال فوق المنضدة. اقترب الجرسون بسرعة وحمله، في الوقت الذي حمل فيه العمالُ بقيةَ الأطباق، وبعد دقائق أخرى، وقف رجلَا المنضدة «٤». ثم انصرفَا في هدوء. أسرع «أحمد» وأعاد الفراشة الإلكترونية، ثم همس: ينبغي أن ننتهيَ من الطعام حالًا!
سأل «عثمان»: هل نتبعهم؟
ردَّ «أحمد»: لا، ولكن المهم أن نعرفَ ماذا سجَّلَت الفراشة الإلكترونية.
ألقى نظرةً سريعة إلى المجموعة «٢»، ففهم «خالد» وبسرعة انتهى أفراد المجموعة من طعامهم. ثم غادروا المطعم أيضًا. وفي دقائق كانوا يركبون السيارتَين في طريقهم إلى الفندق.
فجأة رنَّ جرس التليفون، فرفع «أحمد» السماعة. وجاء صوت «خالد» يقول: لقد تمَّ التسجيل.
ردَّ «أحمد»: رائع، إننا في طريقنا إلى الفندق لنرى ماذا حققنا من هذا الغداء البديع.
في الفندق، بدأ «أحمد» يُعيد شريط التسجيل، ثم ضغط زرًّا، فانطلق الحوار بين رجلَي المنضدة «٧».
قال الأول: أظن أن الطرف الآخر سوف يجهِّز خدعةً يا عزيزي «روك»!
ردَّ «روك»: لا أظن؛ فهناك اتفاقٌ بين الزعيمَين!
قال الأول: في مثل هذه الحالات الهامة كالتي أمامنا، لا تهمُّ الاتفاقات.
ردَّ «روك»: سوف نرى، إن «جليم» قد جهَّز كلَّ شيء في المطعم؛ فإذا حدثَت خدعة، فلن يُفلتوا منَّا.
فَهِم «أحمد» أن الجرسون يُدعى «جليم» وتأكَّد أنه أحدُ أعضاء العصابة فعلًا.
جاء صوت «روك» يقول: إن «إليك كرو» الذي سوف يتناول عشاءَه هنا، ليس هو «إليك كرو» المطلوب!
ظهرَت الدهشة على وجوه الشياطين، ونظروا إلى بعضهم، غير أن صوت الرجل الآخر جاء يقول متسائلًا: هل تعني أنه «إليك كرو» آخر؟!
ردَّ «روك»: إنني متأكِّد من ذلك؛ ﻓ «سادة العالم» لن يفرِّطوا فيه بسهولة؛ ولهذا أقول إنها خدعة!
مرة أخرى، نظر الشياطين إلى بعضهم، في نفس الوقت الذي لم تُسمَع فيه أصواتٌ أخرى في التسجيل. مدَّ «أحمد» يدَه ليضغطَ على الزر، فجاء صوت «روك» يقول: هذا جيد يا «جليم»، قدِّمه لي مع العشاء!
فَهِم «أحمد» أنه مسدس، وتذكَّر اللحظة التي قدَّم فيها الجرسون طبقًا من البرتقال إلى الرجلَين. أوقف التسجيل؛ فقد عرف أنه لا شيءَ بعد ذلك.
تساءل «باسم»: هل تكون هذه حقيقة؟ ويكون «إليك كرو» الذي يظهر الليلة، هو «إليك كرو» آخر؟!
لم يردَّ أحد مباشرةً؛ فقد كان ما سَمِعوه في الشريط الأول صدمةً بالنسبة لهم.