الأمور أصعب مما كان مخططًا له
لم تكن لونا قد سارت طويلًا حين شعرت بأنها تائهة جدًّا جدًّا، وخائفة جدًّا جدًّا. كانت معها خريطتها وكان يُمكنها أن ترى الطريق الذي عليها أن تسلكه مُستخدمةً مخيلتها، لكنها كانت قد تاهت بالفعل.
بدت الظلال ذئابًا.
طقطقت الأشجار وأصدرت صريرًا مع هبوب الريح. وانثنت أغصانها كمخالب حادة تخدش السماء. وتعالى وَطُّ الخفافيش ونعْقُ البوم ردًّا عليها.
قرقعت الصخور تحت قدمَيها، وتحت الصخور، كان بوسعها أن تشعر برجرجة الجبل المستمرة. كانت الأرض ساخنة، ثم أصبحت باردة، ثم أصبحت ساخنةً مرة أخرى.
زَلَّت قدما لونا في الظلام وتعثَّرت، وسقطت رأسًا على عقب، في وادٍ طيني.
جُرحت يدُها، والْتوى كاحلها، واصطدم رأسها بفرعٍ منخفض مُتدلٍّ ولُسِعَت ساقها في ينبوع ماء يغلي. كانت متأكدة من أنه يُوجَد دمٌ في شعرها.
قال الغراب: «كاو.» وكان يعني: «قلتُ لكِ إنها فكرة سيئة.»
تمتمت لونا: «اصمت. أنت أسوأ من فيريان.»
قال الغراب: «كاو»، لكن ما كان يَعنيه كان كلامًا لا يصحُّ تكراره.
قالت لونا محذرةً: «انتبه لألفاظك! وعلى أي حال، لا أعتقد أن نبرتك تعجبني.»
وفي الوقت نفسه، استمر يحدُث داخل لونا شيء لم تستطع تفسيره. كانت دقات التروس التي شعرت بها طوال حياتها تقريبًا قد أصبحت الآن كقرع ناقوس. كلمة «سِحر» موجودة. أصبحت تعرف ذلك الآن. لكن ظلَّت ماهية هذه الكلمة وما تَعنيه لغزًا.
كان ثمة شيء يحكُّ في جيبها. شيء صغير ورقي تجعَّد وخشخش وتلوَّى. بذلت لونا قصارى جهدها كي تتجاهله. كانت لدَيها مشكلات أكبر في الوقت الراهن.
كانت الغابة كثيفةَ الأشجار والأعشاب. حجبت الظلال الكثيفة الضوء. مع كل خطوة كانت تخطوها، كانت تتوقَّف وتتحسَّس بحذرٍ شديدٍ الأرضَ أمامها بقدمَيها بحثًا عن أرض صلبة. كانت قد ظلت تسير طوال الليل، وكان القمر، الذي كان بدرًا تقريبًا، قد توارى واحتجب بين الأشجار، آخِذًا معه الضوء.
بدا وكأن الظلال تُتمتِم لها في امتعاض: «فيمَ أقحمتِ نفسكِ؟»
لم يكن يوجد ضوء يكفي حتى كي ترى الخريطة التي رسمتها. إلا أن الخريطة ما كانت ستجدي نفعًا بعدما كانت قد شردت بعيدًا جدًّا عن دربها المقصود.
تمتمت لونا، وهي تخطو خطوةً أخرى بحذر: «تبًّا، هذا مزعج.» كان الطريق خدَّاعًا هنا؛ فقد تضمن منعطفات حادة، وتكوينات صخرية إِبْرِيَّة الشَّكْل. كان بوسع لونا أن تشعر باهتزاز البركان تحت قدمَيها. لم يَفْتُر، ولو للحظة. قالت لونا في نفسها وكأنها تتحدَّث إلى البركان: «فلتخمد. من المفترض أن تكون خامدًا.» لم يبدُ أن البركان كان يعلم هذا.
قال الغراب: «كاو.» وكان يقصد: «انسَي أمر البركان. لا بد أن تنامي.» كان هذا صحيحًا. فنظرًا لكونها تائهة، لم تكن لونا تُحرز أي تقدُّم. كان ينبغي أن تتوقَّف، وتستريح، وتنتظر حتى الصباح.
لكن جدتها كانت في مكانٍ ما هُنا.
ماذا لو كانت مصابة؟
ماذا لو كانت مريضة؟
ماذا لو لم تعُد؟
كانت لونا تعرف أن كل كائن حي سيموت حتمًا يومًا ما؛ كانت قد رأت هذا بعينَيها عندما كانت تساعد جدَّتها. الناس يموتون. وبينما يُصيب الموت أحباء الميت بسهام الحزن، لم يبدُ أنه كان يُزعج الميت ولو قليلًا. فهو ميت، على أي حال. كان قد مَضى قُدمًا إلى شئون أخرى.
ذات مرة سألت جليرك عما يحدث للناس بعد موتهم.
حينئذٍ أغمض جليرك عينَيه وقال: ««المستنقع».» كانت ثمة ابتسامة حالمة على وجهه. ««المستنقع»، «المستنقع»، «المستنقع».» كان أكثر قول غير شعري تفوَّه به في حياته. اندهشت لونا، لكن هذا لم يُجب بالضبط عن سؤالها.
لم تتحدث جدة لونا قطُّ عن حقيقة أنها ستموت يومًا ما. ولكن كان واضحًا أنها «ستموت» وأنه من المُحتمَل أنها كانت «تُحتضَر»؛ هذا الضمور، وهذا الضعف، وهذه المراوغة. كان ثمة أسئلة لها إجابة واحدة مفزعة، وقد رفضت جدتها أن تعطيها هذه الإجابة.
اندفعت لونا إلى الأمام وهي تشعر بألم في قلبها.
قال الغراب: «كاو.» وكان يعني: «احذري.»
قالت لونا بغيظ: «أنا ألتزم الحذر.»
قال الغراب: «كاو.» وكان يعني: «ثمة شيء غريب جدًّا يحدث للأشجار.»
قالت لونا: «ليست لديَّ أي فكرة عما تتحدث.»
شهق الغراب «كاو!» وكان يقصد: «انتبهي لموطئ قدميكِ!»
«ماذا تظن أنني أحاول …»
لكن لونا لم تقُل المزيد. ارتجَّت الأرض، وانحسرت الصخور تحت قدمَيها، وسقطت وهي تدور حول نفسها نحو الظلام بالأسفل.