التئام شمل العديد من العائلات
رأى سكان «المحمية» سحابةً من الغبار والدخان آتيةً مسرعةً نحو أسوار المدينة.
صرخ أحد الرجال: «إنه البركان! البركان قادم! وهو قادم من هذه الجهة!»
قالت إحدى النساء، مُعترضة: «لا تكن سخيفًا. البركان لا يتحرك. إنها «الساحرة». إنها آتية إلينا أخيرًا. كنا نعرف أنها ستأتي.»
«هل رأى أحدٌ آخَر طائرًا عملاقًا يقترب يُشبه التنين نوعًا ما؟ مع أن هذا محال، بالطبع. فلم تعُد التنانين موجودة. أليس كذلك؟»
انزلقت المرأة المجنونة حتى توقفت تمامًا عند الجدار، تاركةً أنتين ولونا يسقطان من فوق ظهرها. لم يُضيِّع أنتين الوقت، وعبَر على الفور بوابات «المحمية» ركضًا. بقيت لونا بينما كانت المرأة المجنونة تضع زان على الأرض وساعدتها على الوقوف.
قالت المرأة المجنونة: «هل أنتِ على ما يُرام؟» أخذت عيناها تتحركان في جميع الاتجاهات، دون أن يستقر نظرُها مطولًا في مكان بعينِه مطلقًا. تكرَّرت على وجهها سلسلة من عشرات التعبيرات، واحدًا تلو الآخر. كان بوسع لونا أن تلاحظ أنها كانت مجنونةً بعض الشيء. أو ربما لم تكن مجنونةً على الإطلاق، وإنما مُحطَّمة. وفي بعض الأحيان يمكن إصلاح الأشياء المحطمة. أمسكت بيد أُمِّها، متمنيةً ذلك.
قالت لونا: «يلزمُني أن أصعد إلى مكانٍ عالٍ. أنا بحاجة إلى أن أصنع شيئًا سيحمي المدينة وأهلها عندما ينفجر ذلك الشيء.» أشارت بذقنها إلى قمة البركان التي كان يتصاعد منها الدخان، وانقبض قلبها قليلًا. فكرت في بيت الشجرة الخاصة بها. وفي حديقتهم. والدجاج والماعز. ومستنقع جليرك الجميل. كل هذا سيزول في بضع دقائق، هذا إن لم يكن قد ضاع بالفعل. التبعات. كل شيء كان تبعات.
قادت المرأة المجنونة لونا وزان إلى البوابات وصعدنَ إلى أعلى سور المدينة.
كانت أمُّها تملك قوةً سحرية. كان بوسع لونا الشعور بذلك. لكنها لم تكن مُماثِلة لقوة لونا السحرية. كان سحر لونا ممزوجًا بكلِّ عَظْمةٍ وكلِّ نسيجٍ وكلِّ خلية. أما سحر أمها، فكان أشبه بمجموعةٍ من الحُلِي الرخيصة التي تُرِكت في سلَّةٍ بعد رحلةٍ طويلة؛ قطع من هنا وهناك يتصادم بعضها ببعض. ومع ذلك، استطاعت لونا أن تشعر بسحر أُمِّها — وكذلك بشوق أُمِّها وحُبِّها — يطنُّ تحت جلدها. كان يُحفِّز القوة التي كانت تتعاظم بداخلها، ويُوجِّهُ السحر المُتصاعِد. أمسكت لونا يدَ أُمِّها بإحكامٍ أكثر قليلًا.
هبط فيريان وجليرك، و«آكِلة الحزن»، التي فقدت وعْيَها تقريبًا، بجوارهن.
صرخ سكان «المحمية» وركضوا مُبتعِدين عن السور، حتى بعدما صاح فيهم أنتين قائلًا إنه لا يُوجَد ما يخافون منه. نظرت زان إلى القمة التي يتصاعد منها الدخان. وقالت مُتجهِّمة: «ثمة الكثير من الأشياء المخيفة. لكننا لسنا مبعث خوف.»
اهتزَّت الأرض.
نادى أنتين على إيثين.
ونادى فيريان على زان.
قال الغراب: «كاو، كاو، كاو.» وكان يعني: «لونا، لونا، لونا.»
صاح جليرك في الجميع طالبًا منهم التزامَ الصمتِ كي يُمكنه التفكير.
انبعث من البركان عمودٌ من النار والدخان، فقد لفظت الأرض الطاقة الكامنة بداخلها أخيرًا.
همست لونا: «هل يُمكننا إيقافه؟»
قالت زان: «لا. لقد سبق إيقافه، منذ زمنٍ طويل، لكن ذلك كان خطأً. فقد مات رجل صالح هباءً. وكذلك تنينةٌ صالحة. البراكين تثور والعالَم يتغيَّر. هذه هي طبيعة الأمور. لكن يمكننا حماية الناس. لا يُمكنني أن أفعل هذا بمفردي، فلم أعُد قادرةً على هذا، وأشك في أنه يُمكنكم فعله بمفردكم. لكن معًا.» نظرت إلى والدة لونا. «معًا، أظنُّ أننا نستطيع.»
«لا أعرف كيف يا جدتي.» حاولت لونا كبح نشيجها. كان يُوجَد العديد من الأشياء الواجب معرفتها، ولم يكن يُوجَد وقتٌ كافٍ لتعرفها. أمسكت زان بيد لونا الأخرى. «هل تتذكرين عندما كنتِ فتاةً صغيرة، وعلمتُك كيفية عمل فقاعات حول الأزهار، لتحفظها بالداخل؟»
أومأت لونا بالإيجاب.
«تعالي. العقل ليس مصدر جميع المعارف. بل مصدرها أيضًا جسمكِ، وقلبكِ، وحدسكِ. وأحيانًا حتى الذكريات تعمل باستقلالية. كانت الأزهار آمنة بداخل تلك الفقاعات التي صنعناها، أتذكرين؟ اصنعي فقاعات. فقاعات داخل فقاعات. فقاعات من السحر. وفقاعات من الثلج. وفقاعات من الزجاج والحديد وضوء النجوم. وفقاعات من المستنقع. المادة أقل أهمية من الغرض الذي نَستخدمها لأجله. أَعمِلي خيالَكِ وتخيَّلي كل فقاعة. حول كل منزل، وكل حديقة، وكل شجرة، وكل مزرعة. حول المدينة بالكامل. وحول بلدات «المدن المستقلة». فقاعات وفقاعات وفقاعات. تُحيط. وتحمي. سنستخدم سحركِ، ثلاثتنا معًا. أغمضي عينيكِ وسأريكِ ما يجب عليكِ فعله.»
عندما شبَّكت أصابعها مع أصابع أُمِّها وجدَّتِها، شعرت لونا بشيءٍ في عظامها؛ هبَّة من الحرارة والنور، تسري من لُب الأرض إلى عنان السماء ثم تعود إلى لُب الأرض، وهكذا دواليك. السحر. ضوء النجوم. ضوء القمر. الذكرى. كان قلبها يحمل الكثير من الحب، وقد بدأ يفيض. مثل البركان.
تصدع الجبل. وأمطرت السماء نارًا. وأظلمت السماء من أثر الرماد. توهَّجت الفقاعات بالحرارة وارتجَّت تحت وطأة الرياح والنيران والغبار. تماسكَت لونا بكلِّ ما أوتِيَت من قوة.
•••
بعد مرور ثلاثة أسابيع، كان صعبًا على أنتين أن يتعرَّف على موطنه. كان لا يزال يوجَد الكثير من الرماد. كانت الحجارة وبقايا الأشجار المحطَّمة تُغطي شوارع «المحمية». حملت الرياح الرماد البركاني ورماد حرائق الغابات والرماد الذي لم يرغب أحدٌ في التعرُّف على مصدره لأسفل منحدر الجبل ورسَّبَته في الشوارع. وخلال النهار، كانت الشمس تتسلَّل بشقِّ الأنفس من خلال الضباب الدُّخاني، وفي الليل ظلت النجوم والقمر غير مرئيَّين. بعثت لونا بأمطارٍ كي تغسل «المحمية» والغابة والجبل المدمَّر، وهو ما ساعد على تنقية الهواء قليلًا. ومع ذلك، كان لا يزال يُوجَد الكثير مما يتعيَّن فعله.
ابتسم الناس بأمل، رغم الفوضى. أُودِع أعضاء مجلس الحكماء في السجن، وانتُخِب أعضاء المجلس الجديد عن طريق إجراء التصويت الشعبي. أصبح اسم جيرلاند إهانة دارجة. أدار وين مكتبة «البرج» التي رحَّبت بجميع الزوار، وعُنِي بها. وأخيرًا، فُتِح «الطريق»، وهو ما سمح لمواطني «المحمية»، لأول مرة في حياتهم، بالمغامرة بالخروج. ولكن لم يفعل الكثيرون ذلك. ليس في بادئ الأمر.
وسط هذه التغييرات، وقفت إيثين، بكل عقلانية وتمكُّن، وفي يدِها كوب شاي ساخن وابنها يتشبث بصدرها. احتضن أنتين عائلته بقوة. تمتم في نفسه: «لن أترككم مرةً أخرى أبدًا. أبدًا أبدًا أبدًا.»
•••
نُقِلَت زان و«آكلة الحزن» إلى جناح المستشفى في «البرج». وبمجرد أن علِم الناس بما فعلته الأخت إجنيشا، تعالت دعوات بسجنِها، لكن مع كل دقيقةٍ كانت تمضي، كانت جذوة الحياة التي امتدَّت طويلًا جدًّا في المرأتَين تضمحلُّ شيئًا فشيئًا.
قالت زان في نفسها: «عما قريب، سيطرق الموت بابي. في أي لحظة.» لم تكن تخشى الموت. لم تكن تشعر بالخوف من الموت. كانت فقط تشعر بالفضول. لم يكن لدَيها أدنى فكرة عما كانت تفكر فيه «آكلة الحزن».
•••
نقلت إيثين وأنتين لونا وأُمَّها إلى غرفة الرضيع، وأكدا لهما أن لوكين لم يكن يحتاج إلى غرفةٍ خاصة به، وعلى أي حال لم يكن بوسعهما أن يحتملا الافتراق عنه ولو للحظة.
حولت إيثين الغرفة إلى مكانٍ للاستشفاء للأم وابنتها. أسطح ناعمة. ستائر سميكة من أجل الأيام التي لا يكون فيها ضوء النهار مُحتملًا. أزهار جميلة في المزهريات. وورق. الكثير من الورق (على الرغم من أنه دائمًا ما كان يبدو أنه يُوجَد المزيد، والمزيد، والمزيد). عمدت المرأة المجنونة إلى الرسم. أحيانًا كانت لونا تساعدها. وصفت لها إيثين الحساء وبعض الأعشاب العلاجية والراحة. وحُبًّا لا ينتهي. كانت على أتمِّ استعدادٍ لتقديم كُل الحُب.
وفي الوقت نفسه، كرَّست لونا نفسها لاكتشاف اسمِ أُمِّها. مضت من بيتٍ لآخر، تسأل أي شخصٍ يوافق على التحدُّث إليها؛ ولم يفعل الكثيرون ذلك في البداية. لم يُحِبَّها سكان «المحمية» حبًّا مطلقًا مثلما كان يفعل سكان المدن المستقلة. وهو ما كان، بصراحة، صادمًا بعض الشيء.
قالت لونا في نفسها: «سيستغرق الاعتياد على هذا بعض الوقت.»
بعد أيامٍ من السؤال، وأيامٍ من البحث، عادت إلى أُمِّها وقت العشاء، وجثت عند قدمَيها.
قالت: «أديرا.» أخرجت دفترها وجعلت أُمَّها ترى الرسومات التي رسمتها، قبل أن تلتقيا. المرأة على السقف. والرضيعة بين ذراعَيها. برجٌ تمتدُّ من نوافذه يد. طفلة في دائرة من الأشجار. «اسمكِ أديرا. لا بأس إذا لم تتذكَّريه. سأظلُّ أُكرِّرُه حتى تتذكريه. ومثلما تشتت عقلكِ في كل الاتجاهات، مُحاولًا العثور عليَّ، كان قلبي يهيمُ بحثًا عنكِ. انظري هُنا. بلغ بي الأمر أنني رسمتُ خريطة. إنها هُنا، إنها هُنا، إنها هُنا.» أغلقت لونا الدفتر ونظرت إلى وجه أديرا. «أنتِ هُنا، أنتِ هُنا، أنتِ هُنا. وأنا كذلك.»
لم تنبس أديرا ببنت شفة. وضعت يدَها فوق يدِ لونا. وثنت أصابعها على راحة يد الفتاة.
•••
ذهبت لونا وإيثين وأديرا لزيارة كبير الحكماء السابق في السجن. كان شَعْر أديرا قد بدأ ينمو. التفَّ شعرها حول وجهها في خصلاتٍ سوداء كبيرة معقوفة أبرزت عينَيها السوداوَين الواسعتَين.
عبس جيرلاند وهنَّ يدخلن. وقال لِلُونا مُتجهمًا: «كان ينبغي أن أُغرقكِ في النهر. لا تظني أنني لم أتعرف عليكِ. بل أعرفكِ. لقد طارَدَني كلُّ واحدٍ منكم في أحلامي أيها الأطفال الكريهون. كنتُ أراكم تكبرون وتكبرون مع أني كنتُ أعرف أنكم قد متُّم.»
قالت لونا: «لكننا لم نمُت. لم يمُت أيٌّ منَّا. لعل هذا ما كانت تُخبرك به أحلامك. ربما عليك أن تتعلم أن تُنصت.»
قال: «لست مُنصتًا إليكِ.»
جثت أديرا بجوار الرجل المُسن. ووضعت يَدها على ركبتِه. «لقد قال المجلس الجديد إنه يمكن العفو عنك حالما تكون مُستعدًّا للاعتذار.»
قال كبير الحكماء: «إذن، سأبقى هُنا حتى أتعفَّن. أعتذِر؟ يا لها من فكرة سخيفة!»
قالت إيثين بلُطف: «سواء اعتذرتَ أم لا، فهذا لا يُهم. أنا أسامحك يا عمِّي. من كل قلبي. وكذلك زوجي. ومع ذلك، عندما تعتذِر، ربما تبدأ في مُعالجة نفسك. الاعتذار ليس من أجلنا. إنه من أجلك. وأنا أنصح به.»
قال جيرلاند، بتهدُّج ضئيلٍ في صوته: «أودُّ أن أرى ابن أختي. أرجوكِ. أخبريه أن يأتي ويراني. أتوقُ إلى رؤية وجهه العزيز.»
سألته إيثين: «هل ستعتذِر؟»
قال جيرلاند، ورذاذ يتطاير من فمه: «أبدًا.»
قالت إيثين: «هذا مؤسِف. وداعًا، يا عمي.»
وغادرنَ دون أن ينطقنَ بكلمةٍ أخرى.
وظل كبير الحكماء على موقفه. بقي في السجن بقية حياته. وفي النهاية، توقف الناس عن زيارته، وتوقفوا عن ذكره، حتى على سبيل المزاح. وبمرور الوقت، نسوه تمامًا.
•••
استمرَّ حجم فيريان في الازدياد. كل يوم، كان يَطير فوق الغابة ويُخبر عما رآه. «اندثرت البحيرة، امتلأت بالرماد. واختفت الورشة. وكذلك منزل زان. والمُستنقع. «المدن المستقلة» لا تزال موجودة. لم يمسَسْها سوء.»
زارت لونا «المدن المستقلة»، مدينة تلوَ أُخرى، مُمتطيةً ظهر فيريان. ومع أن السكان كانوا فرحين برؤية لونا، صُدموا لعدم رؤية زان وجزعوا لدى سماع أخبار مرضها، وتألم أهل «المدن المستقلة» كلهم لذلك. لم يكونوا واثقين من التنين، ولكن عندما رأوا كم هو لطيف مع الأطفال، اطمأنُّوا قليلًا.
روت لهم لونا حكاية مدينةٍ كانت تقعُ تحت سيطرة «ساحرة» فظيعة، حبستهم تحت سحابةٍ من الحزن. حكت لهم عن الأطفال. وعن «يوم التضحية» المريع. وعن «الساحرة» الأخرى، التي وجدت الأطفال في الغابة وأخذتهم للأمان، وهي لا تعلم بالأهوال التي أدَّت بهم إلى هذا المأزِق أصلًا.
صرخ مواطنو المدن المستقلة: «يا للهول! يا للهول، يا للهول، يا للهول!»
وقبض أهل أطفال النجوم على أيدي أبنائهم وبناتهم بإحكامٍ أكثر قليلًا.
أوضحت لونا: «لقد أُخِذتُ من أُمِّي. ومثلكم، جُلبتُ إلى أسرةٍ تُحبني وأُحبُّها. لا يمكنني التوقف عن حُب هذه الأسرة، ولا أريد ذلك. يمكنني فقط أن أزيد مقدار حبي.» وابتسمت. «أحبُّ جدتي التي ربتني. وأُحبُّ أُمي التي فقدتُها. حُبي بلا حدود. أحمل في قلبي حبًّا لا نهائيًّا. وسعادتي تزداد وتزداد. سترون.»
في مدينة تلوَ أخرى، قالت نفس الكلام. ثم ركبت على ظهر فيريان وعادت إلى جدتها.
•••
رفض جليرك أن يُبارح جانب زان. صار جلده متشققًا وأصيب بحكَّةٍ بسبب توقُّفه عن الاغتسال في ماء المستنقع الأثير لدَيه. كل يوم، كان ينظر بشوق إلى «المستنقع». رجَتْ لونا «الأخوات» السابقات — صديقات إيثين — أن يُبقينَ الدِّلاء جاهزةً كي يَغمُرنه بالماء عندما يحتاج إليه، لكن ماء البئر كان مُختلفًا. في النهاية، أخبرته زان أن يتوقف عن السُّخف الذي يفعله وأن يستحمَّ يوميًّا في «المستنقع».
همست زان وهي تضع يدَيها الذابلتين على وجه الوحش: «لا يُمكنني تحمل مجرد التفكير في معاناتك، يا أعز أصدقائي. أضف إلى ذلك — ولكن لا تُسئ فَهمي — أن رائحتك كريهة.» أخذت نفَسًا مُتحشرجًا. وأضافت: «وأنا أُحبك.»
وضع جليرك أياديه على وجهها. وقال: «عندما تكونين جاهزة يا زان، يا عزيزتي زان، يُمكنكِ أن تأتي معي إلى «المستنقع».»
•••
عندما بدأت صحة زان في التدهور بسرعة أكبر، أخبرت لونا أُمَّها ومُضيفيها بأنها ستنام في «البرج».
قالت: «جدتي تحتاج إليَّ. وأنا بحاجةٍ إلى أن أكون قريبةً من جدتي.»
اغرورقت عينا أديرا بالدموع عندما قالت لونا هذا. أمسكت لونا بيدِها. وقالت: «حُبي لا يُقسَّم. بل يتضاعف.» وقبَّلت أُمَّها وعادت إلى جدتها، ولازمتْها الليلةَ تلوَ الأخرى.
•••
في اليوم الذي عادت فيه الدفعة الأولى من أطفال النجوم إلى «المحمية»، فتحت «الأخوات» السابقات نوافذ المستشفى.
بحلول ذلك الوقت، بدت «آكلة الحزن» عجوزًا هَرِمة. تجعَّد جلدُها على عظامها كورقة بالية. فقدت عيناها نور البصر وصارتا غائرتَين. قالت بصوتٍ أجش: «أغلِقنَ النوافذ. لا يُمكنني أن أتحمَّل سماع هذا.»
همست زان: «اتركنَها مفتوحة. لا يُمكنني أن أتحمَّل ألَّا أسمعه.»
كانت زان، هي الأخرى، مثل قشرة جافَّة. كانت تتنفَّس بشقِّ الأنفس. قالت لونا في نفسها، وهي تجلس بجوار زان، مُمسكةً بيدِها الصغيرة، الخفيفة كالريشة: «سيطرق الموت بابها في أي لحظة.»
تركت الأخوات النوافذ مفتوحةً على مصاريعها. تناهت صيحات الفرح إلى الغرفة. بكت «آكلة الحزن» في ألَم. وتنهَّدت زان في سعادة. ضغطت لونا على يدِها برفق.
«أُحبكِ يا جدتي.»
«أعلم يا عزيزتي.» تنفَّست زان نفَسًا ذا صفير. «أحب …»
ورحلت زان وهي تُحب كل شيء.