معاونات الصحف
كانت الصحيفة تكتفي في عهود الصحافة الأولى بمَن يعملون فيها، يجلبون لها الأخبار ويسعون بأنفسهم إلى الإعلان، ويشرفون — أو تشرف إدارتها — على حركة البيع والتوزيع. لكن تقدُّم الصحافة واتساع نطاق أعمالها ونفوذها وازدياد وسائل النقل وطرق المواصلات، كل ذلك حال دون الوقوف عند حد ذلك الاكتفاء الأول، واضطر الصحفَ إلى أن تلجأ إلى أكثر من وسيلة في سبيل الحصول على الأنباء، وتنظيم جلب الإعلان وحركة البيع والتوزيع؛ فقامت لأجل هذه الضرورات منشآت مصطلَح على تسميتها بمعاونات الصحف، يتصل بعضها بعنصر التحرير، ويتصل بعضها الآخَر بعنصر الإدارة.
أما ما يتصل منها بالتحرير فوكالات الأنباء، ووكالات القصاصات، ووكالات الأسانيد، ووكالات المقالات. وأما ما يتصل منها بالإدارة فوكالات الإعلان، ودور النشر والتوزيع.
وكالات الأنباء
ووكالات الأنباء على أنواع: وكالات أنباء برقية، ووكالات أنباء برلمانية، ووكالات أنباء مصوَّرة، ووكالات أنباء أقاليم، وقد ذكرناها على ترتيب الوجود بالنسبة لكلٍّ منها. فقد سبقت (١) وكالات الأنباء البرقية سائر وكالات الأنباء على العموم، ويرجع أصلها إلى الدار التي أنشأها الفرنسي جارنييه بباريس في سنة ١٨٣٢ لتوزيع نشرات تضمَّنت أول الأمر مختارات من كبريات الصحف الأجنبية على الصحف الفرنسية، ثم شملت إلى جانب هذه المختارات أنباء بالمعنى الصحيح، كما شملت منذ سنة ١٨٤٨ رسالةً عن حوادث ألمانيا بخاصة، وقد انتقلت ملكية تلك الدار بعد ذلك إلى شارل هافاس، الذي وسَّع نطاقها مستعينًا بجميع وسائل النقل والمواصلات بالبرق والحمام الزاجل والسكك الحديدية والتلغرافات، ولم تلبث الدار أن انقلبت وكالةً اصطبغت بالصبغة الشبيهة بالرسمية؛ إذ ارتبطت بالحكومات الفرنسية المتعاقبة، وتولت إذاعة أنبائها وبلاغاتها.
وتلت وكالة هافاس في الوجود وكالة رويتر، وكان مَن أنشأها ألمانيًّا عمل في وكالة هافاس بباريس، ثم أقام في لندن حيث أسَّس الوكالة باسمه رويتر الذي كان قد تسمَّى به بعد أن خرج من اليهودية واعتنق المسيحية، وكان ذلك كله سنة ١٨٥٤، وما لبث نشاطه أن أكسبه ثقة الصحافة الإنجليزية ومعاونة الحكومة البريطانية، فنمت وكالته إلى ما هي عليه الآن من القوة والنفوذ والانتشار.
ونظام العمل في وكالات الأنباء البرقية واحد، فلكلٍّ منها في عواصم الدول وفي المناطق التي تعنى بها حكوماتها عناية خاصة؛ مندوبون يبرقون إلى المركز الذي يتبعونه بأنباء دائرة اختصاصاتهم، وتبلغ المراكز بدورها الأخبار التي تتجمع لديها إلى المركز الرئيسي الذي يوزِّعها على مختلف المراكز وعلى الصحف والهيئات المشتركة في نشراتها، والعادة أن تقسم الكرة الأرضية إلى مناطق، تتبادل المراكز التي في كل منطقة منها الأنباء اقتصادًا للنفقات. وكثيرًا ما تتفاهم الوكالات فيما بينها على مناطق نفوذ يعمل فيها مندوبو واحدةٍ منها فقط لحسابها أو لحساب الوكالات المتفاهمة الأخرى، وتصدر الوكالات نشرات يختلف عددها في كل يوم باختلاف أهمية الوكالة، وتوزِّعها على الصحف مقابل اشتراك معيَّن، كما يختلف هذا الاشتراك باختلاف موضوعها ومداها. ولرويتر مثلًا نشرة مالية تتضمن أسعار الأسواق التجارية والمالية في أهم بورصات العالم، ولها كذلك نشرة خاصة أوسع من النشرة العادية، كما أنَّ لها نشرة عالمية اسمها جلوب رويتر أوسع من النشرة الخاصة، ولكلٍّ من هذه النشرات جميعًا اشتراك تختلف قيمته باختلاف أهمية النشرة، وتتراوح في مصر بين أربعة جنيهات وخمسين جنيهًا في الشهر. كما أنَّ لهافاس نشرة كبيرة اسمها نشرة الشرق الأقصى تتضمن أنباء العالم كاملة.
والعادة أن تعاوِن الحكومات وكالات الأنباء البرقية معاونة مالية سخية، والعادة كذلك أنَّ الحكومات التي ليست لبلادها وكالة أنباء خاصة تستعين بوكالات أجنبية في إذاعة اتجاهاتها مقابل إعانات سخية كذلك. وتعمل في مصر الآن وكالات أنباء إنجليزية وفرنسية وتركية وعربية، وكانت تعمل فيها إلى قطع علاقاتها بألمانيا وكالةُ أنباء ألمانية، وقبل قطع علاقاتها بإيطاليا وكالةُ أنباء إيطالية، كما كانت فيها إلى شهور وكالة أنباء يهودية. أما الوكالات الإنجليزية فهي رويتر والأنباء الرسمية البريطانية ووكالة الأنباء العربية، والفرنسيَّتَانِ هافاس والفرنسية الحرة (١٥ يناير سنة ١٩٤١)، والتركية أناضول، والعربية وكالة الشرق العربي. وتقدِّم الحكومة المصرية إعانة سنوية لوكالة رويتر مقدارها ٢٣٠٠ جنيه، وكانت تقدِّم لهافاس إعانة ١٠٠٠ جنيه نزلت في مشروع الميزانية المقدَّم الآن للبرلمان إلى ٦٠٠ جنيه، وكذلك تُعِين شركة الأنباء الشرقية بمبلغ ٣٦ جنيهًا في السنة، وليس لمصر إلى الآن وكالة أنباء، وإن كانت قد قامت محاولة أو محاولتان بمجهود فردي بُذِلَ في لندن سنة ١٩٣٣، وفي القاهرة سنة ١٩٣٥، لكن لم يصادفهما النجاح، وإن كان في الأفق الآن محاولة ثالثة قد تكون أحسن حظًّا من الأوليين؛ إذ تضمن الحكومة لرأس مال الشركة التي تؤلف لتحقيقها حدًّا أدنى للربح أدرجت قيمته بالفعل في مشروع ميزانية هذا العام.
مشروع وكالة الأنباء المصرية
في أغسطس سنة ١٩٣٩ تقدَّم المدير العام لشركة سنترال نيوز إلى سفير مصر في لندن بمذكرة خاصة بإنشاء شركة أنباء مصرية، تستخدم آلات تلبرنتر لإذاعة أنباء مصر والعالم في البلاد المصرية وفي بلاد الشرق العربي، ولإذاعة ما ترى ضرورة إذاعته من الأنباء التي تهم مصر في أنحاء العالم المختلفة، وعلى أثر ذلك تقدَّم الدكتور هيكل باشا الذي اتفق على أن يكون رئيسًا لمجلس إدارة الشركة متى تَمَّ تأليفها بطلب امتياز لمدة عشرين سنة، مع ضمان ربح سنوي للشركة لا يقل عن ٥ في المائة مقابل خضوعها لإشراف الحكومة المصرية، وتوليها الإعراب عن آراء هذه الحكومة بصفة غير مباشرة، وأن تقوم بتوزيع بلاغاتها الرسمية على الصحف داخل مصر وخارجها في وقتٍ واحدٍ، وأن تذيع في البلاد المختلفة ما تريد المفوضيات المصرية إذاعته، وذلك مضافًا إلى أن يكون القسم الأكبر من رأس مال الشركة هو ٧٠٠٠٠ جنيه مصريٍّ، وأن يشغل وظائفها في البلاد موظفون مصريون، ووافق مجلس الوزراء على هذا الطلب، وبرر موافقته باعتبار أنَّ «الشركة شركة مصرية لإذاعة أنباء مصر في أنحاء العالم المختلفة، وبخاصة بما سيراعي من أن تكون الإذاعة في بلاد الشرق العربي باللغة العربية، وبمراقبة الحكومة المصرية وإشرافها المباشر، وهو أمر تقتضيه مصلحة البلاد العامة». وفي شهر أبريل سنة ١٩٤٠ صدر قانون «يؤذن للحكومة في أن تكفل دفع الفوائد المستحقة عن أسهم رأس مال شركة مصرية مساهمة تكون بعد بقصد إنشاء وكالة برقية مصرية للأخبار العامة، ويمنح هذا الضمان وفقًا للشروط التي يحدِّدها قرارٌ يصدره مجلس الوزراء، ولا يجوز بأي حال أن تتجاوز الكفالة مبلغ ٣٥٠٠ جنيه سنويًّا»، لكن الشركة لم تُؤلَّف حتى الآن بسبب عدم توافر الآلات من ناحية، وبسبب عدم توافر أصحاب المال الذين يؤلفونها من ناحية ثانية، مع أنَّ الظروف الحاضرة كانت تُعِين الشركة على النهوض وعلى الكسب في سنواتها الأولى، وهي ظروف حرب يزيد فيها إقبال الناس على قراءة الصحف والأخبار العالمية.
وإذا كانت الأنباء البرقية قد وجدت لها وكالات كُتِب لها النجاح في مختلف البلاد التي نشأت فيها، فإنَّ هذا النجاح قد شجع على تأليف وكالات أنباء أخرى، منها (٢) وكالات الأنباء البرلمانية. والبرلمان ميدان كميادين الأنباء العادية تقع حوادثها تحت حس المشاهدين، ويستوي في مشاهدتها المتصلون بالصحف عامة مهما اختلفت ألوانها وتباينت نزعاتها. وإذن فمن المستطاع تفهُّمه أن تكون هناك هيئة موحدة تشرف على نقل مناقشات البرلمان وما يدور فيه، وتوصيل هذه المناقشات إلى الصحف المختلفة أيضًا، وتقبل هذه الصحف المتباينة النزعات تلك الأخبار؛ لأنها تقدِّر طبيعة الخبر في ذاته، وتقدِّر أنه خبر على أي حال مهما تكن شخصية الناقد له بعيدة عن موظفي الجريدة ومحرريها. على أنَّ هذا النوع من الوكالات لم ينتشر انتشار وكالات الأنباء البرقية؛ إذ إنَّ النزعات الحزبية تطغى على الفكرة الخبرية في بعض البلاد، ويدعو هذا الطغيان جرائد الرأي إلى أن يكون لها ممثلون خاصون في البرلمان، ينقلون إلى قرَّائهم ما يتفق ونزعات صحيفتهم الحزبية. وإنجلترا هي الدولة التي تحظى بهذا النوع من الوكالات، ويشاهد المطَّلِع على صُحُفها الكبرى أنَّ الصفحة الخاصة بالمناقشات البرلمانية تكاد تكون هي بحروفها الظاهرة في الصحف جميعًا.
ويلي هذا النوع الثاني من وكالات الأنباء نوع (٣) وكالات أنباء الأقاليم، وهي أقرب في الوضع إلى وكالات الأنباء البرقية، وهذه الوكالات تعنى بالأنباء الخارجية، بينما تعنى وكالات الأنباء الإقليمية بحوادث الأقاليم التي ينظر إليها كذلك نظرة موحدة لا دَخْلَ على الغالب للاتجاهات الحزبية فيها.
وتجيء بعد ذلك (٤) وكالات الأنباء المصورة، وقد أصبح للتصوير مكان عظيم في النشاط الصحفي، وأصبح المصورون يحاكون المخبرين في نشاطهم وفي إنتاجهم، بل إنَّ نوعًا جديدًا من الصحافة ليؤثر الأنباء المصوَّرة على الأنباء الخبرية؛ فالمصورة في ذاتها جذَّابة، وهي تلفت نظر مَن يعرف القراءة ومَن لا يعرفها على حدٍّ سواء. وقد أصبحت وكالات الأنباء المصورة منتشرة في أنحاء العالم انتشارًا يجعلها تزيد في عددها على الوكالات البرقية، وإن كانت تقل عنها بطبيعة الحال أهميةً. وفي إنجلترا وحدها ٥٣ وكالة للأنباء المصورة منتشرة خلال الجزيرة البريطانية، على حد ما نشره تقويم الكتَّاب والفنَّانين السنوي طبعة سنة ١٩٣٣، وإلى جانب هذه الوكالات تقبل الصحف صورًا من الأفراد بأجر معيَّن تدفعه لهم بمجرد نشرها. وكثيرًا ما يرى المار في شوارع لندن أفرادًا عاديين يأخذون صورًا لغريب الحوادث التي تقع، ويوزعونها على الصحف، ويجعلون من ذلك التوزيع عملهم الذين يعيشون منه. وإذا نحن قد سجلنا بالنسبة لوكالات الأنباء تلك نوعًا من المحاولة في مصر لإنشاء وكالة أنباء برقية، فإنا نسجِّل أنَّ ليس في مصر وكالة أنباء برلمانية، ولا وكالة أنباء للأقاليم، وإنما توجد نواة أو أكثر لوكالة أنباء مصورة، بل يوجد في مصر أفراد يعنون بتصوير الحوادث في مختلف أنحاء المملكة، ويوزعونها على الصحف، لكن قليلًا جدًّا من الصحف يكافئ عمل الموزعين، ويدفع لهم أجرًا على مجهودهم.
وكالات القصاصات
وإلى جانب وكالات الأنباء التي ذكرنا أنواعها، توجد معاونات الصحف وكالات للقصاصات مهمتها الاطلاع على جميع الصحف، وتبويب ما يُنشَر فيها بحسب مواضيعها، وتقوم بخدمة اشتراك يُوزَّع على الصحف وعلى الهيئات وعلى الشخصيات التي تعنى بشتى نواحي النشاط البشري، توزع عليهم النوع أو الأنواع التي يعنون بالوقوف على ما يُكتَب فيها. وفي لندن من نوع هذه الوكالات أربع شهيرة توزع قصاصاتها في إنجلترا وخارج إنجلترا كذلك. وتلقي هذه القصاصات على مكاتب التحرير في مختلف الصحف ضوءًا مقدَّرًا كل التقدير؛ إذ تقدِّم للمحررين معلومات عن موضوعات كان لا بد من أن يضيعوا وقتًا طويلًا للوقوف عليها، وقد لا يقفون عليها أصلًا لعدم افتراض اطلاعهم على كل الجرائد والمجلات التي تُنشَر بلغة معينة.
وكالات الأسانيد
بهذا انتهينا من أنواع الوكالات المعاونة لتحرير الصحيفة، وإلى جانبها وكالات تعمل على معاونة إدارة الصحيفة وماليتها، وأهم هذه الوكالات نوعان: نوع وكالات الإعلان، ونوع وكالات التوزيع.
وكالات الإعلان
وكالات الإعلان — كما يدل اسمها — هيئات تتولى تقديم الإعلانات للصحف لتنشرها مقابل أجر، وهذه الوكالات عديدة ومنتشرة في أنحاء العالم، وإنْ كان مركزها الرئيسي هو مدينة لندن. والفكرة التي تسود نظام تلك الوكالات هي أنَّ هناك موزِّعين لميزانيات الإعلان، تتقدم إليهم البيوتات الزراعية والصناعية والتجارية والمالية، وبيوتات سائر أنواع الإنتاج البشري، فتعهد إليها بتوزيع إعلاناتها على الصحف في البلاد التي ترى أن تعنى فيها بترويج منتجاتها، وتترك إلى أولئك الموزعين أمر توزيع الميزانية التي تخصصها البيوتات على الإعلان في مختلف البلاد، وعلى مختلف الصحف في كل بلد، وتحديد نسبة توزيع تلك الميزانية، فإذا ما قدَّمَ الموزع مشروعه إلى البيت المعلَن وتفاهَمَ وإياه على تفصيلاته، اتصل الموزِّع بوكلاء للنشر يقيمون في لندن، ويمثلون وكالات الإعلان المحلية أو الصحف ذاتها في بلادهم، ويتفاهم الموزِّع وهؤلاء الوكلاء كلٌّ فيما يخصه ويخص صحفه، ويتقاضى الموزِّع عمولة قدرها ٢٥ في المائة من قيمة التوزيعات، فيتولى الوكيل التوزيع في البلد الذي يمثله على الوكالات المحلية والصحف، ويتقاضى لنفسه عمولة قدرها ٢٥ في المائة أيضًا من قيمة توزيعاته، ثم تتعاقد الوكالات المحلية مع الصحف بعقود امتياز تحتكر به الإعلان في الصحيفة مقابل مبلغ يُعيَّن حدُّه الأدنى سنويًّا وبأسعار محددة، ويُدفَع المبلغ المتفق عليه على أقساط شهرية أو ربع سنوية، وإذا زادت الإعلانات عن الحد الأدنى المقرَّر يدفع عن الزائد ثمن، وإذا جاءت إعلانات من غير طريق الوكالة المحلية كان لهذه الوكالة في أجرها عمولة خاصة كذلك، ويستند الموزعون إلى معرفة دقيقة بقيمة الصحف في أنحاء العالم راجعة إلى تجاربهم الشخصية، أو إلى بيانات المنتجين أنفسهم، أو بيانات الممثلين التجاريين لهؤلاء المنتجين في البلاد التي يبيعون فيها منتجاتهم. والمشهور أنَّ مادة الأسبرو هي أدق المنتجات توزيعًا، بحسب عدد النسخ التي تطبعها كل صحيفة التي يقدر أجر الإعلان بنسبتها.
تلك هي القاعدة العامة، على أنَّ هذه القاعدة في عمومها لها استثناء، هو أنَّ بعض البيوتات يقوم بتوزيع إعلاناته مباشَرَةً؛ توفيرًا لأنواع العمولة المتعددة التي تُدفَع قبل أن يصل الإعلان إلى الصحيفة، كما يقوم بعض الصحف بتقبُّل الإعلانات مباشَرَةً من المنتجين، ومن ناحية أخرى فإن الوكالات المحلية ترى أنَّ العمولات التي تدفعها لوكلاء لندن وللموزعين تضيع عليها، وترى أنَّ الموزعين في لندن — وقد عرفوا أسعار الإعلان الحقيقية — يستكثرون ما يعطونه للوكالات المحلية، ومن هذا وذاك خرجت فكرة الميزانيات المحلية تقوم بالتوزيع المحلي ليس غير.
ماذا يحدث في مصر
في مصر شركة إعلانات كبرى هي شركة الإعلانات الشرقية، وهي مساهمة مصرية «قانونًا» رأس مالها ١٠٠ ألف جنيه، ونزل من ثلاث سنوات إلى ٢٠ ألف جنيه، هذه الشركة تحتكر تقريبًا توزيع الإعلانات على الصحف الصادرة في مصر؛ لأن ٩٠ في المائة من الإعلانات يمر بها، وهي متعاقدة مع جميع الصحف التي تُطبَع بالفرنسية والإنجليزية، ومع الصحف التي تُطبَع بالعربية ما عدا الأهرام والمقطم، وهي إلى هذا مالكة لجرائد البورص والبروجريه والميل والجازيت والجورنال دي ألكسندري، ولها وكيل في لندن، ووكيل في باريس، ووكيل لندن يأتي لها بثلاثة أرباع الإعلانات، وهي تتولى التوزيع على الصحف التي تعاقدت معها على الطريقة التي ذكرنا. إلى جانب هذه الشركة تقوم شركة أخرى هي شركة عيسوي إخوان، يذهب إلى لندن ويعود بعقود إعلانات مباشرة. إلى جانب هاتين الشركتين للمقطم والأهرام مكاتب إعلانات خاصة.
والعادة في مصر أنَّ الإعلان يجيء من المنتج مباشَرَةً، على عكس ما هو في أوروبا؛ إذ يجيء الإعلان عن طريق توزيع ميزانيات الإعلان. ولهذه القاعدة العامة في مصر استثناءان: الأول خاص بمنتجات أسبرو، والثاني خاص بصنف الشاي. ولوكالات الإعلان تأثير غير هيِّن في اتجاه الصحف، ومادة الإعلان من المواد الرئيسية في دَخْل كل صحيفة، وقد حدث في أوائل هذه الحرب أن ظهرت جريدة ديلي ميل الإنجليزية بمظهر الميل إلى النازية، فاجتمعت بيوتات الإنتاج اليهودية ووحدت ميزانيات إعلاناتها، وركَّزتها عند موزِّع معين تولَّى الديلي ميل يوميًّا بالاتصال التليفوني يطلب إلى إدارتها إلغاء ما تم عليه التفاهم من نشر إعلان معين لمدة ثلاثة أشهر، والاكتفاء بثلاثة أيام، وسار على هذه الوتيرة أسابيع انتهت الديلي ميل بعدها إلى تعديل خطتها السياسية. وقد حدث في مصر مثل هذه المحاولة من جانب البيوتات الإسرائيلية أيام أزمة الخلاف الشديد بين الصهيونية وعرب فلسطين، فكانت تمنع إعلاناتها التجارية عن الصحف الموالية للعرب، وتنشط بإعلاناتها الصحف التي ترضى عن نشر بعض مقالات مؤيِّدة للصهيونية. وحدث كذلك قبل هذه الحرب أن ركَّزت ألمانيا الإعلان عن متاجرها في الغرفة الألمانية بالقاهرة، فكانت هي التي تُشرِف على توزيع الإعلانات على الصحف، ولكن كان هذا التوزيع بناء على إرشاد المفوضية الألمانية، وكذلك كان الحال بالنسبة للإعلانات الإيطالية بعد قطع العلاقات بين مصر وألمانيا، وحاولت المتاجر الإنجليزية أن تسير على هذا النحو، وأخذت الإعلانات عن بعضها ولا سيما عن السياحة تصدر عن السفارة البريطانية، وكان لتدخُّل الهيئات السياسية في أمر توزيع الإعلانات توزيعًا مباشِرًا أثرٌ أقرب إلى أثر الأخطاء منه إلى أثر الخطط الصحيحة.
وكالات التوزيع أو وكالات البيع
حُرِّرت الصحيفة واشتملت على الإعلانات ذات الإيراد، وطُبِعت وأُعِدَّتْ للتوزيع، هنا تبدأ مهمة وكالات التوزيع، فهذه الوكالات جماعات مالية تتولَّى بيع الصحف لحساب أصحابها، تتسلم النسخ من مطابع الصحيفة، وتتولَّى توزيعها على ممثِّليها في أحياء المدينة التي تصدر فيها الصحيفة، وفي سائر المدن التي تباع فيها، وكذلك في البلاد الأجنبية التي يكون للصحيفة فيها قرَّاء، والقاعدة العامة التي تستند إليها علاقة الصحيفة بوكالة البيع والتوزيع هي أنَّ الوكالة تتسلم الأعداد بثمن محدَّد، يقل نوعًا عن ثمن البيع للجمهور، وتتفاهم مع الصحيفة على نسبة محدَّدة لما يصح للوكالة أن تعيده من غير بيع، وتكسب هي الفرق بين ثمن الشراء وثمن البيع، بعد أن تكون قد دفعت من هذا الفرق ما يخص الموزعين من عمولة أو أجر. وأشهر وكالات التوزيع وكالة هاشت في فرنسا، ووكالة سميث في إنجلترا، ويُستدَل على أهمية الأولى من واقع ما توزِّعه يوميًّا من نُسَخ الصحف، وقد يبلغ عددها خمسة ملايين نسخة في اليوم، تُوزَّع على خمسة عشر ألفًا من الوكلاء والمكتبات ومحال البيع. أما وكالة سميث الإنجليزية فتزيد نُسَخ الصحف التي توزِّعها يوميًّا على العشرة ملايين. وتحاسب وكالات البيع إدارات الصحف على نتيجة توزيعها مرةً في الأسبوع، أو مرةً في الأسبوعين أو مرةً في الشهر بحسب دورية الصحيفة.