الصحفي
أول ما يعرض للبحث في هذا الباب إنما هو التساؤل: مَن هو الصحفي؟ والواقع أنه ليس هناك تعريف للصحفي اصطُلِح عليه، أو تم الوقوف عند حده؛ ففي القواميس الفرنسية أو الإنجليزية يعرف الصحفي بأنه الشخص الذي يحترف الكتابة في الصحف، أو أنه الكاتب الذي يعمل عادةً في تحرير صحيفة، أو أنه الشخص الذي يصنع الصحيفة والذي يحرِّرها، والذي يعمل كمحرِّر في صحيفة، وهي تعبيرات كما نرى غير محدَّدة وإن كانت تحوم في عمومها حول فكرة الكتابة والتحرير في الصحف؛ ذلك أنَّ الصحفي ليست مهنته من المهن الحرة التي يشترط للعمل فيها — كما يشترط في سائر المهن الحرة — أن يكون العامل فيها حاصلًا على إجازة علمية معينة كليسانس الحقوق بالنسبة للمحامي، ودكتوراه الطب بالنسبة للطبيب، ودبلوم الهندسة بالنسبة للمهندس؛ بل إنَّ العادة قد جرت على أن يعمل في الصحافة مَن يُحسِن القدرة على العمل فيها، أو مَن تتوافر فيه مَلَكَات الإنتاج الصحفي، وهي مَلَكَات لا تستند على العموم إلى دراسة منظمة محدَّدة المواضيع، ولو أنَّ الاتجاه قد تبين خلال السنوات الأخيرة سائرًا إلى تنظيم الدراسة الصحفية في معاهد للصحافة، يحصل المتخرج منها على إجازة علمية كإجازة المحاماة أو الطب أو الهندسة.
ومن أجل هذا الواقع العام في الصحف من عدم اشتراط إجازة علمية معيَّنة، صعب تعريف الصحفي في حين يسهل تعريف المحامي أو الطبيب أو المهندس، على أنَّ الحكومات في بعض ما تسنه من تشريعات متصلة بتنظيمات الصحافة قد مسَّتْ موضوع تعريف الصحفي، وإن كان بطريق غير مباشر؛ ففي قانون المطبوعات مثلًا نجد أحكامًا تنص على شروط يجب أن تتوافر في طالب الترخيص بإصدار صحيفة، وشروط أخرى يجب أن تتوافر في رئيس التحرير المسئول، لكن الحالة تقف في تلك القوانين عند حد هذين الشخصين وحدهما: مالك الصحيفة ورئيس تحريرها، في حين أنَّ الصحفيين يتجاوزون هذين الشخصين إلى أشخاص عدة آخَرين يعملون في الصحيفة ويساهمون في إخراجها، وقد يعرض القضاء في أحكامه لما يمس الصحافة والصحفي، لكنه لا يمس الصحفي من ناحية التعريف والتحديد، فكثرة القضايا التي يعرض فيها القضاء لبحث متصل بالصحافة والصحفي إنما هي قضايا يفصل خلالها في صفة الصحفي من ناحية اعتباره تاجرًا أو غير تاجر. فيترتب على الاعتبار الأول بالنسبة للصحفي إشهار إفلاسه إذا هو توقَّف عن الدفع، ويترتب على الاعتبار الثاني بالنسبة للصحيفة أن تعتبِر تعهداتها تعهدات تجارية تخضع لمدد تقادم أقل من مدد التقادم المدني. على أنَّ هذا كله يقف عند حدود مالك الصحيفة، وهو الذي تصدر عنه كل التصرفات المالية التي تكون محل التقاضي، لكن رئيس التحرير وسائر مَن يعملون بالصحيفة لا يعرض لهم القضاء من هذه الناحية. وإذا كانت الصعوبة في تعريف الصحفي بادية في غير مصر من البلاد، فإنها إلى الآن صارخة في مصر، وقانون المطبوعات فيها لم يعرض إلا لمالك الصحيفة ورئيس تحريرها، وقانون العقوبات يعرض لرئيس التحرير أصلًا على اعتبار أنه المسئول الأول، ثم لكاتب المقال وللناشر وللبائع والموزِّع على اعتبار أنهم شركاء في النشر والعلانية، والقضاء المصري لم يعرض هو الآخَر إلا لصفة الاتجار بالنسبة لصاحب الجريدة. على أنَّ محاولات كثيرة قد بدت في الميدان المصري لتعريف الصحفي، أو على الأقل لتحديد فئات الصحفيين، وقد تجَلَّتْ تلك المحاولات خلال قوانين نقابات الصحافة التي وُجِدت خلال العشرين سنة الأخيرة، وكانت كلها ترمي فيما ترمي إليه إلى تحديد أنواع المشتغلين بالصحافة الذين يعتبرون صحفيين، ولكن هذا التحديد كان يتفاوت دائمًا بتفاوت الظروف التي تنشأ فيها النقابة، وبتفاوت الظروف التي تجري فيها بخاصة الانتخابات لأجل مجالس النقابة، ولا نعني بهذه القوانين قوانين صدرت من الحكومة أو من البرلمان، وإنما التعبير بالقوانين في ذلك الصدد إنما هو تعبير اعتباري، هو الذي قررته الجمعيات الصحفية التي كانت تخرج منها نقابات للصحافة.
وكذلك وُجِدت محاولات أخرى في سبيل تحديد فئات الصحفيين، وهي المحاولات التي تلجأ إليها الحكومات لتحديد نوع الصحفيين الذين يحظون بالامتيازات التي تُمنَح لطائفتها. وفي مصر وإلى شهر فبراير من سنة ١٩٤٢، كان امتياز الأجور المخفضة للانتقال بالسكك الحديدية يُطبَّق على مديري الصحف ورؤساء تحريرها والمحرِّرين فيها، وتُحصَر هذه الفئات عن طريق إخراج بطاقات صحفية لكلٍّ منهم بالذات، وكذلك كانت تجري الامتيازات المادية الأخرى كامتياز التخفيض الجمركي بالنسبة للرسوم على الورق، وبالنسبة لامتياز الأجور التليفونية والبرقية، وامتياز نقل الصحف بالبريد وبالسكك الحديدية أيضًا على ملَّاك الصحف أنفسهم، فكأن الصحفيين فيها من الناحية الرسمية كانوا هم ملَّاك الصحف ومديروها ورؤساء تحريرها والمحررون فيها وحدهم، وإن كان الاعتبار السائد بصفة عامة في التعريفات وفي نظريات إصدار الصحف، هو أنَّ الصحفي يشمل على وجه العموم كلَّ مَن متَّ عمله إلى تحرير الصحيفة وإخراجها الفني وإصدارها المادي بسببٍ، وبعبارة أخرى كلِّ مَن له علاقة بعنصر من عناصر كيان الصحيفة الثلاثة: المادي والفني والنفسي.
- (١)
أن يكون مصريًّا.
- (٢)
ألا تقل سنه عن إحدى وعشرين سنة.
- (٣)
أن يكون متمتعًا بالأهلية المدنية.
- (٤)
أن يكون حائزًا لما يؤهِّله للاحترام الواجب للمهنة.
- (٥)
أن يكون حاصلًا على شهادة دراسية عالية من مصر أو من الخارج، أو أن يكون على درجة الثقافة التي تقتضيها مهنة الصحفي.
- (٦)
أن تكون الصحافة مهنته الرئيسية، وألَّا يحترف التجارة فيما ليست له صلة بمهنته.
نتناول الآن تلك الأحكام جميعًا بالتبويب والتحليل، فنقول إنَّ قانون نقابة الصحفيين قد نظَّم الشروط التي يجب أن تتوافر فيمَن يستطيع حمل لقب صحفي عن طريق القيد في جدول النقابة؛ تنظيمًا يرجع إلى ثلاثة اعتبارات رئيسية: الجنسية، والشخصية، والنشاط الصحفي.
أما الجنسية فقد اشترط أن تكون هي المصرية من حيث القاعدة، ولكن لما كانت صحف أجنبية تصدر في مصر، وكانت للبيئات الأجنبية مكان في النشاط الاقتصادي والاجتماعي في مصر، وكان لكبريات الصحف في أوروبا وأمريكا مراسلون مقيمون في مصر، فقد أجاز المشرِّع قيد الأجانب المقيمين، على أن يكونوا فئة خاصة من أعضاء النقابة يُسمَّون الأعضاء المشتركين، يحملون لقب صحفي، ويتمتعون بالامتيازات الصحفية، ويحضرون جلسات الجمعية العمومية، لكن لا يكون لهم فيها إلا رأي استشاري، ولا يُنتَخَبون لعضوية مجلس النقابة.
- (١)
توافُر سن الرشد المصري، وهي سن الواحدة والعشرين، وطبيعي أن يرد هذا الشرط الأساسي على ذهن المشرِّع والصحفي إنما يعاجل شئونًا تمس الشيء العام، وإنما يهذب الرأي العام ويوجِّهه، فلا أقل من أن يكون قد جاوز سن الناخب، ودرجته أقل درجات المتصلين من المصريين بالشيء العام. والواقع أنه كان ينبغي اشتراط عدم قلة السن لراغب القيد في جدول النقابة عن ثلاث وعشرين سنة، ما دام شرط المران الذي سيرد ذكره فيما بعدُ يحتم سابقة العمل الصحفي مدة سنتين على الأقل؛ وذلك حتى لا يلتحق بعمل صحفي، وإن لم يحمل لقب الصحفي إلا مَن كان بالغًا سن الرشد على الأقل.
- (٢)
التمتع بالأهلية المدنية. والأهلية المدنية هي حالة القدرة القانونية على التعاقد والأداء دون عارض، والقدرة القانونية على التعاقد والأداء تتوافر ببلوغ سن الرشد، والعارض هو ما يرجع إلى العقل، وهو الجنون أو العته، أو ما يرجع إلى التدبير وهو السفه والغفلة، أو ما يرجع إلى عدم الوجود وهو الغيبة، أو ما يرجع إلى العقوبة، كما تقضي به المادتان ٢٥ و٣٩ من قانون العقوبات من الحَجْر على المحكوم عليهم بعقوبة جنائية مدة تنفيذ العقوبة. والعقوبة الجنائية غير العقوبة في جنحة، وغير العقوبة في مخالفة من باب أولى. ولسائل أن يسأل: ما حكمة اشتراط سن الحادية والعشرين وهي سن الرشد، مع وجود شرط التمتع بالأهلية المدنية وهو شرط لا يتحقق إلا ببلوغ سن الرشد؟! والجواب أنَّ سن الرشد المتصلة بالأهلية المدنية يرجع في تحديده إلى قانون الأحوال الشخصية لكل واحد، وقد يكون سن الرشد في غير مصر هو سن التاسعة عشرة عند البعض، والثامنة عشرة عند البعض الثاني، وقد يكون هو سن الخامسة عشرة عند البعض الثالث. فلو كانت اشترطت الأهلية المدنية وحدها لكان سن الحادية والعشرين هو السن الواجب توافره حدًّا أدنى بالنسبة للمصري، في حين أنه قد يكون أقل من الحادية والعشرين بالنسبة لغير المصري؛ وإذن فحكمة المساواة هي التي قضت بوجود شرط الحادية والعشرين، وهي التي قضت بإخضاع غير المصريين إلى سن الرشد المصري شرطًا مستقلًّا منصوصًا عليه بالذات.
- (٣)
حيازة ما يؤهِّل للاحترام الواجب للمهنة، وهو نص عام لا يمكن تحديده بمقاييس ثابتة أو معايير معلومة. والواقع أنَّ هذا النص لم يكن واردًا على هذا النحو في المرسوم الذي أنشأ جمعية الصحافة في سنة ١٩٣٦، وهو المرسوم الذي تطوَّرَ الآن بالقانون الخاص بنقابة الصحفيين، وكذلك لم يَرِدْ وحده في المرسوم في مشروع القانون الذي تقدَّمَتْ به الحكومة للبرلمان، فقد جاء في مرسوم جمعية الصحافة اشتراط أن يكون العضو حسن السيرة، واشتراط ألَّا يكون قد صدرت عليه أحكام في جريمة من الجرائم المخلة بالشرف، فكأن معناه قد أصبح هو المعنى المرادف لحسن السير، دون رجوع إلى اعتبار ما يكون قد صدر على العضو من أحكام قضائية. ويدعم هذا الرأي أنَّ قوانين المطبوعات التي توالَى صدورها وتعديلها في مصر تنصُّ دائمًا على شرط حسن السيرة، وتنص إلى جانبه على شرط عدم الحكم في جرائم مخلة بالشرف أو بالإفلاس أو الفصل الإداري أو الشطب من جداول المهن الحرة، بل إنَّ منها ما نَصَّ على التمتع بالأهلية، وعلى عدم الحكم في جناية أو في جنحة ماسة بالشرف في الوقت عينه. والواقع أنَّ النص على اشتراط عدم الحكم في جريمة مخلة بالشرف قد رفعه مجلس الشيوخ من أصل المشروع الحكومي، الذي كان مجلس النواب قد أقَرَّه منذ ٢ ديسمبر سنة ١٩٣٩، وكان قصده من رفضه إنما هو التيسير كل التيسير على حرية الكتابة؛ حتى لا يحد منها حدٌّ، وكان مجلس الشيوخ قد سار في ذلك الصدد شوطًا بعيدًا؛ إذ رفع كذلك من مشروع القانون النَّصَّ على حصر لقب الصحفي في أعضاء النقابة وحدهم، مع أنَّ الحصر هو الحكمة البارزة للتشريع كله، وهو تشريع قائم على فكرة الرغبة في تنظيف مهنة الصحافة من المتطفلين عليها، والغيرة على لقب الصحفي حتى لا يحمله إلا الجدير به حقًّا.
على أنه إذا فُهِم رفع النص على اشتراط عدم الحكم بعقوبة قضائية مع رفع النص، على حصر لقب الصحفي في أعضاء النقابة، فإن رفعه وحده مع إعادة نص الحصر على نحو ما عقد عليه رأي لجنة الاتصال، التي وفقت بين النواب والشيوخ أمر غير مفهوم بحال، ولا يمكن أن يكون راجعًا إلا إلى سهو وقعت فيه اللجنة وفات على المجلسين، ولا يبرره إلا ما كان سائدًا على اللجنة والمجلسين في الأيام الأخيرة من الاتجاه إلى الإسراع في إخراج القانون على أية صورة؛ كي يكون قانونًا وتُوجَد النقابة فعلًا، وبعد ذلك يتقدم المتقدمون بالتعديل. ولا شك أنَّ في رفع النص على اشتراط عدم الحكم على الصحفي بعقوبة في جريمة من الجرائم المخلة بالشرف؛ إسرافًا لا يقلِّل من خطورته اعتبارُ الحرية التي تراد مطلقة للكتابة والصحافة، ومن الخير ومن المصلحة العامة ألا تكون هذه الحرية في يدِ مَن يخلون بشرفهم، وهم المؤتمنون على شرف الناس وعقولهم، وعلى توجيهها في سبيل الشيء العام.
ومن الغريب أنَّ بعض الشيوخ الذين تحمسوا لتعديل مشروع القانون ذلك التعديل الواسع المدى، كانوا يقولون إنهم يريدون وضع أحكام نقابة الصحفيين على وتيرة أحكام نقابة المحامين، وقد نسوا أنَّ البندين الخامس والسادس من المادة الأولى من قانون نقابة المحامين، ينصان ضمن ما تنص عليه المادة كلها على ما يجب أن يتوافر في المشتغلين بالمحاماة من شروطٍ، منها أن يكون متمتعًا بالأهلية المدنية الكاملة، وحسن السمعة، وحائزًا بوجه عام على ما يؤهله للاحترام الواجب للمهنة، وألا يكون قد صدرت ضده أحكم قضائية أو تأديبية ماسة بالشرف، وهو نص قد جمع بين المتمتع بالأهلية المدنية وقد نعتها بالكاملة، وحسن السمعة وحيازة ما يؤهِّل للاحترام الواجب للمهنة التي نخرجها نحن على معنى حسن السمعة، وبين عدم صدور أحكام ماسة بالشرف لا قضائية فقط بل تأديبية أيضًا. وحبذا لو كان هذا النص هو الذي انتهت إليه لجنة الاتصال، وانتهى إليه المجلسان؛ إذن لكان التشريع المصري قد شيد لكرامة الصحافة في مصر تشييدًا. على أنَّ هذا لا يعني أنَّا نريد إطلاق اشتراط عدم الحكم على الصحفي إطلاقًا، فنحن نعرف أنَّ الأحكام في جرائم النشر إنما هي نوع من مخاطر المهنة، كالعوارض التي تصيب الأطباء وهم يعالجون أو يقومون بعمليات جراحية، فلا تمنعهم إصابتها إياهم من أن يكونوا أطباء، بل إنها كثيرًا ما تكون وسام شرف يناله الطبيب المقدام المضحي في سبيل المريض، وفي سبيل البشرية جميعًا. وكذلك فلا تنال الأحكام في جرائم الرأي ممَّن وقعت عليهم، ولا تستطيع أن تحول دون كونهم صحفيين، ودون أن تصبغ على بعض المحكوم عليهم في بعضها حلل شرف وفخار؛ ولأجل هذا فإنَّا نقف في صدد الأحكام التي نعتبر صدورها ماسًّا بشخصية الصحفي وبكرامة الصحافة، تلك التي تكون مخِلَّة بالشرف كالسرقة والنصب وخيانة الأمانة وما إليها.
ومهما يكن من أمر النصوص الواردة في قانون نقابة الصحفيين والنصوص الغائبة منه بصدد شرط عدم الحكم قضائيًّا على الصحفي، ففي مقدور لجنة القيد في جدول الصحفيين ورئيسها رئيس محكمة الاستئناف، وبين أعضائها مستشار من مستشاري هذه المحكمة والنائب العام، وهم من رجال القانون الساهرين على تطبيق أحكامه العامة، في مقدور تلك اللجنة أن توجِّه شرط حيازة ما يؤهل للاحترام الواجب للمهنة وجهةً تقتضي توافر عدم الحكم في جريمة من الجرائم المخلة بالشرف، وأعضاؤها جميعًا إنما يعرفون أنَّ أية من هذه الجرائم لا تؤهل مرتكبها في شيء لأولى درجات الاحترام الواجب لأية مهنة شريفة، فضلًا عن مهنة الصحفي الموجِّه للرأي العام والمدافِع عن المصلحة العامة، فلا أقل من أن يكون مستواه الخُلُقي مساويًا لمستوى المحامي الذي يدافع عن مصالح خاصة ليس غير.
- (٤)
ثم اشترط القانون في مضمار الشخصية توافُرَ شرطٍ رابعٍ إلى جانب سن الرشد المصري والأهلية المدنية والاحترام الواجب للمهنة، هو شرط التثقيف، وقد قرَّره القانون على نوعين: نوع الحصول على شهادة دراسية عالية من مصر أو من الخارج، ونوع التسلح بدرجة الثقافة التي تقتضيها مهنة الصحفي. والنوع الأول نوع محدَّد معروف تدل عليه الإجازة العلمية المتوجة لدراسة عالية في مصر أو في بلد من البلاد الأجنبية. أما النوع الثاني فمبهم، وسيكون تحديده محل اجتهاد لجنة القيد بالجدول، وقد جاء إيراده في الواقع متمشيًا مع ما هو معروف من عدم حصول كثرة الصحفيين المصريين الحاليين على شهادات دراسية عالية من ناحية، ولما هو مقرَّر من أنَّ الملكة الصحفية غير مرتبطة أغلب الأحيان بدراسة نظامية عالية، بل إنها لتتوافر في العصاميين الذين كوَّنوا أنفسهم بقراءاتهم الخاصة ومواهبهم المولودة معهم. على أنَّ لجنة القيد في الجدول سيكون عليها تقرير قواعد عامة، تحدِّد بها نوع الثقافة التي تقتضيها مهنة الصحفي؛ لتطبق عليها حالة كل متقدم للقيد من غير الحاصلين على شهادات عالية.
- (٥)
المران. وقد حدَّده القانون بالاشتغال في الصحافة مدة سنتين على الأقل، وهي مدة التمرين الذي فرَضَ مثلها قانونُ المحاماة على الحاصلين على درجة الليسانس في الحقوق، قبل أن يترافعوا باسمهم لدى المحاكم الابتدائية، وهو حد معقول لا عسر فيه؛ إذ لم يشترط أن تكون السنتان متواليتين، ولا أن يكون العمل خلالهما في صحيفة واحدة، بل يجوز أن تكون على فترات، ويجوز أن يكون العمل أثناءهما موزَّعًا على أكثر من صحيفة.
- أولًا: أصل الامتلاك؛ بأن يكون طالب القيد في الجدول مالِكًا لصحيفةٍ إذا كان شخصًا طبيعيًّا، أو أن يكون ممثلًا له إذا كان المالك شخصًا معنويًّا.
- ثانيًا: أصل الإدارة؛ بأن يكون مديرًا لصحيفة أو لوكالة استعلامات، وهي معاونة من المعاونات الرئيسية للصحف، فمثلت بها لكن اقتصر التنفيذ على جانب المدير وحده دون المالك، كما هو الشأن في الصحيفة على نحو ما تقدَّمَ في الأصل الأول.
- ثالثًا: أصل التحرير؛ بأن يكون رئيسًا لتحرير صحيفة أو محرِّرًا فيها، وقد قصر هذا الأصل كأصل الامتلاك على الصحف دون وكالات الاستعلامات، فلا يمكن أن يُقيَّد في جدول الصحفيين رئيس تحرير وكالة استعلامات أو محرِّر فيها؛ إذ النص صريح في إضافة التحرير إلى الصحف وحدها، وسيكون على لجنة القيد أن تحدِّد مدى التحرير في الصحيفة قبل أن تفصل في طلبات المتقدمين إليها من غير ملَّاك الصحف ومديريها ومديري وكالات الاستعلامات ورؤساء التحرير، وأغلب الظن عندنا أنها ستعتبر المخبرين والمندوبين والمترجمين محرِّرين كمنشئ المقالات والمعلقين على الأنباء، لكنها لن تذهب كما كانت تذهب بعض النقابات العرفية السابقة إلى حد إدخال المصححين في عداد المحرِّرين، ولا نشك في أنها ستعتبر محرِّرين كذلك كبارَ المراسلين دون الوكلاء ومراسلي الأقاليم.
- رابعًا: أصل تخصيص الصحف بالجرائد والمجلات ذات الموضوعات العامة من ناحية، وذات الدورية الشهرية على الأكثر من ناحية ثانية؛ وقد نصت الفقرة الثانية من البند السادس من المادة الرابعة من القانون على أنه «في تطبيق هذه المادة لا تشمل كلمة صحيفة الصحف ذات الموضوعات الخاصة والجرائد المالية والرياضية والفنية وغيرها، ولا المجلات التي لا تظهر مرة واحدة في الشهر على الأقل». على أنَّ المشرِّع لم يُرِدْ أن يكون هذا الحكم باتًّا، وشاء أن يترك الباب مفتوحًا أمام ما قد يكون من صفة الجد والنفوذ لبعض الصحف ذات المواضيع الخاصة، فعاد يقرِّر في الفقرة الأخيرة من فقرات المادة الرابعة المذكورة أنه «يجوز للجنة إعفاء طالب القيد من أصحاب الصحف ذات الموضوعات الخاصة من الشرط الوارد في نهاية الفقرة ٦، إذا وجدت ما يدعو لذلك».
- خامسًا: أصل الاحتراف؛ إذ نصت مقدمة البند السابع من المادة الرابعة على أن تكون الصحافة مهنته الرئيسية، ومعنى هذا أنَّ مَن يبعثون بمقالات لصحف مصادفة، أو على هامش عملهم الأصلي، وهواة الصحافة؛ لن يكونوا صحفيين، كما يترتب على هذا الحكم إمعان النظر في حالات بعض المحامين الذين يعملون الآن في الصحافة، ومنهم مَن يعملون رؤساء تحرير مسئولين، هل ستُعتبَر مهنتهم الرئيسية المحاماة، فلا يُقيَّدون في جدول الصحفيين، أو تُعتبَر المحاماة مهنة لهم بالتبعية، فيكونون صحفيين أولًا ومحامين ثانيًا؟ قد يطرأ في ذلك الصدد خلاف في النظر بين نقابة الصحفيين ونقابة المحامين وقانون نقابة الصحفيين، ينص صراحةً على أن تكون الصحافة هي المهنة الرئيسية، وقانون نقابة المحامين يذكر في مادته الحادية والعشرين الأعمال التي يجوز الجمع بين المحاماة وبينها، والصحافة واحدة منها، ولكن التعبير بعدم الجمع بين المحاماة وبين تلك الأعمال، يعني أنَّ الأعمال التي يجوز الجمع بين المحاماة وبينها تُعتبَر أعمالًا ثانوية، إذن المحاماة هي الأصل التي يجوز أن تضاف إليها أعمال، ولا يجوز أن تضاف إليها أعمال أخرى بالذات.
- سادسًا: أصل عدم احتراف التجارة فيما ليست له صلة بمهنة الصحافة، على حد نص مؤخرة البند السابع من المادة الرابعة ذاتها، ومعنى هذا إجازة قيام مالك الصحيفة أو ممثلها أو مديرها أو مدير وكالة استعلامات بأعمال تجارية يستدعيها إخراج الصحيفة، كالتعاقد على الآلات والورق ومع وكالات البرق والأنباء وأصحاب الإعلانات، وما إلى ذلك دون الأعمال التجارية الأخرى التي لا تتصل بإخراج الصحيفة، ولا ترتبط بالصحافة كأعمال السياحة مثلًا، والمضاربة في البورصة، وسيظهر في تطبيق حكم هذا الأصل السادس التناقضُ بيِّنًا بين المحاماة والصحافة، بحيث يصعب الجمع بينهما بالنسبة للملَّاك وممثليهم والمديرين؛ إذ إنَّ قانون نقابة الصحافة يجيز لهم الاتجار فيما له صلة بمهنتهم الصحفية، بينما يحرم قانون المحاماة على المحامي الاشتغال في التجارة، وينص على هذا التحريم بصفة مطلقة شاملة غير مقيدة.
ذلك هو تفصيل الشروط التي يجب أن تتوافر في طلب القيد بجدول نقابة الصحفيين، الذي يصبح حاملًا لقب صحفي بعد أن تقرِّر لجنة القيد إدراج اسمه في الجدول، وطبيعي أن يترتب على فقده شرطًا من تلك الشروط شطب اسمه من الجدول، وخروجه من زمرة الصحفيين ووقف تمتعه بامتيازاتهم، وقد نصت على ذلك المادة السابعة والعشرين من قانون نقابة الصحفيين، كما نصت على فقده حق العضوية، إذا رفض تسديد الاشتراك المستحق عليه في مدى ستة أشهر من تاريخ التنبيه عليه بالدفع. وكذلك نصت المادة الخامسة والعشرين من القانون المذكور على شطب اسم «كل صحفي يخل بواجبات المهنة، أو يسلك سلوكًا يمس شرف الهيئة التي ينتمي إليها أو كرامتها» عقوبة تأديبية قصوى أدنى منها عقوبة الإنذار وعقوبة رفع الاسم من الجدول لمدة لا تزيد على سنة واحدة، ذلك كله عن الصحفيين أعضاء النقابة المقيَّدين في جدولها عن طريق لجنة القيد والتأديب.
وهناك نوع آخَر من الأعضاء ذكرته المادة الرابعة في الفقرة الثانية من بندها السابع، الذي أشارت فيه إلى مَن يجوز للَّجنة قبولهم من غير المصريين المقيميين في مصر، متى توافرت فيهم سائر شروط القيد غير شرط الجنسية المصرية، على أنَّ ذِكْر المادة الرابعة لهذا النوع من الأعضاء إنما هو ذِكْر على سبيل الإلحاق بالمادة التاسعة والعشرين، التي تضمَّنت الأحكام الخاصة بالأعضاء المشتركين عامة، وهم أعضاء النقابة السابقين الذين رُفِعت أسماؤهم من الجدول بسبب تركهم مهنة الصحافة باختيارهم. وقد أجاز القانون لمجلس النقابة أن يعينهم بتلك الصفة، كما أجاز لهم في الفقرة الثانية من المادة التاسعة والعشرين ذاتها حضور جلسات الجمعية العمومية للنقابة، على أن يكون لهم فيها رأي استشاري، ولعل المشرِّع أراد أن يأخذ بنظام المحامين المشتغلين والمحامين غير المشتغلين، وأن يطبقه على الصحفيين، فجعل أعضاء النقابة الذين تقرِّر لجنة الجدول تقييدهم فيه هم الصحفيون المشتغلون، وأعضاء النقابة السابقين الذين تركوا المهنة باختيارهم لا عن طريق الشطب من الجدول عقوبة من العقوبات التأديبية هم الصحفيون غير المشتغلين، لكن المشرِّع جاء هنا بتقليد جديد من نوعه، وهو إشراك الصحفيين غير المشتغلين في أعمال الجمعية العمومية للنقابة، وإنْ برأي استشاري فقط، ولعله سمَّاهم بالمشتركين لهذا السبب، والحكمة في ذلك إنما هي الإفادة من خبرة الصحفيين القدماء في تنظيم غرض من أهم أغراض النقابة، منصوص عليه في البند الثالث من المادة الثانية من القانون، وهو «سن القواعد المنظمة لمزاولة المهنة الصحفية وبيان العادات المرعية فيها»، ولما كان نص المادة التاسعة والعشرين لا ينطبق إلا على الصحفيين الذين كانوا أعضاء في النقابة بحكم تقييد أسمائهم في جدولها، فلا يمكن أن تتحقق حكمة المشرِّع من التقليد الجديد الذي جاء به عن طريق نوع الأعضاء المشتركين إلا بعد حينٍ؛ إذ يترك بعض الصحفيين الحاليين مهنتهم باختيارهم، وكان ظرف إنشاء النقابة هو في الحقيقة أدعى إلى الإفادة من الصحفيين القدماء الواقفين على الحَسَن من عاداتها والسيئ، والصالحين لإسداء النُّصْح فيما يراد تقريره من نظام مزاولتها، فقد رأى مجلس الشيوخ — وهو يقر مشروع القانون — أن يُجِيز لمجلس النقابة تعيين الصحفيين الذين تركوا المهنة باختيارهم قبل العمل بالقانون الجديد أعضاء مشتركين في النقابة، متى كانوا حائزين لشروط القيد في الجدول، وليس ما يمنع من قيد أسمائهم.
وبعدُ، فإذا كان قانون نقابة الصحفيين لا يبيح أن يكون صحفيًّا إلا عضو هذه النقابة، ولا أن يكون عضو نقابة الصحفيين إلا مَن توافرت فيه جميع شروط القيد المنصوص عليها، والتي انتهينا من العرض لها عرضًا تفصيليًّا؛ فإن هذا لا يعني ألا يكون هناك مُلَّاك صحف ومديرون لصحف ووكالات استعلامات ومحررون بالصحف إلا الصحفيون المقيَّدة أسماؤهم في جدول النقابة.