المتسلط المطلق فابيوس
وعندما كان هنيبال يجد في سيره متَّجهًا نحو أبواب رومية كان سُكَّانها في خوف وقلق عظيمين إلى أن تفاقم أمر الرعب بينهم وشمل سائر الطبقاتِ ولا سيما العليا منها، وأصبح العامة والجنود معًا في رعدة متناهية، وكانت الحكومة قد جنَّدت جيشًا جديدًا بقيادة قنصل جديد؛ لأن مدة القنصلين الحاليين كانت قد انتهت.
واسم هذا القنصل الجديد فلامينيوس، فتولى قيادة الجيش الجديد وزحف به شمالًا، وهنيبال إذ ذاك يعاني البلاء والعناء في قطع هاتيك المستنقعات والآجام والسباخ حوالي نهر أرنو، ولم يكن حظُّ هذا الجيش أفضل من حظوظ من سَبَقه من الجيوش، فإن هنيبال فكر حال سماعه به في جرِّه إلى أحبال ينصبها له كما فعل بجيش القنصل سمبرونيوس قبله، وكان ذلك في القسم الشرقي من أتروريا على مقربة من الجبال، وعند بحيرة اسمها تراسمين.
وقد صدف أن هذه البحيرة تمتد إلى قاعدة الجبال، فلا يبقى بين مائها وبين الجبل إلا ممرٌّ ضيق لا يزيد في اتِّساعه على عرض طريقٍ متوسطة، فعقد هنيبال النية على إرصاد فصيلةٍ من الجند في كمين عند سفح الجبل وفرقٍ أخرى من الجيش في سفوح الجبل وشقوقِه وأغواره، وأن يستجرَّ القائد فلامينيوس مثل سمبرونيوس ناريِّ المزاج عظيم الثقة بنفسه وكثير التهوُّس إلى حد الحماقة والاندفاع بدون تروٍّ.
فكان يحتقر قوة هنيبال ويهزأ به ويظنُّ أن فوزه في المعارك الماضية قد تأتَّى عن تهاون القواد الآخرين وترددهم، وهو لذلك كان يتوق إلى الالتقاءِ به في الحال؛ لاستيقانه من أن الانتصار عليه من الأمور الهينة، وعلى هذا الزعم زحف متقدِّمًا بإقدام وقلة مبالاة إلى مضيق تراسمين، وهناك علم أن هنيبالَ معسكر وراء ذلك المضيق.
وكان هنيبال قد عسكر في مكان مرتفع مفتوح من كل الجوانب عبرَ المضيق، فلما وصل فلامينوس وجيشه إلى أضيقِ مكان في المضيق رأوا معسكر هنيبال على مسافة قريبة بينهم وبين معسكره وآخر المضيق سهل واسع، وتوهَّموا أن جيش العدو بجملته مرابطٌ هنالك، فلم يخطر لهم ببال أن هنالك أقسامًا من جيش العدو راصدةً في أخاديد الجبال فوقهم، وهي تطلُّ عليهم من مكامنها بين الآجام والصخور وتتربَّص بهم ريبَ المنون.
فلما اجتاز الرومانيون المضيق انتشروا فوق السهل المنبسطِ بعده وزحفوا نحو خيام العدو، عندئذٍ باغتَتْهم الجنود الكامنة منقضة كالسيل من سفوح الجبال واستولَتْ على المضيق، وفي الوقت نفسه هجمت على مؤخَّر الجيش الروماني، بينما كان هنيبال وبقية جيشه يهاجمونهم من الأمام، ودارت إذ ذاك معركة دموية هائلة بين الجيشين كان الخذلان في كلِّ جهة منها نصيبَ الرومانيين الذين انحصروا عندئذٍ بين البحيرة والجبل والمضيق، بحيث تعذَّر عليهم التراجع والفرار، وأعمل الجيش القرطجني فيهم القتلَ الذريع فأفناهم كلَّهم تقريبًا؛ حتى إن فلامينيوس نفسه وقع قتيلًا.
فانتشرت أنباء هذه المعركة في كل مكان وأحدثتْ ضجة في البلاد وشغَبًا في الشعب، وأرسل هنيبال رسلًا إلى قرطجنة يعلنُ لها أمر انتصاره النهائي على عَدوه القوي فتلقَّت قرطجنة هذه البشائر بالابتهاج العظيم. على أن خبر تلك الكسرة المشئومة من الجهة الأخرى وقع على أهل رومية وقوعَ الصواعق، فارتاع الناس لهول النكبة وهال الحكومة ما بدا لها من خيبة الآمال وانسحاق جيوشها، وتولاها الرعب من غوائل انتصار هنيبال.
وبان لحكومة رومية أن الرجاء الأخير من مقاومة ذلك العدو القاهر قد انقطَع، وأنه لم يبقَ أمامها سوى الاستسلام لليأس وانتظار تدفُّق صفوف جيشه في بوابات رومية مكتسحة سالبةً، وكان سكان رومية في الواقع حاسبين لحدوث الاضطراب والرعب في المدينة؛ لأن مخاوفهم قد تفاقمت وتضاعفت على مرور الأيام، وقد تمَّ الذي توقعوه وحذروه. ومن المعلوم أنه في مثل هذه الأوقات الحرجة يكثر اللغَط ويحسب الناس حسابًا لأقل شيء يبدو لهم مما لا يعبئون به في غير ذلك الوقت، وتتعدد الروايات وتتجسم الأخبارُ ويبالغ معيدوها فيها إلى حدٍّ تستولي على الأذهان، وتولد في العقول رُعبًا وفي القلوب انسحاقًا وفي الأذهان وقرًا.
وبلغ الرعب والهول من القوم مبلغًا أصبحوا معه يتشاءمون من كلِّ حركة وكل علامة؛ جريًا على تسليم أهل ذلك الزمن بالخرافات المختلفة، فكانت الحكومة تبذلُ الوسع في إزالة مخاوف الناس وتحاول نفيَ ما يعلق في أذهانهم من غضَب الآلهة عليهم، ثم أشارت بتقديم الضحايا لاسترضاء الآلهة، وهي ترمي بذلك على حملِ الناس على الهدوء والطمأنينة والثبات في وجهِ الخطر المقبل.
ومن جملة هذه الأوهام وآيات التشاؤم التي استولتْ على أهل رومية عندما كان هنيبال يزحف عليها من كل صوب في غضون الشتاء وأوائل الربيع ما نورده بالإيجاز. من ذلك: أن ثورًا فلتَ من حظائر الماشية ودخل أحد البيوت وضاع رشدُه فهامَ في المنزل وصعد في درجه إلى الطبق الثالث، ولما أزعجه القوم الذين يطاردونه بصياحهم الشديد ذُعر ورمَى بنفسِه من إحدى النوافذ، فسقط على الأرض.
ومنها: أنه ظهر في جلد السماء نورٌ بشكل سفنٍ كثيرة.
ومن ذلك: أن أحد الهياكل أصيب بصاعقة، واهتزت الحربةُ الموجودة في قبضة تمثال جونو، وهي إحدى آلهتهم بدون أن تمسَّها يد، وحمل خوف الناس بعضهم على رؤية أشباح أناس بثيابٍ بيض في مكان معلوم، وسطا ذئب على معسكر الجند واختطف سيفًا من يد أحد الجنود وفرَّ هاربًا به، وبدت الشمس للقوم في ذات يوم أصغر من حجمها العادي، وأبصر القوم أيضًا في ذات يوم قمَرين معًا في السماء وذلك في النهار، وكان أحد القمرين هالة من الغيم الأبيض دون ريبٍ، وسقطت أحجار من السماء في مكان يسمى بيسانوم، وهذا أمر خارقٌ العادة ولهذا كان مخيفًا وموجبًا للرعب الشديد. مثل هذه الحوادث التي قد يكون بعضُها صحيحًا، كانت دون ريب موجبة للدهشة والجزع إلا أنها بالرغم من ذلك لم تكن من الدلائل على النكَبات التي لا بدَّ من حدوثها، وكل هذه الأمور وغيرها من التي توهَّم الناس أنهم شاهَدوها رفعت إلى مَجلس الشيوخ ليرى رأيه في الأمر، ورأى الناس أمورًا غريبة غيرها، ومنها درعان شُوهدتا في معسكر للجنود تَقطران دمًا.
قيل إن بعض الناس كانوا يحصدون فسقطت في سلالهم سنابل دمويةُ اللون من القمح، وهذا قد كان وهمًا دون ريب إلا إذا كان أحد الحصَّادين أصيب بجرح في أصبعه من المنجل فصبغَ بدمه السنابل. وقالوا إن بعض السواقي والينابيع جرت دمًا، وأن المعزى في بعض الأماكن تحولت إلى خراف، وأن دجاجة صارت ديكًا، وديكًا تحول إلى دجاجة وغير هذا شيء كثير.
فأمثال هذه الخرافات المضحكة ما كانت لتلاقي أقلَّ اهتمامٍ، لولا درجة الأهمية المتعلقة بها من حيث اقتراب الخطر العام، على أنها رفعت إلى مجلس الشيوخ وهذا استدعى الناس الذين رأوها واستنطقهم في شأنها، وخاض القوم في مجادلاتٍ طويلة بشأن الطريقة الواجب العمل بها لاتقاء الشر الذي سينجُم عن هذا التشاؤم.
فقر رأي المجلس على إفراز ثلاثة أيام للتوبة وتقديم الضحايا يقوم فيها الناس بالصلوات، ومراعاة الطقوس الدينية على اختلافها توسلًا بذلك إلى تلطيف غضبِ السماء، فقُدمت ضحايا كثيرة متنوعة لآلهة متنوعة بينها حَجر صاعقةٍ من الذهب ثقلُه خمسون بوندًا صُنع خصيصًا لجوبتير «المشتري» الذي كانوا يلقبونه بالرعَّاد. وكل هذه الأعمال أجريت قبل معركة تراسمين؛ ولهذا كان الناس قبل سماع أخبارها بين اليأس والرجاء والتحمُّس الشديد يتوقعون بفارغ الصبر وصول أنباء القائد فلامينيوس عنها ليَعلموا ما الذي جرى.
فلما جاءت أنباء ذلك القائد اضطربت المدينة من أقصاها إلى أقصاها، وضج الناس ضجة الاحتساب من غوائل انتصارِ العدو وانكسار الجيش الروماني. ومعلوم أن الرسول ذهب توًّا إلى مجلس الشيوخ ليبلغ ما معه من الأخبار المحزنة إلى الحكومة رأسًا، ولكن حكاية ما يحمله من الأخبار عن الانكسار المشئوم كانت قد انتشرتْ في المدينة كلها، وتسارع الناس إلى الشوارع للوقوف على الحقيقة، حتى غصَّت بهم ساحاتها على رحبها.
وذهب جم غفير إلى مجلس الشيوخ وهناك طلبوا من الحكومة إطلاعهم على ما تمَّ بالجيش، فأطل أحد الموظفين عليهم من إحدى الشرفات، وخاطبهم بصوت عال قائلًا: «لقد انكسرنا في معركة هائلة.» ولم يزد على هذا شيئًا آخر، وأخيرًا تسربت الأخبار من المجلس إلى الناس، فعلموا منها أن هنيبال قد انتصر على الجيش الروماني وقهره في معركةٍ عظيمة، وأن عددًا كبيرًا من الجنود الرومانيين قد صُرعوا أو أُسروا وأن القائد نفسه قد ذُبح.
وانقضى ذلك الليل على قلق ورعب عظيمين، وفي اليوم التالي والأيام العديدة التي تلتْ كان الناس يتجمهرون حول أبواب قاعة المجلس سائلين بلهفة وفروغ صبرٍ عن الأنباء الجديدة التي جاء بها القادمون من داخلية البلاد، وبعد ذلك بقليل أخذتْ فلول الجنود أفرادًا وجماعات تتوارد إلى المدينة حاملة معها أخبارًا ومعلومات كثيرة عن المعركة، وكل واحد من أولئك الجنود يروي حكاية تختلفُ عن غيرها بناء على اختباراتِه الخصوصية في المعركة.
وكان عندما يصل أمثال أولئك الجنود يتألَّب عليهم الناس، ولا سيما النساء اللواتي لهن أزواج أو أولاد في الجيش ويُلقين عليهم الأسئلة العديدة، ويُرغمنهم على إعادة قصصهم المرة بعد المرة، حتى كأن قلق الناس وتحرج صدورهم لم يكونا ليكتفيا بالرواية الواحدة. وكانت الروايات المختلفة التي قصها أولئك الجنود متَّفقة في خلاصتها من حيثُ إثبات ما كان الناس السامعون يخشونه، على أنه كان يصدف في بعض الأحيان أن يتلفَّظ أحد الجنود باسم زوج أو ابن نجا، فيحدثُ ذلك ارتياحًا وفرحًا عند البعض، كما يُحدث عكسه حزنًا وقنوطًا عند الآخرين.
وقد كانت المحبة الوالدية أو حنان الأم في تلك الأيام مثله أو أشدَّ منه في يومنا هذا، يدل ذلك على أن اثنتين من الأمهات كانتا قد أُخبرتا أن ابنَيهما قد قتلا في المعترك، وفي ذات يوم وصل الابنان إلى المدينة وهما في أحسن صحةٍ وسلامة جسم، فلما وقع نظر الأمين على ولديهما سقطتا ميتتين في الحال، كأنهما أصيبتا بضَربةٍ شديدة وذلك لفرطِ فرحهما وانفعالهما.
وكانت عادة الرومانيين أوقات اقتراب الخطَر العظيم من البلاد أن يقيموا مسيطرًا مطلق السلطة فعَّالًا لما يريد، ويكون مطالبًا بالذود عن حياض الوطن ووقايته من النكبات بإجراء ما يراه كفيلًا بسلامة البلاد، وقد أوجبت الضرورة في هذا الحين الالتجاء إلى اتِّخاذ مثل ذلك التدبير، ولم يكن الوقت منفرجًا حينذاك للبحث والمجادلات؛ لأن التردد والجدال في أوقات الشدة والحدة والخطر المحدق بالبلاد يؤدِّيان إلى الخلاف، وينتهيان بالشقاق والضوضاء والفوضى.
ومن المعلوم أن هنيبال كان زاحفًا في طليعة جيشٍ منتصر يعيث في البلاد التي اجتاحَها فسادًا، ويعمل فيها النهب والتخريب، وهو يُسرع الخطا نحو العاصمة التي لم يكن بينه وبينها ما يرد عنها هجَماته. ومن أجل هذا دعت الضرورة الكلية إلى إقامةِ مسيطر مطلق التصرف من كل وجه، فوقع اختيار الشعب على رجل له شهرة عظيمة بالاختبار والحنكة والحكمة اسمه فابيوس، فسلموه زمام الحكومة، ومنحوه كل قوةٍ وأطلقوا له الحرية في إجراء ما يراه ويرتئيه.
وهكذا بطلت بعد تعيينه كلُّ سلطة، فأصبح كل شيء رهن إرادته وتحتَ مطلق تصرفه، ووُضعت المدينة بجملتها وبما فيها من النفوسِ والأملاك تحت رعايته المطلقة يتصرَّف بها كيف شاء، فتقلَّد زمام الأمور وتولى إدارة الجيش والأسطول، حتى إن القناصل أصبحوا رهن إشارته وطوعَ أوامره ونواهيه، فرضي فابيوس بتحمُّل تلك المسئولية العظمى التي ألقاها الشعبُ على عاتقه، وشرع للحال في اتخاذ التدابير الضرورية.
وأول ما أمر به كانت إقامة الحفلات الدينية والصلوات؛ للتكفير عما تشاءم الشعب منه ولاسترضاء الآلهة، وأخرج كل الشعبِ في اجتماع عظيم، وأرغمهم على القسَم بصورة مهيبة رسمية، والوعد بتقديم ذبائح وقرابين إكرامًا للآلهة على اختلافها في وقتٍ مستقبل، هذا إذا أرادت الآلهة وقايتَهم من الخطر الذي يهدِّدهم. أما ما إذا كان فابيوس يعتقد عن يقين بتلك التقاليد التي أمر الشعب بالقيام بها، وأن للآلهة تأثيرًا فعليًّا على ما سيكون؛ فذلك من الأمور المشكوك فيها، بل يظن أنه أراد بهذا حمل الشعب على الطمأنينة، وإيجاد الثقة في قلوب الناس وإحياء موات الشجاعة في صدورهم، وذلك لا يتم له كما لا يخفى إلا عن طريق السماء، فإذا كان ذلك ما أراده فلا ريبَ أن تصرفه كان مبنيًّا على الحكمة.
وأصدر فابيوس الأوامر بجمع الرجال للانخراط في سلك جيشٍ جديد ينظمه، وأمر ثانيه في الإمرة ولقَّبه رئيس الخيالة بإتمام ذلك، وبأن يحشد الجنود كلهم في مكان اسمه تيبور على مسافةِ بضعة أميال إلى الشرقِ من المدينة. وكانت العادة أن يكون لكل مسيطر مطلق رئيس خيالة، وكان اسم رئيس خيالة فابيوس مينوسيوس، وهو من المتصفين بالحدة والسرعة والعنف والغضب، كما أن فابيوس كان معروفًا بالتأني والتؤدة والحذَر والاحتساب.
فجند رئيس الخيالة العساكر وجمعهم في المكان المعين وذهب فابيوس ليتولى القيادة، وكان أحد القناصل قد جاء إلى هناك ومعه طائفة من الجند يقُودها، فلما اقترب من المكان وعلم فابيوس بقدومه أرسل إليه يأمره بالمجيء بعد أن ينتزعَ عنه كل سماتِ سلطته؛ لأن سلطته التي يخوِّله إياها منصبه في الأوقات العادية قد ألغيت، وأصبحت الآن منحصرة في شخص المسيطر الجديد.
وكانت عادة القنصل الروماني أن يركب في موكبٍ حافل حيثما ذهب وفي الاحتفالات الرسمية، فكان يمشي أمامه اثنا عشر رجلًا بالملابسِ الرسمية والأوسمة وغير ذلك من شارات الأبَّهة، وذلك للتأثير على الجيش وعموم الشعب بما للقنصل من العظَمة والجلال، وعلى هذا فإن تجرُّدَ القنصل من كل دلائل القوة والعظمة ومجيئَه إلى حضرة المسيطر كبقية الموظفين؛ اعترافًا بأنه أرفع منه منزلة، قد جعل الجيش ينظر إلى فابيوس قائده الجديد نظرةَ الاحترام الكلي الناجم عن الشعور بالعظمة الفائقة، والصولة والجلال التي له.
وأذاع فابيوس عندئذٍ منشورًا وجَّهه مع رسل خصوصيين إلى كلِّ الأقاليم الكائنة حوالي رومية، ولا سيما إلى تلك الناحية من المقاطعة التي أصبحت في قبضة هنيبال، وأمر الناس في هذا المنشور بأن يتركوا البلاد والمدن والقرى غير المحصنة، وأن يلجئُوا إلى القلاع والحصون والمدن المتوفرة فيها أسباب الدفاع، وأمرهم أيضًا بتخريبِ البلاد التي يغادرونها وبتعطيل كل الأملاك، والأقوات التي لا يستطيعون حَملها معهم إلى حيث يهربون.
فلما تم لفابيوس من ذلك ما أراد استلمَ قيادة الجيش الذي حشده، وزحَفَ بمزيد الحذر والتأني طالبًا عدوه، وكان هنيبال في نفس الوقت قد عبر إلى الجانب الشرقي من إيطاليا، وتوغل هناك يجتاح البلادَ ويدمر ما فيها بطريقِه إلى أن أصبح إلى الجنوب من رومية، ولم يشأ مُهاجمة المدينة مباشرةً بعد وقعة بحيرة تراسمين؛ لعلمه بأن سكَّانَ المدينة الكثار العدد إذا أحرجَهم بالتهديد، ورأوا أن المدينة ستقع في قبضته يتألَّبون للدفاع مستميتين، ويضايقون جيشه أشد مضايقة.
ولهذا سار منحرفًا إلى الشرق وانحازَ إلى ذلك الجانب إلى أن اجتازَ أرباض المدينة، وهكذا اضطر فابيوس إلى المسير جنوبًا وشرقًا لملاقاتِه، وتقابل الجيشان على الجانب الشرقيِّ من إيطاليا قريبًا من بحر أدريا، وكانت الخطة التي اتَّخذها القائد فابيوس مبنيةً على عدم النزول مع هنيبال في معركة، بل يماطله ويحاجزه، ويهدده من بعيد إلى أن ينال الوهَن من جيشه بالتعب والتأجيل.
وهكذا بقي على مقربة منه، ولكنه على الدوام يجمع جيشه في مكان متفوقٍ من حيث الموقف الذي يجعل الميزةَ في جانبه عند العراك. ولم يكن هنيبال يستطيع حملَه على تركِ مثل ذلك الموقف، وجره إلى غيره بالرغم من كل الحرَكات التي يجريها لإغضابه وإبعادِه عن النُّقطة التي عسكر فيها، وعندما يتحرك هنيبال مُنتقلًا بجيشه إلى مكان آخر يحصلُ فيه على أقوات للجيش، كما كانت الظروف تضطره أن يفعل كان فابيوس يتحرَّك زاحفًا، ولكن على حذر ولا يقف إلا في الأماكن التي تضمن له السلامة وعدم التعرض للخطر.
وحاول هنيبال استجرار فابيوس إلى العراك بكل وسيلة لديه، فخابتْ آماله ولم ينَلْ المراد من ذلك، وفي الواقع أن هنيبال كان هو نفسه متعرِّضًا للخطر الكبير في بعض الأحيان، وذلك أن براعة فابيوس جرته إلى نقطة كان فيها محاطًا بالجبال من كلِّ جانب، وكانت جنود فابيوس قائمة عليها ولم يكن هنالك سوى مخرجٍ واحد للفرار، حتى إن ذلك المخرج نفسه كان في حوزة جنود فابيوس.
فعمد هنيبال وهو في هذا المأزق إلى استخدام الحيلة والدَّهاء في تدابيره الحربية، كعادته في مثل هذه الحال توسُّلًا بذلك إلى فتح سبيل للخلاص، فجمع قطيعًا من الثيران ووضع على قرونها حزمًا من الحطَب وصبَّ على الحطب الزفت؛ وذلك لكي يصير الحطب قابلًا للالتهاب، وفي الليلة التي عول في غُضونها على عبور ذلك المضيق أمر جيشَه بالتأهب للمسير، ومن ثمَّ استاق الثيران تحت جنح الظلام نحو التلال والآكام المقابلة للمضيق الذي يحرسُه جنود الرومانيين، وهناك أشعل الحطب المزفَّت الذي على قرونها بالنار.
فاشتعل الحطب على قرون الثيران، فاضطربت وارتعدت وهاجتْ من تأثير حرارةِ النار، وهامت على وجوهها في هاتيك الجبال وتراكضت بين الأشجار وقد عمِيت منها الأبصار بشرار النار ودخانها، ثم علقت النيران بأطراف الأشجار، وعندئذٍ حدَثَ اختلاطٌ عظيم بين الثيران وضجة كبرى من الرومانيين الذين شاهدوا ما جرى، فظنَّ الذين يحرسون المضيق منهم أن الجيشَ القرطجني قد صعِد إلى أعالي الجبل وهو يتسلَّلُ نازلًا لمهاجمتهم.
فتركوا مواقفهم على عجَل وبمزيد الارتباك، وساروا يريدون ملاقاةَ العدو الذي تصوروه مقبلًا عليهم تاركين المضيق بلا حراس، وفيما هم يلاحقون النيران المتحركة على قرونِ الثيران في ذلك الليل المدلهم متدافعين يمينًا وشمالًا، وساقطين في أودية يتعذر عليهم النهوضُ منها، وهم لا يهتدون إلى عدوهم انسلَّ هنيبال بكل سكينة مع جيشه، وفرُّوا من ذلك المضيق إلى حيث أصبحوا في مأمن من بطش عدوهم.
ومع أن فابيوس لبَّك هنيبال وحال دون وصوله إلى رومية، فإن الناس ضجِروا من هذه الطريقة في المماطلة وعدم القيام بشيءٍ جازم يزيل مخاوفهم ويبعدُ الخطر عنهم، وكان مينوسيوس رئيس خيالته يحرض فابيوس دائمًا على منازلة هنيبال، فلما يئس من حَمله على ذلك أصبح هو نفسه ناقمًا متضجرًا وغيرَ راض عن هذه الخطة، ومال الجيش الروماني إلى مينوسيوس، فكتب هذا إلى رومية يشكو بمرارةٍ من تهاون المسيطر فابيوس، وتردده المستمر في أمر منازلة العدو.
وكان هنيبال عالمًا بكل هذا من جواسيسه ومن مصادر أخرى جديرةٍ بالثقة، استخدمها ذلك القائد الداهية وبرَع في كيفيةِ التوصل إليها، وقد انشرح صدر هنيبال — كما لا يخفى — بما عرفه من الشِّقاق الحاصل في معسكر الرومانيين وعن استياء القوم من فابيوس، وكان يعُدُّ مثل هذا العدو الذي يحاكيه في التأني والحذر والمراقبة أعظمَ خطرًا عليه وعلى جيشِه من أمثال القواد الآخرين كفلامينيوس ومينوسيوس المعروفين بالطيش والحدة والتسرع والذي يستطيع هو جرهم بسهولة إلى مأزق متجهِّم ويبطش بهم.
وخطر لهنيبال أن يقوم بمساعدة مينوسيوس من حيث السعي لجعل فابيوس غير محبوبٍ من الشعب، وفي بحثه للتوصُّل إلى طريقة تُسهِّل له القيامَ بذلك استخبر من بعضِ الجنود الذين فرُّوا من معسكر فابيوس أن لهذا المسيطر حقلًا عظيم القيمة في تلك الناحية، فأرسل طائفة من الجند إلى ذلك الحقل وأمرَها بتخريب كل الأملاك المحيطة به وتعطيلها وقطع أشجارها، وبعدم مسِّ حقلِ فابيوس بأقل ضرَر.
وكان قصد هنيبال من هذا أن يحمل الشعب في رومية على الاعتقاد بوجود تفاهُم سرِّيٍّ بين فابيوس وهنيبال، وأن فابيوس قد تأخَّر عن منازلة أعداء البلاد والذَّود عنها بمحاربتهم في الحال باتفاق معلوم تمَّ بينه وبين القرطجنيين، فكان بذلك خائنًا لبلاده، فنجح هذا التدبير أيما نجاح؛ لأن النفور من فابيوس وانتقاد تهامُله، والصراحة في تقريعه ملأت البلادَ من أقصاها إلى أقصاها وتخلَّلت المعسكر بالذات، ففي رومية ضج الناس طالبين إرجاع فابيوس بلا إبطاء متظاهرين برغبتهم في وجوده بينهم للقيام بالاشتراك معهم في حفَلات دينية عظيمة، وهم في الحقيقة يبغون إبعادَه عن المعسكر، وإيجاد فرصة لمينوسيوس يهاجم فيها هنيبال.
وفكروا أيضًا في تدبير طريقةٍ تساعدُهم على تجريده من سلطته وما منَحوه من القوة، فهم قد عينوه مسيطرًا مطلقًا لمدة ستة أشهر ولم تكن تلك المدة قد انتهت فأرادوا تقصيرَها، فإذا عجزوا عن ذلك يحددون سلطته ويقلِّلون من نفوذه، فذهب فابيوس إلى رومية تاركًا قيادة الجيش لمينوسيوس، ولكنه أوصاه بألا ينازل هنيبال مطلقًا، ولا يعرض الجيش الروماني لأيِّ خطر، بل يسير على نفس الخطة التي سار هو نفسه عليها.
ولكنه لم يمض على وجوده في رومية إلا القليل من الوقت، حتى سمع أن مينوسيوس قد حارب هنيبال وانتصر، ووصلت إلى رومية أنباء ورسائل مملوءة بالفيش والمباهاة، وكتب رسمية إلى مجلس الشيوخ الروماني حافلة بامتداح مينوسيوس، وما أقدم عليه وما أبداه من الحزم والدربة، أما فابيوس فإنه شرع في فحص وقائع المعركة وتفاصيلِها وقابلَ الشيء بآخر فوجد ما ظهر بعدئذ أنه الحق الذي لا ريب فيه من أن مينوسيوس لم يُحرز نصرًا.
واتضح له من ذلك أن مينوسيوس قد خسِر نحو خمسة أو ستة آلاف رجل، وأن هنيبال لم يخسر أكثر من ذلك، وأظهر فابيوس للمجلس أن البلاد لم تحرز ميزة ولا ربِحت شيئًا، وألح فابيوس على المجلس بوجوب اتباع الخطة التي رسمها هو من بَدء تعيينه، وأبان له الخطر الكبير الذي ينجُم عن المجازفة والمفاداة بكل شيء في معركة واحدة كما قد فعل مينوسيوس، ذلك فضلًا عن أن مينوسيوس قد عصى أوامرَه التي كانت واضحة، ولا تأويل فيها وأنه مستحق للعزل والرجوع إلى رومية.
فأغضب كلام فابيوس أعداءَه وسلَّ سخائمهم، وأثار نيرانَ غضبِهم عليه، فقالوا: «دونكم رجلًا لا يقاتل الأعداء الذين أرسل ليبطش بهم ولا يدع غيره يقاتلهم؛ حتى إنه في هذا الحين وهو بعيد عن الجيش، وعندما انتصر وكيله في القيادة على الأعداء ما برح ينكر حقيقة ذلك الانتصار، ويحاول الغض من مقدرة مينوسيوس وإنكار كل ميزة حصَلتْ من ذلك النصر الذي أحرَزَه، فهو يريد إلقاء العثَرات في سبيل الحرب؛ وذلك لكي يتمتع بالقيادة العليا والسيطرة على البلاد التي منحناه إياها إلى وقت طويل.»
وبلغ النفور من فابيوس حدًّا حمل الناس على عقد اجتماعٍ طلبوا فيه بإجماع الرأي جعل مينوسيوس مُساويًا له في القيادة. على أن فابيوس لم يتريث في رومية لحضور البحث في هذا الأمر بل غادرها حالَما انتهى الأمر الذي حضر لأجله، وسار يريد المعسكر فلحِقَه رسول وهو على الطريق يحمل إليه كتابًا يتضمن قرارَ الشعب الذي يقضي عليه باعتبار مينوسيوس زميلًا له ومساويًا له في كل أمر، وسُرَّ مينوسيوس مما قرَّ عليه رأي الأمة دون رَيب، وقال عند سماعه ذلك: «الآن سنرى ما الذي نستطيع القيام به.»
والمشكل الأول الذي بدا له في شأن ذلك القرار هو مسألة اقتسام السلطة، وكيفية تحديدها لكل منهما، فقال مينوسيوس لفابيوس: «إننا لا نستطيع كلانا تولي القيادة، بل يمكننا تبادلها بالتعاقب فيتولاها كل منا يومًا أو أسبوعًا أو شهرًا، أو المدة التي تفضلها أنت.» فأجاب فابيوس وقال: «لا، لا، إننا لا نقتسم الوقت بل نقتسم الرجال، فالجيشُ مؤلف من أربع كتائب تأخذ أنت اثنتين منها، وأنا أتولى قيادة الكتيبتين الباقيتين، فلعلي بذلك أتوفَّق إلى إنقاذ نصف الجيش من الأخطار التي أخشى أن تندفع أنت والجيش الذي بقيادتك في غمَراتها.»
فاتفق الاثنان على هذا، وقُسم الجيش نصفين، وراح كل قسم بقائده إلى معسكر منفرد، وكانت النتيجة من أعجب وأغرب الحوادث الحربية وأندرها وقوعًا في تواريخِ الشعوب؛ فقد شعر هنيبال الذي كان وقفَ على كل ما جرى بأن مينوسيوس قد أصبح تحتَ رحمته؛ إذ عرف أن هذا القائد تائق إلى خوض معركة وأنه من السهل على هنيبال أن يجرَّه إليها تحت الظروف الملائمة له، والتي يجعلها غير ملائمة لمينوسيوس، وهكذا أخذ يتحيَّن الفرص حتى سنحت ووجد مكانًا يصلح لكمينٍ على مقربة من معسكر مينوسيوس، فأقام في ذلك المكان خمسة آلاف رجل تسترهم هنالك الصخور والأشجار عن الأنظار.
وقامت بين هذا المكان وبين معسكر مينوسيوس رابية عظيمة، فلما أعدَّ هنيبال الكمين أرسل نفرًا من جنده ليستولي على أعالي الرابية متوقعًا من مينوسيوس إرسال قوة أعظم منها لتطاردها، فصحَّ ما توقعه هنيبال من هذا القبيل، وعندها أرسل هنيبال مددًا لرجاله فقابله مينوسيوس بمثل ذلك وأرسل مددًا لجنوده مدفوعًا إلى ذلك بالغيظ والكبرياء، وبهذه الطريقة استدرج هنيبال عدوَّه إلى إرسال كل جيشه، وعندها أصدر أمره إلى رجاله بالانسحاب من أمام جيش مينوسيوس، فلحقهم جيش مينوسيوس حتى نزل الرابية من الجانب الثاني؛ بحيث أصبح أمام الكمين ومحاطًا به من كل ناحية، فهبَّ الخمسة آلاف رجل الكامنون دفعةً واحدة وأعملوا السيف في رقاب الرومانيين الذين اختلَّ نظامهم ووقعوا في ارتباك عظيم، فطلبوا النجاة من كل ناحية فارين من أمام أعدائهم الذين سَدُّوا عليهم مسالك الخلاص، ولولا تدخُّل فابيوس وإغاثته إياهم لما بقي منهم أحد، فقد اتصلت به أخبارُ المعركة وهو في معسكره، فجرَّد الرجال وسار بجُموعه ووصلَ ساحة القتال في وقته، وتصرف تصرف القائد المدرَّب فبدَّل الحالة بالكلية، ونجا مينوسيوس ونصف جيشه من الهلاك المحتم.
وتراجع القرطجنيون بدورهم واستاء هنيبال كثيرًا وتولته الحفيظة والغيظ؛ لأنهم حرموه فريسته، ويقول التاريخ: إن مينوسيوس قد تصرف بعقل ورزانة بعد هذا؛ إذ اعترف بأخطائه وانصاع منذ تلك الوقعة لإرشاد فابيوس وعمل بآرائه. ولما وصل إلى حيث كان معسكرًا جمع قسمه من الجيش وقال لهم: «أيها الجنود، لقد كنت أسمع على الدوام أنَّ أوفر الناس حكمة هم أولئك الذين أحرزوا الحكمة والفِطنة بذاتهم، ويتلوهم في ذلك أولئك الذين يدركون ذلك فيهم، ويميلون إلى الاسترشاد بحكمة الآخرين وفراستهم، أما الذين لا يعرفون كيف يسترشدون ولا يميلون إلى العمل بما يشير عليهم أهل الفِطنة، فأولئك هم الحمقى ونحن لسنا من هذه الطبقة الأخيرة، وما دُمنا لم نبرهن عن أنفسنا أننا من المرتبة الأولى التي ذَكرتها فلنكن من الثانية، والآن فلنسر إلى معسكر فابيوس ونضم معسكرنا إلى معسكره، كما كنا قبلًا فنحن مدينون له ولجيشه بالمنة الأبدية؛ لما أبداه من نبالة الروح بإسراعه لنجدتنا وإنقاذنا من الهلاك المحتم، في حين أنه كان قادرًا على غض الطرف عنا وتركنا لقمة سائغة للعدو.»
فسارت الكتيبتان إلى معسكر فابيوس، وهناك تمَّ الاتفاق بين قسمي الجيش الروماني وتوحَّدَا، فأحرز فابيوس منتهى الكرامة والإجلال العُمومي، على أن مدة سيطرته انتهتْ بعد ذلك بقليل، وكان الخوف من هنيبال قد تلاشى إلا قليلًا، فلم يعُدْ ثَمَّ من حاجة إلى تجديد السيطرة المطلقة، فعاد الشعب إلى انتخاب القناصل كالأول.
وقد أحرزت سجايا فابيوس أعظمَ إعجاب وتقدير من الجنس البشري بأسره، فهو قد برهن في كل ما أقدم عليه عن روح نبيلة وشرف صميم، وكان آخر أعماله من أعظم الأدلة على ذلك، وهو أنه كان قد اتفق مع هنيبال على أن يدفع إليه مبلغًا معلومًا من المال كفديةٍ لعدد من الأسرى الذين وقعوا في أسر هنيبال، فأطلقهم هنيبال بناء على وعد فابيوس بأداء المال، وكان فابيوس على يقين من أن الرومانيين يُوافقون على المعاهدة ويدفعون المال في الحال، إلا أنهم استنكروا ذلك وتردَّدوا في العمل بما تعهد به فابيوس، أو أنهم تظاهروا بعدم رضاهم عن ذلك؛ لأن فابيوس لم يشاورهم في الأمر قبل عقد المعاهدة.
فلما رأى فابيوس منهم ذلك باع حقلَه؛ لكي يتوفر له المال اللازم فيصون شرفه وشرف بلاده من وصمة كسر العهود، وهو بعمله هذا الدال على روح العدل والأنفة التي عُرفت عنه قد صان شرفَه وبر بوعده، على أننا نشك فيما إذا كان ذلك العمل قد صانَ شرف الشعب الروماني.